المحتوى الرئيسى

القصص المصورة لطفل الروضة -قراءة تاريخية -بقلم د أميمة منير جادو

01/15 00:29

القصص المصورة

لطفل الروضة

( رحلة عبر التاريخ )

دكتورة

أميمة منير جادو (*)

يعيش طفل الروضة مرحلة نمائية خاصة جداً، تختلف بالطبع عن المرحلة التالية الأكثر نضجاً . ولذا فإن الخطاب الإبداعى لطفل هذه المرحلة يتميز بخصوصية تلتقى بخصوصية مرحلته النمائية التى تحدث عنها علماء نفس النمو كثيرا.

إن من بين هذه الخصائص أن الطفل فى مرحلة الطفولة المبكرة لا يستطيع القراءة بشكل جيد، ولذا فإنه من المناسب له إما حكى القصص البسيطة ذات المغزى التعليمى الهادف فى أى مجال تربوى . أو تقديم القصص المصورة . فطفل الروضة عادة ما ينبهر بالصور، والصور تدعوه للشغف وللفضول، بعض الصور يحاكى البيئة من حوله وبعض الصور تقدم له معرفة جديدة أو قصة شيقة .

ولعل هذا ما دعا الكتاب والفنانون إلى تقديم القصص المصورة للطفل وخاصة الملونة التى تثير شغفه وفضوله وتنمى وجداناته وميوله الفنية ومهارات التعرف والتواصل والتساؤل فالقصة المصورة لطفل ما قبل المدرسة هى عالمه المحبب إلى نفسه الملئ بالدهشة والرغبة فى التواصل .

وفى هذا المقال لن نتوقف عند مناقشة أهمية القصة المصورة وما يتعلق بها من أهداف وإشباع حاجات وما تنطوى عليه من مضامين تربوية .. الخ .

لكننا سنعرض لنقطة ربما غابت عن أذهان بعض الكتاب وهو التأريخ أو التوثيق للقصص المصورة ...

ولعل هذا المقال يمثل رحلة تاريخية تعود بنا إلى جذور ونشأة القصص المصورة والتى لا نستطيع الجزم بأن بداياتها كانت تستهدف الأطفال تماما وإنما كانت تنطوى على مغزى سياسى أو اجتماعى ساخر والتدرج التاريخى – كما سنرى – استهدفت الأطفال فى مرحلة لاحقة .

تقدم الباحثة " جوسلين حداد الدبس " بحثاً فى هذا الموضوع لعلنا نحاول عرض ملخص مناسب فى هذا المقال حيث ترى أن جذور القصص المصورة يعود إلى فترة غائرة فى عمق التاريخ مع بدايات الإنسان القديم الذى رسم الحيوانات والأشخاص على جدران الكهوف وسجل حضاراته القديمة .

* البدايات :

- حفظ التاريخ لنا عام وفاة الرسام القصصى السويسرى جودو كوس أمان 1591 . دون أن يذكر أعماله .

- أول قصة مصورة رأت النور عام 1754 فى صحيفة ( بنسلفانيا غازيت ) فى أمريكا، تحت عنوان : ( اتحد أو مت ) .

- أول كتاب مطبوع لقصص مصورة عام 1820 فى هادسون – نيويورك ، كان بطله " دبور " وابتكره روبرت روستيكوت .

* تجاوز المرحلة السياسية :

- ابتكر توماس ناست عام 1874 صورة الفيل كرمز للحزب الجمهورى ثم بعدها رأت النور أول قصة مصورة بمفهومها المعاصر فى صحيفة نيويورك دابلى غرافيكس .

- ما إن حل منتصف القرن حتى صارت كل سنة تشهد ولادة بطل جديد لقصة مصورة ، فمغامرات البطل "Dennis the Menace " كانت تنشر عام 1951 فى 18 صحيفة يومية أمريكية .

* مرحلة استقلال القصص المصورة :

بميلاد مجلس ( Peanuts ) التى ابتكرها شارلز شولتز استقلت القصص المصورة عن الصحف اليومية سنة 1952 ، وأصبحت بسرعة أشهر المجلات الترفيهية فى التاريخ الإعلامى الأمريكى، حتى أن أبطال هذه المجلة احتلوا أغلفة أشهر المجلات وأكثرها جدية مثل غلاف مجلة " تايم " 1965، و " لايف " 1976، و " نيويورك " 1971 وبذلك أصبحت القصص المصورة جزءاً أساسياً من نسيج الثقافة الأمريكية .

وفاق جمهور قراء القصص المصورة القراء الآخرين حنى أن متابعى كل منها فاق الستين مليونا ، مما جعل معظم بلدان العالم تحذو حذوها فتبتكر أبطالها الخاصين بها وتصدر مجلاتها المحلية .

* تطور قصص المغامرات المصورة :

تطور سريعاً على يدى ( ادغار رايس بوروس ) الذى كتب قصة عالم خيالى نشرت فى مجلات القصص المصورة بعنوان ( على ضوء قمر آذار ) كما أطلق ( بوروس ) أيضا قصة ( طرزان ) هذه الشخصية الأسطورية المعروفة، سنة 1912.

فى عام 1929 ظهرت قصة بعنوان " باك روجرز " وبطلها طيار حربى أمريكى .

وبعدها بعامين ظهر ( ديك تريسى ) رجل الشرطة الذى لا يقهر ودائما يتمكن من القبض على المتهمين .

فى عام 1934 ظهرت شخصية جديدة فى عالم القصص المصورة تمثلت بـ " فلاش غوردن " لاعب الكرة الذى يحاول إنقاذ الأرض من نيزك ضخم يندفع نحوها .

وفى كليفلاند تجرأ المراهقان جيرى سيغل وجوزف شوستر على كتابة قصص مصورة بعنوان " رجل مترو بوليس الخارق " ونشراها فى مجالة " العلم الخرافى " ومن هنا ولدى قصـــة ( سوبرمان ) البطل الخارق الذى سرعان ما حقق نجاحا باهراً .

* العصر الذهبى للحيوانات الأبطال :

شهدت الأربعينيات بزوغ أبطال من الحيوانات ففى 1940 بثت شركة MGM لأول مرة قصة القط والفأر ( توم وجيرى ) وتبعتها قصى ( باغز بانى ) واحتلت قصص والت ديزنى مجموعة كبيرة من الحيوانات وحققت مبيعات هائلة ، كما ازدهرت قصص الخيال العلمى مـع " Planet Comic " التى بدأت ظهورها فى نفس العام .

* قصص الرعب والعنف والسخرية :

فى منتصف الخمسينيات أصدرت أول سلسة قصص مرتكزة على الرعب بعنوان ( من سرداب الرعب ) ، ( شبح الخوف ) ، ( وثبة الرعب ) واحتلت هذه القصص الثلاث الصدارة .

وبموازاة الرعب ظهرت قصص مصورة ساخرة فى مجلة " ماد " أى ( مجنون ) .غير أنه بذلت محاولات حثيثة لاجتثاث قصص الرعب والعنف من الأسواق بسبب تأثيرها السلبى على الأطفال .

* أبرز أبطال القصص المصورة :

(1) طرزان : خرج من قلم الكاتب الأمريكى ادغار رايس سنة 1912 ، وأصبح بطل 27 قصة مكتوبة قبل المصورة .

(2) الرجل الوطواط : بدأ حياته فى الرسوم المصورة بعدما ابتكره البريطانى (بوب كاين) وأجبه الأطفال .

(3) سوبرمان : ابتكره "جوشوستر" وجيرى سيغل " عام 1938بطلا خارقاً يحارب فى القصص المصورة دفاعا عن أمريكا .

(4) بوباى : بطل قصير القامة مفتول العضلات لا يفارق الغليون فمه، يستمد قوته الجبارة من السبانخ التى يستهلك منها كميات هائلة .

(5) لولو : بطلة صغيرة ظهرت منذعمرها 68 عاما رأت النور فى 23 فبراير 1935 على آخر صفحة من صحيفة أسبوعية ، ابتكرتها ماجورى هندرسون وعمرها لا يتعدى العشر سنوات وهى فضولية تتحدى الصبيان وكأنها شبه صبى يرتدى فستانا وصديقها الحميم هو ( تابى ) الذى نشأت معه .

(6) تان تان : بطل كل الأعمار سحرت مغامراته كل القراء منذ ابتكره ( هرجيه ) عام 1929 فى بلجيكا .

(7) عودة " فلاش " أطلق " يوليوس شوارتز " نموذجا جديدا للبطل الخارق ( فلاش غوردون) ثم نماذج لهؤلاء الأبطال فى سلسلة ( متحدو المجهول ) .

نلاحظ مما سبق أن الثقافة الأمريكية اتبعت " موضة " تلبية أذواق الملايين من الأطفال والكبار .

* القصص المصورة فى أوربا :

فى أوربا وبلجيكا خاصة قرر الناشر ( جان دوبوى ) إطلاق مجلة خاصة بالقصص المصورة، وابت كر الرسام روبفيل شخصية ( سبيرو ) سنة 1938 لهذه الغاية وفى سنة 1940 ابتكر جوزف جيلان ( فانتازيو ) التى أضيفت إلى سبيرو واشتهرت مغامرتهما معاً وأدخل الرسام ( موريس دوبيفير ) شخصية ( لاكى لوك ) إلى عالم القصص المصورة سنة 1948 .

كما غزت ( تان تان ) العالم من جديد، وبجوارها ظهرت صدفة سنة 1958 شخصيـة ( الشترومف ) وهى قبيلة كاملة من الأقزام الزرق ابتكرها الرسام بيار كوليفور لقصة جوهان وبرلويت ونالت استحسان القراء .

* القصص المصورة فى فرنسا :

رأت القصص المصورة الفرنسية النور سنة 1934 مع الفأر الصغير المحتال ( ميكى) وفى مدينة ليون عشق الرسامان ( بيارموشو ومارسيل نافارو ) القصص المصورة وبدأ بإصدار مجلة خاصة بها باللونين الأبيض والأسود بشكل غير متقن فارتبطت للأسف بالطبقات الفقيرة وأبعدها عن القراء الأرستقراطيين .

لم يتحسن الوضع فى فرنسا إلا مع بدء الستينيات حين بدأ (مارسيل نافارو) نشر قصص مصورة عن " سوبر أبطال " أثاروا الذعر بين التربويين لما تتضمن مغامراتهم من قدر كبير من العنف فى تلك الفترة لمع نجم (رنييه غوسينى ) منفذ هذه القصص، حيث كتب سيناريوهات قصص كثيرة لرسامين معروفين .

* استيريكس فى مصر :

إن بصدور ألبوم ( استيريكس وكليوباترا ) الذى جرت مغامراته فى مصر يشكل قفزة نوعية إذ رفع المبيعات من القصص من ستة آلاف إلى أكثر من مليون ، وباتت هذه القصص الأشهر فى فرنسا، وبيع منها أكثر من 22 مليونا نسخة ما بين عامى 1961، 1974 .

وترجمت إلى عشرات اللغات وصولاً إلى النرويجية واليابانية والألمانية وطبعت مرات عديدة، وشهدت السبعينيات ثورة لهذه القصص حتى عدت الفترة الذهبية لها، لكن مع بدء الثمانينات مرض ومات فجأة رنيه غوسينى تاركاً مكانه شاغراً من أى مبدع يرثها .

وقد شهدت تسعينيات القرن الماضى إغلاق دور نشر وشراء أخرى ، ثم بدأت القصص المصورة الأوربية تغزو الأسواق الفرنسية مثل ( تيتوف ) من سويسرا ، و (كيد بادل) من بليجيكا .

* تاريخ القصص المصورة عند العرب :

لم تعرف مصر الطباعة إلا بشكل عابر عام 1798 خلال الحملة الفرنسية ، وعندما افتتح محمد على ( مطبعة بولاق ) لم تطبع أى كتاب للأولاد إلا عام 1870 ونشرت " روضة المدارس " بإشراف رفاعة طهطاوى خالية من الرسوم .

فى عام 1877 أصدرت جمعية التأليف العلمية مجلة " السمير الصغير " وعرفتها بأنها مجلة علمية تهذيبية تصويرية ثم أصدرت دار المعارف 1912م ، الكتب العربية الأولى المصورة " لأطفال المطبوعة بـ ( أبيض – أسود ) وحملت عناوين " القطيطات العزاز " و " زوزو وفوفو" و " عند الفلاحين " و " البنت الحمراء " .

فى عام 1923 م صدرت مجلة مصورة للأطفال باسم ( الأولاد ) نالت شهرة واسعة بفضل قصصها الصغيرة وكان بعضها مقتبسا ومعرباً من أعمال أوروبية وأمريكية . وصدر أيضا الكتاب المدرسى ( القراءة الرشيدة ) ووزع فى المدارس الرسمية .

برز بعد الحرب العالمية الثانية الرسام المصرى حسين بكار الذى شكل مفترقاً مهما فى تاريخ القصص المصورة العربية .

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل