المحتوى الرئيسى

حواتمة: ثورات تونس، مصر، ليبيا لم تكتمل ... دساتير جديدة ودول مدنية

09/26 15:10

غزة - دنيا الوطن

س1: في أي إطار تأتي زيارتكم إلى تونس ؟

نحن أبناء الثورة الفلسطينية وأبناء الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، لنا برنامج ولنا سياسة تقوم على ضرورة النضال من أجل إنجاز الوجه الآخر لمهمات التحرر الوطني، والتقدم في بلدنا وفي البلدان العربية، فنضالات حركات التحرر الوطني العربية على امتداد القرن العشرين أقصى ما أنجزته هو الاستقلال عن الأجنبي، عن الخارجي وتحالفاته ومعسكراته وقواعده العسكرية، أما الوجه الآخر من مهمات حركة التحرر الوطني العربية؛ فلم ينجز، فلقد ضاع علينا القرن العشرين جميعاً ولم ينجز الوجه الآخر الذي يمثل دخول عالم "تحرير العقل من استبداد فتاوى النقل"، "المساواة في المواطنة"، عالم الدمقرطة الشاملة والتعددية التنافسية بقوانين انتخابية، تؤمن مشاركة كل مكونات المجتمع بكافة أطيافه، تياراته واتجاهاته، والعدالة الاجتماعية، وهذا يستوجب بالضرورة  سياسات اقتصادية واجتماعية وسياسية جديدة، تمكن من بناء مجتمع يقوم على التنمية المستديمة أو بتعبير أدق دخول الثورة الصناعية بمرحلتها الأولى والثانية والثالثة، وهكذا حتى ننتقل إلى ضفاف القرن الواحد والعشرين، هذا لم يقع، ولذلك قلت مراراً وتكراراً ومؤخراً في كتاب صدر لي في مطلع عام 2010، أن الحالة العربية تخلفت كثيراً عما حولها، العالم كله يتغير، يتطور، يتبدل، سواء في بلدان المركز الرأسمالي العالمي أو في بلدان العالم الثالث، وخاصة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا السمراء وآسيا، سواء الذين أخذوا بتحولات ذات طبيعة ديمقراطية واشتراكية، أو تحولات ذات طبيعة رأسمالية وديمقراطية سياسية وثقافية. نحن العرب تخلفنا عن هذا كله، ولذا قلت أن هذه الرياح ستصل إلى البلاد العربية عاجلاً أم آجلاً لإنجاز الوجه الآخر، والوجه الآخر يستدعي بالضرورة تحولات كبرى في كل بلد من البلدان العربية، توقعت الموجات الثورية التي تعصف بالعالم أن تصل إلى البلاد العربية عاجلاً، وهذا ما وقع بعد أشهر قليلة من صدور هذا الكتاب الذي حمل عنوان "اليسار العربي ... رؤيا النهوض الكبير ـ نقد وتوقعات".

نحن في تونس، زيارتنا في هذا السياق التاريخي، فنحن نعمل مع كل شعب من الشعوب العربية ومع شعوب العالم الثالث من أجل إنجاز هذه المهمات للدخول في عالم القرن الواحد والعشرين، نحن العرب حتى الآن لا زلنا على ضفاف بداية القرن العشرين جميعاً وفي فلسطين تحت الاحتلال واستعمار الاستيطان، وعليه استبشرنا بالضرورة وشخصياً بمضامينها الفكرية والسياسية والنضالية، استبشرنا باندلاع شرارة الثورة التونسية، وبالخطوة الأولى التي شكلت الصاعق، لذلك ما جرى مع الشهيد "بوعزيزي" بدأ انتشار هذا اللهيب على امتداد الأرض التونسية، هذا يعني بلغة واضحة أن زيارتنا تتناول: ثورة تونس إلى أين ؟ بدأً برئيس الجمهورية، رئيس الوزراء، وزير الخارجية وآخرين، ومع كل الطيف السياسي باختلاف اتجاهاته الإيديولوجية والسياسية نبحث أوضاع الثورة التونسية في سياق المرحلة الثورية العربية الجديدة التي افتتحت بمبادرة من الثورة الشبابية التونسية، التي تحولت إلى ثورة الشعب التونسي.

س2: في نفس السياق برأيكم لماذا نجحت ثورة تونس ومصر وتعثرت الثورات في كل من ليبيا واليمن والبلدان العربية الأخرى ؟

في تونس ومصر سارت الأمور سالكة ومتسارعة ودامية لعوامل داخلية في الأساس، ففي تونس يوجد أعرض طبقة متوسطة في أي من البلدان العربية، أكثر مما هي عليه من حيث اتساعها من مصر هذا أولاً، والانتفاضة الشبابية التي انتقلت من العالم الافتراضي؛ عالم التواصل الاجتماعي، ونزلت إلى الأرض، إلى العالم الواقعي، جرت المبادرة من أوساط نسائية وشبابية من أبناء الطبقة المتوسطة، وهذه الطبقة المتوسطة تعرضت بالعشريتين الأخيرتين في تونس إلى كثير من عمليات التآكل والتدهور بفعل سياسة الاستبداد والفساد، والسياسة الاجتماعية ـ الاقتصادية التي تقوم على السياسة "النيوليبرالية" التي تؤدي إلى استقطابات طبقية أقلية تتمتمع بالحجم الأكبر من الثروة، والأغلبية الساحقة تتدهور أوضاعها أكثر فأكثر هذا عامل أول.

العامل الثاني هناك تراث تاريخي عقلاني، وحديث في تونس منذ منتصف العشرين موصول بتراث قديم، فأنتم عندكم "ابن خلدون، أبو القاسم الشابي، فرحات حشاد، الطاهر الحداد"، عندكم نضالات نقابية مبكرة جداً ومثمرة في أعمالها أيضاً، حتى أن الحركة النقابية أقوى من الأحزاب الكلاسيكية الموجودة بالبلاد.

ثالثاً: الخطاب العقلاني نسبياً بدأ يشق طريقه في تونس بعد الاستقلال عن الأجنبي، خطاب ذو نزعة تقدمية، ذو نزعة حداثوية، يتصل بالحاضر، بالمستقبل، وليس خطاباً ماضوياً يدعو إلى الماضي.

رابعاً: هذه العوامل مجتمعة ومع التدهور الاقتصادي ـ الاجتماعي في صفوف الطبقات الشعبية والفقيرة، والحجم الأكبر من البطالة وخاصة في صفوف أبناء الطبقة الوسطى. على سبيل المثال يحضرني رقمين: رقم بصفوف خريجي الثانويات يوجد بطالة 39% وبصفوف خريجي التعليم العالي يوجد 32%، وعليه هذا الوضع يجعل من تونس بؤرة قادرة على الانطلاق، لأن الظروف الموضوعية ناضجة للانتفاضة والثورة، وجاءت شرارة البوعزيزي لتشعل السهل كله في تونس.

في مصر أيضاً الطبقة الوسطى طبقة واسعة ولكن بالقياس بحجم الشعب، ليس باتساع الطبقة الوسطى في تونس.

ثانياً: في التراث التاريخي المصري الحديث وخاصة منذ مطلع القرن التاسع عشر، حركة محمد علي، ومحاولات تصنيع البلاد، ثم بالقرن العشرين المرحلة الليبرالية الواسعة من عام 1919 ـ 1952، ثم في ثورة 23 يوليو والتحولات الهائلة التي جرت فيها، ثم نسفت وحذفت هذه التحولات بالثورة المضادة من داخل مؤسسات ثورة 23 يوليو على يد أنور السادات، ومن حول السادات أيضاً، تجعل من الحالة المصرية حالة جاهزة والظروف الموضوعية جاهزة.

لكن العامل الذاتي كان الغائب الأكبر الذي يشعل هذا السهل، وبالتالي الشبيبة من أبناء الطبقة الوسطى والطبقة العاملة الذين يعانون من حالة التآكل والتدهور والبطالة، هم الذين نقلوا العامل الذاتي من العالم الافتراضي؛ عالم التواصل الاجتماعي، إلى العامل الواقعي على الأرض، وأخذت الأمور مجراها ووجدوا فعلاً أن الظروف الموضوعية ناضجة، هذا لم تكتشفه الأحزاب التقليدية ولا حتى النقابات الكلاسيكية، كما أن جهاز الدولة الاستبدادي بكل مكوناته لم يستشرف بأن الأزمة الطاحنة زلزال يتململ، وعليه أن يتخذ خطوات معينة ... لهذه العوامل اشتعلت بتسارع كبير وبكثافة واسعة شعبية، فتحقق المكسب الكبير الأول "الشعب يريد إسقاط النظام"، أي "الشعب يريد الاستقلال الجديد"، نسميه الاستقلال الثاني عن الاستبداد والفساد.

مسار ومصير الثورة مازال مفتوحاً حول قضايا لم تكتمل بعد؛ وفي مقدمتها الديمقراطية الشاملة، دساتير وقوانين انتخابات ديمقراطية شاملة، وتمكين القوى الجديدة في المجتمع أن تكون شريكة بالقرار في كل المؤسسات الجهوية والمؤسسات التشريعية والتنفيذية للدولة فهذا لم يقع بعد حتى يصبح ممكناً بناء ديمقراطية جديدة حقيقية، تشترك فيها كل مكونات الشعب، والدخول في عصر العدالة الاجتماعية، أي تكبير حجم الاقتصاد بتدخل ومساهمة الدولة، بما يؤمن بداية التماس مع الثورة الصناعية، وتدخل الدولة أيضاً بالرعاية الاجتماعية الذي غاب في ظل السياسة النيوليبرالية التي تورطت بها البلدان العربية منذ مطلع السبعينيات، بناء على وصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، أي بناءً على طلبات المركز الرأسمالي العالمي، وربط بلدان العالم الثالث كأطراف في خدمة هذا المركز سوقاً مفتوحاً لبضائعه وسلعه، وهذا أدى إلى التسارع في تونس ومصر.

في البلدان العربية التي أشرتم لها (اليمن وليبيا وغيرها). درجة التطور في صفوف الطبقة الوسطى، درجة التطور في الفكر الذي يقارب العصر يقارب الحداثة، درجة التطور في المجتمع أدنى مما هي في تونس ومصر، كما أن هناك عوامل من نمط آخر في ليبيا واليمن: الجهوية والفئوية والعشائرية والقبلية عالية، وكذلك الحال الطائفية والمذهبية والإثنية، هذه معوقات تشد شداً عكسياً، كما أن العامل الذاتي ليس ناضجاً كما في تونس ومصر، ومع ذلك الشباب انتقلوا من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي في ظل استعصاءات، في مقدمة هذه الاستعصاءات العوامل التي ذكرتها + الزجّ بالجيش والأجهزة الأمنية منذ اللحظة الأولى بكاملها في ميدان الصراع بين الجانبين، بدلاً من أن يأخذ دروس التجربة التونسية والمصرية، من أجل اختزال الزمن والجلوس على مائدة الحوار الوطني الشامل، وإيجاد الحلول للقضايا التي طرحت في مسار الصراع الجاري.

وفي اليمن؛ القبيلة لها تأثير من نمط واسع، واتسع كثيراً بزمان علي عبد الله صالح، وأعيد بناء الجيش اليمني ليس على قاعدة حداثوية مثل أي من جيوش العالم، أي مفتوح لأبناء الشعب على قدم المواطنة والمساواة بالمواطنة، أعيد تركيب الجيش على قاعدة القبيلة ـ الجيش، اللواء أو الكتيبة أو السرية، في إطار القبلية والعشيرة، بمعنى لواء بالجيش يكون بكامله من قبيلة حاشد ولواء في الجيش من قبيلة بكيل ولواء بالجيش من قبيلة أرحب وهكذا، بالتالي هذا يعقد الأمور لأنه أدى إلى عقد تحالف بين السلطة والمال، أي "زواج المتعة" بين السلطة والمال والجيش بالقبائل، وبالتالي عقد الأمور واليمن يدخل الآن بالشهر الثامن للانتفاضة الكبرى والملايين يومياً بالشوارع باليمن، 17 محافظة وبكل محافظة 200 ـ 300 ـ 400 ألف، يومياً 2 ـ 3 مليون في الميدان، ومع ذلك الاستعصاء قائم وهذا سبب رئيسي، والسبب الآخر الثقافة الماضوية والربط بالماضي والتركيبة الطبقية ضعيفة وهشّة، ومحدودية الطبقة الوسطى باليمن، فهناك أقلية بيدها رأس المال متداخلة مع السلطة، والأغلبية الساحقة فقراء وفقراء تحت خط الفقر، فيوجد باليمن 60% فقراء وتحت خط الفقر من مجموع الشعب، ويوجد باليمن 60% من الأمية، هذه عوامل كلها تتداخل، تؤثر على الشبيبة وانتفاضة الشبيبة وانتفاضة الشعب، ولكني واثق أن المسألة سيتم حلها إيجاباً في صالح الشعب والانتفاضة والثورة.

في ليبيا المسألة أكثر تعقيداً من اليمن، بتقسيماتها الجهوية والقبلية وتركيبة الجيش، ففي ليبيا هناك جيشين وليس جيش واحد، فهناك الجيش الموروث عن الملكية، والذي جرى تسليحه تسليحاً واسعاً وحديثاً في السبعينيات، وهناك جيش آخر بناه القذافي تحت عنوان "الشعب المسلح" بعد محاولتي انقلاب 1975 ـ 1976، ولكنه جيش قبائل وعلى رأسه الأسرة ومن حولها، وباعتقاد بأن الحكم يتم توارثاً للأسرة، ولذلك من اللحظة الأولى لم يكن يتوقع العقيد أن يقع ما وقع، فقال قولته الدموية الهائلة: "شبر شبر ... بيت بيت ... دار دار ... زنقة زنقة ..."، وبالتالي حدّد الحرب الأهلية الشاملة.

مما دفع بكل الدول العربية أن تجتمع على مستوى وزراء الخارجية وتتخذ قراراً تطلب من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أن "يتدخل لحماية المدنيين من مذابح قادمة".

وهذا حول الانتفاضة ... من انتفاضة شعبية ذات طبيعة سلمية؛ إلى شكل من أشكال الحرب الأهلية المسلحة بين فريقين، ولذلك طالت واستطالت، فلقد دخلت بالشهر السابع.

وعليه؛ مرة أخرى أقول: رغم هذه التعقيدات؛ على ثقة بأن القضايا المطروحة على جدول أولويات الانتفاضة؛ قضايا ستنتصر، واختزال الدماء المهدورة، وأضيف على هذا الذي يجري بالبلاد العربية الأخرى، وأنا متأكد أن هذه المرحلة الثورية الجديدة التي دخلنا بها لن تفر منها أي عاصمة عربية، لن يفر منها أي نظام عربي، هذه مرحلة وضع نهاية للاستبداد والفساد، وهذا هو الاستقلال الثاني الداخلي، هذه مرحلة الدمقرطة الشاملة بقوانين انتخابية تستوعب كل مكونات الشعب بالتمثيل النسبي الكامل، ومرحلة العدالة الاجتماعية التي تستوجب خطط منهجية اقتصادية واجتماعية جديدة بالكامل، أي عودة إلى الليبرالية الكلاسيكية، وعودة إلى دور للدولة في الحياة الاقتصادية وفي الرعاية الاجتماعية، فالمرحلة الجديدة ستعطي ثمارها إلى جمهوريات ديمقراطية وملكيات دستورية، دساتير ديمقراطية جديدة وبعدالة اجتماعية، والدور للدولة على قاعدة ليبرالية.

الثورات والانتفاضات الشعبية حتى الآن تعاني ... لم تكتمل، الذين صنعوا هذه الثورات والانتفاضات ليسوا شركاء حتى الآن بالقرار اليومي والقرار المرحلي والقرار الإستراتيجي، وبالتالي هناك محاولات من الثورة المضادة من أن تجمع قواها لتحول هذه الثورات من ثورات شعبية لها برنامج؛ إلى مجرد تغير الطابق الفوقي في السلطة، أي تغيير أشخاص بأشخاص، هناك الخطورة الكامنة المقلقة، ولذلك علينا أن نستوعب الدروس الإيجابية بالتجربة التونسية الثورية وبالتجربة المصرية بالثورة الشعبية، ونكمل عليها وليس أن نبدأ من "المربع الصفر" في كل بلد، في اليمن وليبيا وأي بلد آخر في البلدان العربية.

مرة أخرى أقول: هذه مرحلة ثورية جديدة وطنية ديمقراطية، وللتقدم إلى الأمام وحل الاستعصاءات المزمنة التاريخية والحديثة، أي الراهنة، وبالتالي لا يمكن أن تعود إلى الوراء. وعليه؛ على الأنظمة أن تستوعب الدرس وتستجيب، وأن تحل القضايا مع الشعب المنتفض الذي يريد إسقاط الاستبداد والفساد، الحلول الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتحشيد الطاقات ضد العدو الحقيقي؛ أي العدو الأجنبي الذي يريد أن نبقى بحالة من التخلف، وضد العدو الإسرائيلي التوسعي الصهيوني، الذي يتوسع يومياً في القدس والضفة الفلسطينية والجولان، ويستوطن معمرين من أجل أطماع توسعية لحدود جديدة "لدولة إسرائيل" على حساب الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة للأراضي الفلسطينية المحتلة.

س3: كنا ننتظر من الشعوب العربية أن تساهم في تحرير فلسطين، فإذا بنا نكتشف بأن تلك الشعوب نفسها بحاجة إلى التحرير، والتمرد على الطغاة ... ما هو الانعكاس المباشر لهذه الثورات على القضية الفلسطينية ؟

بكل صراحة أقول لشعب تونس، للشعب الفلسطيني، ولكل الشعوب العربية وأصدقاءنا بالعالم محبي الحرية والسلام، وحق الشعوب بتقرير المصير والاستقلال، بأن الانتفاضات والثورات العربية الجارية التي تدفع نحو المرحلة الثورية الجديدة العربية محلياً أي قطرياً، وقومياً ... أي في الإطار العربي المشترك أن تعطي نتائج مباشرة إيجابية لا زال مبكراً، بل نتائجها إستراتيجية لاحقاً على المباشر والقريب، علينا أن نستفيد من دروس هذه التجارب بما يؤدي فلسطينياً إلى إعادة تصحيح الأوضاع الداخلية الفلسطينية ـ الفلسطينية، أيضاً نحن بحاجة فلسطينياً إلى إسقاط الانقسام، ولذلك اتفقت الشبيبة نساءً ورجالاً ما نقشته وما نحتته الثورة الشعبية التونسية "الشعب يريد إسقاط النظام" أي "إسقاط الانقسام والاستبداد".

عندما نزلت المظاهرات في الضفة الفلسطينية وبقطاع غزة وفي لبنان وفي أقطار عربية وأجنبية بعشرات عشرات الآلاف؛ "الشعب يريد إسقاط الانقسام"، وإعادة بناء الوحدة الوطنية، لأننا لنا عدو مشترك، والتعارضات الداخلية نحلها أيضاً بما يجري من ضرورة الاستقلال أيضاً عن هيمنة السلطة بالضفة وغزة على الشعب بالقوة، وتقديم نفسها على أنها وصية عليه، والشعب الفلسطيني له الآن 45 عاماً بالثورة (منذ العام 1967)، وبنى تعددية فصائلية، حزبية، نقابية، فكرية إيديولوجية، وعليه بحاجته الآن حتى يتوحد وحين نتحد ضد الاحتلال واستعمار المستوطنين المعمرين بدمقرطة المجتمع الفلسطيني بالداخل والخارج؛ بانتخابات جديدة جهوية بلدية اجتماعية نقابية، نسائية، طلابية ... الخ، تقوم على التمثيل النسبي الكامل وانتخابات جديدة للسلطات التشريعية والتنفيذية للسلطة الفلسطينية، لأن السلطة الفلسطينية سلطة فقط في الضفة وقطاع غزة، لا سلطة لها على شعبنا اللاجئ 68% من مجموع الشعب الفلسطيني أيضاً بانتخابات ديمقراطية تقوم على التمثيل النسبي الكامل، والتشكيلة التنفيذية الوزارية وغير الوزارية بائتلافات واسعة، حتى نوحد كل المكونات ضد التناقض الرئيسي مع الاحتلال والمعمرين، وثالثاً انتخابات مؤسسات منظمة التحرير التي تمثل كل الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، وبالشتات 68% من الشعب الفلسطيني وأيضاً في ذات السياق الذي ذكرت، وعليه أنجزنا أربعة برامج حددت الإطار السياسي، وحددت الائتلاف الوطني العريض، وحددت الآليات التنفيذية الأول في القاهرة (آذار/ مارس 2005)، والثاني في غزة (27/6/2006) حين وقعنا "وثيقة الوفاق الوطني"، والثالث في القاهرة (آذار/ مارس 2009)، والرابع بالحوار الوطني الشامل في القاهرة (4 أيار/ مايو 2011).

مفروض أن ننتقل إلى الآليات التنفيذية الجماعية التي قررنا معاً في 4 أيار/ مايو وليس أن نعود مرة أخرى إلى محاولات الاحتكار، سواء كانت احتكار أحادي، مثلاً فتح عملت 10 حكومات ووصلت إلى الطريق المسدود، وانهارت هذه الحكومات، وحماس عملت 3 حكومات ووصلت إلى الطريق المسدود، ولذلك تحت ضغط شعبنا والقوى الديمقراطية التقدمية والليبرالية؛ جاؤوا إلى الحوار الشامل، عليهم أن يحترموا نتائج الحوار الشامل والآليات التنفيذية الجماعية، لا أن يعودوا للبحث عن صفقات ثنائية بالمحاصصة، لأن هذا يديم الانقسام، وبالمقابل ينهض بالشعب بمظاهرات بعشرات الألوف ومئات الألوف في كل من الضفة وغزة ومناطق الشتات "الشعب يريد إنهاء الانقسام" وإعادة بناء الوحدة الوطنية.

هذا درس مباشر أخذناه من تجربة تونس وتجربة مصر وما يجري في البلدان العربية، أما قدرة الشعوب العربية والبلدان العربية دولاً أن تقدم أبعد من هذا ومتى ...، نعم هذا بمقدار ما تتمكن هذه الثورات من إكمال المشروع المطروح من الشعوب، وعندئذ سيرتفع منسوب التضامن العربي تجاه قضايا الصراع العربي والفلسطيني ـ الإسرائيلي الصهيوني التوسعي من جانب، ويرتفع أيضاً منسوب المصالح المشتركة بين الأقطار العربية، وعلى سبيل المثال دول الخليج خسرت أربعة تريليون دولار ـ أربعة آلاف مليار دولار بأزمة النظام الرأسمالي العالمي، خسرتها بينما كل ديون الدول العربية من الماء إلى الماء كما تقولون أنتم المغاربة، وكما نقول نحن من المحيط إلى الخليج؛ مجموع ديونها كلها 200 مليار، بينما خسرت دول الخليج وحدها أربعة آلاف مليار دولار، وعليها أن تكون أكثر حيوية، أكثر كرماً، أي أن يرتفع المنسوب لتحديث البلدان العربية بإدخالها عصر جديد من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبنائية، تقوم على الدخول في عالم المعرفة وعالم العقل والعقل النقدي، حتى ندخل الثورات الصناعية بكل ميادين الحياة، يتطلب أيضاً مساعدات متبادلة، وبالتالي هذا سيفرض نفسه عندما تستقر نسبياً الثورات الجارية مباشرة، وأما تحرير فلسطين على طريق مراحل النضال هذه عملية إستراتيجية، ولكن نتاج الثورات الجارية لا يتدفق على المدى المباشر والقريب، لأن سلطة القرار ليست بيد هذه الثورات حتى الآن، فهذا يحتاج أيضاً إلى شيء جديد في عالم توازن القوى الداخلي في كل بلد أولاً، والإقليمي ثانياً.

س4: ما هي برأيكم أسباب انحسار دور اليسار العربي، ثم أنتم تطرحون مشروعاً هاماً بتجديد اليسار العربي وتوحيده، فما هي درجات الاستجابة لهذا المشروع ؟

التراجع شمل كل جوانب الحياة العربية وفي كل قطر عربي على مساحة 40 سنة من البيات الشتوي، منذ مطلع السبعينيات، رحل عبد الناصر ورحل معه كل المشروع النهضوي المصري والعربي، تمزق التضامن العربي بحروب الخليج الثلاثة، حوصرت كل التيارات اليسارية الديمقراطية، التقدمية، والليبرالية الوطنية على يد أنظمة الاستبداد والفساد.

وعليه؛ علينا جميعاً أن نقرأ أوضاع اليسار العربي برؤيا شاملة لازمة حركة التحرر والتقدم العربية في الخمسين سنة الأخيرة، فاليسار العربي وأقصد هو كل من هو مع التغيير والديمقراطية وتحرير العقل من سلاسل القرون الوسطى، ومع التطور، أي كل من هو مع خطوات نحو إنهاء الاستبداد، الدمقرطة والعدالة الاجتماعية، ومن هو مع الحريات العامة والعودة للشعب مع قوانين انتخابية تمكّن كل مكونات الشعب من المشاركة بالقرار بالسلطة التشريعية والتنفيذية، وبمناسبة "التقرير الذي سمعناه الآن على شاشتكم عن "الهيئة العليا لقوانين الانتخابات"، أقول أيضاً لإخوتنا بالتجربة وبالثورة الشعبية التونسية للأحزاب وللنقابات ولكل القوى أقول: مشاركة كل مكونات الشعب التونسي وفي المقدمة القوى الجديدة التي بادرت إلى إشعال نيران الانتفاضة والثورة الشعبية مسألة أساسية، وعليه قوانين الانتخابات هي التي تحدد ويمكن أن تشارك أو لا تشارك، بمعنى آخر إذا كانت قوانين الانتخابات قائمة على الصوت الأكثري أو على الدائرة الفردية، من الآن أقول كل القوى التي صنعت الثورة لن يصل أحد منها إلى المؤسسة التشريعية والمؤسسة التنفيذية، فالمؤسسة التشريعية والتنفيذية تحتاج إلى قوانين انتخابات تلم كل مكونات الشعب وفي المقدمة القوى الجديدة أي قوانين تقوم على التمثيل النسبي الكامل، والمساواة بين الرجل والمرأة، هذا الذي يفتح الطريق نحو التحديث، نحو الدمقرطة الجدية، نحو العدالة، نحو الدخول في العصر الجديد لشعب تونس، وبشأن ما قيل حول اليسار العربي، وهنا إشارة منكم إلى كتابي "اليسار العربي ... رؤيا النهوض الكبير ـ نقد وتوقعات" الذي صدر في مطلع عام 2010 ، نقدت أوضاع اليسار العربي، لأن العديد من أحزابه وقواه باتت في حالة من اليأس الفكري والثقافي وانعدام روح المبادرة أي حالة جامدة، ولذلك بدأت تخسر هذا أولاً، وثانياً: الانهيارات التي وقعت بالبلاد العربية وفي مقدمتها الارتداد الذي وقع لثورة 23 يوليو ولقوى حركة التحرر والتقدم العربية، الذي وقع أيضاً في كل بلد من البلدان العربية نحو الخلف، نحو اليمين، نحو الماضوية هذا عامل ثالث، كذلك الارتدادات التي وقعت على المستوى العالمي أيضاً هذا العامل الرابع.

النهوض الكبير بدأ ببلدان أمريكا اللاتينية وإفريقيا السمراء وآسيا على يد القوى اليسارية والليبرالية الديمقراطية وقوى عصرية برجوازية، وبنت بلدان صناعية متقدمة جداً سواء الذي أخذ بالرؤية الاشتراكية مثل الصين وإلى حد كبير الهند وفيتنام أو كوبا، وما يجري الآن بأمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا بالتحولات اليسارية الكبرى، أو الذي أخذ بطريق رأسمالي ولكن على قاعدة توطيد المعرفة الصناعية في بلده ليدخل عصر الثورة الصناعية، هذا الطريق رأسمالي مثل كوريا الجنوبية، تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ، ماليزيا، تايلاند، الفلبين، هذا ما يسمى بـ "النمور الاقتصادية الآسيوية السبعة".

بالنسبة لنا عربياً الآن هذه الثورات الجارية تفتح كل الطرق أمام نهوض جديد لقوى الحداثة ولقوى التقدم، أي لقوى التغير والتطور، أي للقوى التي تقف على اليسار، وربنا سبحانه وتعالى زرع القلب على اليسار ليس صدفة، بل لحكمة التغيير والتطور.

اليمين واليسار مصطلح له علاقة بالتراث التاريخي، والذين كانوا يساندون الملك وسلطته المطلقة والاستبداد في أوروبا كانوا يجلسون على يمين الملك والاستبداد، الذين مع التغيير والتطور على اليسار، وبالتالي اليسار فضفاض لا ينحسر باتجاه إيديولوجي دون غيره هذه نقطة أولى، ونقطة ثانية ما يجري الآن بالبلاد العربية من ثورات وانتفاضات باتجاه التغيير، والتطور باتجاه الدمقرطة والعدالة الاجتماعية، باتجاه دخول الحداثة والعصرنة والتطوير المستدام بدخول عالم الثورات الصناعية والزراعية، هذا قادم ولذا على هذه الناس بروح العقل النقدي أن تراجع نفسها وكل هذه المرجعيات توضع أمام الشعب والجماهير لتكون الحكم، ونربط الشعارات بالممارسة، ونربط الثقافة والمعرفة الفكرية بالاشتقاقات البرنامجية في خدمة الشعوب، هذا هو اليسار الديمقراطي الجديد، يسار "اشتراكية الديمقراطية وديمقراطية الاشتراكية" الذي ينهض الآن في تونس، مصر، وفي أقطار عربية أخرى.

س5: الكثير من المحللين السياسيين يذهبون إلى أن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بقدر تميزها في تحاليلها الواقعية الثورية؛ مدعوة لتطوير وتكثيف دورها المنشود والمطلوب في فلسطين والبلدان العربية ... ما هو تعليقكم؟

نحن مع هذه الروح النقدية، نعمل ويحدونا الأمل على هذا الطريق، أيضاً مطلب مشروع يحتاج إلى مراجعة إعلامية، هذه المراجعة من مشاهد العديد من الفضائيات العربية التي تنتسب إلى خطاب شعبوي، غرائزي وماضوي، وليس بخطاب علمي موضوعي في العلاقة مع الناس، في العلاقات مع الجماهير، وهذا مقصود لأن هذه الفضائيات كلها على اليمين و"من يملكها هو الذي يحدد سياستها"، وبالتالي "من يملك يحكم تلك السياسة" هي ليست مع التغيير الحقيقي، بل مع تغيرات شكلية فوقية أشخاص بأشخاص، ومع احتواء الانتفاضات والثورات، وفعلت هذا على امتداد القرن العشرين والعشرية الأولى للقرن الواحد والعشرين.

والصحيح أن الجبهة الديمقراطية وأخواتها في المنظمات ذات الطبيعة الديمقراطية واليسارية نحو قطاعات الشعب التي معنا، فرضت على فتح إنهاء الاحتكار، وفرضنا على حماس أنها وصلت إلى طريق مسدود، وفرضنا على الجانبين الذين يبحثون عن المحاصصة الثنائية الاحتكارية بدعم من المحاور الإقليمية العربية والشرق أوسطية بمليارات الدولارات، ودعم من قوى دولية، أتينا بهم إلى الحوار الشامل وأنجزنا أربعة برامج للإطار السياسي، ولبناء ائتلاف وطني ديمقراطي عريض، وقوانين ديمقراطية تقوم على التمثيل النسبي الكامل، وآليات تنفيذية جماعية، ولكن الذين لا يريدون إنهاء الانقسام، وإعادة بناء الوحدة الوطنية، لا يريدون الديمقراطية الحقيقية، أي المستفيدين من مال السلطة ونهب المال العام سواء برام الله أو قطاع غزة هذا أولاً، وثانياً المحاور الإقليمية بالشرق الأوسط، والتدخلات والضغوط الدولية وخاصة الأمريكية والتدخلات الإسرائيلية؛ لا تريد لنا الوحدة الوطنية، ولكن لولانا لما اجتمعوا بحوار شامل أربع مرات، وكل مرة ننتهي إلى برنامج موحد للجميع وآليات تنفيذية ديمقراطية على الجميع لدمقرطة المجتمع ومؤسسات السلطة الفلسطينية ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، السؤال الكبير اليومي أين حضور الوقائع الملموسة في كل هذا في الفضائيات العربية التي تقفز عن كل الوقائع في السياسة والمقاومة وجهود ومبادرات توحيد الصف الوطني الفلسطيني؟.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل