المحتوى الرئيسى

الفاتورة المسحورة

01/10 09:23

صلاح صبح

تحولت فاتورة قيمتها 388 ألف درهم قيل إن زبوناً دفعها في نادٍ ليلي بأحد فنادق دبي إلى حديث المنتديات والمجالس، وتناقلها على نطاق واسع مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي، وهواتف «البلاك بيري» مصحوبة بتعليقات لاذعة تستهجن «ثقافة البذخ والإسراف».

من جانبي حاولتُ التواصل مع إدارة الفندق لمعرفة هذا الزبون الثري وفي أي مجال يعمل؟ ولماذا انفق هذا المبلغ الضخم خلال أقل من 3 ساعات؟ وهل هو مقيم في الدولة أم زائر؟ وهل هو أحد هوامير الأسهم أم مضارب عقاري كما خمنت بعض تعليقات شبكات التواصل الاجتماعي؟ ولكن محاولتي باءت بالفشل، تحت دعوى احترام سرية الزبائن، وهو أمر مقبول على أي حال. ولكن المعلومات التي نشرتها صحف ومواقع انترنت تشير إلى أن صاحب الفاتورة أوربي الجنسية وأنه دفعها بواسطة بطاقة إئتمانية وأنه استضاف 8 أشخاص أكلوا "كعكة عيد ميلاد" قيمتها 120 درهما، وباقي المبلغ شربوا به مشروبات من مختلف الأنواع، كما تشير تفاصيل الفاتورة التي جرى سدادها عند الساعة الثالثة فجر يوم الأحد الثاني من يناير الجاري.

ما يلفت النظر في تعليقات متداولي هذه الفاتورة أن البعض لديه يقين أن الزبون الثري ربما يكون أحد هوامير الأسهم الذي تمكن من تحقيق ثروة طائلة من عمليات مضاربة "منظمة" استطاع –على حد قولهم- من خلالها سلب مدخرات بعض من صغار المستثمرين الذين مازالوا يضخون أموالا في السوق بين الحين والآخر، وبشكل لا إرادي، طمعا في تعويض خسائر سابقة أصابتهم عقب انفجار فقاعة الأسهم بعدما كانت تضخمت بشكل مبالغ فيه خلال سنوات الطفرة التي سبقت العام 2008.

بالطبع لا يمكن التيقن من صحة هذه الفرضية، وخصوصا أن الأسهم، بوضعها المتردي الحالي، لا يمكن أن تحقق لأي مضارب أو "هامور" مهما أوتي من مهارات للتداول، وقدرات على التلاعب والتحايل أرباحا تخوله لإنفاق أكثر من 105 آلاف دولار في سهرة واحدة مدتها 3 ساعات. صحيح أن هناك مضاربين يربحون والبعض حقق عوائد جيدة على استثماراته خلال العام 2011 رغم أن الأداء العام للأسواق كان سلبيا، وأن الأسهم فقدت حوالي 40 مليار درهم من قيمتها السوقية.

ما يهم في هذا المقام أن هناك انطباعا منتشرا على نطاق واسع بين المتعاملين في الأسواق المحلية أن هناك من "يسرق" مدخراتهم، بشكل ممنهج وأن هناك من يتلاعب بحلمهم لاستعادة ما خسروه فقط، وليس تحقيق مكاسب، بعد أن تورطوا في مأزق سوق الأسهم التي دخلوها –أصلا- طمعا في تحقيق ثروات سريعة!!

وبغض النظر عن صحة هذا الانطباع من عدمه فإن انتشاره على هذا النطاق لا يكشف عن حجم وعمق معاناة صغار المستثمرين الذين هم وقود المعركة في أي سوق مالية، ومدى سيطرة الهواجس وحال عدم اليقين عليهم وفقط، ولكنه أيضا يؤكد أن هناك فهم خاطئ لمهمة ووظيفة ورسالة الأسواق، ما حولها -في خيال البعض- إلى ما يشبه "نوادي القمار" أو "لعبة بنك الحظ" في افضل الأحوال، بدلا من آلية تستهدف في نهاية المطاف –وبعيدا عن تعقيدات المصطلحات الاقتصادية- توظيف مدخرات المجتمع في التوسع الاقتصادي بما يعود بالربح على الجميع.

كم أتمنى أن تكشف الجهات المعنية، وهي قادرة على ذلك، عن شخصية هذا الزبون الثري، أيا ما كان، حتى لا يتحول إلى أسطورة يتناقلها البعض كنموذج على الأثرياء الذين يحققون أموالا من "مص دماء" الآخرين، ثم ينفقوها بدم بارد دون أن ترمش لهم عين، ولكني أتمنى أكثر أن تعود الثقة إلى المتعاملين في الأسواق من خلال تفعيل القواعد والاجراءات الكفيلة بضرب المتلاعبين بيد من حديد، فلا يعقل أن كل ذوي الصلة بأسواق الأسهم هم مجتمع من الملائكة لا يخطئون، ولا يتلاعبون ولا يحاولون التكسب بطرق غير مشروعة.

إن المتعاملين في حاجة إلى الإحساس بأن أموالهم آمنة، ليس من الخسارة، لأن من يطالب بتأمين استثماراته في أسواق الأسهم من الخسارة هو في المكان الخطأ، ولكن من التلاعب، وحيل المتلاعبين، وبعضهم للأسف مسؤولون كبار في شركات شهيرة.


* نقلا عن "الرؤية الاقتصادية" الإماراتية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل