المحتوى الرئيسى

حزب العدالة والتنمية المغربي: النومونكلاتيرا ومذبحة القيم بقلم:عبد الله لعماري

11/19 20:26

ذ/ عبد الله لعماري

حزب العدالة و التنمية، هو الصرح الاجتماعي والسياسي و الفكري، والبناء البشري ، الذي ساهم في تشييده آلاف الرجال الأفذاذ بعقولهم وطاقاتهم وتضحياتهم، طيلة أزيد من أربعة عقود من الزمن منذ أواخر الستينيات من القرن المنصرم.

فالحديث الموضوعي عن الحزب الإسلامي العتيد، هو الحديث عن أنويته الأولى التي تأسست خلايا للحركة الاسلامية المغربية بعد سنة 1967، ثم انتقالها إلى المرحلة البارزة : جمعية الشبيبة الإسلامية 1972 – 1980 ، و مرورها بعد ذلك بمراحل : الجماعة الاسلامية ثم حركة الإصلاح و التجديد فحركة التوحيد و الإصلاح.

هذا الزخم النضالي بكل تجلياته الفكرية و التنظيمية و التاريخية، و الذي تداولت على حراسته و صيانته أجيال الحركة الإسلامية، و تولت قياداتها رعايته في أحلك الظروف، إلى أن آل ميراثه إلى من يبرزون الآن كوجهاء لحزب العدالة و التنمية بعد أن احتضنه الدكتور عبد الكريم الخطيب و ادمجه في حزبه الحركة الشعبية الدستورية.

و لئن كانت المرحلة الأولى للحزب إبان فترته الجنينية التاريخية كحركة إسلامية، قد اتسمت بالرسالية و نكران الذات و تحلت به النخب القيادية التي تعاقبت على الريادة و التسيير ممن لم يعودوا متصدرين للمشهد، لما اعتادوا عليه أن يرجعوا إلى الظل و إلى مواقعهم الاجتماعية البسيطة في أوساط الشعب، كلما تداولوا على حمل المشعل من مجموعة إلى أخرى، دون اصطناع هالة، أو اتصاف بزعامة، أو تمسك بامتيازات معنوية أو مادية،بالرغم من عطاءاتهم الغالية، التي بلغت أحيانا إلى وأد أعمارهم في السجون و المنافي أو فقدان وظائفهم و ثرواتهم و مكاسبهم الاجتماعية.

لئن كانت المرحلة الأولى كذلك، فإن راهن الحال، و بعد أن مكنت قواعد الحركة الإسلامية حزبها من تبوء موقع راسخ في المشهد السياسي بين الأحزاب التي اهترئت و ترهلت، فإن الواقع الجديد قد تداعى إلى شكل آخر، برزت فيه طبقة متحكمة في دواليب الحزبو مفاصله، متنفذة في بنياته من الأسفل إلى الأعلى، ظاهرها وجهاء الحزب الذين خلعوا على أنفسهم صفة القادة التاريخيين و سوقوا لهم سيرة المراجع المؤسسة الأولى، و باطنها الشبكات الزبونية المنبثة في بنيات الحزب و المنتفعة من المكاسب و المغانم و الامتيازات.

هذه الطبقة، تعيد إنتاج ما سبق و أن أفرزته الأحزاب الشيوعية البائدة، زمن الاتحاد السوفياتي و أوروبا الشرقية فيما عرف بين السياسيين بالطبقة البيروقراطية المتميزة :

النومونكلاتيرا : nomenklatura، و هي طبقة مسيطرة على مقاليد الأمور، تنتج الإيديولوجيا حسب مصالحها، و تمارس الديموغاجية على مناضلي الحزب. و توزع المنافع حسب مسطرة الزبونية و المحسوبية، إذ هي صورة مصغرة من ديكتاتورية البروليتاريا، و التي بواسطتها رزحت الشعوب تحت تسلطها بديكتاتورية أكبر إلى ان تسببت بالانهيار الشامل للمعسكر الشرقي.

و الشيء بالشيء يذكر، إذ في أكبر معاقل حزب العدالة و التنمية على الصعيد الوطني في دائرة حي البرنوصي - سيدي مومن بالدار البيضاء، الحي المشهود لجماهيره بالنضال و الكفاح تاريخيا، و الذي يتبوأ فيه الحزب مكانة هامة تعلو على كل مواقعه في ربوع البلاد.

في هذا المعقل تجاسرت النومونكلاتيرا عل سحق كل القيم النبيلة بالشكل التالي :

أفرزت نتائج الانتخابات الحزبية الداخلية التي أجريت بالدائرة الانتخابية البرنوصي سيدي مومن لحزب العدالة و التنمية فوز السيد عبد الغني المرحاني كمرشح لوكيل لائحة الحزب لخوض استحقاقات الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر 2011.

و فاز هذا المناضل بنسبة 80 % من أصوات محازبيه، إذ حاز أصوات 170 ناخبا لفائدته في مقابل حيازة الذي يليه في الدرجة الثانية على 34 صوتا.

و تشكل هذه النسبة أعلى نسبة تم الحصول عليها من طرف مرشحي وكلاء اللائحة في كل مواقع الحزب على طول البلاد و عرضها، و هو ما يفيد أن الرجل قد حاز على ثقة الغالبية العظمة من إخوانه بالحزب بشكل يكاد يكون استثنائيا في التاريخ الحزبي.

لكن المفاجأة، و لما عرضت هذه النتيجة على مجلس الأمانة العامة للحزب، و بدلا من تخليد صاحبها بطلا، و منحه سعفة ذهبية، و الاحتفاء به تشريفا، و التفاخر به أمام الأحزاب تفاخرا يعطي للحزب شرف اتصافه باحترام مبادئ الديمقراطية الحزبية و من تم يكون صورة للنموذج الديمقراطي المرتقب في الممارسة السياسية.

بدلا من ذلك، تم التشطيب على هذه النتيجة بصلف بيروقراطي بارد، و أعلنت شرعة النومونكلاتيرا تعيين أحد محظييها: وكيلا للائحة الحزب بالبرنوصي سيدي مومن عبر وسيلة الإنزال بالمظلة (PARACHUTAGE) تلك الوسيلة البائدة التي كانت تلجا إليها الأحزاب العربية في النظام السياسي العربي الآيل للزوال، الذي دخل و أحزابه و تقاليده البالية غرفة العناية المركزة أمام هيجان السخط الشعبي العارم من المحيط إلى الخليج.

سياسة النومونكلاتيرا الحزبية رجحت الانزال بالمظلة على الاختيار الحر الديمقراطي، فاستخفت بإرادة المناضلين الذين عبروا عن حريتهم و كرامتهم بأصواتهم، لكنهم فوجئوا ببخس حريتهم و كرامتهم و اختيارهم من قبل قياداتهم.

و فوجئت معهم جماهير ساكنة دائرة البرنوصي - سيدي مومن بمذبحة للقيم، سقطت فيها المبادئ عند من كانوا يتنادون لحمايتها، و يتباكون صبحا و عشيا على انتهاكها.

و من تم انزلقت سياسة النومونكلاتيرا و إملاءاتها من الأعلى، انزلقت بالحزب نحو الإخفاق في امتحان الديمقراطية.

و لا يفتأ قادة حزب العدالة و التنمية يعلنون و بكل صخب و بالليل و النهار شن الحرب بلا هوادة على المفسدين و أعداء الديمقراطية، و الذين شاخوا و هرموا في الاستئثار بالسلطة و الثروة و النيابة عن الشعب في المؤسسات التمثيلية.

و حفلت تصريحات قادة الحزب و أدبياته الإعلامية، و تدخلات نوابه في كل المحافل باستنكار سياسية الإسقاط من فوق، فاستنكرت إسقاط الوزراء في الحكومات من خارج المنهجيات الديمقراطية، و شجبت إسقاط النواب ضدا على إرادة المحازبين و الناخبين و من خارج دوائرهم، و أقامت الدنيا و لم تقعدها على ولادة حزب الأصالة و المعاصرة، حينما نعتوه بكونه حزبا أسقط على الحياة السياسية من فوق.

لكن النومونكلاتيرا الحزبية ضربت صفحا عن شعارات الحزب و تعهداته، فأسقطت من فوق|، نائبا برلمانيا لبث ثلاث ولايات متتاليات في دائرة نيابية أخرى كان الأرشد به أن يتابع مأموريته فيها لولا أن قد أصبح لمناضلي هذه الدائرة و سكانها رأي آخر.

و بالرغم من ذلك سولت النومونكلاتيرا الحزبية لنفسها أن تستعيض بهذا الذي أصبح في حكم المتقادم، عن شاب واعد أقبل عليه المناضلون و التف حوله الناس و هو الشاب الذي أمضى صباه و شبابه في صفوف الحركة الإسلامية، و من تم في صفوف حزب العدالة و التنمية وفيا و منضبطا، لكونه ينتسب إلى بيت من بيوت الحركة الإسلامية إذ أن والده من إسلاميي الرعيل الاول سنوات السبعينات.

و لا تكاد تمر ساعة من نهار دون أن تضج صيحات الحزب بالوعيد و التهديد بالويل و الثبور إذا لم تتنق الحياة السياسية من شوائب الماضي و إذا لم يتم التنزيل السليم لمبادئ الدستور الجديد و مقتضياته، و هي المبادئ التي ترشح من اولها إلى آخرها بقيم التجديد و التشبيب و تكافؤ الفرص و الديمقراطية الداخلية للاحزاب و تشجيع الكفاءات الصاعدة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل