المحتوى الرئيسى

.. وما أدراكم من هو نوري المالكي؟

12/22 03:25

هدى الحسيني

إنها الطريقة الإيرانية في المراوغة للوصول ثم الانقضاض، والطريقة البعثية للتخلص من كل المحتملين أن يتحولوا إلى منافسين أو منتقدين أو مطالبين بحقوق.. هذا هو أسلوب نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي، الذي أصرت إيران على تعيينه وبسببه تخلت سوريا عن التزاماتها العربية ووافقت عليه بدلا من إياد علاوي.

نوري المالكي عاش أيام صدام حسين في ظل نظام بعثي آخر هو النظام السوري، ومع عودته إلى العراق بعد الغزو الأميركي، كان ولاؤه لتعاليم آية الله الخميني. وكان الخميني في منفاه الباريسي يستقبل ممثلين عن «حزب توده» الشيوعي و«الحزب الديمقراطي الكردستاني» (الذي قامت مجموعة إيرانية - تشكلت بعد انتصار الثورة الإسلامية - باغتيال زعيمه الكردي عبد الرحمن قاسملو في ألمانيا) والليبراليين واليساريين.

عاد الخميني إلى طهران فتخلص من كل من بقي من أنصار الشاه داخل إيران وحتى خارجها (اغتيل ذبحا شابور بختيار رئيس الوزراء الإيراني في شقته بباريس) ثم انقض على تحجيم أو إلغاء آيات الله الآخرين، قبل أن يعدم «أبناءه» بتهم الخيانة (صادق قطب زاده على رأسهم، وكانت مهمته إيصال خطب الخميني على كاسيتات إلى الداخل الإيراني)، ثم يهرب من بطشه «ابن» آخر هو أبو الحسن بني صدر أول رئيس لجمهورية إيران الإسلامية.

أما تاريخ البعث؛ عراقيا كان أم سوريا، فلا تزال المنطقة تعيشه حتى هذه الأيام. نوري المالكي «استوعب» دروس البطش من الطرفين، ومع هذه الدروس أساليب المراوغة والخداع.

بدأت الخدعة الأولى على الأميركيين، ثم تلاها، بإيعاز من إيران، حصر سوريا في «شباك» مشاركة عراقية بمبادرة مزعومة، كي يتسنى لنوري المالكي الانقضاض على السياسيين العراقيين المنافسين، وبالذات على السنة منهم، لكن، ما لا تدركه إيران، أن نشوب معارك داخلية في العراق سيقضي على كل طموحاتها في بسط نفوذها وتطبيق خططها التوسعية.

الدراما التي تحصل اليوم في العراق ليست صدفة، ولا يمكن أن تكون صدفة، وكونها تجري أمام الرأي العام، تأكيد على أن الصراع السياسي بدأه المالكي مع رحيل آخر جندي أميركي عن العراق. وكان كثيرون استغربوا كيف انسحبت كل القوات الأميركية من دون أن يتعرض لها أحد من العراقيين، ليتبين أن المالكي يريد وقبل أن يشعر أحد بالراحة، إفهام العراقيين السنة بأنهم أقلية لم تعد تتمتع بالنفوذ والقوة والاطمئنان كما في زمن صدام حسين، وعلى السنة أن يقبلوا بأن الشيعة - المالكي وحلفاؤه - هم من يحددون - دون سواهم - مستقبل العراق.

اتهم المالكي طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي بأنه خطط لاغتياله. في الدول عادة، إذا كانت من تهمة موجهة ضد مسؤول كبير، فمن المهم أن يبقى المعني هادئا بانتظار أن ينتهي التحقيق، لأن وضع «المتورط» أمام شاشات التلفزيون والطلب منه سرد تفاصيل المخطط المزعوم يعني بشكل صريح، أن المتهم بوضع الخطة لن يلقى محاكمة عادلة.

من ناحيتهم، يشعر السنة بالتهديد في ظل المالكي، ولذلك قرروا المطالبة بتطبيق ما يمنحهم إياه الدستور من حق، أي بالحكم الذاتي في أقاليم فيدرالية لمناطقهم بدل الحكومة المركزية، وقد يكون هذا ما أزعج المالكي.

كثيرون من العراقيين يتخوفون من حرب طائفية. صالح المطلك نائب رئيس الوزراء قال: «في السابق كنت متفائلا بأن هذا لن يحدث، لكن الآن، أشعر بأن الحرب الطائفية ستقع وبطريقة بشعة». وفي لقاء مع دبلوماسي عراقي سابق، قال لي إن «الإيرانيين طلبوا من المالكي أن يقترح مبادرة عراقية لحل الأزمة السورية، حتى إذا نشبت حرب طائفية في العراق، تشعر سوريا بحرج من التدخل»، وأضاف أنه يتوقع هذه الحرب رغم أن الشيعة ليسوا كلهم مع المالكي، لكن السنة، «الذين تسلحوا، لن يقبلوا العيش في ظل حكم رجل يدين بالولاء لإيران ولا يريد أن يبني العراق».

منذ عام 2006 والمالكي يخطط مع إيران وأيضا مع مقتدى الصدر لهذه المرحلة. نجح الثلاثة في خداع إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، والقيادة العسكرية الأميركية، وحملوا الولايات المتحدة، لاحقا على التوقيع على اتفاق الانسحاب الأميركي من العراق.

في يونيو (حزيران) 2007 سربت واشنطن إلى الإعلام الأميركي أنها تتطلع إلى وجود «شبه دائم في العراق»، عبر إبقاء أربع قواعد رئيسية. رد فعل المالكي كان إرسال وزير الخارجية هوشيار زيباري أولا، ثم مستشاره للأمن القومي موفق الربيعي الذي أبلغ كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية بأن المالكي يريد «اتفاقا حول وضع القوات»، يسمح ببقاء القوات الأميركية إنما مع إزالة كل ما يمكن أن يشكل انتهاكا واضحا للسيادة العراقية، وسعى في الوقت نفسه لحماية «جيش المهدي» من أي هجوم أميركي على أساس أن القوات العراقية قادرة على ذلك.

لأن الخطة بين المالكي ومقتدى الصدر وإيران تستهدف إنهاء الاحتلال الأميركي للعراق، ولأن المالكي كان يحتاج لدعم مقتدى الصدر، اتفقا على التزام المالكي بالحصول على جدول زمني للانسحاب الأميركي من العراق، ورعت إيران التزام مقتدى بإنهاء دور «جيش المهدي».

كان سبق ذلك، أي في منتصف شهر مارس (آذار) 2007 رفض المالكي السماح للأميركيين بشن هجوم على «جيش المهدي» في البصرة، وأمر الجيش العراقي بشن الهجوم. وكما كان متوقعا، تعرقل الهجوم، فطلب المالكي تدخل الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد «فيلق القدس»، للتوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار. وبعد ذلك بعدة أسابيع، كرر العمل نفسه.. منع القوات الأميركية من شن هجوم على «جيش المهدي» في مدينة الصدر في بغداد، واستنجد بالجنرال سليماني للتوصل إلى اتفاق مع مقتدى يسمح للقوات الحكومية بالقيام بدوريات في معقل «جيش المهدي».

ثم تلاحقت الاتفاقات الإيرانية مع المالكي، وبعد يومين من زيارة قام بها إلى طهران في يونيو (حزيران) 2008، أعلن انزعاجه من الطلب الأميركي البقاء في العراق، والسيطرة على المجال الجوي العراقي والحصانة من الملاحقة القضائية للقوات الأميركية والمتعاقدين من القطاع الخاص. بعد ذلك بشهر، قال إن حكومته تطالب بانسحاب أميركي كامل.

صدم الأميركيون رغم كل التأكيدات التي كان أرسلها المالكي عبر زيباري والربيعي إلى درجة أن الرئيس بوش صار يعتبر المالكي رجله في العراق.. حتى شهر أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام ظلت إدارة بوش تحاول إقناع المالكي الالتزام بوعوده، ثم تركت الأمر للرئيس الجديد باراك أوباما.

طهران سهلت كثيرا نجاح مراوغات المالكي من خلال اللعب على قصة أن المالكي ومقتدى الصدر من ألد الأعداء، على الرغم من أن الثلاثة كانوا يتعاونون سرا في المشروع المناهض لأميركا. ووقع بوش ورايس في فخ المالكي عندما وقعا «اتفاقا حول وضع القوات»، واطمئنا لذلك. ولأن المالكي الرجل الذي تثق به، فقد عمدت إيران إلى تشجيع الانقسامات في «جيش المهدي» فبرزت حركة «عصائب الحق» و«كتائب حزب الله»، والمجموعتان تديرهما إيران ويدعمهما «فيلق القدس».

أما المالكي، فمنذ أصبح رئيسا للوزراء عام 2006، فقد عمل على توطيد سلطته واحتكار القوات العسكرية والأمنية، ونجح في صراعه ضد شيعة آخرين كوزير الداخلية السابق جواد البولاني ووزير الدفاع السابق عبد القادر العبيدي. ومع تشكيل حكومته الجديدة عام 2010، تولى مسؤوليات وزارات الدفاع والداخلية ووزير الدولة لشؤون الأمن القومي، وكونه رئيسا للوزراء يسيطر على وحدات خاصة مسؤولة أمامه فقط مثل مكتب مكافحة الإرهاب الذي يشرف على قوات العمليات الخاصة العراقية.

بعد كل هذا، ليس غريبا أن ينقلب على الذين خدعهم من «القائمة العراقية» لإياد علاوي، بإعطائهم مناصب وزارية، أدت إلى إضعاف الفريق السنّي العراقي وتفكيكه.

خوف كل العراقيين، أنه بعد كل سنوات الحرب والدمار، والقتل والضحايا، فإن العراق ليس في أيد عراقية. والعراق المتوتر الآن يواجه مستقبلا غير مؤكد، وقد يهدأ عندما تنشغل إيران بقضاياها الداخلية. والسؤال هو: ألم يكن صالح المطلك على حق عندما قال: «المالكي ديكتاتور أسوأ من صدام حسين»؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل