المحتوى الرئيسى

القراصنة ـ أبطالٌ أم مجرمون؟

01/10 20:32

موضوع القرصنة حاضر في هذا الوقت بقوة. الاعتداءات الوحشية التي تمارسها العصابات الإجرامية في مياه القرن الإفريقي وفي المياه الإندونيسية تشغل الرأي العام اليوم باستمرار، والفدية المالية التي تدفع لتحرير السفن والطواقم تكلف الشركات البحرية الملايين. لكن على الرغم من ضخامة حجم مشكلة القرصنة فإنها ليست بالظاهرة الجديدة، بل هي موجودة منذ وجود الأسفار البحرية. وكان قراصنة البحر قد شكلوا خطرا كبيرا على السفن التجارية منذ القرن الأول قبل الميلاد، وأصبحوا في القرنين 17 و 18 بلاء عالميا، ونشروا الذعر من الكاريبي إلى المحيط الهندي.

القراصنة أبطال في الأفلام والروايات

يبين المؤرخ يان ماركوس فيت في كتابه " القراصنة" أن القراصنة لم يكونوا يوما أبطالا: " كانوا مجرمين وهم اليوم أيضا مجرمون. تاريخ القرصنة مليء بعدد لا يحصى من عمليات القتل والنهب والاغتصاب". ومع ذلك يتم تصوير القراصنة في كثير من الروايات والأفلام كأبطال، وأشهر مثال على ذلك، الممثل الجذاب جوني ديب، الذي يلعب دور القبطان جاك سبارو في فيلم " قراصنة الكاريبي" الذي نال شهرة واسعة.

تمجيد الماضي

كلما توغل إجرام القراصنة في القدم، كلما زادت الأساطير التي تحاك حوله. ويفتح غياب البراهين الملموسة عن القراصنة الباب واسعا أمام إضفاء صورة مشرقة عنهم. وبقي كتاب قبطان البحر الإنكليزي، تشارلز جونسون، الذي صدر عام 1720 المصدر الوحيد عن عصر القرصنة الذهبي في القرنين 18 و19. وهو الكتاب الذي يقول عنه المؤرخ فيت: " إنه سرد عام عن أعمال النهب التي مارسها أشهر القراصنة، ويحتوي مجموعة لسير حياتهم في خليط غير منسق من الواقع والخيال".

ويرى فيت أن هذه المجموعة تحتوي على ما يكفي من القصص لتصوير عشرات الأفلام عن القرصنة. من بينها مثلا قصة " القرصان الأحمر" و " جزيرة الكنز". لكن هذه الأفلام تعتمد في معظم أحداثها على قصص من نسج الخيال، وكتبت لأفلام المغامرات المسلية دون أن تستند إلى وثائق تاريخية.

بالنسبة إلى ماركوس فيت، تشكل الصورة الراهنة عن قراصنة القرون الماضية تناقضا عجيبا: " لا يريد أحد إظهار لص شوارع في صورة مثالية، لكن الأمر يختلف عندما يتعلق بالقراصنة". ويجد فيت أن تفسير هذه الظاهرة أمر سهل: " كل ما هو بعيد زمنيا وجغرافيا يمكن تمجيده بسهولة. ومما يسهل إيجاد صور خيالية، ذلك الحنين إلى الطبيعة الغريبة وشواطئ النخيل وشمس الكاريبي، وهكذا يتحول المجرم إلى مناضل من أجل الحرية".

قراصنة كمناضلين من أجل العدالة

استخدم الروائيون قراصنة البحر لتصوير شخصيات سياسية خيالية. على سبيل المثال اعتمد مؤرخون بريطانيون على تقارير وحكايات عن "جمهورية قراصنة" يقال إنها كانت موجودة في مدغشقر، ويسود فيها مجتمع يقوم على مبادئ ديمقراطية، يلاقي فيه الجميع نفس المعاملة، وتمثل نقيضا للمجتمع الإقطاعي الطبقي الذي يسود فوق اليابسة. المؤرخ فيت يجد تصوير القرصنة كنوع من الصراع الطبقي نوعا من العبث. لكن في ألمانيا أيضا تستخدم قصص القراصنة لتصوير أوضاع اجتماعية مثالية.

روبين هود ألماني

أشهر قرصان بحر في مناطق ألمانيا الشمالية هو كلاوس شتورتيبيكر. فهو يعتبر مناضلاً من أجل الحرية. وكان قد انطلق في القرن الرابع عشر في مغامرة بحرية. وتم تخليده في قصص ومسرحيات ومنتزهات، تصوره في شخصية المحسن الشهم. لكن المؤرخ فيت يقول إن هذا عبث بالتاريخ ويضيف: " إنه يتم تمجيد شتوريبيكر مثل روبين هود ألماني، يأخذ من الأثرياء ليعطي الفقراء، وكان الناس البسطاء أكثر المتضررين من التجارة الدامية، كما أن الغنائم لم تكن توزع على المحتاجين".

"القرصنة نواة الرأسمالية"

في كل فصل من فصول كتابه الجديد، يؤكد المؤرخ ماركوس فيت أن القراصنة لم يكونوا سوى مجرمين قساة. ويسوق على ذلك مثالا واضحا من واقع النقد الاجتماعي ويربطه بالنظرة إلى تاريخ قراصنة البحر، ويقول:" القرصنة هي في الحقيقة نواة الرأسمالية، ليس لها إلا هدف واحد، هو الربح. ويمكن القول إن مجموعة القراصنة تشكل الأشخاص المساهمين، ويشكل الضباط وعلى رأسهم القبطان مجلس الرئاسة. أما الطاقم العامل فيمثل مجلس الرقابة، ويملك صلاحية إقالة الرئيس. وسفينة القراصنة هي رأس مال الشركة، وهدف التجارة هو زيادة الأرباح".

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل