المحتوى الرئيسى

خلفيات الموقف الرّوسي من ربيع العرب بقلم:صلاح حميدة

09/24 00:02

خلفيات الموقف الرّوسي من ربيع العرب

كتب : صلاح حميدة

مثّلت موسكو للعرب الذّكريات القديمة عن عاصمة الثّورة والثّوار في العالم، عاصمة الشّعوب والمد الجماهيري، عاصمة نصرة الشّعوب المستضعفة، وبالرغم من التّحوّلات الجذريّة التي جرت في روسيا بعد تفكّك الإتحاد السّوفيّاتي، إلا أنّ بعض العرب لا زال يحنّ إلى الماضي الجميل ويتوقّع من روسيا أن تفعل فعل الاتحاد السّوفيّاتي السّابق، مع أنّ الاتحاد السّوفيّاتي كان يخضع دعمه لمصالح ولم تكن خاضعة لأيديولوجيا عابرة فقط.

مثّلت قيادة بوتين لروسيا فرصة للكثير من العرب لتأمّل عودة جزء من الاتزان العالمي الّذي اختل بعد تفكّك الاتحاد السّوفيّاتي، وشكّلت حربه على جورجيا فرصة لبعض الجمهوريّات العربيّة لالتقاط الأنفاس وتأمّل عهد جديد في العلاقات الدّوليّة، ولذلك كانت الدّولة الوحيدة في العالم التي أعلنت دعمها لروسيا في الحرب هي سوريا على لسان بشّار الأسد، وهذا عكس – في حينه- حجم الأزمة الّتي يعيشها النّظام السّوري بعد سقوط الاتحاد السّوفيّاتي، وما تبع ذلك من عودة رمزية لقطع بحرية روسية لمينائيّ اللاذقية وطرطوس. وقد يكون هذا يعطي بعض الأجوبة على دعم روسيا للنّظام السّوري في حربه على شعبه.

يعتقد الرّوس أنّ الأنظمة الدّكتاتوريّة العربيّة خير حليف لهم في صراعهم على ما يطلق عليه " الإسلام السّياسي" وهم إن قاموا ببعض الاتصالات ببعض قوى " الاسلام السياسي" إلا أنّهم يعتبرون تلك القوى خطراً إستراتيجيّاً على مصالحهم، ولذلك كان الرّئيس الرّوسي أوّل من فزع من ثورة ليبيا، وصرّح أنّ تزعّم الاسلاميين للثّورات العربيّة يعتبر أكبر تهديد للعالم الغربي وروسيا، روسيا التي تخوض صراعاً دامياً في القوقاز، وصراعاً مستميتاً في دول آسيا الوسطى الاسلاميّة ضد قوى الاسلام السّياسي، وهي هنا مرتعبة من انتقال عدوى ربيع العرب إلى باحتها الخلفيّة الأخيرة، وإسقاط نظم القمع والفساد في هذه المنطقة الّتي لم تصلها رياح التّغيير منذ انهيار الاتحاد السّوفياتي، ولذلك فهي تجتهد مع تلك الأنظمة لسن قوانين و تكثيف قمع المعارضة وتنفيذ مناورات عسكرية لقمع أي حراك شعبي هناك.

يتحرّك الرّوس ما بعد الشّيوعيّة وفق مصالحهم فقط، وتعتبر غالبية الأنظمة العربيّة أكبر سوق لأسلحتهم، وإذا نظرنا في الخارطة العربية، وجدنا أنّ أغلب الدّول التي تشتعل فيها الثّورات من أكثر الزّبائن شراءً للسلاح الرّوسي، وبالرّغم من أنّ التّجربة أثبتت أنّ هذا السّلاح – في المجمل- لا يفيد في الحرب مع إسرائيل والغرب، إلا أنّ هذه الأسلحة تفيد تلك الأنظمة في عمل واحد فقط وهو قتل شعوبها، وهذا ما يجري حاليّاً في سوريا واليمن وليبيا، بل حتّى منهجيّة القمع التي تستخدمها تلك الأنظمة تقترب كثيراً من منهجية القمع الرّوسيّة في أفغانستان والشّيشان، مع أنّ هذه الأنظمة تدرّبت على يد الغرب وأمريكا وإسرائيل، وتقوم بممارسات لا تختلف عن تلك التي ارتكبها الامريكان في أفغانستان والعراق، وتلك التي قامت بها الدولة العبرية في لبنان وفلسطين.

لا يمكن اعتبار روسيا الاتحادية دولة ديمقراطية حقيقيّة، فالنّظام الحاكم يتحكّم في مجمل اللعبة السّياسيّة، وهي روسيا قيصر أكثر منها روسيا حرّيّات ومشاركة سياسيّة، والدّلائل على ذلك كثيرة ليس هناك مجال لسردها، كما أنّه من الصّعب إيجاد من يدافع عنها، ولذلك من الطبيعي أن تكون في صف الأنظمة العربيّة التّسلّطيّة وضدّ إرادة الشّعوب في الحرّية والمشاركة والعدالة الاجتماعية والاقتصاديّة، وهي هنا منسجمة مع جوهرها، وتحاول منع عجلة التاريخ من الدّوران.

طبيعة النّظام في روسيا دفعته لوقوف تلك المواقف من الثّورات العربيّة، بينما تقوم دول الغرب بممارسة لعبة مزدوجة من تلك الثّورات، فهي تحاربها بيد وتؤيّدها في موضع آخر، فإن انتصرت قالت أنا دعمتكم، وإن انتصر الدّكتاتور قالت كنت معك، وهي هنا تمارس انتهازيّة فاضحة، تحاول قتل الثّورات، وإن لم تستطع فاحتواؤها، وهذه لم يعرف الرّوس لعبها.

 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل