المحتوى الرئيسى

دعاء سلطان تكتب من طوكيو: فيلم فرنسي بطلاه عراقي وتونسية مخيِّب لآمال العرب

10/31 13:34

هل يجوز التعامل مع القضية الفلسطينية العربية-الإسرائيلية، بمنطق التكافؤ مع العدو الصهيونى؟ هل يجوز أن يتساوى جرم المجرم، مع عدالة حجة ضحيته؟

الفيلم الفرنسى الألمانى البلجيكى المشترك للمخرج الفرنسى سليفيان استيبال، فعل ذلك بمنتهى الحرفية الفنية والشياكة البصرية!

فيلم «When pigs have wings» أو «عندما تملك الخنازير أجنحة»، واسمه بالفرنسية «Le cochon de Gaza» أو «خنزير غزة»، المعروض ضمن أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان طوكيو فى دورته الرابعة والعشرين، فيلم بديع حقا من الناحية الفنية فى نصفه الأول، حيث يحكى فى إطار فنتازى قصة جعفر الصياد الفلسطينى من غزة سيئ الحظ حتى فى اصطياد الأسماك، كما أن جنود الاحتلال الإسرائيلى قد قرروا احتلال سطح منزله لمراقبة المدينة، وهم لا يخجلون أبدا فى استعمال حمامه.. إنه حقا رجل تعس.. يذهب جعفر كعادته للصيد، وتحدث المعجزة أخيرا.. شبكته التقطت صيدا ضخما.. لم يكن إلا خنزيرا أسود!

ومن النشوة بالأمل فى قمة درجاتها، إلى خيبة الأمل فى أقصى صورها.. ماذا سيفعل جعفر بخنزيره؟ فهو لن يتمكن حتى من بيعه للإسرائيليين، فهم أيضا يحرّمون لحم الخنزير على أنفسهم كالمسلمين.

ومن هذه النقطة تبدأ أحداث الفيلم فى السخونة، وتصل إلى قمة الكوميديا والهزل، عندما يحاول جعفر إخفاء أمر الخنزير حتى على زوجته.. يضعه فى البانيو ويُلبِسه فروة خروف ليخفيه عن الناس!

جعفر فشل فى التخلص من الخنزير حتى إنه غير قادر على قتله كى لا تلوث دماء هذا الكائن النجس يديه، لكنه مع ذلك يقبل التعامل مع إسرائيلية تفاوضه على السائل المنوى لخنزيره لإجراء تجارب الاستنساخ.

إلى هنا والفيلم لطيف ومُسَلٍّ ورائع، لكن فى النصف التالى تتوالى مهازل وسخافات وسذاجات الفيلم حتى يصل إلى ذروة استفزازه عند حشر الإسلاميين فى غزة وتوريط جعفر معهم فى عملية خلط مزعجة لجميع الأوراق.

الفيلم رائع بصريا طبعا وكوميدى ومضحك جدا، وقد تم تصوير كل مشاهده الخارجية فى مالطة على اعتبار أن شوارعها تشبه شوارع غزة، وصورت مشاهده الداخلية فى ألمانيا، لكن رغم اكتمال وتكامل عناصر الفيلم الفنية واستمتاعى بمشاهدته مع الجمهور اليابانى الذى أعجب به جدا. فإنى كنت أشعر بغصة فى حلقى وأنا أشاهد فيلما يساوى بين الضحية والجلاد، وشعرت بغصة أكبر عندما علمت أن بطل الفيلم جعفر عراقى الأصل (ساسان جاباى) وبطلته التى قدمت دور الإسرائيلية «يلينا» التى تعاملت مع جعفر لشراء السائل المنوى للخنزير تونسية الأصل (ميريام تقية).

قوة الفن ناعمة قد تفعل الكثير دون ضجيج، وقد تقنع العالم كله بأن السلام مع إسرائيل هو الحل الوحيد وأن إسرائيل هذا الكيان العنصرى البغيض المحتل لأرض فلسطين مثله مثل فلسطين، وأن الخصمين متعادلان، فالفيلم حقا حاول البحث عن حل للصراع العربى الإسرائيلى، لكنه تعامل مع القضية بمنطق فرض الأمر الواقع، ولم يطرح الحل الوحيد الذى يقبله العرب.. لا سلام مع كيان عنصرى مغتصب إلا بعد استرداد جميع الأراضى المحتلة.. فالفيلم تبنى الطرح الإسرائيلى لحل القضية، وتجاهل تماما الطرح العربى لها، مرتديا ثوب الإنسانية، بمنطق التعايش السلمى بين الطرفين، ومساويا بين الإسلاميين فى غزة وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلى.. ليس إنسانا من يساوى بين الضحية والجلاد حتى لو صنع فيلما عظيما فنيا.

بعد مشاهدة الفيلم تساءلت: هل سيظل مكتوبا علينا أن لا نستمتع بالأفلام بسبب رسائلها الملتوية وبسبب قضايانا المعقدة التى لا تنتهى؟

نعم، نحن شعوب مكتوب عليها العذاب للأسف.

لكن المتعة الخالصة، والإنسانية فى أبهى صورها، تجلت فى الفيلم الفرنسى أيضا «Intouchables» أو «المنبوذون»، المعروض أيضا ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان. تدور أحداث الفيلم حول شخصين من عالمين مختلفين كلية.. فيليب الثرى الوحيد، الذى يصاب بالشلل إثر حادث سقوطه بمظلته، ودريس الشاب الفقير الأسود الذى يعول عائلته كبيرة العدد.

تدور الأحداث فى قالب كوميدى مُسَلٍّ وممتع، بكل ما تحمله كلمة المتعة من معانٍ، فالبطلان كانا رائعين، كل منهما يمتلك أدوات شخصيته، كأنهما عاشا نفس ظروف الشخصيتين، فالفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية.

لن تمنع نفسك بالتأكيد من تذكر فيلم «Scent of a Woman» للرائعين آل باتشينو وكريس أودنيل، ولكن العلاقة بين البطلين فى الفيلم الفرنسى كانت أكثر دفئا وجموحا، فبطل الفيلم الفرنسى «فيليب» كان لديه استعداد للانطلاق، عكس آل باتشينو فى الفيلم الأمريكى، كما أن الفرنسى عمر ساى، كان أكثر مرحا من كريس أودنيل.

فيلم «المنبوذون» بديع مبهج.. يحتفى بالحياة، وإن كانت قاسية وكئيبة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل