المحتوى الرئيسى

متى تحتفل سوريا بانتصار ثورتها؟بقلم : ياسين السعدي

01/29 02:06

هدير الضمير

متى تحتفل سوريا بانتصار ثورتها؟

ياسين السعدي

بدأت ثورة الحرية من الغرب متجهة إلى الشرق في الشمال الإفريقي العربي، حيث انطلقت الشرارة الأولى من تونس التي وصل التسلط والاستبداد والاستعباد فيها إلى درجة استعمال البطاقة الممغنطة في سبيل الوصول إلى المساجد، وخصوصاً لأداء صلاة الفجر.

واستبد (شين العابثين) بمقدرات الشعب التونسي واستغلاله، وجعله يعيش على هامش الحياة الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى محاصرته في أداء واجباته الدينية. ولذلك انفجر بركان الغضب التونسي، وكان جسد الشاب محمد بوعزيزي يمثل الشرارة التي ألهبت الوطن التونسي كله، ثم امتداد لهيب الغضب الشعبي في الوطن العربي في الشمال الإفريقي حتى انتقل إلى المشرق العربي في آسيا. بل وصل في اتساعه إلى أمريكا في قلب الولايات المتحدة ذاتها، وإلى استراليا والفلبين وأوروبا، في مظاهرات الاحتجاج الصاخبة ضد الظلم الاجتماعي الذي تمارسه تلك الحكومات ضد شعوبها؛ بينما تدعي حرصها على تطبيق حقوق الإنسان في غير مجتمعاتها.

احتفل الشعب التونسي بالذكرى السنوية الأولى لثورته التي سميت بثورة الياسمين في 14-12-2011م تخليداً لذكرى هروب (شين العابثين) وتمجيداً لذكرى انطلاقة الثورة واحتفالاً بانتصار أرادة الشعب الذي أراد الحياة وكسر قيود الظلم، كما بشَّرَ بذلك شاعر تونس الكبير، أبو القاسم الشابي:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة ***** فلا بد أن يستجيب القدرْ

فاستجاب القدر، ونال الشعب التونسي حريته الحقيقية، واحتفل أخيراً بمناسبة مرور عام على انتصاره.

وفي الخامس والعشرين من كانون الثاني الحالي، احتفل الشعب المصري بانتصار ثورته المجيدة ضد طغيان واستبداد النظام المتخاذل، بل والمتواطئ مع أعداء الشعب والأمة، وعقد البرلمان المصري المنتخب من قبل الشعب، أولى جلساته قبل يومين من احتفالاته بذكرى السنة الأولى من انتصاره على رأس الفساد ووضعه في القفص، طريح الفراش مع زمرته التي كانت تمثل فرعون وهامان وجنودهما.

وفي ليبيا سوف يحتفلون في العشرين من تشرين الأول القادم بمرور العام الأول على التخلص من طاغية العصر، المعقد القذافي، الذي كان نظامه أشد بطشاً وأعنف قسوة من النظامين التونسي والمصري في تعامله مع المواطنين الثائرين والمطالبين بالحرية وتحقيق العدالة بكل أشكالها.

لقد حدثت هزات سياسية واجتماعية عربية في البحرين وفي سلطنة عمان والأردن وفي اليمن الذي لم تهدأ أوضاعه بعد، بالرغم من الحل الذي لم يكن ليرضي المطالبين بالحرية الكاملة ومحاسبة الذين استغلوه وأذلوه.

تواصل امتداد ما أطلقوا عليه (الربيع العربي) في المشرق العربي حتى وصل إلى سوريا، التي تحدى دكتاتورها العالم قائلاً بأن سويا ليست تونس وليست ليبيا وليست مصر؛ زاعماً أو واهماً أنه اتخذ الاحتياطات اللازمة للوقوف في وجه الطوفان وإحباط التململ الشعبي في سوريا، بل وسحق أي حركة احتجاجية ضد النظام الذي مارس أبشع أساليب الكبت والقهر، وأقسى درجات الاستغلال ونهب خيرات الوطن السوري، بالإضافة إلى ممارساته القمعية ضد الحرية وضد (حقوق الإنسان) كما يتمناها البشر جميعاً.

وهكذا ثبت إن الضغط يولد الانفجار. لكن الانفجار السوري كان الأعنف وكان الأكثر دموية، وكان النظام هو الأكثر شراسة ومعاملة عدائية فاقت كل التوقعات وكل ما يمكن أن يدخل في حسابات العقل والمنطق؛ من حيث طريقة التعامل الدموية، وأساليب التعذيب الرهيبة التي يمارسها (شبّيحة) كان النظام يُعِدُّهم، ويبدو أنه كان يشعر بالنار تحت الرماد، ولذلك كانت ممارساته القمعية تفوق مستوى الخيال بما يمارسه هذا النظام من وسائل البطش والتعذيب الرهيب.

تقتيل للبشر وقصف وتدمير للمنازل على رؤوس المواطنين، بل حتى قصف لمآذن المساجد، وجز الرقاب وفصلها عن الأجساد، وبقر للبطون وقلع الأظافر واغتصاب وحرق الأجساد واعتقال بعشرات الآلاف، واختفاء كثير من المعتقلين، حتى قيل بأن النظام يضعهم في سفن ويقوم بإلقائهم في عرض البحر بدل دفنهم في المقابر الجماعية، كما كان يفعل القذافي خوفا من انكشاف جرائمه بعد سقوطه.

تعوم سوريا الحبيبة اليوم في بحر من الدماء، وتعيش سوريا الأبية فوق الجثث الممزقة والأجساد المحروقة والمنازل المهدمة، ولكن من الواضح أن إرادة هذا الشعب أصلب من أن تكسرها قسوة النظام الذي لم يتعظ بما صار إليه من سبقوه من طواغيت العصر وفراعنة هذا الزمان.

يبدو أن الوضع السوري مقلق جداً، ويبدو أن معاناة الشعب السوري سوف تطول؛ لأن حسابات (المستثمرين) من المجتمع الدولي غير متوافقة، ولذلك لا نتوقع أن يحدث وقف المسلسل الدامي الذي يجري في سوريا في وقت قريب.

نعتقد أن الحل الوحيد الممكن الذي يخلص سوريا وينقذها من محنتها ويمنع التدخل الدولي؛ هو أن يتحرك الجيش السوري ويطيح بالنظام، ولا يكفي أن يعلن بعض أفراده الانشقاق، مهما كان عددهم ومهما كانت رتبهم العسكرية. فهل نتوقع أن يتناول الجندي السوري وهو في ظهر الدبابة، الطفل السوري من على كتف والده، كما شاهدنا ذلك أثناء الثورة التونسية، ويضعه أمامه فوق برج دبابته إيذانا بانحياز الجيش إلى الشعب؟

فمتى تحتفل سوريا الحبيبة بتحقيق حريتها ، وتتخلص من عصابات الشبّيحة وتحدث (الحركة التصحيحية) الصحيحة؟

جاء في الصفحة 318 من كتاب: (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل) لمجير الدين الحنبلي: (... وكان في بيت المقدس شاب مأسور من أهل دمشق كتب هذه الأبيات وأرسل بها إلى الملك صلاح الدين على لسان القدس فقال:

يا أيها الملك الذي ***** لمعالم الصلبان نكَّسْ

جاءت إليك ظُلامةٌ ***** تسعى من البيت المُقَدَّسْ

كل البلاد تحررت ***** وأنا على شرفي مُنَجَّسْ).

ولكن من أين لنا بصلاح الدين المدفون في دمشق التي قال فيه وفيها أمير الشعراء:

ألستِ دمشقُ للإسلامِ ظئراً؟ ***** ومرضعةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل