المحتوى الرئيسى

لقد هرمنا – إعادة شباب الاستبداد

02/15 09:47

ليست مشكلة المجلس العسكرى، ومَن دار فى فلكه من السلطة ومن «المعارضة»، كبر السن. كبر السن ليس مشكلة على الإطلاق حين يكون الإنسان مواكبا لما يحدث ويطرأ ويتطور فى العالم ومتفهما له. مشكلتهم أنهم كبروا فى مواقعهم المنفصلة عما يحدث حولهم، فلم يعودوا على دراية بما استجد فى الأمة التى يحكمونها ويديرون شؤونها. يتحدثون إليها بخطاب انتهت صلاحيته من عقود، وبلغة تشبه لغة عادل إمام ورفاقه حين انتلقوا من عصر المماليك إلى العصر الحالى مباشرة. هذا يحبط المجتمع المستمع ويفقده الأمل فى أى أمل للتغيير، لكنه أيضا يحبط المتحكم المتحدث ويقنعه بأنه أدى واجبه وأن العيب فى المستمع، لا سيما أن قطاعات لا بأس بها من «الأحزاب القديمة» المشار إليها بلفظ المعارضة، ومن «المشاركين فى الثورة»، ومن الشعب، لم تعرف غير تلك اللغة طوال ستين سنة، ولم تتطور إلا سلحفائيا.

المشكلة إذن هى انفصال المجلس العسكرى الحاكم عن الشباب الذى تربى منفتحا على أخبار العالم بصورة أكبر. تلك المشكلة فى إدارته الملف الداخلى، وقد تحدثنا عنها كثيرا. لكن لها انعكاسا فى الملف الخارجى -أنه منفصل أيضا عن جيل القادة الحاليين فى العالم من حوله. أوباما وُلد عام ١٩٦١، ديفيد كاميرون وُلد عام ١٩٦٦، والعجوز ساركوزى وُلد عام ١٩٥٥، وأنجيلا ميركل قبله بسنة واحدة. تخيلى الفارق فى التفكير بين هؤلاء الذين وُلدوا بعد الحرب العالمية الثانية، ورأوا فى شبابهم انهيار سور برلين وانهيار الأيديولوجيات الجامدة، وبين من ورِثوا سلطة بدأت فى عصر ما بعد الاستعمار مباشرة، ووُلدوا فى ظل الاستعمار، وشبُّوا على تحدى القوى الاستعمارية السابقة وعلى «كشف المؤامرات والدسائس»، وعلى اكتشاف المراسلات المتبادلة بالحبر السرى كانتصار مخابراتى يستحق نيشان التفوق. تخيلى الفارق بين رجل دخل السلطة وفى ذهنه أمريكا الفصل العنصرى، وبريطانيا العدوان الثلاثى، وبين قائد أسود، اسم أبيه حسين، وُلد مع طفولة حركة الحقوق المدنية ثم كبر ليصير رئيسا للولايات المتحدة. تخيلى الفرق فى الطموح والإيمان بالتغيير والتطلع إلى المستقبل لدى الاثنين.

القيم فى العالم تتغير. لا شك فى هذا. جورج بوش، الذى غزا العراق، سُئل عن أسوأ هجوم تعرض له فى السلطة، فذكر اتهامه بأنه لم يهتم بإعصار «نيو أورلينز» لأن سكانها من السود. هذا رجل من الجنوب الأمريكى الذى حارب دفاعا عن استعباد السود، والذى ظل يجبرهم على القيام عن كرسيهم فى الأوتوبيس لإعطائها للبِيض حتى بعد مولده، ورغم ذلك لا يتحمل الآن مجرد اتهام بأنه قصّر بسبب دافع عنصرى. لا أعنى بهذا أننا صرنا نعيش فى عالم مثالى، أبدا، ولن نفعل، إنما نعيش فى عالم مختلف، وعلى من يتعامل معه أن يدرك خريطة القيم الجديدة. قارنى هنا بين ما قاله وبين سلطة لديها خط همايونى فى سقف الرتبة العسكرية لأبناء الوطن بسبب اختلاف ديانتهم، لا تزال تصر عليه، ولا تسعى إلى التعامل معه ولا تطويره ولا تحديثه. وكأن مسيحيا مصريا سوف يفرِّط فى بلده إن كان فى موقع مسؤولية، وهو الذى لم يفرط فيها لآلاف السنين.

إن سلطة كتلك مسؤولة بلا شك عن إنتاج مجتمع متربص بنفسه، منقلب على إنجازاته الإنسانية، وراغب فى العودة إلى العصور الوسطى. ليس هذا يا أبناء وطنى فرق سرعات، لا، بل فرق اتجاهات. الحقيقة أنهم أسرع منا كثيرا، ولكن فى الاتجاه المعاكس، لقد نجحوا فى ستين سنة فى إعادة مصر إلى الوراء لأكثر من ستمئة عام. وقد آن الأوان لكى ينزلوا عن عجلة القيادة، لا ينبغى المساومة على هذا.

تضحكنى فى هذا السياق خدعة أخرى تسعى السلطة الاستبدادية لفعلها. تأتى لك بشخص شاب، وُلد وترعرع فى كنفها، ثم تقدمه على أنه تجديد لشباب الأمة. انتبهى: ما هذا إلا تجديد لشباب الاستبداد. انظرى إلى بشار وإلى الملك عبد الله، إن شبابهما حين توليا السلطة ليس أكثر من إكسير حياة لسلطة شائخة.

■ ■ ■

اعتذار: فى مقال أمس وردت معلومة مقتل ٤٨ من مشجعى الزمالك فى تزاحم عام ١٩٥٤. الصحيح أن الحادثة وقعت عام ١٩٧٤. أما ما سوى ذلك من الإجراءات التى اتخذها مجلس قيادة الثورة عام ١٩٥٤ فهى صحيحة. تقبلوا اعتذارى.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل