المحتوى الرئيسى

الدستور الاتحادي بين التزام البارزاني به و خروقات المالكي له بقلم:محمد مندلاوي

10/01 18:33

الدستور الاتحادي بين التزام البارزاني به و خروقات المالكي له

محمد مندلاوي


الحافز الذي دفعني إلى كتابة هذا المقال، هي تلك الأصوات النكرة، التي لا تنقطع منذ سنة (2005) و إلى الآن، والتي تطالب بتعديل الدستور العراقي الاتحادي، و بات يعرف القاصي و الداني، ماذا يبغي هؤلاء من وراء مطالبتهم المشبوه والمغلفة بغلاف فقرة دستورية تقول: " لرئيس الجمهورية و مجلس الوزراء مجتمعين أو لخمس (1/5) أعضاء مجلس النواب، اقتراح تعديل الدستور" نسي أو تناسى هؤلاء... أن في الدستور مادة أخرى تقول: "لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور بما ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلة ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني و موافقة أغلبية سكانه باستفتاء عام" كما أسلفنا،على مدى السنوات الست الماضية، وإلى ساعة كتابة هذا المقال، لم ينقطع الحديث عن المطالبة بإجراء تعديلات على بنود الدستور، و يعرف المواطن الكوردستاني جيداً، أن هدفهم من المطالبة بهذه التعديلات، هو محاولة غير نزيه لإيجاد ثغرات في الدستور، قد تمنحهم هامشاً ينفذوا من خلاله للنيل من الشعب الكوردي والمكتسبات التي حققها بفضل نضاله و تضحياته الكبيرة،والشيء الثاني الذي يحاولون مسه في هذه التعديلات المرتقبة، هو تعديل بعض البنود التي كبلت النزعة الديكتاتورية الفردية في العراق. إن الذين يسعون لتعديل هذه البنود لصالح الديكتاتورية، كانوا هم من اكتوى بنارها على مدى عقود من الحكم الفردي، وكانوا هم أنفسهم في (2005) حين أقسموا على الدستور صباحاً، وقالوا في المساء، لنا تحفظات عليه، أي حنثوا بالقسم، و يزعمون أنهم أمناء على القرآن و الإسلام و الدستور.

بعد انتهاء فترة حكم الحاكم المدني (پول بريمر) و إجراء الانتخابات النيابية، التي انبثقت عنها تشكيل حكومة عراقية، ورأسها حزب إسلامي (شيعي)، بدأ هذا الحزب الشيعي، و رئيسه، الذي ترأس الحكومة، بخرق الدستور الاتحادي منذ اليوم الأول لتسنمه المنصب، لم يراعي مشاعر ملايين العراقيين، الذين تحدوا الموت، يوم ذهبوا إلى صناديق الاستفتاء، لاختيار دستورهم الاتحادي. بسبب جهله بحيثيات دولة العراق الاتحادية، التي عمادها العرب و الكورد، ما لبث أن أزيح هذا الشخص من موقع رئاسة الوزراء، لأنه لم يكن مناسباً للمنصب بتلك المواصفات...، و وقع الاختيار على شخص آخر من نفس حزب رئيس الوزراء المنصرف ليتبوأ هذا المنصب، وكان هذا الشخص هو الأستاذ (نوري المالكي) ما أن مرت عدة شهور، حتى اتضح للعراقيين، أنه سائر على نهج سلفه، و أنهما وجهان لعملة... واحدة، و الذي زود الطين بله، أنه جاء بوزير النفط، الفاشل، آغا (حسين شهرستاني) الذي دمر صناعة النفط في العراق، و نصبه نائباً له، و سلمه ملف الطاقة (النفط) و بعد تنصيبه في منصبه الجديد، بدأ رحلة تدمير ثروات العراق النفطية من أوسع الأبواب، أضف إلى هذا، أنهما- المالكي و الشهرستاني- لم يكترثا، و لم يعيرا اهتماماً للدماء العراقية التي سالت من أجل تثبيت الدستور الاتحادي كانجاز وطني ناضل من أجله العراقيون على مدى عشرات السنين. إن المتتبع للشأن العراقي و العربي و (الإسلامي) يرى أن عدم احترام الدستور والالتزام ببنوده و تطبيقها ليس وليد اليوم، بل هو سجية النخبة الحاكمة العربية، الفارسية، التركية، منذ أن أصبحت كياناتهم بفضل المستعمر الأوروبي جزءاً من الخارطة السياسية في العالم. على سبيل المثال و ليس الحصر، ننظر إلى تاريخ مملكة العراق حين كتب الدستور في العشرينيات من القرن الماضي في ظل الاستعمار البريطاني، كان دستوراً لا بأس به، فيه جوانب تراعي إلى حد ما توازنات البلد والحقوق المدنية و سير العملية السياسية بوجود برلمان منتخب و مجلس للأعيان الخ، لكن، بعد خروج المستعمر البريطاني، ما لبثت زمرة من الضباط العروبيين، حتى صعدوا على ظهور دباباتهم و اسقطوا النظام الملكي و الحكومة المنتخبة، و سحلوا أفراد العائلة المالكة في شوارع بغداد، و بعدها توالى حكم العروبيون العسكر وأشباههم للعراق(45) سنة بدساتير مؤقتة، أو بالأحرى بدون دستور، يفعل به الحاكم الأوحد ما يحلوا له، حتى وصل الحال بحاكم العراق في حينه، أبن قرية العوجه، المجرم (صدام حسين) أن يستهزئ بالعراقيين قائلاً لهم " ما هو الدستور، هاتوا ورقة و قلم، أكتب لكم دستوراً بظرف ساعات" بهذا الأسلوب السمج، كان يستهزئ ابن قرية العوجه، الأمي، صدام حسين بالدستور الذي يجسد حضارة البلد. فلا نذهب بعيداً، نمد بصرنا نحو غرب العراق، إلى البلد المتاخم له، وهو الجمهورية السورية، حين توفى رئيسها (حافظ الأسد) سنة (2000) وهو الذي قاد انقلاب (1970) جاء البعثيون بابنه (بشار) رئيساً لسوريا، وحينها كان غلاماً يافعاً، لم يسمح له الدستور السوري أن يتقلد منصب رئيس الجمهورية، لأن الدستور السوري كان يحوي على بند حدد سن مَن يريد أن يتبوأ منصب رئيس الجمهورية السورية بما فوق الأربعين سنة، السن الذي لم يكن قد بلغه بشار، فاجتمع حزب البعث الحاكم في المساء، وخلال دقائق عدلوا الدستور السوري، بحيث يسمح للغلام، أن يتبوأ منصب رئيس جمهورية سورية. والأمر كذلك في الجزائر، البلد الذي يقع في شمال إفريقيا، أن دستوره، حدد فترة الرئاسة بدورتين، وهذا التحديد لم يكن مناسباً للخرف (عبد العزيز بو تفليقة) ومن ورائه العسكر الحكام الفعليين للجزائر، فلذا جمعوا زمرتهم فيما يسمى بالبرلمان، و أزالوا هذه فقرة من الدستور، و أضافوا فقرة أخرى، لا تحدد منصب رئيس الجمهورية بعدد الدورات، بل تركوها مفتوحة، على الطريقة العربية، إلى ما شاء الله، والأمر لا يختلف في بقية الدول ذات الأنظمة العربية، حيث لا يوجد عندهم أدنى احترام لدساتيرهم و قوانين بلدانهم، إما ما يسمى بالدستور التركي الذي وضع في (1982) إبان حكم العسكر، فحدث عنه ولا حرج، فهو عبارة عن مسخرة، سطرت موادها بحراب بنادق العسكر. قال عنه القاضي التركي (سامي سلجوق) "أنه يشبه تقرير مكتوب من قبل الشرطة لتعذيب المواطنين" بخلاف الدول المتحضرة ذات الأنظمة الديمقراطية، كألمانيا و أمريكا و فرنسا و سويسرا الخ الخ، التي تعتبر الدستور عندهم أقدس المقدسات، و تعديل بند دستوري واحد يأخذ سنوات عديدة، أضف أن دساتيرهم فيها بنود لا تسمح قطعاً بتعديل المواد التي تخص الحريات العامة و حقوق القوميات. بينما الأنظمة العربية، بين ليلة وضحاها تعدل مواد الدستور أو تبدل جميع بنوده و ترميه خلف ظهورها، حتى تسنح للغلام أن يتبوأ أعلى منصب في الدولة، أو حتى يستمر الخرف ذات الأمراض المتعددة في سدة الحكم إلى آخر ساعة من حياته.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل