المحتوى الرئيسى

وإذا الموهبة "سئلت"

10/10 19:51

بدر الدين الإدريسي


كنت في جلسة حميمية مع إطارين فنيين مغربيين من الذين تفقهوا في أصول كرة القدم وتشبعوا بثقافاتها وتمنطقوا بأحزمتها العلمية ووضعنا سويا سؤالا يتردد كثيرا على منتدياتنا الحوارية هنا في المغرب وفي بلادنا العربية، لماذا قلت الموهبة؟ لماذا نذرت حتى كادت تنعدم؟

والحقيقة أن السؤال هو بعرض المحيطات وبطول الجبال، فهو أم الإشكالات لأنه يأخذ طابعا مركبا يحتاج إلى مهارة وحذاقة في تفكيكه للوصول إلى حل له طبيعة منطقية..

وإجتذبتنا إليها الأزمنة الذهبية التي عادت اليوم أطلال ذكريات كالتي كان يقف عندها شعراء الجاهلية، وتذكرنا ما كان للمغاربة من مواهب كروية خارقة، بعضها يمكن أن يوضع اليوم إلى جانب أساطير كرة القدم العالمية، تذكرنا المرحوم العربي بنمبارك الذي كان أول من لقب بالجوهرة السوداء، وهو الذي لعب محترفا بفرنسا مع أولمبيك مارسيليا وبإسبانيا مع أتلتيكو مدريد وإرتدى قميص منتخب فرنسا وكان عبقري عباقرته، وتذكرنا المرحوم عبد الرحمن بلمحجوب الذي لقب عندما كان محترفا بفرنسا وحاملا لألوان منتخب الديوك بأمير حديقة الأمراء بباريس، وتذكرنا الأسطورة أحمد فرس أول لاعب مغربي توج بلقب الكرة الذهبية الإفريقية، وتذكرنا الزاكي بادو، عبد المجيد الظلمي، محمد التيمومي، نور الدين نيبت ومصطفى ججي..

وأنا موقن من أن القطريين مازالوا إلى اليوم يذكرون النخلة مبارك عنبر والهداف المرعب منصور مفتاح والأيقونة إبراهيم خلفان، كما لا يمكن أن ينسى الإماراتيون فنانهم عدنان الطلياني ولا العراقيون يمكنهم أن ينسوا برجهم عدنان درجال والمايسترو محمود سعيد والغزالة أحمد راضي، ولا يسقط من ذاكرة السعوديين نجوم خارقون مثل برج المراقبة صالح النعيمة والهداف الخرافي ماجد عبدالله والمرعب سامي الجابر، ولا يستطيع المصريون أن ينسوا كل فراعنة كرة القدم الذين ولدوا بجوار نهر النيل من أبوجريشة إلى محمود الخطيب وطاهر أبو زيد.

كما يرتبط الجزائريون وجدانيا برموز الزمن الخرافي رابح ماجر، لخضر بلومي عصاد وقبلهم بكثير رشيد مخلوفي الذي سحر بأدائه الأنطولوجي ملاعب فرنسا، كما يحفظ التونسيون في وجدانهم أسماء صاغت زمنا ذهبيا لنسور قرطاج منهم الحارس الأسطورة عتوقة وعازف السمفونيات الرائعة طارق ذياب.

حتما لن أناقض مجرى التاريخ وأقارن ما لا يقارن لوجود فوارق زمنية شاهقة بين كل هذه الإعجازات الكروية التي قدمتها كرة القدم العربية والمغربية تحديدا في أزمنة متقاربة والتي يوجد كثير منها لم أذكرها، وأقول بأنه كانت لنا مواهب خارقة لها ذات الطباع الإبداعية والفنية الخلاقة التي كانت لنجوم عرفتهم الإنسانية قديما وتعرفها حديثا، ولكن يضربنا السؤال بعنف، ما الذي جعل معين كرة كرة القدم العربية ينضب من النجوم ومن العباقرة؟ ما الذي أحدث هذه القطيعة الفظيعة حتى أصبح ما كان بالأمس حقيقة غذا اليوم مستحيلا؟ وهل يمكن أن نتحدث عن وأد صريح للمواهب؟ هل يمكن أن نبلغ درجة من القسوة في محاكمة ذواتنا ونقول أن نظامنا وفهمنا وتدبيرنا لكرة القدم هو ما يقتل هذه المواهب لأنها هبة من عند الله لا تنقطع؟

كان لزاما ونحن نقر بنذرة المواهب أن نعترف بالإجهاز البشع على كثير من الملاعب الجرداء التي هي موطن كرة القدم المتوحشة في بدائيتها والتي هي الرحم التي منها كانت تولد المواهب.

تطاول الزحف المعماري من أبنية ومنشآت على هذه الملاعب ولم نستعض عنها بملاعب القرب، فهجر الصغار هواية تولد معهم، وساعدهم ما كان من تطور مذهل لوسائل الإتصال السمعي والبصري على إختيار عوالم أخرى فانتحرت بداخلهم الموهبة، وحتى أولئك الذين قاوموا الإعصار وكبر ولاءهم للموهبة وقصدوا الأندية الرياضية يبتغنوها ملجأ لصيانة حلمهم، إصطدموا بواقع أمر وأدهى، فغالبية هذه الأندية ليست لها سياسات رياضية ولا إستراتيجيات فنية ولا قاعدة متطابقة ومندمجة للتكوين إما لوجود مدربين فاقدين للصفة وإما لضعف مهول في الإمكانيات اللوجيستيكية والمادية وإما لوجود مسؤولين تسلطوا على هذه الأندية فبحثوا عن بيضها أكثر ما بحثوا عن إغنائها..

وعندما تجد منتخبات عربية منها منتخب المغرب الملاذ في الأندية الأوروبية التي آمنت زمنا طويلا بتصنيع الموهبة لتحفظ ماء وجهها، فذاك يعني أن هناك إفلاسا كبيرا لا يمكن السكوت عليه.



نقلا عن جريدة استاد الدوحة القطرية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل