المحتوى الرئيسى

8 شباط 1963 البعثي الفاشي خطوة البداية لتنفيذ المشروع الصهيوني القاضي بتدمير وتفتيت العراق بقلم:صباح الموسوي

02/11 02:37

8 شباط 1963 البعثي الفاشي خطوة البداية لتنفيذ المشروع الصهيوني القاضي بتدمير وتفتيت العراق



صباح الموسوي



تمر اليوم ذكرى مشؤومة في تأريخ العراق الحديث هي مرور 49 عاماُ على الإطاحة بحكومة ثورة 14 تموز الوطنية التحررية , متمثلة بأنقلاب 8شباط البعثي الفاشي الاسود على يد التحالف الاقطاعي الرجعي ورأس حربته حزب البعث الفاشي بأشراف وتخطيط من قبل المخابرات الامريكية والصهيونية العالمية .



ان احتلال العراق في 9نيسان 2003 قد اختتم 40 عاماُ من العمل المنظم على الاصعدة الايدلوجية والسياسية والحربية, تمظهرت في انقلابات وحروب وشعارات ديماغوجية, استهدفت في جوهرها تدمير الروح الثورية للشعب العراقي, وتجويعه في حصار طويل, عمل منظم بقيادة الصهيونية العالمية التي امتطت القوى الاقطاعية والدينية والاثنية الرجعية في انقلاب 8 شباط 1963 وجعلت من حزب البعث الفاشي رأس حربتها, للمزايدة على المد الشيوعي بشعارات ثورجية مزيفة. وصولاً الى المرحلة الحاسمة من المشروع الصهيوني متمثلة بتقسيم العراق بل وتفتتيه, المرحلة التي بدأت باسقاط النظام البعثي الفاشي كقوى عميلة اكسباير والاتيان بالقوى الطبقية الرجعية ذاتها التي قامت بأنقلاب 8 شباط 1963برأس حربة فاشية جديدة هي الاحزاب الاسلامية, حيث انتفت الحاجة لرأس الحربة البعثية القومجية الفاشية, مرحلة تطلبت الاحتلال الامبريالي المباشر للعراق في 9 نيسان 2003,هدفها النهائي تفتيت العراق عبر تحويله الى امارات اقطاعية طائفية اثنية متصارعة ومتحاربة فيما بينها, الصراع الذي سيفضي حسب المخطط الصهيوني الى ضم المنطقة الغربية من العراق الى ما يسمى بالمملكة الهاشمية المتحدة, القادرة على استيعاب أخر موجة من الترانسفير الصهيوني لتطهير هذا الكيان الفاشي العنصري من فلسطيني 48 ومن ثم اعلان هذا الكيان "دولة يهودية "هي الاقوى في المنطقة بين الامارات الطائفية الاثنية الضعيفة المتهالكة المتصارعة, الناتجة عن تقسيم العراق وسوريا ولبنان وبقية البلدان العربية.



اذا كان المشهد السياسي العراقي الراهن المتمثل بالحكومة المحاصصاتية الطائفية الاثنية المأزومة, يسير بخطى سريعة نحو الانتقال من المحاصصة الى التقاسم عبر تفتيت العراق الى فيدراليات وفق الرؤية الصهيونية ..((أنه كيان شاذ مبني على أساس خطأ تأريخي صنعه الإنكليز ويتوجب تقسيمه))...هذا ما توصلت اليه المنظمة الصهيونية العالمية حول العراق عام 1982في تقريرها المنشور في مجلة (كيفونيم) والذي كشفت فيه عن خطة لتقسيم العراق وسوريا , فأن فلول البعث الفاشي قد عادت الى المشهد السياسي عبر اعمال القتل والاغتيال والتفجير التي استهدفت المواطنيين العزل, اعمال اجرامية تقوم بها بقايا الاجهزة البعثية الفاشية الارهابية المحمية من قبل المخابرات الامريكية عبر الشركات الامنية, وما الخطاب الشوفيني العنصري لهذه الفلول ضد ايران, الدولة المساندة لحق الشعب الفلسطيني في تحرير وطنه والداعمة للمقاومة اللبنانية,عبر تصويرها بعدو العرب رقم 1, الا صدى للخطاب الصهيوني, مما يدلل على ان المخابرات الامبريالية الصهيونية قد عادت لتستخدم فلول البعث في مهمات قذرة قديمة - جديدة ولو على شكل مقاولات فرعية مقطوعة الأجر.



تواجه الاجيال العراقية الجديدة, وتحديداً اجيال الثمانينيات والتسعينيات والجيل الراهن, تواجه حملة تجهيل منظمة على كل المستويات, بدءاً من تحطيم المؤسسات التعليمية العراقية ودفع الاطفال بمئات الالاف خارج المدارس الى سوق العمل, مروراً بسوق الشباب في حروب النيابة عن الامبريالية, الحروب التي عطلت تطور المجتمع وحولت الملايين الى معوقين وارامل وايتام ناهيكم عن ملايين الشهداء, تدميرالبنية التحتية تدميراً بربرياً وضعت المواطن العراقي في اسوء حالة معاشية متخلفة, يجبر فيها على اللهاث وراء توفير لقمة العيش والكهرباء والماء والدواء.. الخ, تصفية الصناعة الوطنية وتدمير الزراعة تدميراً شاملاً, حتى وصل الحال بهذه الاجيال الى القطيعة مع القراءة بعد ان كان العراقي مضرب المثل عربياً بشغفه بالثقافة . ان هذه الوضع المأساوي يضع على عاتق القوى الثورية مهمات متعددة الاوجه ومعقدة, من بينها الحفاظ على تواصل الذاكرة المعرفية والتأريخية بين الاجيال المتعاقبة, لذلك نرى أهمية التوجه بالخطاب السياسي والمعرفي الى الطلبة بشكل خاص , فهم الفئة الاوسع احتكاكاً بكل شرائح المجتمع, ومن خلالهم يمكن إقامة شبكة اجتماعية معرفية تربط العامل والفلاح والكادح والموظف بحركة تنويرية يقودها الشباب عامة والطلبة خاصة.



وعليه فأن الكتابة عن المناسبات الوطنية المشرقة في تاريخ شعبنا العراقي تتطلب اضافة الى الاحتفاء بها والتعلم من دروسها وشحذ الهمم للاقتداء بابطالها, كشف التواريخ السوداء ممثلة بالمؤامرات والانقلابات والحروب والمجازر الفاشية ممثلة بحزب البعث الفاشي والقوى الطبقية الاقطاعية والدينية القادمة الى السلطة على ظهر الدبابات الامريكية في انقلابي 8 شباط 1963 و17 تموز 1968 واحتلال العراق في 9 نيسان 2003, على ان يقترن كل ذلك بالتوثيق التأريخي والرؤية المعرفية التي تربط بين النظرية الثورية ومسيرة الحركة الثورية في الماضي والحاضر واستشراف المستقبل في سلسلة جدلية متصلة الحلقات الواحدة بالاخرى.



لقد قدمنا في هذا المسعى دراسات مختصرة ومركزة نشرت في كتاب تحت عنوان يمكن الاطلاع عليه على الرابط ادناه

http://almubaderealiraqia.com/Sabah%20Ziearah%20Almosawi%20Book2.htm

ونعمل على اصدار دراسة جديدة تصب في ذات المسعى تحت عنوان

اليسار العراقي توأم الدولة العراقية الحديثة ( 1921-2011)



نتمنى على القراء الشباب استكمال قراءة المادة اعلاه بالاطلاع على المادتين ادناه توثيقاً لما ذهبنا اليه من أراء واستنتاجات





انقلاب 8 شباط 1963 الأسود : هل كان بالإمكان تطوير ثورة 14 تموز 1958 من ثورة وطنية إلى ثورة وطنية ديمقراطية؟



8/2/ 2005

توجت ثورة 14 تموز 1958 المجيدة كفاح الشعب العراقي المديد من أجل التحرر من الاستعمار البريطاني وتحقيق الاستقلال الوطني. وحين انتصرت الثورة، أجبرت على الدخول في صراع مع الإمبريالية الأمريكية التي أنزلت قواتها في الأردن ولبنان من أجل الإطاحة بحكومة الثورة الفتية. وتسارعت عملية اصطفاف القوى في خضم صراع عنيف تمثل القطب الأول بتحالف الحزب الشيوعي العراقي مع الزعيم عبد الكريم قاسم، وهو تحالف غير مرتب له ولم يعلن رسمياً، بل نشأ في مجرى الصراع مع قوى الردة السوداء التي تكالبت على الثورة، قوى قومية رجعية عربية وكردية مدعومة على الصعيد العربي من دولة الوحدة المصرية السورية، وعلى الصعيد العالمي من الإمبريالية الأمريكية والصين في خضم صراعهما مع الاتحاد السوفييتي.

مسيرة الأول من أيار 1959 المليونية

في الأول من أيار 1959 خرجت مظاهرة جماهيرية ضخمة، عرفت بمسيرة المليون من شعب تعداده السكاني آنذاك ثمانية ملايين، مما أرعب القوى الإمبريالية العالمية والقوى الرجعية في المنطقة والعراق، خصوصاً حين رفعت المسيرة شعار)عاش الزعيم عبد الكريم، حزب شيوعي بالحكم، مطلب عظيم). إن الشعار هذا لم يكن مفاجئاً للقوى الرجعية فحسب، بل فاجأ قيادة الحزب الشيوعي المشرفة على المسيرة أيضاً، مما استدعى الاتصال السريع بالشهيد سلام عادل قائد الحزب، الذي كان يشرف على هذا النشاط من موقع قريب هو مقر الاتحاد العام لنقابات العمال القريب من الباب الشرقي. علماً أن المسيرة كانت قد انطلقت من الباب الشرقي، فلم يرفع هذا الشعار حتى اقترابها من سينما روكسي في شارع الرشيد، حيث بدأت الجماهير بإطلاق هذا الشعار وترديده، وبعد تفكير قليل أعطى الشهيد سلام عادل موافقته على الاستمرار في رفع الشعار.

إن قرار سلام عادل التاريخي هذا سيغير مجرى تطور الأحداث بما فيها على صعيد استمرار قيادته للحزب، حيث سيتم إبعاده إلى موسكو هو ورفيقه الشهيد جمال الحيدري، وسيحل قرار سلام عادل بالموافقة على الاستمرار في رفع الشعار في المسيرة المليونية (عاش الزعيم عبد الكريم، حزب شيوعي بالحكم، مطلب عظيمي) بداية الانعطافة التاريخية في استراتيجية سلام عادل من أجل تطوير ثورة 14 تموز الوطنية، إلى ثورة وطنية ديمقراطية اعتماداً على كفاح الجماهير الشعبية. وقد كتبت الرفيقة ثمينة ناجي يوسف، زوجة ورفيقة الشهيد سلام عادل بهذا الشأن: «إن أوسع اشتراك للجماهير وخاصة العمال والفلاحين وهم الغالبية الساحقة، كان عاملاً رئيسياً في إفشال خطط الاستعمار وعملائه في إجهاض الثورة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن القوى المعادية للثورة تمتلك ركائز هامة جداً داخل أجهزة السلطة وبالأخص في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية والإدارية وانحياز عناصر من القوى اليمينية لأسباب مختلفة وفي ظروف متفاوتة وفي جميع المؤامرات الأربع الرئيسية إلى جانب قوى الردة، ومنهم من شغل مناصب مرموقة في السلطة كعبد السلام عارف ورفعت الحاج سري وناظم الطبقجلي وعشرات غيرهم». كتاب سلام عادل، سيرة مناضل، الجزء الثاني ص15.

لقد برهن انقلاب 8 شباط الأسود وقبله مؤامرة الشواف مدى أهمية أفكار الشهيد سلام عادل على أهمية مشاركة الحزب في الحكم كعامل ضروري في صيانة الاستقلال الوطني في أهمية استلام الحكم لقطع الطريق على مؤامرة القوى الرجعية ومن أجل إنقاذ الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم نفسه من التصفية، بعد أن اتخذ قرار إسقاط الحكومة الوطنية في الدوائر الاستخباراتية الأمريكية. ولعل المحادثة التلفونية الأخيرة، التي جرت أثناء مقاومة انقلاب 8 شباط الأسود بين الشهيدين الزعيم عبد الكريم قاسم وسلام عادل، تعطي معنى مؤثراً للإمكانية الواقعية في إفشال مخططات الإمبريالية والرجعية في الإطاحة بالنظام الوطني في حالة تسليح الجماهير والاعتماد عليها في التصدي للمؤامرة وفق برنامج وطني ديمقراطي. «واستمر سلام عادل بالاتصال تلفونياً بوزارة الدفاع بين فترة وأخرى، مستفسراً عن وضع الموجودين فيها، مقدماً اقتراحاته لهم. وقد ردّ عبد الكريم قاسم على أحد الاتصالات التلفونية التي أجراها سلام عادل مع وزارة الدفاع، وقال له بأننا أخطأنا مع الشيوعيين، وقدّم له الاعتذار قائلاً له إنه سيضعهم في المكان المناسب، واعداً بمعالجة الأخطاء التي ارتكبت بحق الحزب. لكن سلام عادل قطع حديثه بلباقة موضحاً له بأن الوضع حرج ويحتاج العمل السريع وعدم مناقشة الماضي، وطلب منه إذاعة بيان موجه إلى القوات المسلحة بصوته من الإذاعة السرية التي كان الحزب يعتقد بوجودها في وزارة الدفاع، يدعو فيها الجماهير إلى مقاومة الانقلاب وتسليم السلاح للجماهير». المصدر نفسه، ص339.

إن تراجع قيادة الحزب الشيوعي عن استراتيجية سلام عادل في تطوير الثورة ومن ثم اتخاذها قرار إبعاده مع رفيقه جمال الحيدري، مهد الطريق لانتصار قوى الردة، وهذا ما عبر عنه الشهيد سلام عادل في حوار مع الشهيد جمال الحيدري في خضم قيادتهما المقاومة الشعبية للانقلاب الفاشي. «قال جمال الحيدري إن الانقلاب كما يبدو قد بدأ منذ الصباح. فعلق سلام عادل قائلاً: كلا. لقد بدأ الانقلاب في منتصف تموز 1959، وسهلت الكتلة مروره». المصدر نفسه السابق، ص337.

ومن مفارقات القدر هي بقاء جميع أعضاء الكتلة هذه أحياء، رغم التصفية الدموية لسلام عادل ورفاقه والمئات من المناضلين، لتهيمن هذه الكتلة على قيادة الحزب، فتقود الحزب من انتكاسة إلى أخرى، بدأ بمصافحتها أيادي قتلة سلام عادل وإقامة التحالف معهم، مروراً بالسياسات الانتهازية المتواصلة حتى حولت الحزب من حزب جماهيري تخرج مسيرة مليونية في عراق تعداد سكانه ثمانية ملايين إلى حزب ضعيف معزول غير قادر على خوض منافسة حقيقية في أول انتخابات ديمقراطية في عراق 25 مليون مواطن. فالنتائج الأولية للانتخابات تشير إلى عدم تخطي الحزب الحد الأدنى من الأصوات لدخول الجمعية الوطنية.

لقد سقط نظام 8 شباط الأسود، بعد أن دمر العراق، وأسقطه في قبضة المحتل الأمريكي، الذي طالما حلم وعمل من أجل هذا الهدف. إن نظام البعث الفاشي، بعد أن قتل الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم، بحجة رفضه إقامة الوحدة الفورية مع مصر، فإن هذا الحزب وزعيمه العميل صدام حسين، أوصل العراق إلى الاحتلال وخطر التقسيم بعد 40 عاماً من الحكم الدموي.









اغتيال تظاهرة 1 أيار 1959 المليونية على يد الكتلة الانتهازية والقوى القومية الرجعية - عربية وكردية - والإقطاعية العميلة: أدخل العراق في أربعة عقود من الظلام



1/5/ 2005

يقترن عيد العمال العالمي في الأول من أيار بشكل لا فكاك منه بالتظاهرة المليونية في عراق ثورة 14 تموز 1958 في أول عيد للعمال، بعد إسقاط العهد الملكي واستقلال العراق من الاستعمار البريطاني، خصوصاً وأن العام الأول من الثورة شهد انتصارات كبرى معروفة للجميع. يمكن القول بحق إن المظاهرة العمالية في الأول من أيار 1959 قد هزت العالم، ولا زال العراق يعاني من هذا الاهتزاز، ممثلاً بالاحتلال الاستعماري الجديد على يد ذات القوى الإمبريالية التي ارتعبت من المظاهرة المليونية، وبالتعاون مع ذات القوى الإقطاعية والقومية والرجعية التي حاربت ثورة 14 تموز المجيدة.

إذاً، فإنه لا يمكن على الإطلاق الفصل بين الأول من أيار ودور حزب الطبقة العاملة العراقية من جهة، ومصير العراق ككل من جهة أخرى. ولعل الاستعراض التاريخي المتواضع المقدم في هذه المساهمة لمناسبة عيد العمال العالمي 2005، يوصل إلى البرهنة على هذا الاستنتاج.

إن انتكاسة القيادة الثورية للحركة العمالية الثورية عبر إبعاد قائدها الشهيد سلام عادل ورفيقه جمال الحيدري إلى المنفى السوفييتي، ومن ثم هيمنة الكتلة الانتهازية على قيادة حزب الطبقة العاملة، كان في أساس توفير الفرصة لقوى الردة مدعومة من الإمبريالية الأمريكية، في قطع الطريق على تطور الثورة العراقية على يد الحزب الشيوعي العراقي من أجل إقامة نظام العدالة الاجتماعية.

وها نحن نشهد اليوم التحالف الأسود الاحتلالي – الطائفي – العنصري – الرجعي، يقطف ثمار تدمير العراق واحتلاله. وفي المقابل تعيش الطبقات الكادحة في أردأ حالات البؤس الإنساني، ومن جهتها، أي بقايا وتلاميذ الكتلة الانتهازية، رمت بنفسها في أحضان المشروع الإمبريالي تحت "بدعة التحرير" كعادتها بعيد العمال الخاص بها عيد "الصالونات" في مصير تراجيدي، بعد أن أدت سياستها الانتهازية المتواصلة، إلى تحويل حزب المسيرة المليونية إلى عصبة المقعدين اليتيمين.

إن العودة إلى الماضي يستهدف في الدرجة الأولى الأساسية التواصل على صعيد الذاكرة الحزبية من بين أجيال الشيوعيين المتعاقبة، والذاكرة الوطنية العراقية، والكشف عن رموز وقوى الحاضر على صعيد الصراع الطبقي والوطني وامتداداتها الوطنية، أي أصولها الطبقية، ودورها في القضاء على الحلم العمالي، بإسقاطها حلم ثورة 14 تموز المجيدة في إقامة دولة القانون والعدالة الاجتماعية.

كتبت الرفيقة ثمينة ناجي يوسف رفيقة وزوجة الشهيد سلام عادل، تصف التظاهرة المليونية، من موقع المساهم فيها، حيث كانت في الصفوف الأمامية للتظاهرة، كتبت: «لقد كتب الكثير عن تلك المظاهرة وملابساتها ومضاعفاتها، ونود الإشارة إلى أهم أحداثها ما لم يذكر في الكتب أو المذكرات التي نشرت إلى الآن حسب المعلومات المتوفرة. لأول مرة يرفع شعار مشاركة الحزب في الحكم في مظاهرات صاخبة أخذت تردد من الصباح إلى المساء شعار: عاش الزعيم عبد الكريم، حزب شيوعي بالحكم، مطلب عظيم.. لم تدرج قيادة الحزب، قبل المظاهرة شعار إشراك الحزب بالحكم ضمن الشعارات الأساسية للمظاهرة. وقد كان ظهوره بتلك الحدة والإلحاح مفاجأة للمسؤولين عن قيادتها أعضاء المكتب السياسي. إن عدم إدراج الشعار بين الشعارات الرئيسية التي حددها المكتب السياسي قبيل المظاهرة مباشرة طالباً من قيادة المظاهرة الالتزام بها كشعارات للحزب، يعني بالضرورة أن المطالبة بتلك الصورة، لم تكن أسلوباً من تكتيكات الحزب آنئذ في عمله لإزالة التناقض القائم بين تركيبة سلطة الثورة وقواها الأساسية» (ثمينة ناجي يوسف، سلام عادل.. سيرة مناضل، ج2، ص14).

إن الطبقة العاملة العراقية والجماهير المؤيدة لها، وبحسها الطبقي، رفعت الشعار، شعار المطالبة بحزب شيوعي في الحكم، متجاوزة بذلك تردد الكتلة الانتهازية في قيادة الحزب الشيوعي في دفع عملية الثورة الوطنية إلى ثورة وطنية ديمقراطية. تصف الرفيقة ثمينة ناجي يوسف مجرى تطور المظاهرة: «عندما انطلقت المظاهرة من الباب الشرقي لم يكن الشعار مرفوعاً، وعند بداية شارع الرشيد قرب سينما روكسي بدأت الجماهير بترديد الشعار. كنت وقتها ضمن موكب منظمة بغداد الذي يلي موكب قيادة الحزب، وفي مقدمتهم أغلب أعضاء المكتب السياسي.. كان سلام عادل في ذلك الوقت في مقر الاتحاد العام لنقابات العمال القريب من باب الشرقي ولكونه بعيداً عن المكان، عندما بدئ بترديد الشعار، فقد جاءت معرفته بذلك متأخرة، ونقل إليه الخبر محمد حسين أبو العيس المكلف من قبل المكتب السياسي بمسؤولية إدارة شؤون المظاهرة وضمان مسيرتها وفقاً لتوجيهات الحزب المقررة وبضمنها الشعارات. كان قد مضى وقت طويل على رفع الشعار، وأصبح أحد الشعارات السائدة عند اقتراب المظاهرة من مقر الاتحاد وعندها صعد أبو العيس لإخبار سلام عادل وأخذ رأيه في مواصلة ترديد الشعار. بعد تفكير قليل سأله عن رأي أعضاء المكتب السياسي وهم في مقدمة المظاهرة وعن رأيه شخصياً، فأكد له موافقتهم على مجريات الأحداث، وبعدها أعطى سلام عادل موافقته على الاستمرار فيه» (المصدر السابق، ص15-16).

يقيّم الرفيق سلام عادل الوضع داخل قيادة الحزب في هذه الفترة بالتالي: «يقول سلام عادل إن أخطاء الحزب عام 1959، التي هي في جوهرها ترتكز على الفهم الخاطئ لطبيعة البرجوازية الوطنية بما في ذلك عدائها للشعب.. لقد عانى الحزب منذ ذلك التاريخ ضغطاً خارجياً هائلاً. فتحت شعار مكافحة "الفوضوية" و"الحزبية الضيقة" و"مكافحة الإجرام" التأمت تدريجياً جبهة واسعة ضد الحزب وضد القوى الديمقراطية الثابتة من مختلف فئات وعناصر الرجعيين والإقطاعيين وأعوان العهد المباد وسائر عملاء الاستعمار وحلف السنتو، ومختلف الزمر القومية اليمينية والسلطة بأجهزتها وإمكانياتها، ومختلف أحزاب البرجوازية، بما في ذلك بعض الفئات البرجوازية التي تحمل عدة شعارات ديمقراطية كالوطني الديمقراطي والبارتي.. لقد استخدمت هذه الجبهة كل ما هو معروف لديها من الأساليب الدنيئة، وكل ما استطاعت القيام به ضد الحزب والحركة الديمقراطية وضد الجماهير الشعبية المخلصة.. أساليب خبيثة وملتوية للتسلل بأفكارها وشعاراًتها وعناصرها إلى داخل الحزب نفسه بغية فلّ وحدته وتفتيته، وعلى أمل القضاء عليه، وبوجه خاص تركزت هذه الجهود على قيادة الحزب نفسها. ونكثاً للأمانة الحزبية عمل بعض الرفاق على إعطاء صورة مشوهة عن الوضع في قيادة الحزب للأحزاب الشقيقة. كما عمل بعض الرفاق في جبهة تكتلية حاولت التنصل من الأخطاء التي ساهمت هي في مسؤوليتها، بينما هولت من تلك الأخطاء وحاولت تركيزها على ما دعته بـ "الجبهة المقابلة" وحاولت بمختلف السبل اللامبدئية فرض التذبذب والاستسلامية وإجراء تغيير في تركيبة قيادة الحزب» (مطالعة عمار - سلام عادل - في 2 سبتمبر 1962).

لقد أصدر الحزب بياناً على أعتاب الردة بتاريخ 25 كانون الثاني 1962، يوضح بجلاء أفكار وتوجهات سلام عادل بعد ما يقارب الستة شهور على عودته إلى الوطن من الإبعاد على يد الكتلة الانتهازية، بيان الحزب الشيوعي العراقي 25 كانون الثاني 1963، المصدر السابق ص184.

إن التظاهرة المليونية هذه عبرت عن مدى قوة ونفوذ الحزب الشيوعي العراقي بقيادة سلام عادل في صفوف الشعب العراقي عامة والطبقة العاملة والفلاحين والشغيلة خاصة. إن التقديرات المتواضعة عن هذه القوة تشير إلى التالي: «وصل توزيع صحيفتهم المركزية "اتحاد الشعب" إلى 23 ألف نسخة يومياً، مع أنه لم تكن هناك في العراق صحيفة تبيع أكثر من ألفي نسخة يومياً قبل ذلك بسنة واحدة.. وتضاعفت خلاياهم كذلك مرات عديدة. واستناداً إلى شيوعي مخضرم ورفيق لفهد، فإن الحزب صار يعد في ذروة الموجة 20 ألف عضو مسجل ومرشح. وهذا ما يتفق مع تقديرات البعثيين على العموم. وتنامت المنظمات المساعدة للحزب أو الجمعيات التي كانت تتحرك في مداره بإيقاع أسرع من ذلك. وكانت "رابطة الدفاع عن حقوق المرأة" تضم في 8 آذار، وباعترافها 25 ألف عضو. واستناداً إلى إحدى قياداتها فقد وصل العدد إلى 40 ألف عضو في منتصف عام 1959. وفي منتصف حزيران ادعى "اتحاد الشباب الديمقراطي العراقي" الذي رخص له في 29 آذار، قوة تصل إلى 84 ألف عضو. وقيل إن "المؤتمر الوطني للجمعيات الفلاحية" الذي عقد في يوم 16 نيسان في بغداد كان يمثل حوالي 2000 جمعية تضم أعضاء مجموعهم 250 ألفاً. وأعلن "الاتحاد العام للنقابات" في 8 تموز أنه يتحدث باسم 51 منظمة نقابية تضم 275 ألف عامل وحرفي من الأنواع كافة. إن الذين عاشوا تلك الفترة ما زالوا يتذكرون بشيء من الرهبة البحر اللامتناهي من الرجال الذين كان باستطاعة الحزب أن يجمعه خلال لحظات» (المصدر السابق استناداً إلى المصادر التالية: حنا بطاطو، الكتاب الثالث ص208، العراق "ثورة تموز في سنيها الأول" ص254، حديث مع سليم عبيد النعمان، شباط 1964، حديث أجري مع هاني الفكيكي، عضو القيادة البعثية عام 1963، حديث مع الدكتورة روز خدوري شباط 1964، تصريح زكي خيري عضو المكتب السياسي في 11 تموز 1959، اتحاد الطلاب العالمي).

إن وصول الحركة الثورية للطبقة العاملة العراقية ممثلة بالحزب الشيوعي العراقي بقيادة الشهيد الخالد سلام عادل، إلى هذه الذروة الجماهيرية، لم يكن أمامها إلا خيارين لا ثالث لهما، أولهما: التقدم إلى أمام واستلام السلطة، ومن ثم الانتقال بالثورة الوطنية العراقية إلى مرحلتها الأعلى الثورة الوطنية الديمقراطية، وثانيهما: التوقف والانكفاء والتراجع، الذي يوصل إلى الانهيار الشامل للحركة، ومن ثم العزلة عن الجماهير، وبالتالي توفير الفرصة للقوة المضادة للثورة لجر الأنفاس والانقضاض على النظام الوطني الجمهورية بقيادة الزعيم الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم، وهذا ما تم بالضبط في انقلاب 8 شباط الأسود 1963.

إن تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي العسكرية ونفوذه في القوات المسلحة، وصلت هي الأخرى إلى الذروة، وحسب المعطيات التي أوردها حنا بطاطو كانت كالتالي:

«رتبة زعيم 3، رتبة عقيد 18، رتبة مقدم 27، رتبة رئيس أول 37، رتبة ملازم أول 52، رتبة ملازم ثان 64» (حنا بطاطو، الكتاب الثالث، ص210).

هذا إضافة إلى قوة المقاومة الشعبية التي وصلت إلى 25 ألف رجل في عام 1959 حسب المصدر السابق. وعشرات الآلاف من الجنود وضباط الصف الذين تنحدر غالبيتهم من أصول عمالية كادحة.

ولا بد هنا من التذكير بأن المظاهرة المليونية خرجت في وقت كان فيه تعداد الشعب العراقي لا يتجاوز الـ 8 مليون نسمة.

إن انتصار الكتلة اليمينية في قيادة الحزب الشيوعي العراقي والتي كان من أولى قراراتها إبعاد الشهيد سلام عادل إلى الاتحاد السوفييتي، مثل نقلة جوهرية في ترجيح الخيار الثاني في سياسة الحزب، خيار التراجع وانكفاء، ومن ثم كبح التحرك الجماهيري وإعاقة تطوره نحو الفعل الثوري المباشر. إن الفترة الممتدة بين أواخر آب 1961 وأواسط حزيران 1962، فترة إبعاد الشهيد سلام عادل، هي الفترة ذاتها التي شهد فيها الوضع السياسي العراقي تدهوراً نوعياً لصالح القوى المضادة للثورة.

لقد واصلت قوى الردة هذه عملها للإطاحة بثورة 14 تموز المجيدة، وبالتالي توجيه ضربة قاصمة للحركة الثورية للطبقة العاملة العراقية، وهذا ما تم في انقلاب 8 شباط الأسود 1963، الذي علق على حدوثه الشهيد سلام عادل بالقول: «قال جمال إن الانقلاب كما يبدو قد بدأ منذ الصباح، فعلق سلام قائلاً: كلا. لقد بدأ الانقلاب في منتصف تموز 1959 وسهلت الكتلة مروره» (ثمينة ناجي يوسف، المصدر السابق، ص337).

إن قائد الحركة الثورية للطبقة العاملة الشهيد سلام عادل، كان قد قيّم الانقلاب قبل أيام معدودة من وقوعه في قبضة الفاشيست واستشهاده مرفوع الرأس تحت التعذيب الهمجي. هذا التعذيب الذي تواصل لاحقاً بحق الشعب العراقي على مدى العقود الأربعة اللاحقة، على يد القوى الرجعية والبعثية الفاشية، ويتواصل اليوم على يد أسيادهم الأمريكان، بعد إسقاطهم للنظام الصدامي الفاشي واحتلال بلادنا في 9 نيسان 2003.

لقد قيّم الشهيد سلام عادل الانقلاب الفاشي في آخر رسالة كتبها: «إن الديكتاتورية السوداء الجديدة لم تأتِ للقضاء على الديكتاتورية كما تزعم، ولم تأتِ من أجل الوحدة والحرية والاشتراكية أو "العدالة الاجتماعية"، بل جاءت لتطعن شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية والعدالة الاجتماعية. إن طبيعة الديكتاتورية السوداء الجديدة لا أن تسترها بغربال من الديماغوجية والتهويش. إنها طبيعة رجعية قومية يمينية شوفينية عنصرية طائفية. وبطبيعتها هذه تخدم بالدرجة الأولى الاستعمار والرجعية والإقطاع، إنها تمثل حركة ردة سوداء للنكوص لبقايا مكتسبات ثورة 14 تموز. إنها تحمل راية مهادنة الاستعمار الأمريكي والإنكليزي وشركاتهما النفطية. إنها تحمل راية تخريب الإصلاح الزراعي. إنها تحمل راية تخريب البقية الباقية من النزر اليسير من حريات الشعب ومنظماته ونقاباته وجمعياته المهنية والثقافية والاجتماعية، أنها تحمل راية تخريب المقاييس الوطنية وتشويه أهداف الحركة الشعبية وحرفها لصالح الاستعمار والإقطاع، أنه تحمل راية معاداة الشيوعية والديمقراطية والوطنية. راية ميثاق بغداد غلاة دعاة الاستعمار والعدوان والحرب، وفرض أبشع أساليب الحكم البوليسية الفاشية على بلادنا، إنها تحمل راية تدمير جيشنا الوطني جيش 14 تموز وتصفية عناصره الوطنية الأشد إخلاصاً للشعب والوطن. إنها سلطة معادية للقوميات والأقليات التي يتألف منه شعبنا، تحمل راية العداء القومي والطائفي وضد الشعب الكردي وضد الأقليات القومية والدينية والطائفية، إنها تحمل راية معاداة العمال والفلاحين، معاداة المثقفين والثقافة والعلم». (المصدر السابق ص 356).

وحمل الشهيد سلام عادل القيادة القومية الكردية المسؤولية أيضاً: «إن القوميين الأكراد حاربوا قاسم بصورة عمياء وطلبوا العون والمساندة من أية جهة لإسقاطه، وغازلوا القوميين العرب اليمينيين وتعاونوا معهم وتصوروا بان انقلاب 8 شباط 1963 كما لو انه انتصار لهم. ان هذه السياسة تنم عن ضيق الأفق القومي وقصر النظر البرجوازي. إنهم يجابهون عدوا أشرس من قاسم. ان مطامح الشعب الكردي تتعارض مع أهداف الانقلاب على خط مستقيم تماماً. ان قادة الانقلاب أذاعوا بعض الأقوال التخديرية ولكن حتى الأطفال باستطاعتهم ان يدركوا ان هذه الأقوال لا هدف لها سوى التخدير وكسب الوقت لتركيز سلطتهم ….ان القوميين الأكراد يتحملون مسؤولية خاصة من بين الحركة الوطنية في تهيئة الظروف المناسبة للانقلاب الرجعي الفاشي. (المصدر السابق، ص353).

كان للقوى الإقطاعية التي تعرضت مصالحها الطبقية الضيقة إلى ضربة كبيرة بإصدار حكومة ثورة 14 تموز 1958 قانون الإصلاح الزراعي، فعملت بكل الوسائل لإسقاط حكومة الثورة، وتوافق ذلك مع العقلية المعادية للديمقراطية لقيادة الجمهورية العربية المتحدة ليتكون حلف غير مقدس،ضم القوى القومية العربية والكردية المتعصبة في العراق، والقوى الإقطاعية والرجعية وبقايا النظام الملكي البائد، بإشراف ودعم مباشرين من قبل الإمبريالية الأمريكية، إذ يسجل إسماعيل عارف التالي: «ويحضرني الآن ما جرى في لقائي بالملحق الجوي الأمريكي بواشنطن في أواخر خريف 1985. فبعد حديث قصير أدخلت في روعه إنني متذمر من الوضع في العراق لكي اكتشف ما لديه من معلومات طازجة عن الأوضاع في المنطقة العربية إذ أنه قد عاد لتوه من سوريا فقال إن الوضع في العراق سينتهي قريباً». (إسماعيل عارف، أسرار ثورة تموز، ص286).

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل