المحتوى الرئيسى

رواية ترانيم قدسية في حضرة يهوه بقلم: حامد الزبيدي

10/06 01:53

الإهداء

إلى الملك العظيم والنبي الكريم داوود (عليه السلام )

5611

رواية

حامد الزبيدي

ترانيم قدسية في حضرة يهوه

وأتى المساء يحمل أنباء موحشة ،والليل يحمل الظلام والخوف من المجرمين والقتلة وسراق اللقمة ، سكرت أبواب المدينة التي كان يحكمها الموت بمتاريس الرعب ،وأُوقدت الشموع والقناديل ،جلس في تلك اللحظة الرهيبة بين أبناءه التسعة وزوجه في غرفته الكبيرة ،وكان كتاب المزامير في يده اليمنى فروى لهم كما روت شهرزاد في ألف ليلة وليلة ،ليؤنسهم ويخرجهم من دهاليز الرهبة وينتشلهم من أزمتهم النفسية ، أنبأهم بما كان مُقِرا في ذهنه من تراكم صور و أحداث هم كانوا يعيشونها لحظة بلحظة ،وبدأ الليل الطويل برواية.... ترانيم قدسية في حضرة يهوه ..........

أبنائي سأقص لكم قصة من أحسن القصص وأحلاها ، قصة داوود الملك ، ومزاميره المقدسة ، داوود أو داؤود ..(تلفظ بالعبرية الحديثة دافيد )، معناه محبوب كان يرعى غنم أبيه في صباه ،وحكم مملكة بني إسرائيل في الأربعين من عمره بعد الملك شاول ،إنه ثاني ملوكها (1011ق م ــــــ 971 ق م ) إذ كان أعدلهم وأنزههم جميعا ،وهو أحد الأنبياء والمرسلين إليهم ،وكان محارب قوي الشكيمة ، شديد المراس، تخشاه الجبابرة عند النزال ،وهو المهندس الذي وضع خرائط بيت الله الاشرف العالي ،وأشرف على بناء صرحه فوق جبل صهيون في مدينته ،ومن بعده جَددَهُ سُليمان ،وكان عازف على أكثر من آلة موسيقية ،قيثارة ، ناي ، دف ، سنطور ، وعود ،و شاعرا كبيرا يعد من فحول الشعر في زمانه ويمتلك أجمل أوتار حنجرة في الكون .

وقبل أن يَلِج في المزامير، اسْتهل حديثه عن شخوصها .

عندما تكون الصفوة مسؤولة عن عصابة قتل ونهب واغتصاب، إضافة لوظيفتها الرفيعة ، فاقرأ على الوطن السلام ،الفقراء والبائسون ليس لهم وجود هنا ،إنهم تحت مطرقة المسؤول و سندانه ،يرزحون كلهم متهمون بالسرقة ،ومتآمرون على حضرته ،والمخبر السري حذق بتوصيل من يشاء إلى حبل المشنقة ،بإشارة صغيرة من سبابته أو حاجبه،ليس هذا وطني الذي أعرفه ،كان في العقود الماضية على الرغم من فقره أجمل الأوطان ،وأكثرها تحضرا وتمدنا ، لكن الآن يَقبَعُ تحت الركام ،ليس له مكان بين الدول المتقدمة ،ولا مشارك في بناء الحضارة ،إنه مستهلك ومهلك ،كان بالأمس منارا واليوم رمادا ، الأجيال التي بنتها الثورات المعاصرة وفق رؤيتها الكاذبة قد هدمت كل شيء جميل به، باسم شعارات براقة مزيفة، ذبحوا العامل وقتلوا الفلاح وفُقِدَت الشبيبة في ساحات القتال ،بَنُوا مساجد كثيرة ، وأدخلوا الكفر في قلوب العباد ، بَنُوا مدارس كثيرة ،والأطفال مشردون، متسولون في الطرقات ، وعلى المزابل يعيشون ، ثلاثة وستون عاما ونحن نطالب بالحرية، والعدل والمساواة ، ولمْ نَبلغها من الأصنام حماة الوطن ولمْ نَجْنِ من تلك الحقبة إلا مقبرة نفتخر بها إنها أكبر مقبرة في العالم ، ثلاثة وستون عاما ،ونحن نتقاتل فيما بيننا ونتقاسم الثأر وكلنا شعاره البناء ،وعمله الهدم ، نحن نرجع إلى الوراء مثل بول البعير الذي بتنا نخجل منه، ونحن كنا يوما حداة له ،والآن نحن جميعا تحت التراب ، جميعنا تافهون، وخَيِّرُنا لا يستحق الحياة أبدا ،وقليل ما حدث لنا طالما أنه من صنع أيدينا لا من الحدود دخل علينا ،وكل يوم بكل صفاقة نتهم جارا من جيراننا ،كل شيء في بلادي يسير نحو الهاوية ،العلم ،والأخلاق، والمبادئ السامية، كلها قيم بالية ليس لها موقع سوى على ألسن المنافقين، والمعممين الدجالين الذين فشلوا في مواضعهم، فهجموا بوقاحة ليست معهودة على مواضع أخرى ،وتسلموا درجات رفيعة فيها، هي لا تليق بما لديهم من فقه ،وعلم ، فقدت الفضيلة بكارتها في بلادي ،انتحرت لأنها لا تريد عيش ذل ،واحتقار، وانجرفت الكرامة في سيل السفاهة العارم ، وباتت تسكن في ماخور كأي مومس يقودها تاجر أعراض ( قواد) ، وكثير منهم من يتحدث باسم التغيير ،وهم لا يصلحون إليه ،لأنهم أنجاس بلا غيرة ولا كرامة.

تلك هي ثمار الحرب، يذوق مرارتها أبناء الوطن ،جيلا بعد جيل .

إذا أردت أن تجتث قيم أمة من جذورها أدخلها أياما معدودات في حرب مع جيرانها ،أو دونهم لا سنين كما قضيناها نحن في بوابة الشرق المزيفة، وذقنا ويلاتها بمرارة ، وكانت هي الأقوى ،هي المنتصرة على الجميع، لأنها ابتلعت الشباب ،وضيعت العلوم، ورملت النساء ،ويتمت الأبناء ،وأهدرت الأموال ،و أهدمت الاقتصاد، الحرب جعلتنا نمشي مثل السكارى، وما نحن بسكارى ،قد جردتنا من كل شيء جميل، وتركتنا مشوهين نعيش بعاهاتنا ،ونأكل غثاء أحوى .

دوى انفجار كبير ،هز أرجاء المدينة ،زعزع حبيب من مكانه ،الذي كان غارقا في تأملاته ،وأشاح بنظره بعيدا صوب الدخان المتصاعد، ولم يستطع أن يتقدم خطوة إلى الأمام من شدة الهلع ،الذي هجم عليه بغتة ،غاص في صراخ قادم من بعيد ،صراخ منبعث من مجزرة الحرية التي أتوا بها من هناك ، من بركة دماء الديمقراطية ،عوض النفط، والزئبق ،والمعادن الأخرى الغنية ، وأفاق على صوت منبه سيارة الإسعاف ،وسيارات الشرطة ،سمع رجلا يقول لصاحبه قادم من جهة الحادث .

: ما النفع من سيارة الإسعاف ؟، قد مات كل شيء هناك حتى نحن .

لاحَ إليه شيء آدمي من بعيد ، ملقى بمحاذاة نهر خريسان ،الجدول الذي ما بخل يوما بمياهه على ساكنيه ،ولا أمه القديسة ذات العروش الخضر ،التي جففوا ثدييها العتاة ،وفطموا أبناءها من الخير ،نظر إليه نظرة خاطفة بالكاد لامسته عيناه،شعر بدوار مسك سور الحديقة الحديدي بيديه وأعتمد عليه، نشق الهواء بقوة ،حسره في أعماقه ،فتركه يخرج بهدوء ،ثم أزدرد ريقه ،ومسح وجهه بيده ، أستجمع قواه المنهارة، ثم أنطلق في اتجاه معاكس ،والصراخ المُر يطارده ببطء، مشى في الطريق بحيرة، قد إنهار من جديد لما رأى شخصا لا يعرفه ، غريب عنه كان على مدى ثلاثة أيام بلياليها يراقبه ،ويترصد تحركاته، وكلما اقترب منه، فَرَّ عنه ،على الرغم من إنه يعرف نفسه جيدا ،أنَّ يديه بيضاويتان ، لم تلطخ بالدماء ،إلا أن انتابه شك عميق أنه مطلوب لجهة ما، وإلا بماذا يفسر ملاحقته إليه،وأينما يكون، يكون ماثلا أمامه إنه ملازمه كظله ،لم يبدر منه شيئا، سوى أنه يطيل النظر إليه قد ،جعله يعيش في جنون الارتياب من تلك النظرة العميقة ،التي لم يتمكن من معرفة حقيقة جوهرها ، أرقه كثيرا ،جعله يعيش في خوف متواصل ،مضاف إلى خوفه من الانفجارات ،التي تحدث في كل مكان من مدينته ،وفوهات بنادق الغزاة الموجهة إلى صدور الناس، كان الآخر الذي يتابعه وينظر إليه بقدسية ،ويخاف منه أيضا ،كان يظنه داوود الملك قد عاد للحياة من جديد في بابل ،موطن الآباء والأجداد ،كان يشعر بالسكينة حينما يراه ،ويتوق إلى محاورته، لكنه كان يُصَبر نفسه على ملاقاته، والحديث معه وجها لوجه ،اقتربت منهما عجلة عسكرية، تحمل قفص من حديد،طوقهما الجنود وأدخلاهما القفص كرها، أسوة بالناس الآخرين، هذا ديدنهم كلما وقع انفجار في مكان ما ،جمعوا الناس القريبين منه ،وألقوهم في غياهب السجن، بعد أن امتلأت العجلة بالأبرياء، انطلقت إلى المعسكر الكائن في المطار ،هناك ترجلوا منها بذل ،ووقفوا طابورا ،إلا الذي كان يراقبه، إذ ذهب إلى كبير الجنود الغزاة ،وتحدث معه ،وأشار الى حبيب بسبابته من بعيد ، فأطلق سراحه معه ، خرج الاثنان من المعسكر، وكلاهما يفكر في الآخر،كان حبيب في غاية الغرابة مما حدث له إذ عاش أيامه الماضية بفزع منه، كان يخشى من وشايته ،وتحطيم مستقبله المحطم ،واليوم لولاه لما فلت من قبضة الغزاة، كان كغيره من الناس ، ينام بين قضبان السجون ،ولا يخرج من دهاليزها إلا معاقا، أو محمولا على الأكتاف من شدة التعذيب ،ماضيا إلى حتفه الأخير ،كان صاحبه يمشي معه، يشم رائحة جسده ،يهيم بها ويقول في ذات نفسه بِوَجْدٍ .

ما أجمل رائحة ملوك بني إسرائيل؟

حدجه بطرف عينه وقال في نفسه : هو بعينه مليكي داوود ،الوجه الأشقر ذاته ،إشراق عينيه ،الابتسام والوسامة ،طوله عرض منكبيه جميعه متشابه ،بل هو ذاته ..... مبارك أنت ،لأنك لم تجعلني وثنيا ولا امرأة ،ولا جاهلا ... يا سلام !.

تنحنح وقال إليه:ما اسمك رفيقي ؟.

أجابه باستغراب :رفيقك !.

ألم تكن معي في هذه الرحلة...،و لولاي لكنت الآن أنت هناك ،قابع في غياهب السجن ؟.

ماذا تريد مني ؟.

لاشيء (في ذات نفسه ) مولاي.

من أنت ؟.

أنا يوسف(أسم عبري معناه يزيد الله )، ولدت في حي السراي، في أربعينيات القرن الماضي ، وأنت ؟.

أنا حبيب .

تقصد محبوب(داوود أسم عبري معناه محبوب ) سيدي .

اسمع أنا سيد نفسي فقط ، وأسمي حبيب وليس محبوب .

وهو كذلك ...(في نفسه )مولاي محبوب .

اجتازا طريق المعسكر الغير معبد ،دونما أن يلتفتا إلى الوراء ،أو إلى الجحيم ،الذي كانا فيه ،وقفا على قارعة الطريق العام ، ينتظران سيارة تقلهما إلى المدينة كان حبيب ،ينظر إلى قرص الشمس الباهت ،الذي أخذ بالنزول شيئا فشيئا في أعماق الارض ،والى أسراب الظلام القادمة من بعيد ،ويوسف يترقب الطريق ،كان يمد نظره الضعيف على امتداده ، أبصر سيارة تكسي قادمة من بعيد ،تتقدم نحوهما ببطء ،قَرَّت نفسه القلقة من وحشة المكان ،وأبلجت البهجة في قلبه ،وفاضت على محياه ،وألتفت إلى صاحبه .

عفوا سيد محبوب .

ما الذي جرى لك ؟، أنا حبيب وليس محبوب .

وأنا لا أعرفك بغير هذا الاسم سيدي .

سكتا عن الحديث لما اقتربت منهما سيارة الأجرة ،مَدَّ يوسف يده أمام وجوده ،وقفت عن قرب منهما ، تحدث يوسف مع سائقها ، من خلف الباب الأمامي ،ثم فتح الباب الخلفي لحبيب .

اركب مولاي .

صعد حبيب وهو في حيرة من أمر هذا الرجل، الذي لم يعرفه من قبل ،والذي اقتحم حياته فجأة، وقدم له جميلا في ظرفه العصيب ،إنه قلق منه بينما يوسف الذي كان جالسا في الأمام بجانب السائق ،كان سعيدا بتلك الصدفة العجيبة ،التي جمعته به ،وجعلته قريبا منه ،قد تكسرت الحواجز بينهما وتلاقا، وتحدثا سوية ،وهذا ما كان يطمح إليه يوسف ،خلاف حبيب الذي كان متشائما من اقترابه منه والحديث معه ، وصلت سيارة الأجرة إلى المدينة ،طلب يوسف من سائقها أن يوصلهما قرب حادث الانفجار ،الذي وقع قبل حين أمام أحد المطاعم ،وقفت السيارة قريبا من المكان ،الذي ألقت القبض عليهما القوات الغازية فيه،ترجلا منها ودفع الأجرة يوسف بامتنان، و انطلقت السيارة في الطريق المقفرة ، قد خيم الظلام على مدينة الأحزان ،ورفرفت أجنحة الخوف في ثناياها، لاشيء في الطريق ،سوى بعض الناس الذين كانوا يمشون مسرعين كل إلى غايته ،وكلاب سائبة كانت تحوم حول مكان الانفجار، عسى أن تجد قطعة لحم بشري تأكلها ،وإن لم تجد فهي تلعق الدماء ،التي لم تجف بعد في الطريق .

مد حبيب يده له لكي يصافحه :شكرا أخ يوسف لما أبديت لي من عون .

مد يوسف يده إليه،صافحه بحرارة وقدسية :أنا الذي أشكرك أخ محبوب ،على قبولك مساعدتي ،وأكون فخورا بك لو تقبلت صداقتي .

وهو كذلك إلى اللقاء ..

ابتعد يوسف عنه، وهو يقبل يده التي صافحته، لإحساسه التام به أنه ملك داوود ،لِما يتمتع به من تشابه كبير معه ،وكان يسير بخطوات واثقة نحو حي السراي ،الذي أحبه أكثر من كل أحياء الدنيا ، إنه صرخ ،أول صرخة فيه وآخر صرخة ،لَمَّا أخرجوه منه عنوة ،وعائلته ،بعدما سلبوا منهم بساتينهم ،وأراضيهم ،وحتى بيتهم ذا الشناشيل ، الذي كانوا يسكنون فيه في الخمسين من القرن الماضي ،الذي استخلفه أبيه عن جده عزره،أخرجوا من ثرائهم ،و حيهم خروج الأذلاء المساكين ،لا مكان لليهود في موطنهم الأصلي ،هكذا قال المجرمون في سالف العهد ، قال لنفسه بصوت كما لو كان يقول لصاحبه.

:ما أجمل رائحة الأنبياء!.

ذهب حبيب متعبا ،مرهقا لِما لاقاه من متاعب ،أو لِما واجهته من أحداث عصيبة، كادت أن توقعه في حبائلها ،وتدمر حياته ، لم يقتنع بما مَرَّ به ،قد ظن أنها ليس حقيقة ،بما أنه عاشها لحظة بلحظة ،دفع باب البيت، دخل في الفناء ،التقت به أمه العجوز ،والرهبة كانت تعصر صدرها الذاوي .

حبيبي أين كنت؟ ،قد أشغلتني كثيرا ،مُتُ في جسدي خوفا عليك، لَمَّا سمعت دوي الانفجار عصرا ،هل كنت قريب منه؟ .

لا كنت بعيدا عنه .

أين ؟.

إني مرهق أمي ..أُريد أن أنام .

أُم أحلام كانت هنا ،أنبأتني أن أحلام موافقة على الزواج منك، والعيش معنا.

أُمي أحلام لا تنفعني كزوجة ،ولا أنفعها كزوج ،هي في وادي ،وأنا في آخر، ولا يمكن لنا أن نلتقي أبدا .

إنها تحبك، وأنا أحبها لأنها تحبك .

ولكنها لا تحبك، وأنا لا أحبها لأنها لا تحبك.

من قال ذلك ؟.

وافقت على الزواج مني ،بشرط أن نترك البيت بعد زواجنا بسنة، وأنا رفضت الابتعاد عنك ،كيف تعيشين من بعدي أمي ؟.

الله موجود.

تركها ودخل إلى غرفته ،استلقى على فراشه، ثم غط في نومه العميق بلا عشاء، وطرقت بابهم في منتصف الليل، خرجت أمه بفزع حنت قامتها، ونظرت من ثقب الباب ،وبعد ما تأكدت من الرجل الواقف أمام الباب لم يكن ملثما، ولم يحمل سلاحا بيده ، فتحت الباب قليلا، ومَدَّت رأسها بخوف ، تفرست فيه كثيرا ،إنه رجل في الستين من عمره ،كان واقفا أمامها كالطفل .

تفضل ماذا تريد ؟.

هل محبوب موجود سيدتي ؟.

أي محبوب ؟.

أقصد حبيب.

من أنت ،وماذا تريد منه في مثل هذا الوقت من الليل ؟.

أنا صديقه يوسف ...،هل وصل إلى البيت بسلام سيدتي؟.

نعم ،ما الذي حدث لابني ؟.

لاشيء.. لا شيء ،ممكن أدخل ؟.

لا أنا لا أعرفك، ثم حبيب لم يحدثني عنك من قبل ..،انتظر حالما أنبئه.

غلقت الباب .ودفعت المزلاج ،ودخلت إلى غرفة حبيب الغارق في نومه ،ثم أيقظته

حبيب... حبيب.

انتبه إليها.... نعم أمي؟.

هناك رجل عجوز ،واقف بالباب اسمه يوسف .

جفل من ذكر اسمه .ونهض من فراشه مرتبكا .....، يوسف وماذا يريد مني ؟.

لا أعلم .

نهض من فراشه ،وخرج من غرفته، التقى به لدى الباب.

يوسف في ذات نفسه :مولاي محبوب

يوسف ما الذي أتى بك في مثل هذا الوقت من الليل ؟

هلا أدخل ؟

تفضل، تفضل .

دخلا إلى غرفته البسيطة ، جلس يوسف على الأريكة ، وكان حبيب واقفا قريبا منه، والنعاس يُغْشِي عينيه.

ماذا تريد مني سيد يوسف ؟.

لاشيء ...أحببت أن أطمأن على وصولك .

هل تخفي شيئا عني ؟ .

قال في ذات نفسه :أين بنيت الهيكل سيدي ؟.

لِمَ أنت صامت ؟.

انتبه إليه: لا.

ممكن أسأل ؟.

تفضل .

ما هو عملك ؟.

شعر أنه رجل غريب الأطوار، أو به جِنَّة : أنا خريج معهد الدراسات النغمية ،معلم فنيه بلا تعيين .

أنت حقا معلم سيدي ؟.

وأنت ؟.

أنا رجل ثري جدا ..،قل ملياردير.

ملياردير !.

نعم .

كن واضحا معي ،ماذا تبغي ؟.

أول أمس ،وأنا كنت ماشيا ،و النهر ذاهبا إلى حي السراي ، سمعتك تغني مع نفسك ،فشدني صوتك الشجي ، حسبتك مطرب مغمور، ولدي القدرة أن أجعلك مطرب مشهور برمشة عين، أو قبل أن يرتد إليك طرفك .

كيف ؟.

المال يسخر كل شيء لصالحه، ويجعل كل الأشياء الصعبة بسيطة في طريقه ، المال هو سيد الأشياء ،وله القدرة على السيطرة عليها، مهما كانت شديدة ،به تشتري كل شيء سيدي .

إنَّ حبيب قد توصل إلى قناعة تامة في داخله ، أنَّ هذا الرجل العجوز لم يكن في وعيه إطلاقا ، وأنه لعلى يقين بوجود خلة في عقله .

يبدوا أني في حلم ،وليس حقيقة مما أسمع ، ولكن احتراما لكبر سنك ،وجلوسك في بيتي ،سوف أكون معك إلى الغاية التي ترومها .

أنا لدي مائة وواحد وخمسون نشيد ، أرجوا أن أسمعها كلها بصوتك الجميل .

وهل أشتهر بأناشيدك كمطرب ؟.

لا أسجل لك أغنيتين، أو ثلاث ،أُترك موضوع تسجيل الأغاني ،والشهرة عَلَيَّ ،فأنا ضليع به

والأناشيد ؟.

أناشيدك سيدي، إنها لي ،خاصة بي ، إنْ أديتها سوف أعطيك المال ،الذي تطلبه .

سيد يوسف ،أنت جاد في كلامك ، أنت تعي لما تقوله الآن؟.

لِنَبْرِمَ العقد غدا ، ولك مني ما شئت .

أين هي أناشيدك ؟.

إنها هناك .

أين هناك ؟.

في منطقة قريبة من عمان ،أو بالأحرى قريبة من العقبة ،تنشدها هناك ، ثم أنَّ الأردن بلد آمن ،ليس فيه قتل ،ولا إنفجارات.

اتفقنا إذا، صباح الغد نمضي أنا وأنت إلى دائرة كاتب العدل ،ونوقع العقد ،وحينما نوقعه تعطني القسط الأول ، أقصد نصف المبلغ الذي أريده منك.

وهو كذلك .. اتفقنا.

صافحه بقوة، ثم تركه وخرج من الغرفة بانشراح ،وكان حبيب يتبعه ، سار معه إلى الباب ،وهو غير مصدق بكل ما دار من حديث بينهما ،ودعه ثم غلق الباب ،ودفع المزلاج في مكانه ،ورجع إلى غرفته، قَدِمَتْ أمه إليه ،وسألته عَمَّا أراد هذا العجوز ،لمْ يخبرها بما جرى بينهما من حديث ،أنه غير مصدق بكل ما قاله إليه ،واعتبره رجل مريض .

أُمي هذا رجل مسكين من محلة السراي ،رُبَّمَا فقد عائلته ،واختل عقله .

ما الذي أراده منك ؟.

رُبَّما أكون مجنون مثله، وأصدقه ،يريدني أن أسافر معه إلى عمان ،لأسجل له بعض الأغاني مقابل مال أنا أحدده .

وأنا كيف أعيش من بعدك .

إنْ كان صادقا ،أمضي إلى بيت خالي .

عظم البشر ثقيل وخالك غير ميسور.

المال يجعله خفيفا أُمي سأعطيك الكثير منه .

تبكي أُمه .

لا تبكي أُمي ،إنْ كان صادقا هذا العجوز، سوف يتبدل حالنا، ونحن الذين لا أحد لنا الآن، سوف تكون الناس كلها معارفنا ، ثقي إذا ذهبت إلى هناك ،ووجدت مكانا أقر فيه، لن أتأخر عليك .

أخشى عليك من السفر ومن الغربة .

هناك أكثر أَمْنا من هنا ،إذا أقمت هناك ،سوف آتي إليك ،وآخذك معي ،ثقي بي .

لن تنتهي أحلامك ولدي .

تركته، ومَضَتْ إلى غرفتها ،أمَّا حبيب فلَمْ يستطع النوم ،إذ تأخذه تأملاته بعيدا جدا ،تطوف به في فضاءات قصية ،لمْ يجوبها خياله من قبل ،وقضى ليلته في تيه ،حتى صياح الديك في الهزيع الأخير من الليل وعند طلوع الشمس ، طرق الباب، نهض من فراشه مترنحا ،كأنه مخمور من السهر ثم فتح الباب ،وواجهه يوسف بابتسامة كلها خبث ودهاء .

صباح الخير سيد محبوب .

صباح النور سيد يوسف ،تفضل ،ادخل.

دخلا إلى غرفته ،جلس يوسف في المكان الذي جلس فيه يوم أمس على الأريكة ،بينما حبيب ظل واقفا لا يدري ماذا يفعل إزاء ضيفه .

خذ راحتك ،وكأنك في غرفتك سيد يوسف .

خرج حبيب من غرفته ،وتركه بمفرده فيها ، نظر يوسف في جدرانها من باب الفضول شد انتباهه صورة لحبيب كانت مؤطرة بإطار من خشب ،معلقة على الجدار ،نهض إليها كالمجذوب ،وتمعن فيها بقوة، ثم أخرج من جيب سترته الداخلي صورة صغيرة للنبي داوود، وبدأ ينظر إليها ، وإلى الصورة على عجل، وقارن بينهما كخبير جنائي في قسم المضاهاة ،الوجه الأبيض البيضاوي ذاته ،والذقن ذو النقرة الجميلة ذاته، والعينان الواسعتان الهادئتان ذاتهما، والفم الصغير الجميل ،والأنف الطويل ،الذي يشبه حبة البلوط ، والحاجبين الذين يشبها هلالين في سماء واحدة، وشعر الرأس الطويل المسترسل إلى الوراء ذاته ، قد بلغ به اليقين إلى أقصاه ،لشدة التشابه بين الصورتين ،صعد على الأريكة الأخرى، غير التي كان يجلس عليها ، وأحنى قامته ،وقبل الصورة من فوق الزجاجة ،وهو كان ينظر تارة إلى الصورة التي يحملها في يده، و أخرى إلى المعلقة ، رفع قامته إلى الأعلى ، خُيِّلَ إليه أنه واقف على منصة ، وأمامه جمع من الناس في محفل .

أيها السادة ،قيل أنَّ زمن المعجزات قد انتهى ،فما بالكم بهذه المعجزة ، يمكث داوود الملك ،أعظم ملوكنا على مَرِّ العصور في أرض بابل،بابل التي أبكت آباؤنا كثيرا في أيامها ،لن أدع داوود يقاسي من همجيتها ، لن أدعه يغرق في طوفانها ،وها أني أتيت به مُكللا بالغار، والياسمين ليشجينا بمزاميره ،ويدلنا عن مكان الهيكل ،الذي وضع قواعده قبل سليمان .

دخل حبيب ،وبين يديه صينية الإفطار ،صحن فيه بيض مسلوق ،وخبز ،وإبريق شاي ، وقدحين ،وكوب مملوء بالسكر .

انزل من عليائك يا رجل .

نزل مسرعا ،ثم جلس على الأريكة هادئا.

افطر أنت .

شاركني زادي وذق ملحي .

وهل أنا أقدر ؟.

وضع الصينية على الأريكة بينه وبين يوسف .

هيا بسم الله ، بسم الله .

افطر أنت سيدي .

الفطور لك يوسف.. ،هيا بسم الله.

تناولا الإفطار سوية، ثم ذهبا إلى دائرة كاتب العدل ، وأبرما العقد بينهما ،الذي قضى بإلزام حبيب إنشاد الأناشيد المائة والواحد والخمسون ،مقابل مبلغ من المال قدره ..........،وتم توثيق العقد ،وتوقيعه من قبل كاتب العدل، واستلم القسط الأول ،نصف المبلغ بالدولار ،ثم عاد حبيب إلى بيته ليجهز نفسه إلى السفر، جمع أشياءه في الحقيبة ،وأخرج دفتر صغير ،كان يكتب فيه رسائله إلى حبيبته أحلام ، ويبعثه لها، وحالما هي تقرأها تكتب الرد فيه، وترجعه إليه ،أنه يحتوي على كثيرا من الرسائل الصادرة منه، والواردة إليه منها دون فيه ...،أحلام حان الحين ،ودقت ساعة الفراق الأبدي بيننا، فلا تنتظري يا أنت ..،مهما انتظرت... فإن انتظارك هباء، وبقاءك في المحطة... قتل للوقت .. ،أنا يا أنت..... لن أعود أليك .

ولن أبتسم أليك من جديد .. ،كما كنت من قبل في سالف العهد .. في ثورة الغضب .. ،أحرقت شريط الذكريات ..، وألغيت ذاكرتي .. ،ونفيت ذهني في جزيرة مقفرة .. ،لأجل أن أنساك ....،عودي إلى رشدك .. ،ما عدت موجودا..، وانتظارك لا معنى له .. انتظارك عدم .. كفاك عنادا .. وكفاك غرورا ومكابرة وقتل لي .. ما عدت أطيق كبرياءك الأجوف .. ما عدت أطيق تكذيبك لي .. وقلتها لك مرارا .. إن رحلت عنك.. لن أعود أليك ...مهما حصل .. ولكنك كما كنت .. لم تصدقي ....ولم تتعظي .. أني أنا مت من نرجسيتك .. وهربت إلى العالم السفلي من .....حبك لنفسك .. وثقي مهما انتظرت .. فأنا لن أعود إليك ... لن أعود إليك ... ، ملاحظة بعد قراءة الرسالة احرقي الدفتر ..،وبعد الإفراغ من كتابة الرسالة ،غلق الدفتر وأعطاه لأمه ،وطلب منها أنْ تعطيه، إلى أحلام حالما تأتي تسأل عنه ،وسلمها المبلغ بتمامه .

طالما هذه الأوراق معك، لا تخافي من شيء أُمي العزيزة .

ودعها ، وخرج إلى المكان المنشود ،إذ وقف بمحاذاة نهر خريسان ،قرب شجرة اليوكالبتوز العملاقة ، في المكان الذي التقى بيوسف عصر أمس ،وقفت سيارة صغيرة سوداء زجاجها مظلل ،لا يعرف موديلها، ولا شركة صنعها ، تَرَجَل منها يوسف ،أخذ منه الحقيبة ،وفتح له الباب الخلفي ،صعد حبيب ،ثم غلق الباب وراءه، بينما يوسف ذهب إلى خلف السيارة ، رفع باب الصندوق ثم ضعها فيه، غلقه وصعد في الأمام ،انطلقت السيارة مسرعة في الطريق ،وسافر حبيب إلى الأردن من دون أن يودع أحد سوى أمه ، وأخذت السيارة تلتهم المسافة ببطء في أرض الوطن ،بسبب نقاط التفتيش ،والتحرز المزيف ،الكل هنا يبحث عن طريقة غير سليمة لنيل الرشوة ،وكم رشا يوسف في الطريق من أُولائك الأنجاس ،الذين يبيعون أمن الوطن بدراهم معدودة ، حتى اجتازوا الحدود ،دونما أنْ يُخْرجوا جوازات سفرهم .

قال حبيب لنفسه : وأخيرا تحررنا بالهجرة من كل شيء فاسد ،تحررنا من الخوف ،ومن السقوط ،وجميع المفاسد، تحررنا من كل التهم التي كانت مناطة بنا، خَرَّبوا الوطن ،أولئك الذين جاءوا إلينا من تلك الدروب ،التي كانوا فيها يتسكعون ، ومن تلك الساحات الموبوءة ،التي كانوا فيها يتسولون ، كلهم جواسيس بلا استثناء ،وعملاء، يعملون لصالح مؤسسات أجنبية ،قد خَرَّبوا القضاء، والتعليم ،وأغرقوا البلاد بالفساد، والدماء الزكية ،شرذمة من الأنجاس ،أحاطوا بجثة ،فمزقوا أوصالها بلا رحمة ،ألآن فقط بدأت أشم هواءً نقيا ،ولكن ما الفائدة منه ،وأنا أشعر بداخلي أني إنسان وضيع بلا كرامة ، الكرامة التي داستها أحذية الجنود الغزاة غابت في الوحل ، من أين أحصل عليها والأوغاد اشتروا ذمم الناس وجعلوهم عيونا إليهم في كل مكان ؟.

سيد محبوب وصلنا عمان .

خرج بصعوبة من أعماقه الغاضبة ،بعد ما ذابت تأملاته ،وَمَضَتْ عنه ، نزل من السيارة في منتصف الليل، وجد شوارع عمان خالية من الدبيب أمام صرح روما ،الذي كان يصرخ في وجه الأزمنة بما فيه من عظمة .

تلك هي كانت أزمنتي العظيمة ،التي صنع فيها تاريخي الحافل بالأمجاد .

أخذ يوسف حبيب من يده ،وأدخله في مطعم كبير درجة أولى ،وتناولا وجبة العشاء المتأخر، وخرجا من المطعم ، ثم ركبا في سيارتهما، وانطلقت كالوحش في الطريق الخالية ،ولم تتوقف إلا قليلا في نقاط تفتيش ،ومعاينة جوازات سفرهم ،والتأكد من صحة صدورها ،دخلت عند الفجر في مزرعة واسعة الأطراف كبيرة ،في منطقة وعرة، فيها جبال عالية، وتلال، وسهول مفتوحة ،وقصر جميل، تحيط به عروش الكروم ،وهناك على امتداد البصر ،ترعى الأبقار في الحقول ،وقطعان الغنم ،والماعز الجبلي ،وما أجمل أسراب الطيور المهاجرة ،وما أجمل النسيم وقت الفجر ،وما أجمل طلوع الشمس من بين قمم الجبال ،إنِّ الحياة هنا لها معنى ،لأن الإنسان يكون جزءا منها ، لا ضائعا فيها، كما هو الحال في المدن ،فتح يوسف باب القصر الخالي من الإنس، وطلب منه الدخول فيه .

القصر قصرك ألان سيدي..، أستجم فيه، وأرح نفسك مما كنت فيه ومن السفر.

أنه خالٍ ..،سأجلب لك ما تحتاجه من الناس حالا.. ،عش حياتك فيه، حتى آتيك بكل ما تريد ،وأعمل تجاربك ،أنى شئت في هذا المكان الطاهر .

وأنت أين تكون مني ؟.

أنا دائما قريب منك سيدي ،لا تفكر بي ، عش في مملكتك ، حالما آتيك لن أتأخر عليك .

تركه ،ومضى في السيارة ،دخل حبيب القصر ،وكان يتطلع في مداخله ،وفي غرفه ،وممراته ،لَمْ يحلم بما موجود فيه من أثاث ،ولمْ يحلم يوما أنْ يعيش بمثله قط في حياته ،إنَّه أشبه بقصر ملكي بكل معانيه، وصفاته ،تذكر حقيبته خرج مسرعا إلى خارج القصر، بحث عن السيارة التي اختفت بسرعة عجيبة في البر ،عاد إلى الداخل ،جلس في الصالة شعر بشيء من السأم لوحشة الوحدة، التي هو فيها ، رأى صور تشبه هيئته، صورته معلقة على الجدران بشكل جميل صور تضاهي صوره بكل شيء ،إلا ملابسه فهناك فرق كبير في ثياب الصور المعلقة ،وبين ثيابه إذ كانت ثياب من حرير مطرزة بخيوط من ذهب ذات ألوان زاهية ،وفوقها قطع قماش ملفوفة على كتفه حتى ركبتيه ،وفوق رأسه تاج من ذهب ،وقف أمام مرآة كبيرة ،وبدأ يقارن بين هيئته ،والصور ،وكان في غاية الغرابة من ذلك التطابق في الشكل ،لمْ يجد تفسيرا في داخله ،لِمَا رأى لكن شيء علق في ذهنه .

من هذا صاحب الصور المعلقة على جدران القصر؟،هل أنا أم إنسان آخر غيري ؟ .

لمْ تتبين الصورة بعد في ذهنه ،لمْ يعرف أنَّ هيئته تشبه هيئة داوود ،النبي الملك العادل ،تشابه غريب لمْ يعِ لذلك، لذا ترك الصور، وذهب يتفقد المكان، تطلع في أجنحة الطابق الأرضي ،ثم أجنحة الطابق العلوي ،ودخل إلى غرفة نوم مميزة عن جميع غرف القصر ، وجد فيها سرير مطلي بالذهب ،ومُطَعَّم بالأحجار الكريمة ،وفوقه فراش مصنوع من حرير أبيض، وخزانة ملابس كبيرة ،خشبها الصقيل ،خشب السرير نفسه كأنها تحفة مُطَعَّمَة بالذهب ، فتح بابها ،فرأى ملابس معلقة كلها من الحرير ،لها ألوان زاهية ،ترك الباب مفتوحا ،ودخل الحمام القريب من الغرفة ، ثم خلع ملابسه وأستحم ،وتنشف بفوطة زرقاء ،طواها على جسده، ثم خرج من الحمام ،وعاد إلى الغرفة ، اتجه نحو الخزانة ،ثم انتقى ثوبا بنفسجيا فاتحا من بين الثياب الكثيرة ،فارتداه، وارتدى فوقه أزارا أحمرا ،ووضع على رأسه تاجا من ذهب، وكان يقف الوقفة ذاتها ،الكائنة في الصورة المعلقة في الغرفة ،عاش من جديد في غرابة من شدة مضاهاته إلى الصورة ،وأخذ يتدرب على وقفاته المتنوعة ، وعلى جلوسه ،وكم كان مبتهجا لَمَّا رأى القيثارة قائمة على فخذه، ومحصورة بين يديه في أحد الصور ،سمع أصوات في فناء القصر نظر نحوها من خلال النافذة ،فرأى حشد من الناس يرتدون ملابس عصر قديم ثياب ملونة ،وعمائم ،وكان معهم يوسف ،الذي كان يرتدي جبة سوداء مفتوحة من الأمام ،ويعتمر غطاء أسود في رأسه( عرق جين ) أنه الحبر الأعظم للقصر ، الخادمون والخادمات ، الراقصون والراقصات ،فرقة المنشدين والمنشدات ،والعازفين والعازفات، وآلاتهم، دخلوا الصالة جميعا ،وقف حبيب نهاية السُّلَّم فوقهم في الطابق العلوي، حين رأوه ، جثوا على الركب، وفي مقدمتهم يوسف الحبر الأعظم ، هبط من الدرج ببطء دَرْجة فدَرْجة ، حُنِيَت الرؤوس كلها ، إلا هو كان رافعا رأسه ،وينظر إليهم بغرابة، ثم سايرهم بما كانوا يعتقدون به .

مرحبا بكم في قصركم ،أيُّها السادة ،انهضوا، وخذوا راحتكم .

نهضوا جميعا ،وكانوا ينظرون إليه بقدسية ،كان أغلبهم منجذبا إليه ،و مسحورا بشكله المقدس ،وتهامست الألسن ،وتناجت الأعين بإيماءات كثيرة ،وأُشيع بينهم أنهم في حضرة ملكهم داوود، سَلَّمَه يوسف نسخة المزامير ،وكأنه رسول من بلد آخر ،يُقدِم الهدية له احتراما ،ثم من بعد ذلك ، وزع الخدم بصوت خفيض ،وهمس إلى المنشدين والمنشدات بالجلوس في الصالة ،وأيضا العازفين والعازفات ،والراقصين والراقصات ،وأناط مهمة خدمة حبيب ،ومرافقته إلى جميلة الجميلات ،ابنته عفروه ، انصرف الجميع كل حسب عمله ،ولمْ يبق أحدا سواهما .

سيد محبوب ،اقرأ أناشيدك .

يا سلام .

جلس على أحد الكراسي في الصالة الكبيرة ،ذات الأجنحة الكثيرة ،وأخذ يتصفح نسخة المزامير بقدسية ،ورقة فورقة بتمهل، وكان يقرأ قليلا من الآيات ،ثم يرفع رأسه يتأمل فيما قرأ منها، وهو ينظر من خلال النافذة القريبة منه إلى الفضاء الواسع من أمامه ،انسل يوسف عنه بهدوء ،ثم اختفى في أرجاء القصر ،ليؤكد على الجميع أن لا يخلع أحدا منهم ثياب عصر داوود الملك ،التي أعدها لهم ولا يسمح لأحد منهم ،أن يرتدي دونها مهما طالت بهم الأيام في القصر ، ثم قام بتوزيع مهام الخدم كل حسب اختصاصه ،وأناط بهم أعمالهم وطلب من عفروه القيام بأعمالها ،والالتحاق به ، مضت إلى غرفته، وتطلعت فيها ثم غلقت أبواب الخزانة ،وبحثت عن ملابسه بصمت ، بحثت عنها بعينيها الجميلتين في الغرفة، ثم ذهبت إلى الحمام ، وحالما عثرت عليها هناك ، جمعتها في قطعة قماش، وشدتها بقوة، ووضعتها في خزانة غرفتها ، ثم دنت منه ،وقالت إليه بصوت أنثوي ، مليء بالزغاريد المثيرة .

هل بحاجة إلى شيء سيدي ؟ .

لا .

مضت عنه جانبا ،وهي حانية رأسها احترما له، وكانت تنظر إليه خلسة ، مابين الحين والحين .

قال يوسف: عفوا سيدي ،إنها مرافقتك ،وخادمة مخدعك .

نظر إليها، وأدهش بحسن جمالها الطبيعي الخالي من التزويق والرتوش ، وأشاح بوجهه عنها خيفة أن يفتن بها ،ويفشل في مهمته ،حاول إغراق صورتها الجميلة التي حفرتها ذاكرته ، بأزاميلها المثيرة في ذهنه ، والتفت إلى يوسف قائلا .

سيد يوسف هلا أخبرتني عن صاحب هذه الصور ،التي تملأ غرف القصر ،وجدرانه ؟.

لاذ يوسف بالصمت ،وهو ينظر إليه بحزن، وقال في ذات نفسه .

إنها لك سيدي، أحقيقة أنت لا تعرف نفسك ؟.

لِمَنْ هذه الصور ؟.

ألا تعرف سيدي ؟ أنها لك سيدي ،اعرف نفسك، سيدي .

أَوَ تريد أنْ تَجِنَنِي يوسف... ،من أين أتيت بها...، ومتى رسمتها ،وملأت المكان بها ؟.

نهض من الكرسي بنفور، وابتعد عنه ،ثم همس إليه .

أنا يَقِض أم غير يَقِض ،هل أنا في حلم أم حقيقة ؟.

يا سيد محبوب أنت تعيش الواقع، فلِمَ لا تتقبله .

أنا لا أعرف شيئا عن حياتي هنا ،إنها ما يشبه الأحلام .

ألَمْ تكن هانئا بها ؟.

أنها لكبيرة عَلَيَّ ،لا أتحملها سيد يوسف .

عشها من أجل مزاميرك سيدي ،انتبه لها ،وَصُبَّ جل اهتمامك عليها .

والأغاني التي وعدتني أن تنتجها لي .

غدا سأحجز لك الأستوديو ،وسأجعلك من المطربين المشهورين،وحديث الصحف ،والمجلات الفنية برمشة عين، كما وعدتك من قبل .

ولما غادر عنه ،أتَمَّ ما وعده ،إذ اتصل بأحد مدراء أعماله المنسق الفني ،وطلب منه أن يحجز إليه صالة (نعيمه عاكف ،هي أحدى صالات فنادق مدينة إيلات ،التي تقع على ساحل خليج العقبة، في أقصى جنوب فلسطين ،بين مدينة العقبة الأردنية من الشرق، وبلدة طابا المصرية ) ،وأنْ يدعوا لها جميع اليهود العراقيين المهجرين في القرن الماضي ،وعمل دعاية كبيرة إليه.

مطرب عراقي يمتلك حنجرة ذهبية ، قنبلة الطرب العربي المعاصر .

وفي اليوم الثاني ركب السيارة السوداء المظللة ،ومضى إلى مكان العرض ،وصعد المنصة ،وغنى بصوته الشجي ،أجمل الغناء العراقي ،مما جعل الحاضرين ينسجمون مع أغنياته، ويرقصون طربا على أنغامها ،وطلبوا منه أن يغني لهم أغاني المطرب ناظم الغزالي ،ولبى لهم إرادتهم ، وظل معهم ساهرا ، بصوته الطروب ،حتى مطلع الفجر ،إذ غنى لهم ما يشتهون من الغناء العراقي الأصيل ،واشتعلت الصالة بنيران (البستات )العراقية الأصيلة،ورقص الجميع بمجون وجنون، وكانت الكاميرات تصوره من كل زاوية فيها، أمر يوسف المنسق الفني أن تبث الأغاني على الهواء في الفضائيات العائدة له ،بثا حيا ،ونقلت الحفل أكثر من فضائية غنائية خاضعة لإرادته ،وفي ليلة واحدة أنتج له ألبوما بصوته الجميل، وعاد عند طلوع الشمس إلى القصر ،على الرغم من التعب المضني الذي كان يشعر به ،إلا أنه كان سعيدا جدا بنجاحه كمطرب حقيقي ،إذ غنى لجمع غفير من الناس ،أصحاب ذائقة عالية في الطرب ،لا كما كان يغني في الأعراس من قبل، دخل القصر، وطاف حوله الخدم ينفذون إليه ما يشتهي ، ثم أنصرف إلى غرفته ، وجميلة الجميلات عفروه ذات الوجه القمري ،الذي يحمل الملامح البابلية بكل معانيها الجميلة ،لون زبدي يتخلله حمرة ألجوري ،أو زهرة الرمان، وضفيرة طويلة تشبه الغروب، ترْكُلُها إليتها بين اليمين والشمال،وصدرها الناهد المتعالي لولا الثوب يخفيه ،لقبلته شياطين الارض والسماء، أنفاسها نسيم قداح ،ورثته عن جدها ،إذ كانت له بساتين برتقال تسقى من نهر خريسان ، دخلت وراءه الغرفة ،وأضاءتها عينيها ببريق عسلي ،تمدد على سريره، بلا انتظام ،وغرق في النوم خدرا من جمالها الفوقي ،غاب في نفسه من شدة المتعة ، لَمَّا خلعت حذاءه بهدوء ،وجواربه ،وخرجت بهدوء ،ثم غلقت الباب ،همس لها يوسف الذي كان يتلصص قريبا من الباب .

عفروه.

نعم أبتي.

ماذا يفعل ملكنا ؟.

أنه نائم .

اسهري على راحته ،ولا تبخلي عليه بشيء ،المهم أن تعرفي منه مكان الهيكل .

وهو كذلك .

تركها و مضى إلى الصالة ، جلس مع المنشدين ،والموسيقيين ، الذين كانوا ينتظرون منه لحظة البدء ، وعند الغروب استيقظ من نومه، فهيأت عفروه الحمام له ،استحم ،وهي كانت واقفة عن قرب من الباب ،وكأنها حرس ثابتة بلا حركة ،وعلى كتفها فوطة ،وحينما خرج من الحمام من دون أن تكلمه ،وضعت الفوطة على رأسه ،وفتحت باب الغرفة إليه، وحالما دخل فيها أغلقت بابها من وراءه وبقيت متسمرة ، إلى جانب الباب واقفة بصمت ، حتى فتح الباب ،وخرج من الغرفة ،جثت على ركبتيها ،لَمَّا رأته بزي ملكي ،إذ كان يرتدي ثوبا أحمرا، وعلى كتفه وشاح أزرق غامق ،ورأسه مكلل بالتاج ، مسكها من أطراف أصابع يدها وشعر بنعومة أناملها، وحرارة أنوثتها الطاغية ،وكان يَِودُّ لو أنه هو الذي يجثو على ركبتيه ،احتراما لِمَا خلق الله فيها من حسن وجمال .

انهضي عفروه .

نهضت وهي تنظر إليه باستحياء ، وإجلال، كما هو أيضا كان ينظر في وجهها الملائكي ،ذو الابتسام الفطري ،نظرة طيبة خالية من كل دنس ،ثم تركها ،ونزل إلى الصالة ، انضم إلى مجموعة المنشدين والموسيقيين ،والراقصين ، وحاورهم عن طريقته ،والعمل معه، ووضع الألحان للأناشيد ،ووضح لهم الخطوط العريضة لعمله معهم ،انه سيقرأ المزامير، كمقامات يغنيها بطريقته ،لا كما يغنيها غيره بالمقلوب ، وباشر بالتمارين والتجارب اللحنية، نشيد بعد نشيد ،واستمر في تدريبهم أياما طويلة، ليال يسهرون فيها ،حتى مطلع الفجر ،و أماسٍ جميلة كان يطيبها بأجمل كلام ،وأجمل لحن ، وصوت عذب ،قد تعب كثيرا بوضع الألحان للأناشيد ،معتمدا على جميع المقامات التي درسها في معهد الموسيقى ،وكانت عفروه تسهر عليه ،وكأنه حبيبها ،الذي لمْ تستطع أنْ تبث له ما في أعماقها من شوق وحنين هيبة منه ،واحتراما له ،وقد أعجبت بأخلاقه الملكية، أكثر من جماله ،وصوته، وكم تمنت أن يشاركها ما تبقى لها من عمر، لكنه لمْ يفكر بعاطفته ولمْ يشغل باله بالحب ،لأن الأناشيد أخذت كل شيء منه ،أحبها كثيرا ،ونظر أليها بقدسية كما ينظر إلى كتابه المقدس ،الذكر الحكيم ، إلا بعض منها التي خطتها أنامل شريرة ،وقلوب خبيثة ،ولكنها لمْ تستطع أن تشوه جمال الأناشيد، ولا تحط من قدسيتها،حاشا كلام الله أنْ يعبث به شيطان مريد ،ومخرف شرير ،ولا تبديل لكلماته .

المنشدون والمنشدات، والعازفون والعازفات ،والراقصون والراقصات ،كانوا على أهبة الاستعداد للتنفيذ ،ولكن كان حبيب ينتظر الإيعاز من أعماقه على الرغم من تحضير جميع أدواته ،وكأنه كان ينتظر المدد الإلهي، أو الإلهام كما ينتظره الشعراء في كتابة قصائدهم ،قد عشق الأناشيد عشقا عميقا ،وعشق منشدها أول مرة ، وأيقن أن كل غناء حرام ،إلا الغناء لله، فإنه زكاة للنفس ،وشفاء للفؤاد .

كانت غرفة في أعلى القصر، فيها ستة تلفزيونات ،كل منها يعرض صورة لحبيب من جانب،وفق رؤية كاميرته،وزاويتها،كان الجميع ينظرون إليه برهبة،وقدسية،وكانوا يتابعون خطواته،على الشاشة،لما كان واقفا في شرفة القصر ليلا، وعفروه من وراءه، كان يتأمل في النشيد الأول، فطافت أخيلته في ثنايا الموت ،و انثالت عليه سبل الحياة المختلفة، انكشفت إليه النعمة الإلهية الكثيرة والخروج عنها ، ووضع أمامه جميع السبل الخيرة ،والشريرة وهو السيد الحر باتخاذ القرار ، وأيهما ينتخب .

انطلقت أصوات ،أبواق ،قرون ،خراف من فوق التلال المتفرقة ،امتزجت ،ونور القمر الطالع للتو ،فتح حبيب فاه مندهشا ثم مسك عفروه من كتفها ،ودفعها إلى صدره حضنها بقوة، لا إراديا ، طوقها بذراعيه عفويا .

عفروه.

مولاي .

آن الأوان عفروه ، آن الأوان .

ثم تركها في مكانها، وخرج من الشرفة مسرعا، نزل من الدرج ،وخرج من القصر ،بهت الجميع لجريه، وخروجه ليلا ،ثم اقتفوا أثره ،كان يركض صوب التلال المجاورة للقصر ،هناك قرعت الدفوف حوله ،وهو يقفز فوق التل، يقفز بكل ما أوتي من قوة ،و يرقص فرحا حبا لله، والراقصون والراقصات ،الذين كانوا يجسدون بحركاتهم الرشيقة، وإيماءاتهم القوية ،سبل الشر التي تؤدي إلى نهاية مؤلمة إلى قبر مظلم ، وسبل الخير التي تجعل الإنسان هانئا في حياته ،سعيدا يجسدون الاختيار بأجسادهم الطيعة ،ويقررون أيهما الأصلح لهم الخير أم الشر،أصوات،أبواق عالية ،وصدى الصنوج، يأتي من بعيد ،والعود،والقيثارة، والجوزة ،والسنطور، والدفوف ، وكورال المنشدين والمنشدات، يطوفون حول حبيب ،وكانوا ينشدون .

: برا للإنسان الذي لم يسر في رأي الذين يميلون نحو أهواءهم ،ويركضون وراء لذاتهم ،وفي درب الآثمين لمْ يقم، وفي مقام كثيري المزاح لمْ يكن ،لمْ يجلس في مجالسهم، ويشاركهم في مزاحهم .

وصدح صوت حبيب في عمق الليل، أوقظ الكائنات النائمة بقراءة مقام من المقامات الأصيلة .

قرأ : لكن في شريعة الذي أبدع كل شيء، وأنعم عليه بهجته ،وفرحته ،وفي قانونه يتحدث بوَلَعٍ ،واعتاد على ذكره بلا انقطاع منذ طلوع الفجر، وحتى المغيب والليل كله .

وانطلقت الدفوف بقوة على نور القمر، والمنشدون يرددون بقرار ما شجى حبيب ،الذي جعل جسده يرتعد ،يرتجف من ضربات الدفوف، ويهيم بصوته .

قرأ بصوفية : فيكون شبه شجرة مزروعة بمحاذاة جدول ،أو نهر تجري المياه في حوضه على الدوام ،التي تهب أُكلُهَا طازجة في وقت نضوجها ، وأوراقها لا تصفر أبدا.

وارتجفت الدفوف صارخة في الأيدي ،ذات المهارة ،وأنشدت قطعان الغنم ،ما غنى به حبيب ،الذي توائمه حركات جسده مع روحه ،وانثالت عليه أصوات آلات كثيرة، قيثارة ،صنوج ،عود ،وجوزة وسنطور، وهو يردد بقوة .

قرأ : وكل ما يصنعه المرء في حياته، يجعله يفوز في آخرته .

وكان المنشدون يجلسون حوله ،و ينشدون بهدوء .

: ليس كما سبق بيانه، الذين يميلون نحو أهواءهم ،ويركضون وراء لذاتهم ،لكنهم شبه الورقة اليابسة ،التي تفرقها الريح وتبددها .

وحينما ينتهون من الآية ، يتدحرجون من فوق التل كل على جهته .

فانطلقت الجبال منشدة معهم ،لَمَّا رأى حبيب أفواهها تُفْتَح وتُغْلَق بقوة ،شَعَرَ أنَّ شَعْر جسده وقف إلى الأعلى ، وشَعََرَ بقشعريرة تسري في بدنه ،وارتاب مما رأى ،وأيقن أنَّه أُصيب بمس شيطان مريد، وقال في نفسه : ذهب العقل أُمي ،وأصبحت مجنونا .

قرأ : لِمَا سبق بيانه ،لا تؤدي ثلة الذين يميلون نحو أهواءهم ،ويركضون وراء لذاتهم ، شعائر المنهج القيم ،ولا الآثمين في ثلة الذين يعملون الحسنات .

كان يسمع كل شيء قريب منه، ينشد معه، رأى كائنات نارية فوقه على قمم الجبال البعيدة ،وأيقن أنه حقيقة مجنون ،اضطربت نفسه ،وارتجف قلبه ،وفقد شيئا من اتزانه .

قرأ : لأنْ يفهم المبدع كل شيء، والمنعم عليه بوضوح ،سبيل اللذين يعملون الحسنات ،أمَّا سبيل الذين يميلون نحو أهواءهم ،ويركضون وراء لذاتهم فمدمر ومميت .

سمع أصواتها ،وهي تنشد وراءه ،ورآها تقفز من قمة إلى قمة ، وتترنح بفرح ،انهار، سقط فوق التل ،حمله المنشدون إلى القصر، ووضعوه على فراشه، وجسده كله يرتعش ،ولازمته عفروه ساهرة على راحته ،وطبيب القصر إلى جانبها يعاينه بدقة ، المنشدون ،والموسيقيون، والراقصون والخدم ،كانوا يعيشون لحظات فزع ،وخوف عليه ،وكان يوسف يقرأ آيات من التوراة ،لأجل شفاءه ونهوضه بلا صوت ،ويحرك رأسه سريعا ،نحو جدار غرفة حبيب القريب من بابها ،وبعد أن انتبه إلى نفسه منتصف الليل ،وجد عفروه الإنسانة الرائعة جالسة على السرير إلى جنبه، وكانت تنظر إليه بشغف ،والطبيب واقف بالقرب من سريره .

ماذا حدث لي عفروه ؟.

لا علم لي مولاي .

أين يوسف ؟.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل