المحتوى الرئيسى

رؤيتي لـ القرن العشرين‏ (34)‏‏1935‏

01/31 00:50

امتد بؤس الحضارة من عام ‏1930‏ وهو العام الذي استولي فيه هتلر علي السلطة السياسية في ألمانيا إلي عام ‏1935‏ وهو العام الذي استولي فيه تروفيم ليسنكو علي السلطة العلمية في الاتحاد السوفييتي‏.‏

والسؤال إذن: من هو تروفيم ليسنكو (1898-1976) ؟ هو من مواليد أوكرانيا. قيل عنه إنه رائد علم البيولوجيا السوفيتية. وقيل عن سبب ريادته أنه أدخل آليات جديدة لتحسين النباتات, وقيل عن هذه الآليات إنها تؤسس علما جديدا أطلق عليه اسم البيولوجيا الزراعية وهو مزيج من علم الفسيولوجيا ونظرية التطور عند دارون, وهو علم تدور نظريته المحورية حول إمكان اكتساب خصائص جديدة. وقد وردت هذه النظرية إلي عقل ليسنكو من إجراء تجارب علي نبات البازيلاء, إذ استدل منها علي أن بذور هذا النبات تستجيب لدرجة حرارة معينة تخص فصلا من فصول السنة. فإذا استطعنا التلاعب بدرجة الحرارة بحيث نجعلها تعبر عن درجة الحرارة لفصل ليس قائما في حينه, فان النبات في هذه الحالة يعتقد أنه يحيا في ذلك الفصل ومن ثم يبزغ ويترعرع بغض النظر عن الجينات الموروثة والمفترض فيها أنها هي الموجهة. وفي عبارة أوضح يمكن القول بإن النبات, في هذه الحالة, يكون قد تجاوز مكوناته الجينية.

إلا أن نظرية ليسنكو قد اصطدمت بنظرية سابقة عليها وهي نظرية الراهب النمساوي جريجور مندل (1822-1884) الملقب بـأبي علم الوراثة والتي تدور حول القوانين الأساسية للوراثة ومفادها أن السمات التي تميز الكائن الحي إنما تنتقل من جيل إلي جيل بفضل عناصر وراثية اسمها الجينات, و الجين هو الوحدة الأولية لوراثة تلك السمات, وأنه لايحدث له أي تغيير إلا مرة واحدة كل عشرات الآلاف من السنين.

وقد تبني نظرية مندل عالم سوفيتي اسمه نيقولا فافيلوف (1887-1943). وبناء عليه نشأ صراع بين ليسنكو وفافيلوف ابتداء من عام 1935 عندما انحاز ستالين إلي ليسنكو.

والسؤال إذن:

لماذا إنحاز ستالين إلي ليسنكو؟

السبب مردود إلي المعتقد الشيوعي الذي يؤمن به ستالين والذي يقوم علي التطور الحتمي للمجتمعات الإنسانية نحو تحقيق النظام الشيوعي. ونظرية الوراثة تقف عائقا أمام ذلك التطور الحتمي. ومن هنا كان انحياز ستالين إلي ليسنكو ضد فافيلوف. وكان ليسنكو وقتها قد جمع أكبر كمية من بذور النباتات وخزنها في بنك, وقيل إن عددها وصل إلي 200000 بذرة. وعندما علم هتلر بمحتويات ذلك البنك قرر الاستيلاء عليه في حالة غزوه للاتحاد السوفييتي. وكانت غايته المفترضة من ذلك الاستيلاء منع تلك البذور من زراعتها, الأمر الذي يفضي بدوره إلي إحداث مجاعة عالمية عند اللزوم.والمفارقة هنا أنه علي الرغم من أن كلا من ستالين وهتلر يحمل معتقدا في عقله إلا أنهما يتشابهان في تصميمهما علي إحداث عذاب للآخرين المخالفين لمعتقداتهما.

وبغض النظر عن هذه المفارقة فقد أصبح ليسنكو, بفضل مساندة ستالين, مديرا لمعهد الجينات بأكاديمية العلوم السوفيتية في عام.1940 وفي عام 1941 نال جائزة ستالين. وقد حصل علي كل ذلك بالرغم من أن نظريته أفضت إلي تضاؤل المحصول الزراعي. ومعني ذلك أن نظريته زائفة. وبالرغم من ذلك أيضا فان ستالين بدأ في مطاردة العلماء المؤيدين لفافيلوف إما بفصلهم من وظائفهم وإما بزجهم في السجون. وبناء عليه قبض علي فافيلوف في 6 أغسطس 1943 وأودع في السجن وبقي فيه إلي أن مات في نفس ذلك العام. وبناء عليه لم يكن في إمكان أحد من العلماء اقناع ستالين بنبذ نظرية ليسنكو. وأنا أظن أن سبب هذا المحال مردود إلي أن وراء أي نظرية علمية زائفة معتقدا مطلقا أو دوجما باللغة اليونانية يريد معتنقوه أن يفرضوه علي المجتمع في جميع مجالاته السياسية والاقتصادية والثقافية. وأنا أسمي هؤلاء ملاك الحقيقة المطلقة أي دوجماطيقيين وهؤلاء يصاب بهم المجتمع في زمن التخلف. وأظن أننا الآن, في مصر, قد أصبنا بهم. والسؤال إذن: متي الشفاء؟

عندما يستيقظ المثقفون من سباتهم الدوجماطيقي.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل