تركيا قبل العثمانيين .. 3 بقلم:زياد مشهور مبسلط
تركيا قبل العثمانيين .. 3
( كلود كاهن )
قراءة الفضل شلق
المجتمع والمؤسسات قبل المغول
إن "تتريك" آسيا الصغرى أمر يثير الدهشة .
ومن غير الممكن إعطاء أرقام دقيقة حول الهجرات التركية ، لكنها لا يمكن أن تكون أكثر من بضع مئات من الآلاف للموجة الواحدة . والمعروف أن الجيوش في ذلك الوقت لم يكن يتجاوز عدد الواحد منها بضعة آلاف من الرجال .
وقد كانت آسيا الصغرى قليلة السكان عند وصول التركمان إليها . يضاف إلى ذلك أن عناصر السكان المسيحيين كانت متفرقة ، في حين كانت هناك جماعات تركمانية في كل منطقة .
وعندما كانت الموجات الجديدة تصل كانت تجد البيئة الثقافية أقرب إلى المألوف لديها مما في المناطق العربية .
ولم يكن الاختلاط بغير الترك يؤدي إلى فقدان الهوية التركية ، علما بأن السمة التركية لم تعم على الترك المسلمين إلا في أيام المغول .
إن "تتريك" الريف تمّ على يد التركمان .
وهناك نوعان من البدو ، بدو الجمال ذوو الأسفار الطويلة ، وبدو الغنم ذوو الأسفار القصيرة ، وهذا كان النوع الغالب في تركيا . لكن البداوة الصرفة لا توجد إلا نادرا .
وقد عاش المسلمون والمسيحيون جنبا إلى جنب ، وبقيت أكثرية الريف مسيحية ، ولم يؤد الاختلاط بالزواج إلى إضعاف العنصر التركي ولم تكن الروح القبلية قوية عند الترك كما عند العرب ، والمهاجرون لم يدخلوا آسيا الصغرى كجماعات قبلية كبيرة بل كمجموعات تتكون من عناصر قبلية متعددة .
لقد كان ترك آسيا الصغرى مسلمين رسميا ، ولم يكن الآخرون كذلك . لكن لا يمكن افتراض التماهي الكامل بين (التتريك والتحول نحو الإسلام) .
كانت آسيا الصغرى من قبل منطقة للمدن فيها دور هام .
وفي بداية الهجرات التركمانية كانت المدن تتأثر بالغزو ، لكن المدن في المناطق المستقرة كانت المكان المفضل لنزول زعماء القبائل .
فقد كانت المدن كما في المناطق الإسلامية الأخرى هي المراكز السياسية والاقتصادية والثقافية . وكان التأثير الفارسي في هذه المدن قويا ، واستخدام اللغة الفارسية منتشرا .
وفي حين واجه مماليك مصر السكان المحليين كأتراك ، فإن ترك آسيا الصغرى واجهوا التركمان كمسلمين يتكلمون الفارسية أو التركية .
وهنا أيضا حدث التتريك النهائي ، وإن بشكل غير كامل ، في المرحلة المغولية وما بعدها .
في هذا الوقت لم تكن بعد غالبية السكان تركية ولا إسلامية ولا موحدة ، لكن وطنا تركيا كان في طور التكوين ، لأن آسيا الصغرى تختلف عن المناطق الأخرى ، الخاضعة سياسيا للحكم التركي ، كان يستوطنها شعب تركي يجعل منها دارا له ، وكان هو الذي له الغلبة في حين كان السكان المحليون منقسمين فيما بينهم .
ولم تكن السمة التركية شاملة لجميع المسلمين ولا حتى لجميع الأتراك ، لكن الاتجاه الغالب كان يشير إلى ذلك .
ومن الناحية الاقتصادية يتحدث الرحالة المعاصرون عن ازدهار آسيا الصغرى ، ويعطون بذلك صورة مختلفة عن التي حملها مؤرخو الحملة الصليبية الأولى والتي تشير إلى خراب ودمار شاملين .
ففي مجال الزراعية لم تكن حيازة الأرض غيابية ، كما كان الحال تحت حكم البيزنطيين ، بل كان سادة الأرض الأتراك يسكنون الأرض ويهتمون بها . وكان السلاطين يهتمون بإسكان المناطق الحدودية ، ويهتمون باستغلال المناطق الداخلية .
وكان هناك ازدهار حقيقي في النصف الأول من القرن الثالث عشر . ويشير الرحالة من ابن بطوطة إلى أبي الفدا إلى ابن سعيد إلى العمري إلى كثرة الأشجار المثمرة ، وإلى أن ملكيتها لم تكن فردية كما في ديار الإسلام الأخرى . وكان استخدام عربات الجر شائعا ، وكانت الثيران تجرها . وكانت الخيول أيضا كثيرة العدد .
وكانت آسيا الصغرى غنية بالمناجم ، فقد كانت هي المصدر الوحيد لحجر الشب Alum إلى أوروبا . وتوفرت فيها مناجم Lapis _ Lazuli ومناجم الملح والحديد والفضة ، وأكثرت فيها صناعة النسيج والفخار والسجاد .
وكانت الطرق التجارية تخترق الأناضول لتجتمع في القسطنطينية ، وفي الاتجاه المقابل تتفرع كالمروحة باتجاه يوريا والجزيرة وأرمينيا وأذربيجان وإيران .
وكان طبيعيا في البداية أن تصاب التجارة بعدم انتظام نتيجة الحروب المتواصلة إلا أن المرافئ والمحطات التجارية صارت تستقبل تجارا مسلمين وبيزنطيين وفرنجة وبنادقة ، كما كان تجار سلاجقة يقيمون في البندقية .
وقد أعطى السلاجقة لتجار البندقية امتيازات خاصة ضريبية وقضائية .
وبنوا العديد من الخانات (القيساريات) لاستقبال التجار .
والأكيد أن آسيا الصغرى شهدت قرنا (امتد حتى بدايات الحكم المغولي) من التطور الاقتصادي الذي لم يكن له مثيل لا من قبل ولا من بعد .
وكانت النقود تسك من النحاس ، ثم من الفضة في أيام "قلج أرسلان" ، ثم من الذهب في القرن الثالث عشر .
وفي البداية استخدموا نقودا بيزنطية ، ثم تمت أسلمها فيما بعد .
وكان التحول نحو استخدام الذهب دليلا على النمو الاقتصادي خاصة وأن الذهب لم تكن مصادرة داخلية ، بل خارجية .
كما أن هذا التحول حدث في وقت تراجع استخدام الذهب في ديار الإسلام الأخرى .
وكانت الأوزان والمقاييس متنوعة الأصول ، وربما كانت هناك استمرارية مع العصر البيزنطي فيما يتعلق بمقاييس الأرض ، ومع العالم الإيراني فيما يتعلق بأوزان ومقاييس التجارة .
كان "عثمان طوران" أول من لاحظ أن نظام (إجارة الأرض) في تركيا "القروسطية" يتميز بملامح أصيلة وخاصة به .
وقد كان البيزنطيون والمسلمون يميزون بين الملكية الخاصة (ومعظمها فردية) وملكية الدولة .
وقد تناقصت ملكية الدولة في الإمبراطوريتين على مشارف الفتوحات التركية فقد منحت الكثير من الأراضي للأفراد ، كما نشأت ملكيات خاصة على حساب الفلاحين الأمراء والملكيات الصغرى .
لقد كان الترك في وسط آسيا وإيران على معرفة بمختلف أنواع إجارة الأرض ، لكن هؤلاء الذين بقوا يعيشون حسب التقاليد القبلية ما يزالون بعيدين عن مفهوم الملكية الخاصة .
وقد أجرت الدولة في آسيا الصغرى مسحا عاما للأرض في الثلث الأول من القرن الثالث عشر ، واعتبرت أن كل ما ليس ملكا خاصا هو ملك عام (للدولة) .
يختلف هذا الأمر عما بعد الفتوحات العربية حيث جرى التمييز بين ملكية المسلمين وملكية السكان المحليين أي بين الأراضي العشرية والأراضي الخراجية .
فقد اعتبرت جميع الأراضي ملكا للدولة ، وانطلاقا من هذا الإطار يمكن إنشاء أو إعادة إنشاء ملكيات خاصة للأفراد أو الجماعات وفي ذلك انقطاع عما سبق .
لكن ذلك لا يعنى أنه لم تكن هناك ملكيات خاصة ، بل كانت تقتطع بشكل أو بآخر من الملك العام .
وقد كانت الأوقاف تنشأ من الأملاك الخاصة أو من أراضي الدولة أحيانا لصالح المساجد أو المدارس .
يشير الكاتب مرة أخرى إلى ضرورة عدم الخلط بين (الإقطاع السلجوقي والفيودالية الأوروبية) .
وعلى كل حال ، يختلط في كلمة "إقطاع" عند سلاجقة آسيا الصغرى معنيا (الملكية شبه الخاصة للأرض) ، من ناحية ، والحق (بجباية ضرائب الأرض) ، من ناحية أخرى .
وإدارة جباية الأرض ، على كل حال ، تضع صاحبها في موقع يشبه موقع الدولة من الأرض .
ولم يكن للإقطاع نفس الأهمية العسكرية كما في البلدان الإسلامية المجاورة .
والاختلاف هو أن غلبة أراضي الدولة كميا أدت إلى أن يتعلق الإقطاع بأراضي الدولة لا بحقوق مالية على الأراضي المملوكة ملكا خاصا .
وكان السلاجقة يعلمون أن الإقطاع لا يعطي حق الملكية بل مردود الأرض فقط ، بما يشبه (الريع والضريبة) في آن معا .
وكان الإقطاع "مؤقتا" ، وربما ارتبط بتأدية واجب الوظيفة أو غيرها ولم يكن "وراثيا" ، وكان يمكن للدولة استعادته كاملا أو استعادة بعضه ، ولم يكن للمقطع الحق بتعديل شروط الإقطاع .
وكان ذلك يشبه الإقطاع في مصر المملوكية حيث كانت الدولة المركزية قوية ، وكذلك إقطاع الدولة العربية بعد الفتوحات .
وقد بلغت موازنة الدولة في بداية القرن الثالث عشر ( 15 مليون دينار ) ، وتراجعت في مرحلة الانهيار إلى ( 3.3 مليون دينار ) ، في حين كانت موازنة الدولة في مصر حوالي ( 4 مليون دينار ) .
وقد انتعشت الحياة المدينية في آسيا الصغرى في القرن الثالث عشر .
ولم تشهد مدنها فصلا بين الطوائف .
ولم يكن في ديار الإسلام ولا في الإمبراطورية البيزنطية استقلال ذاتي للمدن ، لكن هذا لا يعني أنها كانت دون حيوية أو تنظيم . لقد كانت المدينة مركز كل إدارة وثقافة ، (وكان التركمان خارج المجتمع والثقافة) ، أو كانت لهم (ثقافة ومجتمع خاصان) .
وكان الحاكم يسكن المدينة مع العسكر ، وكان لكل مدينة قاض ومحتسب يخضع له .
وكان تعبير "اكديش" يعني الإنسان المولود من أبوين ذوي اثنيتين مختلفتين .
وكان الأكاديش ، ذوي الأصول المختلطة ، في عداد الارستقراطية المدينية ، تحت أمرة أكديشباشي أو أمير اكاديش .
وقد استخدمهم السلاطين للسيطرة على الجماهير المحلية . وبعد بضعة أجيال حل "الاخوان" جمع "آخي" مكانهم . وكانت للمهن تنظيماتها التي كانت تخضع للدولة ، بعكس النقابات في الغرب التي كانت مستقلة .
وكان المحتسب يشرف على النقابات ويعاونه عرفاء وأمناء ورؤساء ومع التطور وضعف الدولة ، صار للنقابات دور شبه مستقل .
وكانت تقاليدها ، على العموم إيرانية _ بيزنطية . وكان لكل حرفة سوق خاص بها . وكان (للفتوة والعيارين) دور هام في المدن . وكانت تنظيمات الفتوة جماعات مستقلة ، غير حرفية ، اجتماعية لا دينية ، ضد السلطات . وكانت قوتها تزداد مع ضعف الدولة المركزية .
ولم تَخْلُ مدينة عراقية أو إيرانية من "الفتوة" . وقد شجعها الخليفة الناصر واستخدمها في بغداد . وأطلق عليها الترك في إيران والأناضول اسم "الأخوة" . وقد استمالت الصوفية المدن الإسلامية منذ القرن الحادي عشر ونظمت نفسها في تنظيمات أخوية .
وتبنت الفتوة بعض أساليب الصوفية ، كما تبنت الصوفية بعض أساليب الفتوة ، رغم أنهما لم يكونا في البداية شيئا واحدا .
وهناك أيضا علاقة بين تنظيمات الحرف (الأصناف) وتنظيمات الفتوة . وكان كل منهما يضم أحيانا نفس الأعضاء رغم كونها منفصلة عن بعضها ، علما بأن الاندماج حصل في أيام العثمانيين .
وقد بقي "الرق" في ديار الإسلام (رقا مدينيا منزليا) ولم ينتشر في الزراعة ، ولعب دورا في الحرف المدينية . وكانت المدينة السلجوقية الكبرى "قونية" ، ثم "سيواس" .
وكان غير المسلمين ما زالوا هم الأكثرية .
بالرغم من "النهب" الذي ارتكبه (الترك الفاتحون) لم يكن السكان المحليون معادين لهم بل اعتبروا وجودهم (عقوبة لبيزنطة) .
وكان التسامح الديني أكثر مما في بلاد الإسلام الأخرى .
وما استخدم الحكام الترك فكرة الحرب المقدسة (الجهاد) إلا نادرا وقد (كان المسيحيون يفضلون السلاجقة على البيزنطيين) ويعتبرون أن حياتهم تحسنت تحت حكمهم .
وقد كانت العلاقة بين سلاجقة الروم والإغريق في الأناضول أفضل من علاقة أي منهما بأبناء دينه في البلدان المجاورة .
أما فيما يتعلق بـ (المؤسسات السياسية) فهناك ضرورة لدراسة (النظام الأناضولي) بحد ذاته دون فرضيات مسبقة حول التشابه بينه وبين المؤسسات البيزنطية أو العثمانية ، فهذا النظام قد تغير حسب مراحل تطوره ، إذ لم يكن في البداية كما في مراحل الاستقرار اللاحقة .
إن التمييز بين السلطان والخليفة ليس كما بين الإمبراطور والبابا في أوروبا القروسطية ، إذ (لم يكن بينهما تقسيم بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية) ربما لم يتلق سلاطين السلاجقة الأوائل في الأناضول الشرعية من الخليفة ، لكن هذه ربما كان ما حدث في المراحل اللاحقة ، وقد سمى "قلج أرسلان" نفسه "سلطان العرب والعجم" (والعجم هنا تستخدم بمعنى الترك) .
وإذا كان بعض السلاجقة استخدم تعبير "الجهاد" إلا أنهم لم يستعملوا تعبير "الغازي" الذي استخدمه الدانشمنديون وغيرهم من أمراء الأناضول غير السلاجقة .
وقد استخدم السلاطين آلات (رموز) الشرف مثل العرش والتاج والخاتم السوداء (اللون العباسي) وقصور الترف ، والخيم الواسعة ، واستمتعوا بالنبيذ والحريم والصيد . واحتكروا سك العملة .
واستخدم السلاطين الصغار الأتابكة ، لكن هؤلاء لم يكن لديهم الدور الذي كان لهم عند السلاجقة الآخرين .
وكان للسلطان نائب سلطان وبيرفان (لرسائل السلطان الخاصة) وحاشية من أصحاب المناصب ذوي الألقاب الفارسية مثل أمير الجاندار (الحرس) ، وأمير السلاح ، وأمير الشيكار (الصيد) ، وأمير آخور (الخيل) ، والاستدار (مشرف القصر) ، أمير مجلس (للاستقبالات) ، والشنجير (الطعام) ، والشرابلار (حامل الكؤوس) والحاجب .
كانت الدول الإسلامية في الشرق تميز بين أهل السيف وأهل القلم ,تمييزا حادا .
وكان أهل السيف من الأتراك والأكراد, أما أهل القلم (الإداريون) فكانوا من السكان المحلين , وكان الانتقال من فئة إلى أخرى شبه مستحيل .
أما الفئة الثالثة من القضاة والفقهاء فقد كان الانتقال منها إلى أهل القلم , أو العكس , وإن كان صعبا .
أما في آسيا الصغرى فما كان بإمكان المحليين أن يعلموا كإداريين بسبب جهلهم اللغتين العربية والفارسية ؛ فكان معظم أهل القلم من الإيرانيين .
وكان أهل السيف من الترك أو من العبيد الأجانب المتتركين . وكان على رأس الإدارة المدنية وزير يضاف إليه المستوفي للتدقيق ولمساعدة الوزير .
وكان هناك أيضا عارض الجيش ، وصاحب البريد ، والدواوين ، خاصة ديوان الإنشاء . وكانت الوثائق الرسمية تختم بالطغراء .
وكان القضاء يشبه البلدان الإسلامية الأخرى ، فالقضاة للأمور الشرعية ، والأمير داد للمظالم الإدارية .
وكان هناك منصب (البيلاربيك) الذي مازال صعب التحديد .
وكانت الدولة تعين القاضي لكن وظيفته خارج إدارة الدولة . وكانت موارد القضاة مستقلة . وهم الذين أشرفوا على الأوقاف . ولم يتخذ المفتي بعد دورا هاما .
تألف الجيش في البداية من التركمان فقط ، بعدها استخدم العبيد ، ثم المرتزقة ، وهؤلاء كانوا من الأجانب .
واقتصر دور الكوشان (ذوي الأصول المختلطة) على الميليشيات المحلية وحفظ الأمن ، ولم يخدموا في الجيش .
والغريب أن قادة المرتزقة كانوا من الفرنجة ، وذلك عند السلاجقة كما عند البيزنطيين .
وهناك انتشار واسع للرأي القائل أن إدارة الأقاليم السلجوقية كانت إقطاعية بالمعنى نفسه الذي استخدم لوصف (الفيودالية في أوروبا القروسطية) .
وقد رأينا أن (الإقطاع والفيودالية يختلفان جذريا) ، وأن الفيودالية تحدث فقط عند انحلال النظام الإقطاعي ، أي انحلال سيطرة الدولة المركزية .
وهناك ميل لا يقتصر على "الماركسيين" ، بل يشمل سواهم ، لوصف كل مجتمع بين مرحلة العبودية والرأسمالية الحديثة بالفيودالية .
فهؤلاء لا يدركون مسألة تعدد البنى الفوقية لبنية تحتية واحدة ، وبالتالي تكون العلاقة بين الدولة وسادة الأرض علاقة فيودالية عندما تفوض الدولة سلطتها لهؤلاء ، وتكون إقطاعية عندما تكون الدولة مركزية .
ومن الضروري التمييز بين دولة قادرة على الاحتفاظ بسلطتها وأخرى غير قادرة على ذلك .
يضاف إلى ذلك الخطأ المنهجي الذي يرتكبه الذين يعالجون الدولة السلجوقية والدولة المغولية نفسها ليست فيودالية .
ومن الضروري تفادي الخلط في المصطلحات ومعالجة تاريخ آسيا الصغرى مرحلة مرحلة . إن الأمير الذي تستعاد منه الأرض ليس سيدا فيوداليا .
يميز الكاتب بين أربعة مراحل في تاريخ الدولة السلجوقية .
ففي المرحلة الأولى ، كان زعماء القبائل يعترفون بتبعيتهم للسلطان ، وفي هذا النظام القبلي كانت السلطة تفرض لا على أقاليم جغرافية بل على مجموعات بشرية .
وفي المرحلة الثانية بقيت فكرة الاستقلالية عن السلطان مع وجوب الخضوع له جزئيا ، وتدعم هذا الاتجاه بمبدأ تقسيم الدولة بين ورثة السلطان مما اضعف السلطان أمام الزعماء القبليين رغم أن الإمارة حصرت بأعضاء أسرة السلطان ولم يسمح لغير الأتابكة بها .
وفي المرحلة الثالثة صار الحكام والزعماء المحليون يعتمدون على "السلطان" ويخضعون لسلطة الدولة ، وفي القرن الثالث عشر منح الاقطاعات وحل مكان المقطعين موظفون أو عسكر يمكن إزاحتهم في أي وقت . لقد كان ممكنا الوصول للإمارة عن طريق الإقطاع الذي يعطي حقا وراثيا بحيازة الأرض ، أو عن طريق تنازل محدد بشروط من السلطة في أرض ما بدل الراتب الدوري ، أو عن طريق انتداب السلطة لأحد الأعيان ، وهذه الأساليب الثلاثة ليست فيودالية بأي شكل من الأشكال .
وفي المرحلة الرابعة انهار سلطان السلاجقة وتقاسم الوزراء والأعيان الأرض .
وما يمكن استنتاجه هو أن السلاجقة اعتمدوا على حكام محليين يمكن عزلهم في أي وقت ، فهذا النظام الإقطاعي ليس فيوداليا ، بل هو نقيض الفيودالية .
فحتى التركمان ، الذين كانوا يشكلون حالة خاصة ، ما استطاعوا الخروج على سيطرة السلطان ، ولم يكن هناك إقليم واحد ، حتى في المناطق التركمانية ، خارج سلطة الدولة .
وعلى الصعيد الديني لم يهتم سلاجقة الروم بالانتماء السني كما كان يحرص السلاجقة العظام في العراق وإيران ، وكانت التأثيرات السنية والشيعية متساوية الحجم .
لكن الأسباب السياسية جعلت سلاجقة الروم يتبنون الخط السلجوقي التقليدي في تبني الاتجاه السني .
وحتى القرن الثالث عشر كانت المدارس قليلة ، وكان وجود العلماء والمثقفين نادرا ، فكانوا يستوردون الفقهاء الأحناف من إيران .
وكان التأثير الإيراني قويا . فكانت اللغة الفارسية ذات انتشار واسع . وكان للصوفية انتشار واسع . وكان التركيب الثقافي تركيا _ فارسيا لا تركيا _ عربيا .
وكانت التأثيرات السنية الشيعية مختلطة عل تقاليد تركية قديمة .
ولم يكن في الأناضول حضارة إسلامية بل السلاجقة ، فكان طبيعيا أن التأثير الفني للنماذج الإيرانية قويا .
Comments