المحتوى الرئيسى

هل تستطيع مبادرة الأزهر إطفاء النار المشتعلة في الصومال؟ بقلم:فوزي منصور

01/05 21:25

هل تستطيع مبادرة اﻷزهر إطفاء النار المشتعلة في الصومال؟

مبادرة اﻷزهر

أطلقت مشيخة الأزهر في مصر مبادرة تهدف إلى رعاية جهود المصالحة بين مختلف الفصائل الصومالية المتصارعة.وأعرب الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، في بيان أصدره الثلاثاء، عن استعداد الأزهر الكامل لاستضافة لقاءات تضم علماء الدين والفرقاء الصوماليين للبحث في خطة للخروج من الأزمة الخانقة التي يعانيها الصومال.

ودعا علماء الدين في الصومال إلى أن يقودوا هذه المبادرة، مناشداً الشعب الصومالي البحث عن خطة ائتلاف موحدة والجلوس سويا للخروج من الأزمة.

وقال الطيب "إن القلب يئن لما يحدث لهذا البلد العربي الإسلامي الشقيق الذي يحتل مكانه جغرافية متميزة جعلته مطمعاً لجميع القوى الاستعمارية، والآن وقد تحرر الصومال يجب أن تعود إليه نهضته فلم يعد لديهم أي مبرر عقلي أو شرعي لما يحدث الآن من خلاف".

وفي سياق متصل أعلن شيخ الأزهر عن تسيير قافلة إغاثية تحمل مواد غذائية وطبِّية إلى الصومال، لافتاً إلى أن القافلة "هي هدية متواضعة من الأزهر وعلمائه إلى الشعب الصومالي الشقيق"، ومعبراً في الوقت عينه عن الشكر لكل من ساهم بتجهيز القافلة خاصة القوات المسلحة المصرية التي خصَّصت طائرة خاصةلإرسال تلك القافلة.

وقد قضي على عشرات الآلاف من الصوماليين جوعا اعتبارا من شهر أبريل 2011 جراء موجة جفاف عنيفة ضربت البلاد بحسب الأمم المتحدة فضلا عن ضحايا الصراعات المسلحة في الصومال التي لم تتوفق مند أكثر من عشرين عاما وتدخلت فيها دول أفريقية مثل أثيوبيا وكينيا و أوغندا زادت نارها اشتعالا باﻹضافة إلى دول من خارج القارة ترى أن من مصلحتها استمرار تردي الوضع في الصومال وعدم عودته كدولة موحدة مرة أخرى.

وتعتبر هذه المبادرة من اﻷزهر متأخرة جدا، وفي نفس الوقت ﻻيملك اﻷزهر من اﻹمكانيات المادية واللوجيستيه لوقف النزاعات المسلحة في البلاد وإبعاد التدخلات اﻷجنبية فيها وإعادة توحيد الدولة المقسمة حاليا إلى دويلات ، وﻻيكفي ﻷزمة معمرة طال أمدها أن يتم التخلص منها بمجرد التوفيق بين المتنازعين. والنزاع وإن أخذ شكلا دينيا فأن العوامل الدينية ليست سوى غطاء في واقع اﻷمر لخلافات قبلية وسياسية واقتصادية عميقة أو تعمقت بمرور الزمن وسقوط آﻻف الضحايا من المتنازعين.

كما أن تردي اﻷوضاع اﻷمنية منذ عدة سنوات مستمر فقط فيما تبقى من الدولة جنوب عاصمتها مقديشيو حتى حدودها مع كينيا جنوبا ومع أثيوبيا شرقا، أما شمال البلاد فيعرف قدرا من اﻻستقرار وموزع على دويلتين ،أحداهما شمال مقديشيو تحمل أسم : "بونت لاند" والثانية تقع شمالها وتعرف حاليا بصومال ﻻند.

جذور اﻷزمة:

كان الشعب الصومالي بعد الحرب العالمية الثانية موزع على عدة مستعمرات هي : الصومال الفرنسي،وهو جيبوتي الحالية وتجمع قبيلتي العيسى والعفر ، ثم الصومال البريطاني شمال البلاد المطل على بحر العرب يليه جنوبا الصومال الإيطالي وكان ضمنه منطقة ضمت إلى كينيا، ومنطقة صحراء أوغادين التي ضمتها أثيوبيا أليها.كما يوجد امتداد للعرق الصومالي شرق اﻷخدود اﻷفريقي تتبع أثيوبيا وتسكنها غالبية صومالية مسلمة.وطلبت بريطانيا بعد الحرب جمع كل هذه المقاطعات في دولة واحدة، إﻻ أن الوﻻيات المتحدة لم تستجب لذلك لتعارضه مع رغبة الإمبراطور هيلاسيلاسى حليفها في إثيوبيا الذي عارض المقترح البريطاني. وانتهى اﻷمر إلى منح اﻻستقلال للمستعمرتين اللتين تعودان إلى إيطاليا و بريطانيا وتكوين دولة للصومال في منتصف الستينيات عاصمتها مقديشو.وقامت جمهورية الصومال وعلى رأسها في البداية بحكومة مدنية لم تحسن إدارة البلاد فأسقطها انقلاب عسكري قاده محمد زياد بري الذي تولي الرئاسة عام 1969 وانضمت الصومال تحت حكمه إلى جامعة الدول العربية عام 1974رغم أن سكانها ليسوا عربا ويتحدثون اللغة الصومالية بلهجاتها المختلفة وإن كانوا كلهم من المسلمين السنة الذين يتبعون المذهب الشافعي.وحاول الرئيس بناء على ذلك تعليم اللغة العربية في المدارس ولكي تسهم في منح الشعب الصومالي هوية ثقافية متوافقة مع عقيدته الدينية وتزيد من وحدته وتجانسه وتميزه في ذات الوقت. واستفادت السودان من عضويتها للجامعة العربية اقتصاديا فقد أقامت الكويت مزرعة لقصب السكر ومعمل للسكر بلغت تكلفته 50 مليون دوﻻر تم تفكيكه وبيعه خلال الحرب اﻷهلية إلى كينيا عام 1992 وبنا العراقيون مصفاة للنفط في مقديشيو توقفت عن العمل منذ عام 1988 ولم تعد صالحة للعمل اﻵن وأرسلت مصر بعثة أزهرية وقوامها حوالي 400 مدرساً لتعليم اللغة العربية والدين. كما أقيمت مزارع للموز لسد احتياجات دول الخليج منه باﻹضافة إلى تصدير اﻹبل واﻷغنام الصومالية مما أنعش التجارة الخارجية للصومال.

وتعهد محمد زياد بري باستعادة اﻷراضي الصومالية المغتصبة وبدأ بمحاولة تحرير صحراء أوغادين من قبضة أثيوبيا، وكانت أثيوبيا تحت حكم مانجيستو ماريام الشيوعي بعد أن قاد انقلابا على اﻹمبراطور هيلاسيلاسى واستولي على الحكم فيها.واستمرت الحرب مابين ١٩٧٥ - 1977مع أثيوبيا ونجحت القوات الصومالية في استردادها اﻻ أن تنكر اﻻتحاد السوفييتي لتحالفه معه و وصول 50 ألف كوبي إلى إثيوبيا لدعمها في الحرب جعلها تنتهي بهزيمة الصومال واسترداد أثيوبيا لها،فاتجه بعدها للتحالف مع الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية ومنحا حق استعمال قاعدة ميناء بربره شمال البلاد التي أقامها الروس فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار. ومن تلك القاعدة نفذت إسرائيل الى الصومال وعملت على إسقاط حكم محمد زياد بري في الصومال يناير 1991 ولم يستقر الوضع في الصومال من يومها حتى اﻵن ودخل في حروب أهلية طاحنة ،وتم أيضا إسقاط حكم منجستو مريام الشيوعي في أثيوبيا وفصل اريتريا عن أثيوبيا بعد ذلك كدولة مستقلة، كافأت إسرائيل على مساعدتها لها بمنحها قاعدة برية بجوار العاصمة أسمرة وقاعدة بحرية في أرخبيل جزر دهلك في البحرﻷحمر.

كان استمرار الفوضى في السودان والنزاعات المسلحة يراه اﻷمريكيون في صالحهم وكانت عيونهم في الواقع مسلطة على منجم لليورانيوم على ساحل البحر شمال مقديشيو وقريب من سطح اﻷرض وعلى احتمالات وجود بترول في جنوب الصومال اعتبر احتياطي للمستقبل.وفي عام 1992 أرسلت الولايات المتحدة 32 ألف جندي إلى الصومال واحتلت ميناء مقديشو ، وظن الصوماليون أنهم أتوا لنشر السلام في الصومال فعرضوا تسليم أسلحتهم فرفض اﻷمريكيون استلامها بدعوى أن مهمتهم هي المعاونة في توزيع الغذاء على الصوماليين الذين كانوا يتعرضون وقتها للمجاعة ولا يدخل ضمنها نزع السلاح.وبعد أن تم اﻻستيلاء على اليورانيوم وشحنه في السفن اﻷمريكية على مدى خمسة أشهر قررت الوﻻيات المتحدة في مايو 1993، خلال رئاسة كلينتون سحب غالبية الجيش الأمريكي و بقى عدد قليل منه سلمت قيادته للأدميرال اﻷمريكي جوناثان هاو بصفته ممثل للأمم المتحدة في الصومال. هنا وجد الجنرال الصومالي عيديد الذي ينتمي إلى قبيلة" الهوية" والذي قاد اﻻنقلاب على محمد زياد بري ثم دخل في حرب مفتوحة بعده مع قبيلة" الدار وت" في الجنوب التي ينتمي إليها زياد برى والرحوين في الوسط للاستئثار بالسلطة، أن اﻷمريكيين خدعوه واستولوا على اليورانيوم دون أن يدفعوا له ثمنا له،فانقلب عليهم، وهاجم ما تبقي من قواتهم وقتل 18 جنديا أمريكيا، فسحبت الوﻻيات المتحدة ما كان لها من قوات بالصومال وأنهت اﻷمم المتحدة مهامها فيه وتركا الصومال قدرا يغلي  ونار مستعرة ﻻتجد من يطفئها حتى اليوم.

وقد حاولت مصر وقتها جمع المتحاربين في الصومال بمبادرة منها في القاهرة و حاولت فيها نسخ اتفاق مصالحة الطائف الذي أنهي الحرب اﻷهلية اللبنانية ورعته السعودية ، مع اختلاف الظروف واﻷوضاع في البلدين ، وعدم وجود قوات مصرية على اﻷرض تضمن سريانه ، وخبراء مصريين يعاونون في أعادة بناء الدولة وتوحيدها ،مما تسبب في فشل المبادرة فشلا  ذريعا. ورفعت مصر يدها بعدها عن الشأن الصومالي ، خاصة وأن تدخلها فيه لم يكن مرغوبا من كل من الوﻻيات المتحدة وإسرائيل والذي كان الرئيس السابق محمد حسني مبارك حريص على مرضاتهما ولو على حساب مصالح مصر وأمنها القومي.

بعد سقوط محمد زياد بري أعلنت شمال الصومال انفصالها وتأسيس دولة عاصمتها"هرجيسيا"، وبعدها بسنوات أعلنت دولة أخرى بين شمال الصومال والعاصمة مقديشيو سميت بجمهورية بونت لاند واتخذت من مدينة "جرووي"عاصمة لها ، وعقد أكثر من 14 مؤتمرا للمصالحة لم تعد ﻻ الوحدة وﻻ اﻻستقرار للبلاد فيما استمرت الحرب اﻷهلية في باقي الصومال وتدخلت فيها أثيوبيا بقوات عسكرية لمناصرة فريق ضد فريق آخر من المتحاربين ثم قوات منظمة اﻻيقاد التي تضم قوات من كينيا وأثيوبيا وأوغندا ورواندا ومازالت باقية في مقديشيو ونشب القتال بين ما عرف بقوات المحاكم اﻹسلامية والتي تمكنت من فرض اﻻستقرار لفترة وجيزة وبين حركة شباب المجاهدين والتي كان للتدخل اﻷثيوبي الذي تسانده الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية، المتسبب فيها.وبدأ الصراع القبلي يكتسي غطاء دينيا ﻹضفاء مشروعية عليه.

لقد مرت مياه كثيرة تحت الجسر على مدى عشرين عاما وﻻ يمكن تفصيلها في هذه العجالة.والخلاصة أن الصومال اﻵن مازال يعاني من انهيار مؤسسات الدولة والصراعات الدموية والمجاعة الناتجة عن الظروف المناخية واﻻشتباكات العسكرية، ومبادرة اﻷزهر وأن كانت يقظة متأخرة وتوجه طيب ، تعد في نفس الوقت محاولة ساذجة ممن ﻻ يعلمون حقيقة اﻷوضاع في الصومال والتي لن يغيرها أية مؤتمرات مصالحة جديدة تعتبر الوضع مجرد خلافات حول تطبيق الشريعة اﻹسلامية أو نظام الحكم اﻹسلامي ﻻ يحتاج سوى تقريب وجهات النظر بين المتحاربين لمجرد رفعه شعارات دينية مؤخرا.فضلا عن تجاهل التدخلات اﻷجنبية اﻹقليمية وغير اﻹقليمية في الشأن السوداني.وقد ورد في تقرير للأمم المتحدة أن 10 دول على الأقل متورطة في أزمة الصومال ومعظمها تخالف قرار الأمم المتحدة حول حظر نقل الأسلحة إلى الصومال.

كيف يمكن إنهاء اﻷزمة الصومالية؟

إنهاء اﻷزمة الصومالية ﻻ يتم اﻻ داخل الصومال نفسه وليس خارجه.ولن ينفع فيه أية مؤتمرات مصالحة تعقد في القاهرة أو أية عاصمة أخرى وخاصة أنه سبق أن جر ذلك وثبت مع تكرار فشله عدم جدواه.ويجب أيضا ، في نفس الوقت ، عدم اﻻستسلام للوضع الحالي باعتباره ميئوس منه،فمازال باﻹمكان تدارك الوضع رغم ما ساهمت فيه دول الجوار والدول الخارجية المساندة لها في تعميق اﻷزمة الصومالية وتعقيدها.واﻻعتراف بهذا التعقيد يعني توقع صعوبة الحل وبالتالي حشد القدرة الكافية للتغلب على تلك الصعوبة، وليس مجرد أظهار حسن النوايا، أو اللجوء الى حلول جزئية أو سهلة لا تستطيع أن تغير فيه شيئا.

وقد اقترح مبعوث الأمم المتحدة الخاص للصومال" أوغسطين ماهيغا" في أوائل ديسمبر الماضي خلال زيارته لدولة بونت خريطة طريق تتضمن بنودا حول : الأمن والدستور والمصالحة والإدارة الرشيدة لوضع نهاية للحكم اﻻنتقالي المستمر منذ عام 2004، أي منذ ثمان سنوات ، والتحول بالبلاد الى حكومة عادية، ودون أن يشارك الصوماليون في وضع خريطة الطريق تلك، وهي مبادرة أيضا ﻻ يقدر أن يكتب لها النجاح، ﻷنها تتعامل مع الوضع من خلال مكاتب اﻷمم المتحدة في نيويورك وليس من خلال معايشة الصوماليين واستيعاب واقعهم ميدانيا الذي تحول بعد انفجاراته المتعددة والمتلاحقة خلال عشرين عاما إلى شظايا متفرقة تحتاج الى فحص جيد لها قبل جمعها وإعادة تركيبها.ولذا اعتبر الأمين العام لمجلس عشائر الهوية إبراهيم محمد ويدو، أن خريطة الطريق صناعة غير صومالية، وتؤدي إلى تعقيد المشكلة الصومالية أكثر بدل أن تأتي بحل يرضي جميع الأطراف، مضيفا أن الموقعين على الخريطة لا يمثلون إلا مناطق إدارية محدودة مما يخل بالتوازنات القبلية.

الحل الممكن

إن مشاركة اﻷزهر في أي مبادرة ﻹنهاء الوضع القائم في الصومال تعد ذات أهمية كبيرة، ولكن مشاركته يجب أن تكون جزء من مبادرة تتبناها منظمة مثل الجامعة العربية أو المؤتمر اﻹسلامي ،واﻷفضل هي المنظمة اﻷخيرة التي تقودها تركيا حاليا.

ويجب أن يرتكز الحل على ما يلي:

يتم حل الحكومة الصومالية الحالية وإقامة حكومة من قبل المنظمة اﻻسلامية لفترة انتقالية محدودة يتم خلالها تنفيذ المهام العشر التالية:

 -1. انسحاب كافة القوات العسكرية اﻷجنبية من الصومال.

 -2. إعادة تكوين جيش نظامي صومالي من المسلحين مع جمع اﻷسلحة من الباقي.ويشمل الجيش قوات برية وبحرية وجوية تكون قادرة على حماية أمن البلاد الخارجي.

-3. إنشاء جهاز أمن داخلي لحفظ النظام واﻷمن.


 -4. نشر قوات حفظ سلام مسلحة تساهم فيها الدول اﻹسلامية.

-5.إعادة  بناء مؤسسات الدولة بقيادات غير صومالية خلال فترة انتقالية.

-6..وضع دستور بمشاركة الصوماليين وتحديد فترة انتقالية قصيرة يتم خلالها تنظيم انتخابات عامة ﻹقامة نظام حكم ديمقراطي دائم.

-7..وشع مخطط لتنمية البلاد يهتم بالزراعة والصناعة وتثبت الرعاة الرحل في قرى زراعية يتم توزيع اﻷراضي الزراعية عليهم فيها بالتساوي في المجال الحيوي لكل قبيلة صومالية.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل