المحتوى الرئيسى

احمد السباعى يكتب: الصهيونية والرياضة "2"

01/09 11:37

أندية المكابى اليهودية أسهمت فى إسقاط الخلافة العثمانية

بعد أن تناولنا الأسبوع الماضى العلاقة بين الصهيونية والرياضة، وكيف أن مؤسسى الحركة الصهيونية أرادوا ان يتسفيدوا من الرياضة فى تحقيق أهدافهم الإستعمارية من خلال نظرية "العضل الصهيونى نتناول اليوم الترجمة الصهيونية لنظرية «العضل».

حيث استدعى مؤسسو الحركة الصهيونية بذكاء شديد الأحداث التاريخية والأساطير الدينية من سباتها العميق عبر آلاف السنين، وأزالوا من عليها ركام الزمن ليقدموها فى ثوب عصرى جديد للشباب اليهودى لجرهم جراً للانتماء لحركتهم الداعية الى إنشاء وطن قومى لهم على أرض مغتصبة ليس لهم أى حق فى شبر واحد منها..

ومن بين الأحداث التاريخية أو الاساطير الدينية التى تم استدعاؤها لهذا الهدف الذى فى ظاهره الرياضة وفى باطنه الاستعمار أسطورة يهوذا المكابى (Jehuda haMakabi)، ذلك البطل القومى اليهودى الذى قاد ثورة تسمى فى كتب التاريخ والأساطير اليهودية باسمه "الثورة المكابية"، حيث خلف يهوذا هذا والده الذى كان كاهناً ويدعى متاتيا بن سمعان، وهو كبير قبيلة الحموشيين والذى وقف فى وجه الظلم والاستبداد الإغريقى من الحكام السلوقيين وملكهم أنطيوخوس الذى هاجم المعتقدات اليهودية ودنس الهيكل المقدس.

 فما كان من الكاهن متاتيا بن سمعان إلا أن قاد ثورة شعبية على ظلم أنطيوخوس، وشكل جيشاً قاده من بعده ابنه يهوذا الملقب بالـ«مكابى» أو المطرقة، وذلك لقوته الجسدية المفرطة.

وقام هذا الجيش بتطهير الهيكل وتحطيم الأوثان الإغريقية وختان كل الأطفال اليهود. وقد نجح يهوذا المكابى فى قيادة الجيش اليهودى لتحقيق عدد من الانتصارات التاريخية التى ترقى لحد الأساطير العسكرية.

 حيث تقول الموسوعة اليهودية «..واقتفى يهوذا المكابى أثر والده، وكللهم إيلوهيم إله إسرائيل بالنصر فى كل الحروب التى خاضوها، فهزم أبولونيوس والى السامرة وذبحه، كما هزم بجيشه الصغير جيشاً كبيراً جراراً بقيادة سيون نائب بطليموس ماكرو والى سوريا، فجمع أنطوخيوس أكثر من 40 ألفاً من المشاة وسبعة آلاف من الفرسان لمحاربة اليهود، ولم يكن عند يهوذا المكابى سوى ستة آلاف محارب، لكنه فاجأ جيش الآشوريين وهزمه شر هزيمة.

 وكان يهوذا المكابى مدرباً على الحروب، ماهراً فى القيادة، مخططاً جيداً للحروب، وفى السنة التالية هزم جيشاً مكوناً من ستين ألفاً من المشاة وخمسة آلاف من الفرسان، وبالانتصار الأخير أصبحت أرض يهوذا وإسرائيل فى قبضته، فنقى الهيكل من الأصنام والأرجاس التى وضعها الرومان وغيرهم، وأمر بإقامة الإحتفالات ثمانية أيام متواصلة، ثم هجم على الحامية الآشورية فى جبل صهيون لكنه لم يتمكن من الاستيلاء عليها، ومن أعماله أنه حصن الهيكل وبيت صور بالقرب من أورشليم، ثم اتجه إلى الأمم الوثنية التى كانت تعتدى على أرضه فهزمها مرات عديدة مع أخيه سمعون وأخيه يوناثان..».

وبالطبع لم يجد منظرو الحركة الصهيونية أفضل من هذا البطل "المكابى" لكى يكون قدوة للشباب الصهيونى، وليطلقوا اسمه "المطرقة" على أنديتهم التى أنشئت لكى يفتل فيها الشباب الصهيونى عضلاتهم، ويبنوا أجسادهم، وهم يستدعون قصة ذلك البطل الأسطورى المفتول العضلات الذى ضرب بقبضته القوية الأشبه بالمطرقة الحديدية كل أعداء اليهود.

وتقول كتب التاريخ الرياضى الإسرائيلى إن أول إشهار منظم وعلنى لأندية المكابى كان تحت عين وبصر الخليفة العثمانى عبدالحميد الثانى، وفى "حاضرة الاسلام" أو إسطنبول فى عام 1883، وقبل المؤتمر الصهيونى الأول بأربع سنوات، وفى نفس عام وفاة السلطان عبدالحميد (1918).. وبنهاية الحرب العالمية الأولى التى هزمت فيها تركيا العثمانية وصل عدد أندية المكابى - بحسب المصادر الصهيونية - إلى أكثر من مائة ناد لم يقتصر دورها على النشاط الرياضى فحسب بل تم تحويلها إلى أندية كشافة ذات برامج صهيونية محددة، بل وقامت بعمل تشكيلات عسكرية ضد الخلافة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى التى كانت مقدمة طبيعية لسقوط الخلافة العثمانية فى عام 1924، حيث تشير الموسوعة الصهيونية إلى أن دور أندية المكابى فى فلسطين لم يتوقف عند حد الاعتراف باللغة العبرية ونشرها، وبمجال النشاط العمالى والدفاع عن النفس بين الأوساط اليهودية، بل امتد كذلك لتجنيد نحو ستمائة عضو من أعضاء هذه الأندية فى الفيلق اليهودى الذى قاتل فى الحرب العالمية الأولى تحت لواء الحلفاء، وتحديداً ضمن صفوف الجيش الإنجليزى.

ولم تكتف أندية المكابى بذلك، بل إن عددا من الباحثين فى تاريخ الحركة الصهيونية يؤكدون على أن هذه الأندية كانت تعمل كستار مخابراتى بدول العالم، خاصة العربية منها، لصالح الوكالة اليهودية، وأسهمت بدور فاعل فى حركة الهجرة الصهيونية إلى أرض فلسطين.

ويرصد الدكتور عصام الخالدى فى كتابه "تاريخ الحركة الرياضية فى فلسطين" كيفية احتلال الحركة الصهيونية لفلسطين رياضياً قبل أن تحتلها عسكرياً وسياسياً، وكيف نجحت أندية المكابى فى القيام بأول عملية استيطان رياضى فى تاريخ الرياضة العالمية من قبل الحركة الصهيونية العالمية لأرض فلسطين، حيث يقول الدكتور الخالدى فى كتابه "لقد كان من الأمور المهمة التى سعى لها المكابى منذ العشرينات الظهور على الساحة الدولية وتمثيل فلسطين من خلال العديد من الاتحادات الدولية. وكانت الخطوة الأولى من أجل ذلك هى لقاءاته مع ممثليه من الأندية اليهودية فى أوروبا، فهو بذلك يستطيع أن يتدرب من خلال تباريه معها ليصل إلى مستوى دولى، كما يستطيع أيضا أن يوثق الروابط "القومية" مع هذه الفرق.

وكانت دعوة المكابى للفريق اليهودى فى النمسا "فيينا هكواه" أعوام 1923 و1924 و1925 إلى فلسطين أكبر دليل على ذلك.

 وقد رفع الفريق الضيف العلم الصهيونى أثناء المباريات، مما أدى إلى احتجاج العرب على ذلك (خاصة بعد مباراة أقيمت فى 12 يناير عام 1925) بأن أرسلت اللجنة التنفيذية للجمعية الإسلامية المسيحية رسالة إلى المندوب السامى تعلن فيها رفضها لهذه الممارسات، حيث تساءلت: هل يحق رفع الأعلام بمقتضى القوانين المحلية التى صدرت عام 1920. ومن المعلوم أن الانتداب البريطانى كان قد منع الأعلام أو الشعارات لأى هدف وطنى.

 ولم يكن رد المندوب السامى على هذا الاحتجاج (الذى نشرته صحيفة «Palestine Bulletin» الصهيونية فى 24 مارس1925 إلا الإشارة إلى أن هذه الأعلام التى رفعت كانت تمثل نادى "هكواح" ولم تكن تمثل العلم الصهيونى، فألوان علم "هكواه" كانت مطابقة للعلم الصهيونى، مشيرا إلى أن "هكواه" ليس دولة بل هو نادٍ، فعلمه لا يمثل العلم الصهيونى، كما أن هذا العلم لم يرفع بهدف مظاهرة سياسية ووطنية فلذلك فهو لم يخرق القانون.

حاول المكابى فى فلسطين الانضمام إلى الاتحاد الدولى للرياضيين الهواة فى عام 1924، وكان قادته قد أرسلوا وفدا إلى المؤتمر الدولى لألعاب القوى وكان الهدف من ذلك إيجاد سبل من أجل التعاون بين "أرض إسرائيل" والحركة الأوليمبية.

أهم أخبار الرياضة

Comments

عاجل