المحتوى الرئيسى

نفسية الكومبارس

02/08 09:54

المدينة تغيرت.

١١ فبراير ليلة تاريخية. الشعب فتح الشوارع، صنع لمصر صورة جديدة.. جغرافيا حرية بعد سنوات من القمع والقهر والتخلف.

فى سنوات الانحطاط كانت الشوارع أقفاصا.

الاستبداد الخائف والمخيف لا يعرف سوى تصميم معمارى يقوم على المتاهة والزنزانة.

الشوارع متاهات تقود كل منها إلى زنزانة.

الثورة غيّرت هندسة هذه الشوارع فى الليلة المضيئة بنور ثوارها.. ليلة كسر عنق نظام الديكتاتور الواحد.

ليلة إزاحة الفرعون إلى دولته الخلفية.

تصور الفرعون أنها أزمة وتعدى.

وخطط الفراعنة لأنها أزمة وسيستفيدون منها لتقوية دولة الفراعنة.

الكهنة غادروا مقاعدهم المريحة وارتدوا ملابس العمل ليستعيدوا الشوارع ممن حرروها.

لم تكن مهمة سهلة على الكهنة فكيف يحولون مجلس الشعب إلى سيرك؟

كيف يقنعون المجتمع الذى تحرر من الخوف بأن الشوارع ليست لهم وأن الأمن لا يمكن أن يتحقق إلا بالقمع والعودة إلى البيوت؟

الكهنة أخرجوا كل الثعابين والعقارب والباحثين عن الغنائم من تحت الرماد، وتحالفت القوى الساعية لديكتاتورية جديدة مع كل القوى الباحثة عن نصيب فى تركة الديكتاتور النائم فى قفصه.

هكذا كان مشوار الإخوان المسلمين فى الثورة قصيرا جدا، حصلوا به على فرصة تاريخية فى الوصول إلى مقاعد البرلمان.

غلب أداء الجماعة القديمة بعقليتها الريفية التى تتصور أن التغيير هو انتقال ملكية الأرض من مالك لآخر.

تصوّر الإخوان أن التغيير حدث بمجرد جلوسهم على مقاعد حُرموا منها بالتزوير.

تصوروا أنهم استعادوا حقوقهم وأصبحت ملكيتهم لهذه المقاعد انتصارا للتغيير ومثار حسد المنافسين.

وقعوا فى فخ السيرك الكبير الذى يحول البرلمان إلى أداة فى يد الديكتاتور المتسلط الذى يمسك كل شىء بقبضته.. ويضع الاختيارات.

وصل الإخوان إلى البرلمان مغلوبين أو ضحايا يستعيدون كل أدوات من غلبهم وحوّلهم إلى ضحايا.. وصلوا بنفسية الكومبارس الذى يتصور أن قمة الأداء هى تقليد النجم الذى يحتل مكانه.

بنفسية الكومبارس سار الكتاتنى إلى محاولة إعادة تمثيل فتحى سرور لكن دون مهارات سرور ومواهبه ومكانته العلمية الكبيرة التى وظفها لخدمة نظام مبارك فوصلت إلى قمة ابتذالها.

وبنفس النفسية لم يخرج الإخوان من أداء المغلوب الذى يستنسخ الغالب ويعيد نفس خطواته دون وعى أو بوعى كاشف عن نزعة التسلط والديكتاتورية الكامنة فى جماعة ما زالت تؤمن بالسمع والطاعة.. وبُنيت على أنها تمثّل صحيح الإسلام بينما من خارجها إسلامهم ناقص، وهى عقلية إقصاء تجعلهم مثل بقية الأحزاب العقائدية تكره أو تعادى المنشقين عنها عداء التحريم، وتحاول طوال الوقت أن ترسم حول نفسها خرافات المضطهَد، وأنها مستهدفة، لكى تخلق بين عضويتها رباطا نفسيا يجعلهم اليوم يفسرون ما يحدث كله على أنه غيرة من فوزهم بأغلبية البرلمان.

هكذا تحول البرلمان إلى سيرك رغبات كومبارس يقودهم الكهنة بالريموت كنترول لبناء ديكتاتورية جديدة.

نجح الكهنة فى تحويل البرلمان إلى كيان يتحرك بأوامر فراعنة الديكتاتورية الجديدة.

لم يتحرر الإخوان بما يكفيهم لاستكمال الثورة، شاركوا عندما ضغطت عليهم قوة الشباب، وغادروا عندما لاحت غنيمتهم فى الأفق.. بينما الثورة تكمل طريقها لتعيد تأسيس دولة لا يُقهر فيها الفرد باسم الأمن، ولا يشارك فيها البرلمان فى صناعة أسوار حول السلطة، لتحمى نفسها من الشعب.

الأسوار أُقيمت ولم توقف الأغلبية الإخوانية لأنهم أبناء هذا التسلط.. لا يعرفون غيره، ومعركتهم ليست على إنهاء التسلط ولكنها منافسة على من يتسلط.

لهذا انتصر جناح مكتب الإرشاد واقتصر مشوار الإخوان فى الثورة على الفوز بمناقصة البرلمان «نتسلط باسم الثورة، وباسم كوننا الضحايا القدامى».

وبهذه المناقصة فاز الكومبارس بصفقة بناء ديكتاتورية جديدة تعيد الأسوار إلى الشوارع، والتسلط إلى النظام، والقمع إلى الأمن.. وربما تعيد الإخوان أنفسهم إلى القفص.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل