المحتوى الرئيسى

البدع في يوم الجمعة، الصلاة والخطبة بقلم:موسى حجيرات

10/17 21:04

البدع في يوم الجمعة، الصلاة والخطبة

موسى حجيرات

ليس لصلاة الجمعة وخطبة الجمعة فضائل عظيمة، متعددة، وكثيرة فحسب، إنّما عمّت الفضائل يوم الجمعة بأكمله. فقد خصّه الله تعالى من بين سائر الأيام، وجعله أعلاها منزلة ومكانة، وجعله عيدا ثالثا للأمّة الإسلاميّة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَعَاشِرَ الْمُسلِمِين، إِنَّ هَذا يَوْمٌ جَعَلهُ اللَّهُ لَكُم عِيدًا، فاغْتسِلوا، وَعَليكُم بِالسِّوَاك" (البيهقي: 4/226).

وشرفه الله تعالى بأن جعله يوم المغفرة حيث يغفر الله للمسلمين يوم الجمعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ توضَّأ فأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمعَةَ فَاسْتمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لهُ مَا بَيْنهُ وَبَينَ الجُمعة وَزِيَادَةُ ثلاثةِ أَيَّام" (مسلم: 857).

وجعله شفيعا يوم القيامة لمن سار على هدي النبيّ بما يتعلّق بيوم الجمعة فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها ويبعث الجمعة زهراء منيرة، وأهلها يحفّون بها كالعروس" (صحيح الجامع: 1872).

واعتبر يوم الجمعة من خير الأيام فقال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَليهِ الشَّمسُ يَوْمُ الْجُمعة فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنهَا وَلاَ تَقُومُ السَّاعَة إِلا في يَومِ الْجُمعة " (مسلم: 2013). وكذلك اعتبر سيّد الأيام وأعظمها، فقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ يَومَ الْجُمعة سَيِّدُ الأَيَّامِ، وَأَعظمُها عِنْدَ اللَّه، وَهُو أَعظمُ عِندَ اللَّهِ مِن يَومِ الأَضحَى وَيَومِ الْفِطرِ ، فِيهِ خَمسُ خِلالٍ: خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدمَ، وَأَهبطَ اللَّهُ فِيهِ آدمَ إِلَى الأَرْضِ ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ وَلا رِيَاحٍ وَلا جِبَالٍ وَلا بَحْرٍ إِلا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ " (ابن ماجة: 1084).

وفي يوم الجمعة صلاة وخطبة، ولهما فضائل كثيرة، ومتعددة، وفضائلها تزيد عن فضل الجمعة أيضا. وهكذا فالمتمعن في هذه الفضائل ليجدها نعما من نعم الله تعالى، وسننا من هدي المصطفى وعلينا إتباعها، إذ من تركها خاب وخسر، واستهان بهدي النبي وسننه، فهو، إذن، ضالّ آثم ومستحدث سلوكا لم يسلكه أحد من السلف أبدا.

إنّ هذه الفضائل الكثيرة والمتعددة والمتنوعة لتوصل مستغلها للراحة النفسيّة والطمأنينة، والخير الكثير في الدنيا إذ ترتاح النفس بتعبّدها وتقربها إلى الله، وخاصّة بالوجه الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، كما تطمئن بعواقبها الخيّرة في الآخرة.

ولكن، ومع كل ذلك، فلقد أصبح الكثير يتركونها عمدا، ويبتعدون عنها استحداثا منهم وابتداعا، ولكل أسبابه وشروحاته التي في معظمها بدع وهراء. وممّا يزيد خطورة ذلك الظنّ الراسخ لدى المبتدعين أنّهم بذلك، أيّ بترك الفضائل والاستهانة بها واستبدالها بغيرها، يتقربون إلى الله ويتعبدون بها.

ومع ذلك فإن كان، مثلا، ترك الفضائل، ومعظمها من السنّة النبويّة من باب الجهل، فالجاهل مطالب بالسؤال حتّى يعلم فالله تعالى يقول: "فَاسْأَلواْ أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لاَ تَعْلمُون" (النحل: 43)، ويخشى الله، فأخشى الناس لله العلماء، لقوله تعالى:" إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" (فاطر: 28).

وإن كان الترك تهاونا فهو تهاون في السنة النبويّة المطهرة ويأثم تاركها، وإن كان متعمدا، فالإثم واضح وبيّن، فتارك السنّة مخالف لأمر الله الذي طالب بأخذ ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: "وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (الحشر: 7).

وفي كل الحالات يعتبر تاركها مبتدعا لأنّ الجاهل الذي لا يسأل يعتبر سلوكه هذا ابتداعا. فقد أثر عن السلف، مثلا، السؤال وتقصّي الحقائق المتعلقة بأمور الدين وتطبيقها بحذافيرها.

وكذلك المتهاون بالسنّة مبتدع أيضا، فقد دأب السلف على إتباع نبيهم واستغلال فضائل الجمعة، حسبما علمهم رسولهم.

إنّ المتعمّد لترك الفضائل يعتبر متعمدا لترك السنّة النبويّة التي أمر بإتباعها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "تَرَكتُ فِيكُم أمْرَين لنْ تَضِلوا مَا تَمَسّكتم بِهمَا كِتاب الله وَسُنّة نَبِيِّه" (مالك: 1395).

ومن هذه الأمور التي تتعلق بالجمعة كيوم، وبصلاة الجمعة وخطبة الجمعة الأمور التالية:

أ‌. إنّ أهمّ ما يبتدع بالنسبة ليوم الجمعة في العصر الحديث هو جعله يوم عطلة تقابل عطلة السبت عند اليهود، والأحد لدى النصارى حيث تشلّ كلّ الفعاليات الحيويّة في هذا اليوم، وأهمّها عمل الفرد الذي يعتبر مصدر رزقه.

فمع كل الفضائل التي خصّه الله بها يوم الجمعة لم ينه عن عمل أو يحظر فعالية معيّنة أبدا إنّما طالب بجعله عيدا بقيمته وقدره وقدسيّته وليس بشلّ الحركات والفعاليات فيه.

وإنّ المفارقة في الأمر إنّ من يجعل من يوم الجمعة عطلة هم أولئك الذين لا يهتمون كثيرا بصلاة الجمعة والخطبة، وربّما من بينهم من تركوا الصلاة ولا يصلون.

وبهذا يكون جعل يوم الجمعة يوم عطلة ليس للتفرغ لعبادة أو لاستعداد لطقوس الجمعة، صلاتها وخطبتها إنّما للرّاحة من العمل فقط أو للتفاخر أمام اليهود والنصارى.

وهكذا فتجد الكثيرين يتهاونون ويتساهلون في التعامل مع يوم الجمعة، فيبدون عدم الاهتمام به، وبالفعاليات الدينيّة فيه، ولا بفضائله وخيراته.

فتجد من يعطّل عمله يوم الجمعة يسهر ليلتها حتّى الفجر؛ فينام عن صلاة الفجر، ويتأخر في سباته حتّى ساعات الظهر، فإن استيقظ من نومه بعد جهد زوجته وأولاده يسارع إلى الصلاة، وتكون الخطبة في الدقائق الأخيرة أو ربّما لا يدركها وعذره أنّه نام عنها.

ومنهم من يتأخر للذهاب إلى المسجد متعمدا بحجة أنّ الصلاة والخطبة وقبلها وبعدها يستغرق وقتا طويلا وأنّه يستطيع أن يتواجد خلال هذا الوقت، ولو برهة قصيرة، أيّ أنّ الأمر كأنّه أداء واجب أو تسجيل الحضور فقط، متغافلا ومتجاهلا ما للأمر، من الجلوس والانتظار والاستماع إلى الخطبة، من أجر وثواب عند الله.

وهكذا فإن دأب الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، والسلف الصالح على تعظيم كلّ فعالية دينيّة، يتعبّد بها المسلمون يوم الجمعة، فإغفالها وإهمالها ما هو إلا استحداث وبدعة يضلّ من يبتدعها ومن يتّبعه.

ثمّ إنّ التهاون في الجمعة ليوصل إلى الهلكة؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ ليكوننّ مِنْ الْغَافِلِينَ" (مسلم: 865). وهكذا فتركها كبيرة من الكبائر ومن ترك ثلاث جمع تهاونا يطبع على قلبه لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ" (الترمذي: 500؛ أبو داوود: 1052).

لقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة ارتداء الأزياء الغربيّة للرجال والنساء على حدّ سواء كما شاعت ظاهرة التقليد في قصّات الشعر والتزيّن بالسلاسل الذهبيّة، والساعات والخواتم الذهبيّة. ويدرك الكثيرون خطورة هذه الظاهرة، وأنّها بمجملها محرّمات دينية، ودخائل ثقافية، وأمور لا تنمّ إلا عن جهل وتجاهل. ومع ذلك فهناك أيضا من لا يعرفون ذلك، وهم من المصلين الملتزمين بيوم الجمعة، صلاتها وخطبتها؛ فتراهم يذهبون إلى المسجد بملابس ضيّقة لاصقة تحجّم كلّ عورة، وتصفها بدقّة، وربّما في بعض الحالات شفّافة؛ فيبدو الرّجل أو المرأة وكأنّهما عاريين أو أشبه بذلك، خاصّة إن كان لون هذه الملابس كلون الجلد، ومنها من رسمت عليه صور لذوات الأرواح أو صور للاعبي كرة قدم مشهورين. ومنهم من تقلّد بقلادة ذهبيّة أو زرقاء، ومنهم من قصّ شعره قصّة غريبة لا تليق إلا بعبدة الشيطان، كما أنّها لا تلائم سحنته العربيّة وجبينه المسلم. ومع ذلك يأتون ويصلون بخشوع واطمئنان.

ج. عدم الحرص على آداب الدخول إلى المسجد يوم الجمعة بحيث يكون المصلون في انتظار الصلاة، فلا يتأنّ في الدخول، ولا يقرأ الدعاء دخول المسجد، وأحيانا لا يسلّم ثمّ يسارع في الدخول قاصدا الصفوف الأولى، متخطيا رقاب العباد، متجاهلا ما في ذلك من حرمة، وغافلا عن قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي تخطّى الرقاب حين دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلّى الله عليه وسلَّم يخطب: "اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ ، وَآنَيْتَ" (ابن ماجة: 1115).

ويكون ذلك حين يعتاد أحدهم أن يصلي في مكان معيّن وثابت، ولا يغيره في كلّ جمعة، لذلك يهمّ، وإن جاء متأخرا، أن يصله ويصلي فيه.

وهذا أيضا من البدع الخطيرة لأنّه بذلك، وكأنّه يمتلك المكان أو يكون حكرا له، وخاصّا به، والأدهى من ذلك أنّه أحيانا يخرج من المسجد لغير عارض، وحتى حجز المكان بوضع عمامته أو سبحته أو مفاتيح سيارته.

فتجد هؤلاء المصلين يلازمون المكان فلا يغادرون حتّى وان طرأ ما طرأ.

إنّ هذا الأمر لهو من البدع المضلة حيث فيه ترك لسنّة النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يحثّ على تغيير المكان في حالة النّعاس، مثلا، فيقول صلى الله عليه وسلم: "إِذا نَعَسَ أَحَدُكُم في المسجد يَومَ الْجُمُعَةِ فَليَتَحَوَّل مِن مَجْلِسِهِ ذَلِكَ إلى غَيرِه (أبو داوود: 1119).

ومن المصلين أحيانا من إذا دخل، وهو يوجّه اهتمامه للمكان الذي سيجلس فيه، فقد ينسى تحيّة المسجد أو يغفل عنها، أو لا يأتي بها تهاونا، أو أنّه إذا دخل، والإمام يخطب؛ فتجده يجلس بدونها حتّى إذا فرغ الإمام من الخطبة الأولى يقوم ويصليها، وقد شاعت هذه الظاهرة، فكثيرا من المصلين من يعتقدون أنّ هذا العمل من السنّة؛ فلذا تجد في المسجد الكثيرين ممّن يقومون لأداء تحيّة المسجد بين الخطبتين.

إنّ توقيت صلاة الجمعة هو نفس توقيت صلاة الظهر من الأيام الأخرى، ولكنّها ركعتان بدل الأربع من الأيام الأخرى، لهذا فالخطبة تساوي الركعتين الأخريين في الأيام العاديّة التي تخلو من الخطبة، لذلك توجب جمع الصلاة والخطبة في الإهتمام والخشوع والسكينة، بل والتوقير والتعظيم.

فعلى المصلي الجلوس أثناء الخطبة جلوسه للصلاة متوجّها نحو الإمام ومستقبله، ولا أن يجلس أين يشاء وكيف يشاء.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل