المحتوى الرئيسى

عن ثورة ليبيا والقدافى

11/19 19:08

بسم الله الرّحمن الرّحيم

كلمات أخيرة لكلّ من يتباكى على القذافي

حــرام عـلـيـكم!

كان دائما هناك،،في شاشات الفضائيات، في نشرات الأخبار، في الصحف والمجلاّت، في المذياع والقنوات المحليّة، على الأوراق المالية، في المدرسة والجامعة، في المحلات والأسواق، في دورات المياه وفي حافظات الأطفال..كان دائما هناك، كما الماء والهواء، لم يكن ثمة موضع في ليبيا بإمكانه النجاة من صور القذافي أو من مقولاته..

نعم، كان هناك منذ نعومة أظفاري، ففي المدرسة الابتدائية تعلمنّا أن التاريخ ينقسم الى مرحلتين فقط، مرحلة ما قبل التاريخ ثم تليها ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة، وتعلمنا أن (بابا معمر) لا يقل أهمية عن (بابا سنفور)، وأن قوته لاتقل عن قوة (غرانديزر) و(رعد العملاق) الذي جاء ليحمينا..

في نشرة الأخبار كان هناك – منذ الأزل – ذاك الصوت الكئيب التعيس الذي يصيبك بالفالج النصفي قائلا: من الفصل الأول.. من الكتاب الأخضر، تليها الأخبار المفصلة والبداية دائما: استقبل (الأخو) قائد الثورة…. و ودّع (الأخو) قائد الثورة..


في مراهقتنا، تعلمنا أنه هو المراهق الأوحد، فقد أحاط نفسه بكتيبة من الشقراوات على طريقة الأساطير الإغريقية، لا للحماية طبعا، ولكن ليبعث رسالة كيميائية للشعب الليبي مفادها أنه الفحل الوحيد هنا، أدونيس الذي تتهافت النساء لحمايته، معتقدا أن شعر رأسه – الذي لايختلف كثيرا عن كومة قش – كفيل بسلب لبّ كل رعبوبة دعجاء..


مرت المراهقة على خير، وبدأت أناملنا تتحسس بفضول تلك الكرة القابعة بين أكتافنا، فاكتشفنا أنها جمجمة، وأن بها عقلا يستحق الاستخدام ونفض الغبار عليه، وفجأة، وقبل أن نفكر في التفكير، ظهر لنا وجه القذافي من مكان ما، عاقدا يديه على صدره، مسعّرا وجهه إلى علّ، ومرتديا إحدى ستائر (سيدار) المزركشة، ظهر لنا على أنه المفكر الوحيد، والمعلم الأوحد، الأديب والشاعر والفنان وراقص الباليه ومهندس النظرية العالمية الثالثة..


لم يكن ثمة من يجرؤ على ادعاء التخصص في مجال ما، فقد كان يفهم اللعبة السياسيّة أفضل من أساتذة (هارفارد)، ويشخص الأمراض أفضل من أطباء (كامبريدج)، ويتحدث في الأدب العالمي أفضل من فطاحل (أُكسفورد)، ويسلّك البالوعات أفضل من الحاج (جمعة)..


قضّ مضجعه (أبو الحروف) الذي ضاقه أن يوصف بأنه أطول من المدّ وأهدأ من السكون وأسرع من لمح العين، فقررأن يلعب دور غريمه (خربوط) ويغير المسميات دون إحم أو دستور، فألبس (أوباما) العمامة، وجعل من شكسبير الشيخ زبير، وفكك الديمقراطية الى طاولات وكراسي..


لم ينجو شيء من قبضته، غيّر أسماء الشهور والسنوات، واستبدل تاريخ هجرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بتاريخ وفاته، وأنكر السّنة وتهكم على الشفاعة، وحرّف القرآن، وتوصل الى الحل النهائي لأوجاع الانسانية في كتابه الأخضر، الذي فاجأنا فيه باكتشافات علمية ساحقة لم ينتبه لها أحد، منها أن المراة تحمل وتنجب بينما الرجل لايمكنه ذلك..

لم يكتف (الزعيم والقائد) بهذا، بل فكر وقدّر، وتذكر أنه لم يتحدث بعد في الألوان، فحمل برميلا من الطلاء الأخضر وسكبه على رأس الشعب المسكين..

كنا نعيش حالة (اخضرار) حادة، فالأعلام خضراء، والأختام خضراء، والكتب خضراء، والسيارات خضراء، والواجهات خضراء، وجثث ضحاياه خضراء، كل شيء كان أخضرا باستثناء الأرض، فهي الوحيدة التي بقيت صفراء مكفهرة تعاني الإهمال والتصحر..


لو فتحت التلفاز لوجدته يتحدث، ولو فتحت المذياع لسمعت صوته عبر الأثير، ولو طالعت الصحيفة لوجدت صورته أمامك، ولو فتحت القرآن الكريم (الطبعة الليبية) لوجدت كلمة (الناس) مكتوبة بخط يده، ولو فتحت دولاب غرفتك لخرج لك من إحدى الأدراج..

هكذا كان (معمر القذافي)، شبحٌ يطاردك في اليقظة والمنام، ديناصورٌ جوراسي يرفض الانقراض، لطالما تندّر الليبيون هامسين أن القذافي يحتفظ بسلحفاة وليدة ليتأكد إذا كانت تعيش –فعلا- مائتي عام..

لعل ما ذكرته آنفا يبررُ ردة فعلي وأنا أسمع خبر مقتله على أيدي ثوارنا الأشاوس، فقد صرت أبحلق كما المصعوق في شاشة التلفاز بين مصدق ومكذب، كان برفقتي صديق ياباني، اتسعت حدقتاه مثلي وبات يردد كلمات يابانية على وزن (مش معقولة)، طلبت منه أن يقرصني في ذراعي لأستيقظ من الحلم، أطلق شتيمة يابانية على القذافي، ولا أدري إن كانت شتيمة أم لا، لكنها بدت لي كذلك، ثم قال لي أن هذه نهاية كل طاغية أجرم في حق شعبه..


كلمات صديقي الياباني أكدت لي ما أشاهده، إنه القذافي يا قوم، القذافي الذي كان ملء السمع والبصر، يستجدي الرحمة من الثوار، رغم كونه عرّاب المقولة الشهيرة (لا شفقة لا رحمة) والتي طبقتها كتائبه بإخلاص..


كان القذافي يمسح دماءه بيده، وينظر إليها غير مصدق، كان يراها للمرة الأولى، ولسان حاله يسأل، كيف يمكن لدماء (ملك الملوك) أن تسيل؟ لقد ظنّ أن الدماء التي لابد أن تسيل هي دماء الشعب فقط..

نعم، صدق أو لاتصدق، معمر القذافي مات

..

القذافي قُتل في ساحة حرب والمعركة حامية الوطيس، وليس في منزله الآمن مثل (بن لادن)، القذافي ساعد في مقتله بعد أن خرج على الثوار بشكل مفاجيء ومربك ممتشقا سلاحه، ولم يُعدم بخطة مدروسة مع سبق الإصرار والترصد، وكلنا سمعنا كيف كان الثوار يصرخون في هستيريا واضحة غير مصدقين أنهم أمام هذا المجرم..


أهم أخبار مصر

Comments

عاجل