المحتوى الرئيسى

نعم.. على قلوب أقفالها

12/27 09:30

١-

تتحدثين إلى أناس عن المساواة، عن العدل، عن احترام حق المواطن -كل مواطن- فى أن لا يضرب ولا يهان ولا يُعَرَّى أو يركل، ولا ينتهك جسده فى غرف التحقيق، ولا تنتهك كرامته فى أقسام الشرطة. تتحدثين إليهم عن حكم القانون، عن العدالة، لا تطالبينهم بمحاكمات صورية سريعة وإعدامات، أبدا، عن محاكمات عادلة وعلنية وشفافة. تتحدثين إلى أناس عن ضمانات لحقهم فى حياة كريمة لهم ولأبنائهم لكى لا يفقدوا فرصهم فى الوظائف بسبب «اللياقة الاجتماعية». حياة كريمة تضمن للجميع أن لا يُشق الوطنُ عرضيا بالطبقية الاجتماعية ولا طوليا بالطائفية الدينية. تتحدثين لهم عن ذلك دون طمع فى مكسب شخصى لأنها -والحمد لله- مستورة معك، ولا تنتظرين من أحد منصبا ولا مالا. لكنك تجدين من يعارضك. لا حول ولا قوة إلا بالله. بل تجدين من المعارضين فقراء يحتاجون أكثر من غيرهم إلى هذه القيم. وتجدين من «الإسلامجيين» من يستغل ثقة الناس فيه فى التحريض ضدك، والتشنيع عليك، والإغراء بضربك، والاستهزاء منك. تعلمين أن الدين قام على فكرة العدالة، فلا تملكين إلا أن تردى بالإثبات على سؤال القرآن: «أم على قلوب أقفالها؟».

٢-

تتذكرين الحادثة التى درستِها فى المدرسة، لا فى كتاب غريب ولا فى منظمة غربية، بل فى كتاب «عبقرية عمر»: أسلم جبلة بن الأيهم آخر ملوك الغساسنة من قبل الروم، ووفد إلى المدينة، ففرح به عمر وأكرمه، لأن فى اهتدائه نصرا للإسلام. ثم استأذن فى الحج. هناك داس أعرابى على طرف ردائه فما كان من جبلة إلا أن لكمه فهشم أنفه. ولما علم عمر أرسل إليه وخيّره بين استرضاء الرجل ودفع الدية أو القصاص. لكن جبلة رفض، لأنه ملك وذاك من السوقة، وقال لعمر: لقد ظننت أننى سأكون فى الإسلام أعز من الجاهلية. وأصر عمر على القصاص حتى لقد هدد الرجل أن يعود ومن معه عن الإسلام. لم يقل إن المصلحة تقتضى التجاوز عن «الجريمة». لأنه يعلم أن تلك مصلحة قصيرة النظر، وأنها فى الحقيقة مفسدة على المدى الطويل. ويعلم أن المصلحة الحقيقية هى إقامة العدل، ففيها إعلاء لقيمة الخير فى قلوب الناس، وقهر للظلم، وحفظ للأرواح. العقاد يرى فى تلك الحادثة بالذات مفتاحا لشخصية عمر. لقد أصر عمر على الانتصار للعدل فهرب الرجل ببطانته إلى القسطنطينية. تتذكرين ذلك وتسألين نفسك إن كان الإسلامجيون المناصرون لظلم الناس، المستهزئون بالضحايا، يعلمونها أم لا، فلا تملكين إلا أن تردى بالإثبات على سؤال القرآن: «أم على قلوب أقفالها؟».

٣-

تسألين نفسك: هل يقرأ هؤلاء الإسلامجيون آية سورة هود: «ولا تركنوا إلى الذين ظَلموا فتمسَّكم النارُ» كما تقرئينها أنت؟ هل يدركون التحذير الرهيب من مجرد «الرضا» عن أفعال الظالمين، مجرد الاستكانة إليها، مجرد الصمت عنها؟ لست عالمة فى الدين، ولا زعيمة، ولا يعرفك أحد فيكافئك على موقف أو ينكره عليك، لكنك إنسانة «عادية» لها قلب يزن الأمور بميزان إنسانى، بلا تعقيدات ولا فذلكات، ولا مصطلحات معقدة. تعرفين مثلا أن قتل الناس ظلم، وأن انتهاك الحرمات ظلم، وأن أضعف الإيمان أن تكرهيه ولا «تركنى» إليه. لا أن تزينيه، وتشوشى الناس، وتخلطى لهم الحق بالباطل. تعرفين هذا وتؤمنين به، فلا تملكين إلا أن تردِّى بالإثبات على سؤال القرآن: «أم على قلوب أقفالها؟».

٤-

من أى زاوية تأتينهم لا يفهمون. من باب حقوق الإنسان يتهمونك بتبنى مفاهيم «غريبة»، وكأن الإنسان عندنا لا يستحق حقوقا. تأتيهم من باب الدين فيستهزئون بك، وبك يسخرون: «لا مؤمن ياد؟! لا مؤمنة يا بِت؟!». فتدركين أن تلك هى حكمة كلمة «الأقفال»، فى لفظ الجمع. فليست تلك قلوب مقفولة الباب فيمكن أن تتسللى إليها من النافذة، بل قلوب عليها أقفال عدة، على كل مدخل قفل. على الباب قفل، وعلى النافذة قفل. «ظلمات بعضها فوق بعض»، تعميها، «فإنها لا تَعمى الأبصارُ ولكنْ تعمى القلوبُ التى فى الصدور.» نعم.. على قلوب أقفالها.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل