المحتوى الرئيسى

«المصري اليوم» تواصل كشف مخالفات اتفاقية «غاز شمال الإسكندرية وغرب المتوسط» (2-3)

01/11 01:13

تواصل «المصرى اليوم» فى الحلقة الثانية من ملف اتفاقية «غاز شمال الإسكندرية وغرب المتوسط - المياه العميقة»، التحقيق فى ملابسات تعديل الاتفاقية، الذى أضاع على الدولة نحو 13 مليار دولار على الأقل، حسب تقديرات خبراء مستقلين.

كانت الحلقة الأولى طرحت علامات استفهام حول التحول من نظام اقتسام الإنتاج، الذى كان يمنح عملياً الشريك الأجنبى الثمن المقرر للغاز المقابل لـ52% من كمية الإنتاج، وللحكومة المصرية 48% من الكمية خالصة دون تكلفة، إلى نظام يمنح الشريك الأجنبى 100% من الإنتاج ليبيعه للجانب المصرى بـ4.1 دولار للوحدة الحرارية. تناولت الحلقة ردود شركة برتش بتروليم «بى.بى»، الشريك الأجنبى فى الاتفاقية، ووزارة البترول، حول سبب التحول، الذى أرجعته «بى.بى» إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والصعوبات الجيولوجية والطبيعية فى المنطقة، بينما ذهبت مبررات الوزارة إلى عدم استطاعة هيئة البترول تدبير السيولة اللازمة لسداد مستحقات الشريك، واحتياج مصر الشديد لتدفق الغاز، تلبية للاحتياجات المحلية.

تكشف الأدلة والوثائق والشهادات التى حصلت عليها «المصرى اليوم» حول ما يجب أن يكون محل مراجعة فى هذا الاتفاق، عن مفاجآت تنسف الأساس الذى بنى عليه التعديل، وتعهد الخبير القانونى، الدكتور حسام عيسى، بملاحقة المسؤولين عما وصفه بـ«التقصير الفاجع»، فى مثل هذا التعديل قانونياً.

وأكد الخبراء أن أخطر ما فى التعديل الذى حدث فى 2010، ما يخص الاحتياطيات المسماة فى الاتفاقية بـ«الأخرى»، وأوضحوا أن الاحتياطيات فى اتفاقية شمال الإسكندرية تنقسم إلى ثلاث:

أولية، واحتياطية، وأخرى، الأولى تقدر بـ5 تريليونات قدم مكعب من الغاز، و55 مليون برميل متكثفات، ومن المفترض إنتاجها من خزانات البلايوسين، فى حقول ليبرا وطورس والفيوم وجيزة وخزانات المايوسين العلوى بحقل ريفين، وهى ما تم تخصيصه لـ«بى.بى»، مع إلزامها ببيع كامل الإنتاج إلى الهيئة العامة للبترول بسعر تقريبى 4.1 دولار للوحدة، وسعر خام برنت للمتكثفات.

أما الاحتياطيات الإضافية، فتعنى «غاز ومتكثفات» قد تنتج من نفس الخزانات بالحقول، السابق ذكرها، فوق مستوى الاحتياطيات الأولية، وخصص منها للشريك الأجنبى نسبة 61% من الغاز، و50% من المتكثفات.

الاحتياطيات الثالثة والمعنونة بـ«الأخرى»، تعنى أى غاز ومتكثفات قد تنتج من المنطقتين، بموجب اتفاق التعديل بخلاف الاحتياطيات الأولية والإضافية، بمعنى أنها تشمل أى اكتشافات أخرى غير الـ5 حقول المذكورة فى التعديل، أو أى احتياطيات قد توجد فى خزانات أعمق من عصر الميوسين العلوى بالحقول المذكورة.

وخطورة التعريف الأخير تتضح عند مطالعة صفحة 34 فى النسخة الأصلية من اتفاقية «شمال الإسكندرية» المادة السابعة، وتقول: «إذا لم يتفق المقاول والهيئة على سعر للغاز من الاحتياطيات الأخرى فى خلال 5 سنوات من تاريخ الاكتشاف التجارى «مر منها بالفعل أكثر من 4 سنوات» فإنه وبنص التعديل يحق للمقاول «بى.بى» أن يأخذ كمية الغاز التى أخطر عنها ككشف تجارى، ويتصرف فيها بحرية.

من جانبه، أوضح المهندس يسرى حسان، مدير إحدى شركات البترول الأجنبية العاملة فى مصر، مسؤول سابق بشركة «ريبسول» الإسبانية، الشريك الأول لـ«بى.بى» فى منطقة الامتياز، أن كتابة التعريف بهذا النص يعنى أن تلك الاحتياطيات الأخرى بالكامل تقع تحت تصرف الشركة البريطانية.

وأضاف «حسان» أنه من الطبيعى فى تلك الحالة أن تعرض شركة «بريتش بتروليوم» على الهيئة شراء الغاز، أو أى اكتشافات أخرى، «تحققت منها بالفعل اكتشافات روبى وبولارس وحدوة» بسعر التصدير، فإن قبلت الهيئة العرض مضطرة، فإن الشركة تكون قد حققت ما أرادت، وهو بيع الغاز بسعر التصدير لـ«أصحاب الغاز»، وإن رفضت الهيئة تطبيق السعر، فإن من حق المقاول فى هذه الحالة تصدير الغاز، وفى حالة ما إذا ماطلت الهيئة فى الاتفاق، فإن من حق المقاول التصدير أيضاً بعد انقضاء السنوات الخمس المنصوص عليها، وبذلك يحرم المصريون من استخدام الغاز المستخرج من أرضهم بسبب «التعديل العبثى».

وتابع: «من الغريب أيضاً أن التعديل لم يشر فى نص واضح إلى ما يتعلق بتلك الاحتياطيات الأخرى، لكن يفهم من النصوص أنها من حق المقاول بنسبة 100%، أى تتم معاملتها بنفس معاملة الـ5 تريليونات الأولى فى الاتفاقية، لكن بميزة أكبر للمقاول، نظرا لعدم تحديد سعرها، وبالتالى من المتوقع أن يطلب الشريك فيها أعلى سعر ممكن».

وحول العائد الاقتصادى للدولة فى حال تصدير الشريك، أوضح «حسان» أنه هزلى، بحسب الاتفاقية، ومحدد فى الـ10% نسبة الإتاوة، فضلاً عن أن المقاول يدفع فى هذه الحالة جزءاً من ضريبة الدخل، بعد أن يتفق عليها مع هيئة البترول.

ويخلط مسؤولون بالوزارة وشركة «بى.بى»، بين «الاحتياطيات الأخرى»، و«الاحتياطيات الإضافية»، رغم أن الأخيرة تشير فقط إلى الكميات التى قد تنتج مستقبلاً من الحقول الخمسة المكتشفة، ونفس الخزانات المنصوص عليها فى الاتفاق فوق مستوى الـ5 تريليونات قدم مكعب، ومن خلال نفس تسهيلات الإنتاج التى أقيمت دون تكلفة إضافية تذكر، باستثناء عدد محدود من الآبار، ومصروفات التشغيل والصيانة، وهو ما يضيف إلى التكلفة مئات الملايين من الدولارات، ومع ذلك تحصل الشركة على 61% منها، رغم استردادها كامل الاستثمارات، إضافة إلى ربحية تقريبية لأكثر من 16 مليار دولار من الاحتياطيات الأولية، أما «الاحتياطيات الأخرى» فهى احتياطيات من حقول جديدة تماماً.

وأضاف «حسان» بعداً آخر للقضية، يفيد أن هناك اكتشافات غاز فى المنطقة تم الإعلان عنها، ووافقت عليها هيئة البترول فى 2007، منها كشفا «روبى وبولارس»، و«ريفين» العميق بالبئر رقم 4، وكشف «تورس» العميق، وقال: «بحسب التعديل الأخير، فإن أمام الدولة خيارين للتعامل معها، إما أن تشتريها بسعر التصدير من الشريك الأجنبى، أو أن تدعه يصدرها، وتحصل فى المقابل على 10% فقط، وهى الإتاوة، وبعض الضرائب».

وتابع: «من اللافت للنظر فى تلك الاتفاقية أن تلك الاحتياطيات تم اكتشاف بعضها قبل تاريخ التعديل الأخير، لكن لم يتم إدراجها فيه، والمثير أيضاً أننا بإزاء اكتشافات غاز تمت فى المنطقة ووافقت عليها هيئة البترول فى 2007، منها على سبيل المثال كشوف «روبى4»، و«بولارس»، فلماذا لم يأت ذكر هذه الاكتشافات من قريب أو بعيد فى التعديل الذى أجرى فى 2010؟ ومن الذى أخفى ذلك أو سمح به؟ المؤكد أنه صاحب المصلحة، ثم لماذا لم يتم الاتفاق على سعرها أسوة بالاكتشافات الأخرى؟».

أضاف «حسان»: «القراءة المتأنية للأوراق، يفهم منها أن هذا الغاز الذى يقع تحت مسمى «احتياطيات أخرى»، مصيره التصدير، فإذا رأت الدولة احتياجها له، وهو أمر مؤكد، فعليها أن تدفع سعر التصدير فى سلعة كانت تملكها فى الأصل، قبل أن تهبها للشريك الأجنبى».

وأوضح أن عدم تحديد سعر لتلك الاحتياطيات الأخرى يجعل احتمال تطبيق سعر التصدير عليها منطقياً بالنسبة للشريك، وإذا حدث ذلك فمن الطبيعى أن تنتج هذه الاحتياطات باستخدام تسهيلات الإنتاج التى أقيمت سابقاً، ودفعت الدولة ثمنها، بشراء الغاز فى هذا التعديل، ما يزيد من القيمة الاقتصادية للشركة، دون أن تستفيد الدولة، صاحبة الغاز فى الأصل، وتساءل: «لماذا لم يأت العقد بأى شىء يحكم وينظم استخدام التسهيلات التى تم بناؤها للاحتياطات الأولية فى إنتاج الاحتياطات الأخرى، أو حتى الإضافية؟، وما العائد على الدولة فى هذه الحالة؟».

وأشار «حسان» إلى أن التقديرات التى يتداولها العاملون فى القطاع تقول إن قيمة الاحتياطيات الأخرى، والمتكثفات عالية الجودة المصاحبة لها، لن تقل عن 20 مليار دولار بأى حال، وبافتراض أنه تم تقسيمها بالنصف، وهذا هو الحد الأدنى للعدالة، فمعنى ذلك أن لدينا خسارة أخرى تقدر بعشرة مليارات دولار، غير خسائر الاحتياطيات الأولية ومتكثفاتها، التى قدرناها بـ13 مليار دولار.

أما ما ينسف التعديل من الأساس، فهو ما يكشف عنه «حسان» من أن الحقول العميقة التى ستنتج آباراً، تحوى خزانات تتميز بضغط عال وحرارة عالية وظروف طبيعية وجيولوجية معقدة، أى الخزانات الواقعة فى طبقتى «الأوليجوسين» والجزء الأقدم من طبقة «الميوسين»، ورغم أنها المبرر الأساسى للتعديل، فإنه ليس لها وجود فى نص الاتفاق، إذ تم استبعادها سلفاً.

وكانت الشركة أكدت أن هذه الخزانات تحتوى على معظم الاحتياطيات، رغم أنها تتميز بارتفاع نسبة المتكثفات بدرجة ملحوظة، ما يزيد قيمتها الاقتصادية مقارنة بخزانات البليوسين والميوسين العلوى، التى تم التعاقد عليها مع الهيئة، وبهذا فإن استبعادها من الاتفاق دون تحديد سعر لها، يحقق الفائدة الاقتصادية القصوى للشركة، وينتقص من حق الدولة، صاحبة الاحتياطيات.

ووفق التعديل تكون «بى.بى» تعاقدت على إنتاج وتوريد الغاز المنصوص عليه فى الاتفاق، بصفته احتياطيات أولية من خزانات ذات ظروف عادية، شأن أى إنتاج آخر فى مياه البحر المتوسط مما يجرى استخراجه بنظام اقتسام الإنتاج القديم، فلماذا كان التعديل من الأصل، وإهدار حقوق مصر فى غاز يقع فى مياهها الاقتصادية، وفى منطقة يؤكد «وود ماكينزى» أحد المكاتب الأجنبية، أنها مؤهلة لتتحول إلى «هب» مثل هنرى هب الأمريكى، نقطة تمركز تجارة الغاز بالولايات المتحدة.

فى المقابل، قال الدكتور حسين عبدالله، وكيل أول وزارة البترول سابقا: «فى جميع الأحوال لا ينبغى أن نتجاهل مبدأً مهماً، هو أن العقد شريعة المتعاقدين، ومن المعروف أن الشركات الأجنبية تستخدم وتوظف هذا المبدأ للدفاع عن حقوقها المكتسبة، وبكل حزم، ونحن فى المقابل قبلنا التفاوض على شىء تم الاتفاق عليه، وصدر به قانون من أعلى سلطة فى الدولة».

وأكد «عبدالله» أن هدم مبدأ اقتسام الإنتاج السائد فى مصر، وتمكين الشركات من الانفراد بالإنتاج مقابل إتاوة وضريبة دخل منخفضة بطبيعتها، أمر خطير، كان يجب دراسته بشكل أكثر تعمقاً قبل اعتماده، لأنه سيفتح المجال أمام الشركات الأخرى للمطالبة بالمثل، وبذلك تتسع الأضرار المتوقعة لهذا التعديل.

أوضح أنه كان من الأجدر أن تتولى هيئة البترول تنمية الحقول المكتشفة منذ أكثر من خمس سنوات بنفسها، فى حال مماطلة المقاول فى تنميتها، ولن يكون من العسير على الجانب الوطنى القيام بهذه المسؤولية، بعد أن تم اكتشاف الحقل، وكان من الممكن الاستعانة بالخبرات الأجنبية المتقدمة على أساس عقود الخدمة، وهى عقود معمول بها فى عدد من الدول الخليجية، والاقتراض من البنوك لتنمية الحقول، بضمان جانب من الإنتاج.

 

«وود ماكنزى»: تكاليف المشروع 9.5 مليار دولار.. وخبراء: التقرير لم يتضمن «الاحتياطيات»

قال التقرير الثانى للمكتب الأجنبى «وود ماكنزى»، حول عوائد شركة بريتش بتروليم «بى بى» من مشروع «شمال الإسكندرية» إن الامتياز يشتمل على 6 كشوفات للغاز الطبيعى، وأكبرها يقع تحت مستويات ضغط كبيرة، وهو حقل «ريفين»، الذى يمتد بين شمال الإسكندرية وغرب المتوسط داخل المياه العميقة، ويعد أول اكتشاف لـ«الميوسين» فى غرب المتوسط، لأن الاكتشافات الأخرى تقع فى مناطق ضحلة فى تشكيلات «البليوسين». وأضاف التقرير الصادر فى سبتمبر 2011، وحصلت «المصرى اليوم» على نسخة منه، أن تنمية الحقول لم تكن اقتصادية لعدة سنوات، نتيجة بعض الأمور المالية غير المناسبة، وتدنى أسعار الغاز، وارتفاع تكلفة التنمية، وفى يوليو 2010، وقعت شركة «بى بى»، ومعها شريك بحصة صغيرة هو «أر دبليو إى»، اتفاقية لتعديل شروط التعاقد الأولى مع وزارة البترول وهيئة البترول، للسماح ببدء أعمال التنمية، وحدد التعديل نموذج تنمية جديدا، بما فى ذلك ما يخص سعر الغاز وعقود البيع.

ونص التعديل على أن أول غاز منتج يجب ضخه فى أكتوبر 2014، لكن من المرجح، حسب التقرير، أن يتأخر الإنتاج حتى 2016، بسبب التأخيرات المستمرة المرتبطة بالحصول على أرض على الشاطئ، أمام منطقة الامتياز، لبناء محطات معالجة الغاز المصنع.

وأكد التقرير أن إجمالى التكلفة المقدر بـ9.5 مليار دولار، ويشمل تسهيلات ومرافق بالمياه مربوطة بثلاثة خطوط أنابيب رئيسية بمحطة المعالجة البرية المزمع إنشاؤها، وأضاف أن تسهيلات اتفاقية «شمال الإسكندرية» يمكن أن تتحول إلى محور غازى جديد لمنطقة دلتا النيل «أى هوب» جديد، على غرار «هنرى هوب»، نقطة تمركز تجارة الغاز بالولايات المتحدة.

وقال التقرير إن اكتشافات الشركة الألمانية «آر دبليو إى» شمال بحيرة إدكو، وغرب المتوسط فى المنطقة «بلوك1»، حظيت بامتياز آخر، يمكّن الشركة من الاستفادة من تسهيلات مشروع تنمية شمال الإسكندرية.

من جهة أخرى، كشف خبراء البترول لـ«المصرى اليوم» أن العائد العالمى المعتاد فى اتفاقيات البترول والغاز يبلغ 22%، ولا يمكن لشركة عملاقة مثل «بى بى» أن تقبل بنسبة أقل، وأشاروا إلى أن «ماكنزى» حسبت العائد دون أن تأخذ فى الاعتبار القيمة الكبيرة للاحتياطيات الإضافية، والاحتياطيات الأخرى، وإدخالهما سيحدث «انقلابا دراماتيكيا» حسب وصفهم، فى معدل العائد.

وأضاف الخبراء: «إن التقرير يقول إنه حدد سعر المتكثفات بواقع 80 دولاراً ثابتة للبرميل طوال مدة التعاقد، وهذا تقدير متحفظ جدا، فلو قلنا إن السعر سيكون 100 دولار فى المتوسط، فهذا يعنى إضافة 1.1 مليار دولار للعائد على «بى بى»، وبالتالى رفع المعدل، وتظهر من التقرير حقيقة أخطر، هى أن الشركة لن تنفق 9 مليارات على البنية التحتية، و4 مليارات مصاريف تشغيلية كما تقول، فبعد 4 سنوات، أى فى بداية 2016، سيصل المشروع إلى نقطة التوازن «بريك إيفين بوينت»، وهى النقطة التى يتوقف عندها المستثمر عن الدفع من جيبه، ويمول أى مصاريف من عائد المشروع نفسه، وبالتالى فإن «بى بى» ستنفق 6.8 مليار دولار فقط فى 4 سنوات، وفى العام الخامس سيكون لديها تدفق موجب للنقد بقيمة 275 مليون دولار».

أهم أخبار حوادث

Comments

عاجل