المحتوى الرئيسى

الوحدات الصحية.. انتظار تصريح بالدفن

10/13 22:37

- الوحدات لا تعمل وتغلق أبوابها قبل الظهر

- تحولت إلى مطابخ للطعام وحضانات للأطفال

-لا يوجد شاش وقطن ومطهرات وخيوط للجروح

-الأطباء لا يحضرون ولا يوجد أدوية للمرضى

 

قام بالجولة: الزهراء عامر ويارا نجاتي

أصدر وزير الصحة الأسبق "حاتم الجبلي" قرارًا قبل عامين بتحويل المستشفيات التكاملية إلى وحدات لطب الأسرة، على أن تؤدي نفس الدور الذي تؤديه الوحدات الصحية، واستمرت الوحدات تحت مسماها الجديد في نفس المعاناة التي عاش فيها المحظوظون من الشعب المصري بالقرى التي حفلت بوجود وحدات صحية بها، فظلت تعاني هي الأخرى من نقص الخدمات، وهو ما يدفع المرضى ثمنه.

 

"وحدات صحة الأسرة" سقطت من الذاكرة الضعيفة للوزارة، حتى ساءت الخدمات والإمكانات فيها، وأصبحت حالتها لا تسر عدوًا ولا حبيبًا، فلم تعد تقدم إلا أبسط الخدمات، فلا يوجد بها وسائل الإسعافات الأولية التي تقدم لطفل تعثرت قدمه فشج إصبعه الأكبر، ولا يوجد بها "الشاش والقطن والمطهرات وخيوط الجراحة" اللازمة لإسعاف حالات بسيطة.

 

(إخوان أون لاين) قام بجولة في عدد من الوحدات الصحية كعينة بسيطة لتحديد وضعها.

البداية كانت في الوحدة الصحية بكفر "غطاطي" محافظة الجيزة، في مبنى يبدو عليه آثار التجديدات الحديثة، يتوافد عليه الكثيرون منذ الساعة التاسعة حتى الساعة الحادية عشرة قبل أن يرتفع ثمن تذكرة الكشف، فالكل يحجز ليفوز بالتذكرة الرخيصة، وكذلك نصف ثمن الدواء المدعم بدلاً من التأخُّر وشراء الدواء كله من الصيدليات الخارجية.

 

وتقول منى عبد الله: إنها تضطر للحضور مبكرًا إلى مقرِّ الوحدة الصحية قبل الساعة الحادية عشرة صباحًا، بالرغم من أنها تنتظر لمدة طويلة إذا وجدت الطبيب المتخصص، حتى لا تدفع ثمن الكشف المضاعف؛ حيث تكون قيمة الكشف صباحًا جنيهًا واحدًا فقط، وترتفع لتصل إلى 3 جنيهات بعد الحادية عشرة صباحًا، موضحًا أنها حضرت العديد من المرات للكشف على أطفالها بعد الساعة 11 فتكون قيمة الكشف مرتفعة، إلى جانب امتناع الصيدلية عن صرف الأدوية التي كتبها الطبيب للصغار، فتشتريها من خارج الوحدة الصحية بأسعار مرتفعة.

 

وتضيف: في الأوقات الطبيعية لا يتم صرف الأدوية مجانًا بل يصرفون الرخيص منها مع دفع نصف الثمن، أما المضادات الحيوية لا تُصرف لأنها غالية الثمن.

 

وتروي أحد المآسي التي عاشتها مع الوحدة الصحية المجاورة لبلدتها "كفرة نصار"؛ حيث قام الأطباء بأخطاء فادحة أدَّت إلى حدوث مشاكل صحية لها أثناء تركيب وسيلة لتنظيم الأسرة، وعانت لفترة طويلة من آثار هذا الخطأ.

 

إجبار للخاص

أما شادية عثمان فتتعجب من الوضع الطبي وسوء معاملة الأطباء التي تتلقاها من الوحدة الصحية، قائلة: إن أبسط الأدوات غير موجودة لديهم، كما أن الأطباء يجبروننا على التوجه إلى العيادات الخاصة، فهم لا يحضرون إلى الوحدة إلا دقائق معدودة.

 

وتنفي وجود ما يُسمَّى بالعلاج المجاني في الوحدات الصحية، موضحةً أنها تدفع مقابل كل خدمة تحصل عليها ابتداءً من الكشف 3 جنيهات، ثم التحاليل، وبعدها الأدوية التي يقرها الطبيب للمرضى سواء الأطفال أو الكبار، موضحةً أن صيدلية الوحدة تصرف دواءً واحدًا فقط لجميع المرضى.

 

وتحكي أحد المواقف التي تعرضت لها عندما أصيب طفلها 6 سنوات بنوبة من التشنج الحراري، في وقت مبكر من الصباح، قائلة: "اضطررت للذهاب إلى الوحدة الصحية؛ لأن العيادات الخاصة بالقرية لا تفتح صباحًا، وعندما وصلت لم أجد غير طبيبة "نساء" بمفردها في الوحدة، وعندما طلبت منها الكشف عليه، قالت: إنها لا تمتلك ترمومتر لقياس حرارته!".

 

وتتساءل: "ماذا تفعل طبيبة في وحدة تستقبل مرضى بدون ترمومتر، وهذه الحالة لا بد من البدء بقياس درجة الحرارة قبل حدوث تدهور فيها؟".

 

الخلع وبس

أما فاطمة محمد- إحدى المترددات على الوحدة- فتتفق مع الآراء السابقة، مضيفةً أنها تعاني من عدم وجود أطباء بعد الساعة الثالثة عصرًا، بالرغم من تكرار الحالات الطارئة في المنطقة ليلاً، ولا يجدون طبيبًا للذهاب إليه؛ حيث لا يتوفر الأطباء بالعيادات الخاصة إلا لساعات قليلة، كما أن أسعار الكشف لديهم مرتفعة جدًّا وتفوق مقدرة أغلب أهالي البلدة.

 

وتشتكي أم محمد من قلة عدد الأطباء الموجودين بالوحدة الصحية الملاصقة لمنزلها، كما أن أغلبهم لا يقومون إلا بالكشف الظاهري فقط ولا يعالجون أي مشاكل أخرى لدى المريض، ومباشرة يقومون بتحويلنا إلى أقرب مستشفى مركزي.

 

وتضيف أنه من المستحيل أن يقوم طبيب الأسنان- إذا وُجد- بأكثر من الخلع، بالرغم من توافر جميع الإمكانات لديهم، وإذا أرادت تركيب أو حشو ضرس انتقلت إلى مستشفى بعيد في أكتوبر.

 

وانتقلنا بعدها إلى الوحدة الصحية بـ"منشية البكاري" المشهد هناك مختلف كثيرًا، فالمبنى ذو الأربع طوابق لا يضم الوحدة الصحية فقط؛ بل يضم مستشفى كبيرًا إلى جانب الوحدة التي توجد عياداتها في الطابق الأرضي، لكن مشهد تكدس الأطفال على أيدي أمهاتهم، وازدحام النساء أمام عيادات طبيب "النساء" لمتابعة الحمل، لم يختلف كثيرًا من وحدة صحية إلى أخرى، فالتكدس نفسه والانتظار واحد.

 

اقتربنا من نهى عبد المجيد "أم لأربعة أطفال" وسألناها عن مستوى الخدمة التي تقدمها الوحدة، فقالت: لا يوجد بهذه الوحدة سوى تخصصين فقط أحدهما للأطفال، وللآخر لمتابعة حمل السيدات، يوجد طبيبان فقط في المستشفى وهما لا يكفيان للعدد الكبير من المرضى الذين يحضرون يوميًّا إلى العيادات، فتظل مزدحمةً لعدم وجود عيادات رخيصة أخرى، حتى وإن كانت لا تقدم خدمة علاجية تُذكر.

 

وتضيف: نحتاج إلى تخصصات أخرى ملحة، كـ"الرمد، وأنف وأذن"، إلى جانب الروماتويد الذي يعاني منه نسبة كبيرة من كبار السن، أما تخصص الأسنان فلا يقوم الطبيب بغير خلع الأسنان، مع أننا نرى الأجهزة والمعدات الموجودة حولنا في العيادة، والطبيب لا يُفكِّر في استخدامها، متحججًا بضعف الإمكانات!

 

وتؤكد أنه بالرغم من دفعها للاشتراك السنوي المطلوب للعائلة وهو 20 جنيهًا؛ لكنها تدفع نصف ثمن الدواء، ولا تحصل إلا على نصف الجرعة التي أقرها الطبيب!

 

وبعدها انتقلنا إلى وحدة صحية أخرى وهي الموجودة بكفرة "نصار"، ومع أن الساعة لم تكن تتعدى الثانية عشرة ظهرًا، إلا أننا فوجئنا برحيل أغلب الموظفين والأطباء من الوحدة، واستعداد القلة المتبقية للإغلاق أيضًا، وتمكنا من التجول داخل الوحدة فكانت أغلب غرفها مغلقة باستثناء عيادة أو اثنتين إحداهما فارغة لا طبيب فيها، والمرضى ينتظرون بالخارج.

 

والوظائف المكتبية في الوحدة هي الوحيدة التي ما زالت تحتفظ بموظفيها حتى وقت الظهيرة، وحتى غرفة الإسعافات الأولية كانت فارغة.

الصورة غير متاحة

كشك الولادة مغلق بالأقفال في وحدة "منشية البكاري"

القائمة المجانية لخدمات وحدة "نصار"

غرفة الاستقبال خالية من الحياة الساعة 12 ظهرًا

ولم يكن الإهمال المتعمد للوحدات الصحية في محافظة الجيزة مقتصرًا عليها فقط؛ ولكن الأمر يبدو أنه ممتدًا إلى جميع قرى مصر، خاصةً القرى البعيدة عن المدن، وعن التفتيش المستمر من وزارة الصحة.

 

تائهة أم منسية

ففي مركز أبو حماد محافظة الشرقية تقع قرية (بني جري) التي تبعد كثيرًا عن المدينة، فبعد أن وصلنا إلى القرية بصعوبة حاولنا الوصول إلى الوحدة الصحية الخاصة بها؛ ولكننا فشلنا فبادرنا بسؤال أحد المواطنين عن مكانها فنظر إلينا وعلامات الدهشة على وجهه، وأجاب "أنتم متأكدين أنكم بتسألوا عن الوحدة الصحية، أوعوا تكوني هتشتغلوا فيها ده مكان محدش يرضى يشتغل فيه"، ووصف لنا المكان خطأً، وسألنا سيدة أخرى عن المكان فأجابت: "أنتم تقصدوا عيادة صحة الهلال الأحمر، بس دي قفلت من زمان، على العموم هي موجودة بجوار الرشاح".

الوحدة مغلقة قبل أذان الظهر بالأقفال

فما أن وصلنا بالفعل وجدنا أبواب الوحدة المكونة من طابقين مغلقةً مثلما يؤكد الأهالي منذ الساعة 12، فاقتربنا من ورشة الزيوت التي كان يجتمع حولها مجموعة من أهالي البلدة فقمنا بسؤالهم عن أحوال الوحدة، ولماذا تُغلق أبوابها مبكرًا؟ فردَّ علينا أحدهم- يُدعى  سعيد عبد الله "صاحب ورشة زيوت"- قائلاً: "لو أتيتم مبكرين قليلاً لشاهدتهم الواقع بأنفسكم وحال الوحدة الذي يُرثى له، ورأيتم الممرضات اللاتي يأتين بأولادهم وكأنَّ مكان التعافي من الأمراض تحوَّل لحضانة للأولاد أو مطبخًا تصنع فيه العاملات بالعيادة الطعام لبيوتهن قبل أن يغلقها العامل".

 

ويضيف: "أما فيما يتعلق بالإمكانات والخدمات التي تقدمها، فالعيادة والحمد لله فارغة من الإمكانات والمعدات، فلا يوجد بها شاش أو أقطان أو مطهرات للجروح، حتى سرنجات الحقن مختفية، فضلاً عن طلبية الأدوية المخصصة لها لا تصرف ولا نعرف أين تذهب.

 

ويوضح أن هذه الوحدة يعمل بها 15 حوالي عامل؛ ولكنهم غير متواجدين بشكلٍ يومي، وعندما نتحدث معهم عن هذا الوضع وضعف الإمكانات، يقولون لنا إن البلد هي اللي عايزة كده "لو مش عاجبكم اشتكوا"، ونظرًا لأن البلد ريفية بشكلٍ كبيرٍ وبعيدة عن مدينة أبو حماد، ولا نعرف لمَن نشتكي نسكت على هذه المهزلة".

عيادة الأسنان تحولت لمخزن للأشياء التالفة

القائمة المجانية للكشف في الهلال الأحمر

وقرر أحد الأهالي الذهاب إلى عامل الوحدة الذي لديه المفاتيح وأحضره، وقام الأهالي بمساعدتنا للدخول إلى داخل الوحدة لنرى الوضع على الطبيعة، فكانت المفاجأة جميع غرف العيادة غير صالحة للكشف وجميعها مغلقة والأتربة تملأها حتى غرفة الطوارئ بلا معدات أو أي أجهزة سوى مكتب وسرير وكراسي متناثرة على الأرض، وعيادة الأسنان مليئة بستائر الكشف القديمة وبعض الأشياء كما لو كانت مخزن".

 

وسألنا العامل عن سبب إغلاقه للمبنى مبكرًا أجاب في خوفٍ شديد: "لم يحضر أحد من الأطباء اليوم، وبالتالي فلن يأتي أحد للكشف فأغلقتها وذهبتُ لمنزلي"، مبينًا أنه لا يوجد تخصصات سوى دكتورة "النساء والتوليد"، وهي لا تحضر بانتظام والدكتور سليمان مدير الوحدة.

 

ويقاطعه مجدي الشرشاوي قائلاً: "لا يوجد هنا أطباء والناس تظلُّ ما يزيد عن أربع ساعات موجودين للكشف عليهم، وتحاول الممرضات الاتصال على الطبيب وتخبره بوجود المرضى وفي النهاية لا يحضر"، موضحًا أن "هناك حالاتٍ كثيرة حرجة جروح وحروق تأتي باستمرار وتحتاج لإسعافات أولية وسريعة في الحال، ولكنهم لا يسعفونها؛ نظرًا لضعف الإمكانات وعدم وجود الأطباء، ويقولون لنا كلموا وزارة الصحة، والناس كلها غلابة ومش عارفة تعمل إيه".

 

دواء عفي عليه الزمن

وتقول جيهان كمال أن العيادة لا يوجد بها طبيب سوى الدكتور سليمان- وهو رجل مسن ولا أحد يعرف تخصصه- أي مريض يقوم بالكشف عليه، ويكتب له دواء، والمفاجأة عندما تأخذ الروشتة لشراء الأدوية ويخبرك الصيدلي بأن هذه الأنواع قديمة ومُنعت منذ فترة طويلة، ونرجع مرةً أخرى للدكتور ليكتب لنا دواءً آخر يرد علينا قائلاً: "أنا هعملكم إيه هو ده اللي عندي".

 

وتوضح أنه من المفترض أن يتم فتح الوحدة الصحية من الساعة الثامنة صباحًا حتى الساعة الثانية، لكن العامل لا يأتي إلا الساعة التاسعة يفتح الباب الرئيسي فقط ويجلس، وفي تمام الساعة الحادية عشرة يأتي العاملون والممرضة ويجلسون ساعةً واحدةً ويغلقون العيادة".

 

إهمال واستهتار

وانتقلنا بعدها إلى الوحدة الصحية بقرية "عِليم"، وبالرغم من أن أبوابها كانت ما تزال مفتوحة إلا أن الأهالي أكدوا أنه بالرغم من تطور الحال في الوحدة بعد الثورة، فإن الإهمال والاستهتار في العمل ما زال السمة الأساسية للعاملين فيها.

 

ويقول محمد أشرف "مهندس": إن الوحدة الصحية بقرية عليم شأنها شأن أي وحدة صحية في مصر لا أحد فيها يؤدي دوره المطلوب منه، طالما أنه لا يوجد رقابة وتفتيش دوري عليه، موضحًا أن الوحدة لا يأتي لها كمية الأدوية المطلوبة، ولا بد أن تحاسب الإدارة الصحية عن نقص الكمية؛ لأن كل وحدة يصرف لها ميزانية تكفيها شهريًّا، وعدم إعطاء الكمية كاملاً يدخل فيها نوع من الاختلاس وإهدار المال العام.

 

ويوضح محمد الجمل أن الممرضات في الوحدة يهملن عملهم ويتركونه ويذهبن إلى السوق لشراء الطعام، ويفترشن أمام الوحدة لإعداده، فضلاً عن رفضهن خياطة الجروح ويحولن المريض إلى مستشفى أبو حماد، بجانب عدم وجود طبيب للمبيت في الوحدة لاستقبال الطوارئ، وطبيب الأسنان لا يأتي إلا مرة واحدة في الأسبوع.

 

ثمن السرنجة أولاً

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل