المحتوى الرئيسى

والله ما هُنَّا ولا هانت دمانا..بقلم الشــيخ ياســين الأســطل

12/11 00:14

والله ما هُنَّا ولا هانت دمانا..بقلم /الشــيخ ياســين الأســطل

الرئيس العام ورئيس مجلس الإدارة

بالمجلس العلمي للدعوة السلفية بفلسطين

الحمد لله فقد من الله علينا وهدانا للإسلام نوراً هاديا ، وجعلنا به أئمة إذ قام محمدٌ صلى الله عليه وسلم داعياً ومناديا ، والعاقلُ المؤمنُ القويُّ من نظر الحق فآمن به وأقر ونظر إلى نفسه فعرف حقيقتها ، وأدرك ما يكون فيه صلاحها فسلك الطريق إليه ، وعلم سبيل فسادها فنهاها وزجرها فما هانت نفسه عليه ، ولكن العاجز الضعيف من حبسته نفسه الشهوات الحرام فانحبس ، ونجسته في الملذات بالآثام فانتجس ، فأقام نفسه على ما فيه هلاكها ، وقد شغله ما خُلق لأجله ، ولم يشتغل هو بما خُلق لأجله ، ألم يبلغ ذلك المسكين ما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وتزينوا للعرض الأكبر ، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا )!.. ألم يسمع ما نقل عن ميمون بن مهران قال : ( لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه ، كما يحاسب شريكه ، من أين مطعمه وملبسه ؟ ) ! ..

ونحن نحاسب أنفسنا فما هنا على عدونا من شيا طين الإنس والجن إلا بعد هواننا على أنفسنا ، والاعتراف بالذنب فضيلة ؛ وما من عجب ، فمن اعترف بالذنب يوشك أن يفارقه ، والمعترف بذنبه وخطئه متعرضٌ لمغفرة ربه ، عسى أن يكون من الذين قال الله تعالى فيهم : {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة102.

* أما من اغتر واستمرأ خطيئته وذنبه فلم يعترف ،كان من هؤلاء العاجزين التعساء الذين اكتفوا بالعجز والضعف على أبواب التواني ، والكسل عن القيام بالعمل الصالح وجليل المعاني ، وهذا التواني وهذا الكسل نوعٌ من النفاق ، ويسمى بنفاق العمل عند العلماء وحسب ، وقد قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء142. قال الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير : ( ..هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها، وهي الصلاة. إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمانَ لهم بها ولا خشية، ولا يعقلون معناها كما روى ابن مردويه، ... عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( يُكرَه أن يقوم الرجلُ إلى الصلاة وهو كسلان، ولكن يقوم إليها طلقَ الوجه، عظيمَ الرغبة، شديدَ الفرح، فإنه يناجي الله [تعالى] وإن الله أمامه يغفر له ويجيبه إذا دعاه، ثم يتلو ابن عباس هذه الآية: { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى } ) اهـ . وقال رحمه الله : ( ..ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة، فقال: { يُرَاءُونَ النَّاسَ } أي: لا إخلاص لهم [ولا معاملة مع الله بل إنما يشهدون الناس تقية من الناس ومصانعة لهم] ؛ ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يُرَون غالبًا فيها كصلاة العشاء وقت العَتَمَة، وصلاة الصبح في وقت الغَلَس، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْوًا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال، معهم حُزَم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار " .

وفي رواية: "والذي نفسي بيده، لو علم أحدهم أنه يجد عَرْقًا سمينًا أو مَرْمَاتين حسنتين، لشهد الصلاة، ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم بالنار") اهـ .

يا عباد الله أيها المؤمنون :الركون إلى الدنيا وشهواتها من أعظم الأسباب الجالبة للتعاسة والانتكاسة ، فعن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش " . ذكره الألباني في صحيح ابن ماجه . لكنَّ الأعظمَ خطراً ، و الأشدَ على الناس ضرراً صنفان :

الصنف الأول من جمع إلى نفاق العمل نفاق الاعتقاد ، قد حبطت أعمالهم ، وهم من قال الله فيهم :{وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ }التوبة54 . قال الإمام السعدي : ( ..يقول تعالى مبينا بطلان نفقات المنافقين، وذاكرا السبب في ذلك { قُلْ } لهم { أَنْفِقُوا طَوْعًا } من أنفسكم { أَوْ كَرْهًا } على ذلك، بغير اختياركم. { لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ } شيء من أعمالكم { إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ } خارجين عن طاعة اللّه، ثم بين صفة فسقهم وأعمالهم، فقال: { وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ } والأعمال كلها شرط قبولها الإيمان، فهؤلاء لا إيمان لهم ولا عمل صالح، حتى إن الصلاة التي هي أفضل أعمال البدن، إذا قاموا إليها قاموا كسالى، قال: { وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى } أي: متثاقلون، لا يكادون يفعلونها من ثقلها عليهم.{ وَلا يُنْفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ } من غير انشراح صدر وثبات نفس، ففي هذا غاية الذم لمن فعل مثل فعلهم، وأنه ينبغي للعبد أن لا يأتي الصلاة إلا وهو نشيط البدن والقلب إليها، ولا ينفق إلا وهو منشرح الصدر ثابت القلب، يرجو ذخرها وثوابها من اللّه وحده، ولا يتشبه بالمنافقين ) اهـ.

والصنف الثاني من جمع إلى ذلك كله أنه يتمنى على الله الأماني وهم أهل العجز إذ ضيعوا العمل : الأماني كما روى شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت . والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله " . رواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي : هذا حديث حسن . كلا والله فالجزاء من جنس العمل ، وليس المسابق إلى الخيرات و الفضيلة بأحسن العمل ، كمن وقع في مستنقع الرذيلة وحمأة الكسل ، فضلاً عن هذا العاجز المتمني على الله كذباً وزورا ، وهذا يذكرنا بالظالم لنفسه في سورة الكهف ، قال سبحانه : {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً{35} وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً{36} }.إخوة الإسلام :والله ما هنا ولا هانت دمانا ، إن دماءنا ودماء أطفالنا تستصرخنا ...هاهو المحتل البغيض يغير فيقتل ، ويجوس فيدمر ، ولا يرقب فينا إلاً ولا ذمة ، فلا يوف لنا بعهد ، ولا يتم لنا بوعد ، ولا يقر لنا بحق ، فأين اتفاقاته ؟ ، وأين عهوداته ؟ ..ألسنا من بني الإنسان .. فأين حقوق الإنسان ؟ .. ألسنا من هذا العالم ..فأين الشرعية الدولية العالمية ؟! .. فلنصدق أنفسنا ولنقل : بل أين نحن بعضنا من بعض ، كلٌ منا لأخيه أخٌ أو جار ، أو قريبٌ أو صديقٌ أو صاحب أو رفيق ، فما بالنا لهذا الوقت عن أنفسنا معرضون ؟!.. فلنقبل على الصلح والمصالحة في كل الميادين ، فلنصلح الدنيا بالدين ولنصلح الدين بالدنيا ، لنحقق الوحدة الوطنية ، ولنعد اللحمة الاجتماعية ، ولنصغ مستقبلنا ولكن على هداية من ديننا ولغتنا وتاريخنا وبلغة عصرنا ، ونور عقلنا ، وسبيل أمتنا ، فهذه هي البداية الحقيقية للحصول على حقوقنا ، ولنتبوأ مكانتنا بين الأمم .

العاجز المتمني دون عمل صالح يذكرنا بأولئك من أهل الكتاب إذ قال الله فيهم : {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران75 . قال الإمام ابن كثير : ( يخبر تعالى عن اليهود بأن فيهم الخونة، ويحذر المؤمنين من الاغترار بهم، فإن منهم { مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ } أي: من المال { يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } أي: وما دونه بطريق الأولى أن يؤديه إليك { وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا } أي: بالمطالبة والملازمة والإلحاح في استخلاص حقك، وإذا كان هذا صنيعه في الدينار فما فوقه أولى ألا يؤديه ) اهـ .

بل هذا العاجز المادح المعظم نفسه فوق الناس يذكرنا بما ذكر الله تعالى عن كفرة أهل الكتاب من غير أهل الإيمان من اليهود والنصارى قالوا قولاً عظيماً ، قال جل شأنه :{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }المائدة18.

أيها الناس ، يا عباد الله: فلنكن بعيداً عن العاجزين والخاملين ، والكسالى والمرائين ، الذين أهمتهم أنفسهم ، فظنوا بالله غير الحق ظن الجاهلية ، ولنحمل أنفسنا على القوة في الإيمان حملا ، ممتثلين لهذا التوجيه من النبي الكريم ومن أحسنُ قولا ..، ..فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان " رواه مسلم .

فإن أحْسَنَّا فلنزدد من الإحسان إحسانا ، وإن أسأنا فلنعترف بالذنب ، ولا نكابر عناداً فنزداد فوق الخسران خسرانا ، وإن أبانا آدم أخطأ فاعترف وأناب ، فاجتباه ربه وعليه وعلى زوجه حواء تاب ، لكن الشيطان ركب رأسه ، وأعجبته نفسه فزعم أنه خيرٌ من آدم لأنه خلق من النار وآدم من الطين ،فهو أول من دعا إلى العنصرية في العالمين ، واستمرأ معصيته ، واستكبر على ربه ، وغره عمله ، فكان جزاؤه ما تعلمون

وصدق من قال : يامن عدا ثم اعتدى ثم اقترف *** ثم ارعوى ثم انتهى ثم اعترف

أبشر بقول الله في آياته *** أن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف

عباد الله أيها المسلمون : إن من قوة الإيمان اليوم من قام على إصلاح شئون الدنيا لأنها من السبيل إلى إصلاح شئون الدين ، وإن من العجز العظيم :

*من يزعم أنه يريد إصلاح شئون الدنيا للمسلمين ، بينما هو يضيع عليهم دينهم ، ظاناً أن الدين وأهله المستمسكين به هم سبب تأخر المسلمين عن ركب التقدم وأسباب الرقي ، الذي نرى عليه الأمم اليوم ، وهذا المسكين نذكره بقول الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)} الحج..قال الإمام السعدي : ( ..وهذه الآية الكريمة، فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه ولرسوله وعباده المؤمنين ما لا يخفى، ومن تأييس الكافرين، الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره، ولو كره الكافرون، أي: وسعوا مهما أمكنهم..) اهـ .

وإن من العجز العظيم كذلك :

* من يزعم أنه يريد إصلاح شئون الدين بينما هو يضيع نفسه وأهله والمسلمين ، وهذا نذكره بقول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وقد جاءه قهرمان له فقال له : أعطيت الرقيق قوتهم ؟ قال : لا قال : فانطلق فأعطهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كفى بالرجل إثما أن يحبس عمن يملك قوته " . وفي رواية : " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت " . رواه مسلم .

وإن من العجز العظيم أيضاً :

* من خرج على المسلمين برأيه وعمله ، دون أن يستبيح هو نفسه دما حراما ، ولا مالاً حراما ، ولا عرضاً حراما ، يزعم الجهاد في سبيل الله ، ويتسبب هو بخطل رأيه ، وسوء عمله ليس في الإضرار بنفسه وأهله والمسلمين فحسب ؛ ولكن بدعوة الإسلام أيضا.

* وأشد منه عجزاً : * من خرج على المسلمين ، يستبيح دماءهم وأموالهم وأعراضهم ، يزعم أنه وحده ومن على شاكلته هم الناجون ، وهم المجاهدون ، أهل التقوى وأهل المغفرة ، وأما غيرهم من المسلمين فالهالكون القاعدون أهل الخسران ، أما سمع هؤلاء وأولئك :

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل