المحتوى الرئيسى

هل سيترك بنكيران إقامة الدين في المؤسسات بقلم:حميد طولست

01/05 23:23

هل سيترك بنكيران إقامة الدين في المؤسسات، لليتفرغ لنشر الديمقراطية بها؟

 

 لقد تهاوى عزف البعض على وتر استثناء هذا البلد أو ذاك، وسقط وهم ما يُردد ببغاويا، بأننا لسنا كالآخرين وأننا في مأمن مما يحدث حولنا من تغيرات بلغت درجة الثورات... وفندت وسائل الإعلام المستقل- على قلتها-  ومواقع "فايسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، كل ما يسمعه جمهور الإذاعات والقنوات التلفزيونية الرسمية، ويقرأه النخب في الصحف والمجلات الموالية، حول استثنائنا واختلافنا عن العالمين، الذي تحاول بعض الجهات تمريره من أجل الاستهلاك العام، وإخفاء  الحقيقة التي كان يراد لها أن تطمس، رغم دويها المجلجل وهيمنتها على نقاشات وحوارات نوادي نخب المجتمع المتفتحة، وتدور في رحاب جمعيات الأحياء وبين العائلات وداخل الأسر، والتي لم تحد عن الإشارات الكثيرة المتناثرة على طول وعرض المشهد السياسي العربي الذي أسرف في التلميح والتلويح للنشاط والدأب المتقادم لحركات الإسلام السياسي وتمدده وتشعب خيوطه وتشابكها في أفق واسع فضفاض من العلاقات المعقدة مع المجتمعات العربية والمغاربية، والتي أصبحت (الإشارات) في نهاية المطاف نتيجة محسومة، تمخضت عنها انتخابات 2 نونبر 2011 التي لم تكن طارئة ولا مفاجئة أو غريبة يؤيدها التغيير الحاصل في المجتمع المغربي كما في باقي المجتمعات التي تعيش أحداثا جديدة بزغت في السنوات القليلة الأخيرة واستقطبت اهتماما وتأييدا جماهيريا كبيرا، على حساب الأحداث الروتينية العتيقة التي ولت واندثرت أمام هذا الزخم العرمرم من خيل الأحداث غير المسبوقة التي تختلف جيناتها الوراثية وخارطة حمضها النوويDNA عن كل ما سبقها، تغذيها الإنترنت بمختلف وسائل التواصل العنكبوتية الرهيبة، وتؤجج نارها وثائق، بل فضائح، ويكيليكس المجلجلة، وتنضجها أزمات البطالة وتكلفة المعيشة المرتفعة ومعاناة الفقر والتهميش والقهر السياسي والإرهاب الفكري والحزبي والنقابي، لتنتصر في نهاية المطاف على تكهنات كل الجهات الرسمية والأحزاب السياسية التي تجاوزتها كل هذه الأحداث التي طبعت الأنظمة العربية، ووضعتها في مواجهة الغضب الشعبي خلال ما عرف بالربيع العربي الذي كانت المستفيد الأول منه على ارض الواقع، هي الأحزاب الإسلامية التي عرفت كيف تستغل براكن السخط الجماهيري ضد حكامه، لصالحها، وعلى رأسه غضب الحركات الشبابية وثوراتها التي تسببت للجهات المسؤولة في الصدمة والذهول وارتجاف الفرائص، حتى أنها لم تستطيع-رغم ضخامة إمكانياتها وعدتها وعددها- إقبارها أو التشكيك في مصداقية أهدافها ومبدعيها الذين لا قائد ولا زعيم لهم غير الهدف الوحيد والشعار الأوحد المتمثل في: "مقاومة الفساد وإعادة الكرامة".

 وقد استطاعت هذه الأحزاب الإسلامية الوصول إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع بفضل الكثير من هؤلاء الشباب الذين طالما اتهمتهم جل فصائل الإسلاميين وفي كل ربوع البلاد العربية والمغاربية، بالتخنث والمجون والعزوف عن السياسة، والغياب عن المسؤولية، إما غرقاً في مشاكل الفقر والحاجة، أو انغماساً في حياة الترف والسلوى.. والغريب في الأمر، هو أنه ما إن بدت بوادر نجاح تلك الحركات، حتى تسابقت في تزلف غبي، وتملق بليد، جميع التيارات التي كانت وإلى وقت قريب تعارض ثوراتهم جملة وتفصيلا، إلى الإشادة بها ومدحها والتهليل لها على أنها حركة معقولة مقبولة مباركة، بل ومقدسة، وأن مطالبها مشروعة ووطنية ثم ركبت عليها لغايات في نفوس اليعاقبة.

وفي مثل هذا المناخ الذي عرفه الشارع العربي والمغاربي، وفي ضل ازدحام وتطورات هذه الأحداث السياسية التي أفرزت ثورات كاسحة مهدت لصعود نجم الحركات الأصولية ووصول أحزابها إلى دفة الحكم في تونس ومصر؛ استطاع حزب العدالة والتنمية- مستحضرا مقولة جي دي موباسان الشهيرة(الشعب قطيع غبي تارة صبور جدا وتارة ثائر بقوة)- أن يستغل سياسيا غضب الشارع المغربي الشامل، وهيجان شبابه العارم، لغرض الفوز بالانتخبات التشريعية لـ 25 نونبر 2011، واحتلال المرتبة الأولى بـ 107 مقعدا، التي مكنته من تبوء رئاسة الحكومة، ما يجعل المغرب ينخرط في سياقات البلدان التي عرفت وصول الإسلاميين للحكم، ولا يحيد عن القاعدة التي تسقط معها أسطورة الاستثناء المغربي. 

وبالرغم من أن نجاح العدالة والتنمية ليس نجاحا لمشروع حضاري، أو انتصارا لبرنامج سياسي واقتصادي واجتماعي، بقدر ما هو نجاح انتخابي وفوز لثقافة سياسية ماضوية تربط الكفاءة باللحية والمحافظة على الصلاة في المسجد وبروز (طابع الصلاة) علامتها على الجباه، وأنه مكافأة لهذا الحزب على دفاعه المستميت على الدستور الجديد ومواقفه الصريحة ضد حركة 20 فبراير، و هجمته ضد أحد البنود المقترحة من طرف اللجنة التي أعدت مسودة الدستور والذي صرح فيه بحرية الاعتقاد لأنها تهدد مؤسسة إمارة المؤمنين، ونأيه عن الانحشار في أي مشروع نضالي أو مطالب جريئة تغضب المخزن، ولأنه حزب معروف بولائه الشديد للمخزن وللصلاحيات المطلقة للملك عبر مؤسسة إمارة المؤمنين، حيث كان يرفع دائما شعار " نحن مع ملك يسود ويحكم" وذلك باعتبار أن الملك الضامن للطابع الديني للنظام السياسي في المغرب، إلى جانب تعامله مع كبريات القضايا الوطنية الحساسة باحتشام كبير وحربائية مقيتة وشعارات بالية بئيسة يطلقها سواء في صحفه ووسائل إعلامه الخاصة أو في المهرجانات الانتخابات واللقاءات الصحفية، كما في القضية الأمازيغية التي عاداها -وغيره من الأحزاب الأخرى وعلى رأسها لا يحيد عن القاعدة وأدخل عدوه السابق وشريكه الحالي حزب الاستقلال- عداءا مستهجنا مجانيا ودون وجود معيار واضح، ثم عاد إلى الركوب عليها بانتهازية فجة فاضحة لمآرب انتخابوية صرفة ومحدودة، دون إيمان بقيمتها وقيمها وضرورة مأسستها ودسترتها على استقرار البلاد، ودون إصدار أي نقد ذاتي في موضوعها.

فقد تمنى الكثيرون، لو أن حزب العدالة والتنمية حصل على الأغلبية المطلقة، ليتمكن من تشكيل حكومة على مزاجه، دون الاضطرار إلى وضع يده مكرها في يد شركاء حكموا أو ساهموا في حكم البلاد لعقود، وجلب عليهم فشلوهم في تحقيق مطامح المواطنين سخط الجماهير العارم، وجعل من حكومتهم (حكومات عباس الفاسي) حكومة مغضوب عليها رغم ما حققته من انجازات في بعض الملفات،

 ودون اللجوء مجبرين إلى خطب ود شركاء كانت نتائج بعضهم الانتخابية غير مستحقة أو مشبوهة، لا هم لبعضهم إلا الجري وراء المناصب الحكومية، والتملق للوصول إليها، والاقتتال للحفاظ عليها والبقاء فوق عروشها إلى ابد الآبدين .

لكن حكمة المخزن التي جندت السيد بنكيران لتدبير المرحلة وتجنيب البلاد الكوارث، ارتأت تقييده، وبفنية خارقة -يوافق عليها الكثير من المغاربة كإجراء احترازي- بهذا النوع من التحالفات المتحكم في دواليبها، وتكبيل يده بشركاء تشوب بعضهم الشبهات، حتى يمكن توظيفهم لفرملة ما عرف عنه من شطحات غير محسوبة وإيقاف انزلاقاته المحتملة التي يمكن أن تزيغ به عن الخطوط الحمراء المرسومة قبلا، حيث يكون من السهل وتبعا للظروف والملابسات، أن ينسحب حزب من أحزاب الإتلاف وينضم للمعارضة، فتسقط حكومة بنكيران المتهم مسبقا بكونه يمكن أن ينزع بعد تمكنه من السلطة إلى الانتصار- على أساس "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما"- لبعض أفكار الفصائل الإسلامية التي تربطه بها علاقات وثيقة، والمتعلقة بنوعية الحكم الإسلامي (الخلافة الإسلامية) وتطبيق الشريعة بما فيها من عقوبات وحدود صارمة، كقطع الأيدي وجز الأعناق وجلد الظهور ورجم الأبدان في الساحات العمومية إلى جانب مواقفهم من أوضاع المرأة، والأعمال الإرهابية والديمقراطية ومفاهيمها التي لا يوظفونها إلا لمآرب سياسية محدودة دون أن الاعتقاد بقيمها وأسسها ومبادئها، لأنها في جوهرها -حسب معتقدهم- علمانية لقيامها على احترام الاختلاف والحريات وخاصة "حرية المعتقد" قبل كل شيء.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل