المحتوى الرئيسى

في ضيافة قاتل ما بقلم:د. عبدالله عيسى

11/19 23:17

في ضيافة قاتل ما


تحية إلى روح الشاعر الشيشاني الصديق رسلان أختاخانوف

د. عبدالله عيسى

مجرد أن تكون شيشانيا ً فذا قدر خصّك َ الله به ، كامل الأوصاف :

أن تصعد بحجر الرؤيا إلى أعلى جبل لتصبح كليم نفسك ، كابن آوى في جوف الصحراء ،صارخاً في البريّة : أنا الحي ّ في قائمة قتلاي ، أنا المقتول القادم إلى قائمة الأحياء في ذاكرة آلي وصحبي .

أو أن تتكئ على ظلال القادمين إلى غدك َ من أسفار ِ السلالة ، تلك التي تتحلى برحمة آيات تتلى بروح الإمام شاميل فتخضب لحيته من ضراعة ، وتنطق على لسانك َ بأسماء حياة تناديها بين حربين عاتيتين لتلقي السلام على أحد ٍ يَرِد ُ المكان ، مكانك ، بيد بيضاء من غير سوء .

وربما عليك َ أيضا ً كي تظل ّ مجرد أن تكون شيشانيا ً أن تكتفي برثاء نفسك ، إذ تمر ّ بك َ الأبدية ُ على عجل ٍ :

إثنتان من الأمهات ِ ، رؤومتين تحنوان على الشواهد

تحلمان بأن يعود الذي مضى إلى أمسه

حينما رفعتا ، تحت القلب تماما

من ذهبت به الحرب ُ إلى باطن الأرض .

لكن أن تكون شاعراً شيشانيا ً ، فكأنك َ تقطن اللا أين ، مثلي ، وأنت تتوسّل ُ غروزني كلها وأخواتها ( و أنا أتوسل القدس وشقيقاتها ) ، غروزتي الذاهبة بكامل زينتها إلى حربها الأولى ، الخارجة من تحت طائلة دمارها الغلاب بِسِرّ فتنتها لتُسرّ من رآها بعد حربها الثانية ، ( فلسطيني كلها يا صاحبي تحت وطأة دمار يؤرّخ له رب ّ العهد القديم ) ، لتسكن معك َ في غرفتك َ في موسكو ( تماما ً كما فلسطين بكامل أوصافها تعيش معي هنا )

لكأنك َ في اللامكان . مثلي يا صاحبي . مأخوذا ً من بين يديك َ ومن خلفك َ إلى لفظتك َ الأولى : الوطن . الوطن الذي ضاع ، أو ضيّعوه ، أو أضاعوه ُ في مصافحة ٍ بين عدوين أجّلاها إلى عهد ما بعد موتيهما

موسكو وغروزني . يا موسكو ويا غروزني

أبدا ً ، أراكما شعاع الأبدبة

وأحلم أنكما كأصبعبن في الكف ّ

لا أن تؤرقا أحلام مضجعي من الرعب القتّال .

قلت َ لي : أنا كابن آوى أنظر إلى قمر بعيد . وقلت ُ لك : أنا أشبه بحلزون الأرض ، أحمل بيتي على ظهري . لكأننا كنا نمضي إلينا برائحة جغرافيا مفقودة فينا . لكأن الكلمة لم تعد تكفي لنبني وطنا ً لنا ، وما عاد بمقدور الحلم أن يلوّح بعودتنا . تخيّل يا صاحبي أن بامكانك أنت أن تزور وطني كله : فلسطين من النهر إلى البحر ، وأنا محظور عليّ أن أدنو برئتي ّ من هواء يهب ّ فيها . أما أنا ، فعلى زيارة دائمة للشيشان قبل حربين ، وبعدهما ، وما بينهما .

فلنتبادل ِ الأدوار يا صاحبي إذن .

لكنني لا أستطيع أن أُقتَل عنك َ . فقد فعلتَها وحدك َ . أرجو المعذرة : فعلها قاتلك بك .

آنذاك ، حين التقينا و كان شبح قاتلي يطاردني ، تساءلت َ: كيف َ لبشر ٍ أن يفكّر بقتل شاعر مثلك َ . ومن ذوي القربى ؟ بل من أخوة لك ؟ . واحتضنت َ جسدي النحيل كأغنية ساحلية شاردة على أسوار عكا بقامتك العالية مثل شجرة بتولا على جبل يسند الأرض من سقوط ٍ حول غروزني .

لم يقتلني هؤلاء: ثلاثة وكلبهم معهم سطا على اسم فلسطين . لكنّ أولئك قتلوك . ويقولون أن قاتلك َ من أبناء سلالتك . مثلما كاد يصير " أخ " ( " أخوة " ثلاثة وكلبهم رابعهم ) لي قاتلي ّ.

لم تكن قط تتخيل مثلي أن يداً آدمية يمكن أن تسوّل لنفسها أن تُمَد َ على شاعر بسوء .

هاأنذا أردّد صيحة ميخائيل ليرمنتوف إثر مقتل الكسندر بوشكين : قُتل الشاعر .


( نعي أخير :

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل