المحتوى الرئيسى

"مثلي في النبيين" وأنه هو الخاتم وكمال الدين

09/06 20:07

بقلم: أ. د. عبد الرحمن البر

أخرج الإمام البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى دارًا، فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون: لولا موضع اللبنة"، وفي رواية عند مسلم وغيره: "مثلي ومثل الأنبياء، كمثل رجل بنى دارًا فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها، ويقولون: لولا موضع اللبنة" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأنا موضع اللبنة، جئت فختمت الأنبياء"، وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين".

 

1- شرح المثل الوارد في الحديث وبيانه:

من فضل الله علينا أنه أكرمنا بالإيمان، وأعزنا بالإسلام، وأنعم علينا بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فهدانا من الضلال، وجمعنا من الشتات، وأغنانا بشريعته الغراء الكاملة التي تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتتضمن الأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس بهذا النبي الكريم الذي ختم به الرسالات، وبهذه الشريعة التي جعلها الله خاتمة الشرائع المهيمنة على ما سبقها من الشرائع.

 

وفي هذا الحديث شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم حال الأنبياء وتتابعهم لإصلاح البشر واحدًا بعد واحد، وما بُعثوا به من الهدى والعلم، وإرشادهم الناس إلى مكارم الأخلاق وشرائع الدين، حتى يكون ما جاءوا به مجموعةً من التوجيهات الرائعة والتعاليم النافعة، وما شَعر به الناس قبل مبعثه من الحاجة إلى مكمل لهذه المجموعة القيمة ومتمم لمقاصدها، وكونه صلى الله عليه وسلم هو القائم بذلك.. شبه ذلك بقصر شُيِّد بنيانه وأُحْسن بناؤه، حتى شارف البنيان النهاية ولم يبق منه إلا موضع لبنة بها يتم صلاحه ويكمل حسنه، ويسد خلله، وجعل الناس يعجبون من حسن البناء وجماله، ويقولون: لولا موضع هذه اللبنة! فبُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مبشرًا بالإسلام وداعيًا إليه؛ ليسد ذلك الخلل، مع مشاركته إخوانه من الأنبياء السابقين في تأسيس القواعد ورفع البنيان.

 

فكان صلى الله عليه وسلم- بما جاء به من الدين الإسلامي- اللبنة المتممة لهذا البناء الشامخ، المكملة لحسنه وجماله، وكانت رسالته آخر لبنة وضعت فيه، وبه أتم الله صرح الديانات التي تعاقبت جيلاً بعد جيل، من لدن آدم عليه الصلاة والسلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكان من علامات هذا الكمال أن جاءت شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم تنسخ تشديد أهل الكتاب، ولا تطلق في تسهيل من كان قبلهم؛ فهي على غاية من الاعتدال، مع ما تحوي من محاسن الآداب وتلقيح العقول وتعليم الفطنة والذكاء، مما لم يكن فيما تقدم.

 

وقد بلغ الإسلام الغاية في هدايته وتشريعه؛ حيث قد جاء لإسعاد البشرية في أرقى مراحلها وأوج كمالها؛ فأي شيء يُرجى للبشرية بعد ذلك؟ وأي شيء يُرجى للأمة بعد الكمال الذي لا كمال بعده؟ لا شيء إلا أن تمشي البشرية معتصمة به إلى نهايتها؛ إذ ليس بعد الكمال غاية، ولا بعد بلوغ المنتهى نهاية، والله تعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة: من الآية 3).

 

وبهذه البعثة الكريمة أقام الله الملة العوجاء، ملة إبراهيم حنيفًا، فنفى الشرك وثبت التوحيد في العالمين، وقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: "والله إنه لموصوفٌ في التوراة ببعض صفته في القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)) (الأحزاب)، وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخَّاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا". وبهذه البعثة الكريمة قامت الحجة على الخلق أجمعين.

 

2- معنى ختم النبوة ودلالات ذلك:

إن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين، فلا يمكن أن يظهر نبي بعده صلى الله عليه وسلم أو تحدث نبوة لأحد من البشر بعد تحليه بها، ولا ينافي ذلك ظهور عيسى في آخر الزمان؛ لأنه كان نبيًّا قبل أن يظهر محمد صلى الله عليه وسلم، ثم إنه حين ينزل يتعبد بشريعة الإسلام التي نسخت كل الشرائع: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)) (المائدة).

 

ولهذا لا بدَّ في الإيمان من أن تؤمن أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لا نبي بعده، وأن الله أرسله إلى جميع الثقلين الجن والإنس، فكل من لم يؤمن بما جاء به فليس بمؤمن، فضلاً عن أن يكون من أولياء الله المتقين، ومن آمن ببعض ما جاء به وكفر ببعض فهو كافر ليس بمؤمن، كما قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)) (النساء).

 

وأخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوةٌ لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد".

 

وفي رواية مسلم بلفظ: "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم، في الأولى والآخرة" قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: "الأنبياء إخوةٌ من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحدٌ، فليس بيننا نبي".

 

وأولاد العلات: الذين أمهاتهم مختلفةٌ وأبوهم واحدٌ، أراد صلى الله عليه وسلم أن إيمان جميع الأنبياء واحدٌ، وشرائعهم مختلفة (النهاية في غريب الحديث والأثر 3/291).

 

هكذا شاءت حكمة الله تعالى أن يرسل نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم في أعقاب هذه السلسلة المباركة من الأنبياء بدين أعلى ما يكون هداية وإرشادًا، وأسمى ما يكون تشريعًا وتبصيرًا، فيختم به الأنبياء (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب: من الآية 40)، كما ختم برسالته صلى الله عليه وسلم الرسالات، وجعلها للناس كافة ولم تكن لقومه خاصة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (28)) (سبأ)، وأمره أن يعلن في الدنيا بأسرها للناس كافة (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)) (الأعراف).

 

وإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم قد أرسل من عند الله تعالى بدين قد بلغ ذروة الكمال الذي لا كمال بعده، وتوجه الخطاب فيه للعالمين جميعًا، وختم الله تعالى به الرسالات، فإن النتيجة المنطقية اللازمة لذلك كله: أن تنقطع صلة الإنسانية عن سائر الرسالات والنبوات السابقة في الطاعة والاتباع، مع الإيمان بأصولها المنزلة من عند الله تعالى، لا بما آلت إليه بعد التحريف على يد الأتباع، مما جعلها لا تتصل بأصل الوحي المنزل من عند الله تعالى، فكل ما جاء به الأنبياء السابقون قد نسخ برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وارتبطت عندئذ الإنسانية كلها برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتعليمه، وأسوته الحسنة؛ إذ إن المبدأ الصحيح يقتضي ألا تعود الإنسانية بحاجة إلى المنهج الناقص بعد أن جاءها المنهج الكامل، خصوصًا بعد أن لعبت يد التحريف والإهمال بتعاليم الأنبياء السابقين وسيرهم، مما لم يعد من الممكن- لأجل هذا- أن تتبعهم الإنسانية فعلاً.

 

وتصبح رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي الرسالة، ودينه هو الدين الذي لا يقبل الله تعالى من البشرية غيره، والذي يجب على البشرية كلها أن تفيء إليه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85)) (آل عمران)، ومنذ بعثته صلى الله عليه وسلم أصبح اليهود النصارى فضلاً عن غيرهم مخاطبين بالإيمان به، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار".

 

ولهذا فمن العبث أن ينطلق أحد من المؤمنين ليطلب الحق عند أحد من أهل الكتب السابقين، أخرج أحمد وغيره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال: "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيةً، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًّا، ما وسعه إلا أن يتبعني".

 

وعند الدارمي بلفظ: أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخة من التوراة، فقال: يا رسول الله، هذه نسخةٌ من التوراة، فسكت، فجعل يقرأ ووجه رسول الله يتغير، فقال: أبو بكر رحمة الله عليه ثكلتك الثواكل، ما ترى بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رضينا بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًّا"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده، لو بدا لكم موسى فاتبعتموه وتركتموني، لضللتم عن سواء السبيل، ولو كان حيًّا وأدرك نبوتي، لاتبعني".

 

وفي لفظ عند أحمد: عن عبد الله بن ثابت، قال: جاء عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني مررت بأخ لي من قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة، ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: عبد الله يعني ابن ثابت فقلت: له ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: رضينا بالله تعالى ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، قال: فسري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "والذي نفس محمد بيده، لو أصبح فيكم موسى، ثم اتبعتموه، وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين".

 

وأخرج البزار وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا حظكم من الأنبياء وأنتم حظي من الأمم".

 

مع العلم بأنه صلى الله عليه وسلم قد جمع الله في رسالته كل أصول الرسالات السابقة، وأمره باتباع الأنبياء المتقدمين، فقال سبحانه بعد أن ذكر عددًا منهم: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)) (الأنعام).

 

فضلاً عن هذا فقد أخذ الله الميثاق على الأنبياء أن يؤمنوا به صلى الله عليه وسلم إذا أدركهم، فأخرج ابن جرير وغيره عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، قالا: ما بعث الله نبيًّا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بعث محمدًا وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمدٌ صلى الله عليه وسلم وهم أحياءٌ ليؤمنن به ولينصرنه.

 

قال ابن كثير: "فالرسول محمدٌ خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه، دائمًا إلى يوم الدين، وهو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر وجد لكان هو الواجب الطاعة المقدم على الأنبياء كلهم؛ ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لما اجتمعوا ببيت المقدس، وكذلك هو الشفيع في يوم الحشر في إتيان الرب لفصل القضاء، وهو المقام المحمود الذي لا يليق إلا له، والذي يحيد عنه أولو العزم من الأنبياء والمرسلين، حتى تنتهي النوبة إليه، فيكون هو المخصوص به".

 

ومن هنا فإن الله تعالى عندما يأمر باتباع الرسول وطاعته يأتي بهذه الكلمة معرفة بالألف واللام؛ لتكون خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)) (آل عمران).

 

3 - سمات الكمال في الرسالة المحمدية:

كانت الرسالة الخاتمة التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة، بل للإنس والجن جميعًا، هي أكمل الرسالات وأصلحها للبشرية، على اختلاف أنواعها، وذلك لعدة أمور:
أولاً: أن الإسلام فضلاً عن كونه دين الأنبياء جميعًا: (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: من الآية 13)، فقد جاءنا بعقيدة واضحة سهلة، تقبلها العقول، ويقرها المنطق السليم، وتتجاوب معها الفطرة المستقيمة، لا غموض فيها، على أساس الإيمان برب واحد، له الخلق والتدبير، ولهذا فهو إله واحدٌ، له العبادة والتقدير، وهي نفسها عقيدة الأنبياء لولا التحريف الذي أصاب الرسالات السابقة من بعض الأتباع.. يقول ربنا جل وعلا: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)) (الأنبياء).

 

ثانيًا: جاء الإسلام حربًا على كل صور الظلم والعدوان والاستبداد الديني أو الفكري أو العقلي أو الاجتماعي، التي تقع في المجتمعات، جاء الإسلام يقول: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)) (الإسراء)، وجاء يضع الميزان السليم؛ لتقويم الخلق، فيقول كما في مسند أحمد بسند صحيح: "يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحدٌ، وإن أباكم واحدٌ، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى، أبلغت؟"، قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "ليبلغ الشاهد الغائب"، وهو صلى الله عليه وسلم يؤكد هذه المساواة عمليًّا حين يقول كما في حديث الترمذي وحسنه عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره"، وهذا أمرٌ يقبله العقل السليم، وترضاه الفطرة المستقيمة.

 

ثالثًا: جاء الإسلام دينًا وسطًا بين غيره من الأديان السماوية، فيه من كل دين أيسره وأحسنه، وأكثره ملاءمة وتمشيًّا مع الطبائع المختلفة لبني الإنسان، فمثلاً عقوبة القتل العمد في الشريعة اليهودية القصاص ولا بدَّ، وفي الشريعة المسيحية العفو، وأكاد أقول ولا بدَّ، فجاءت شريعة الإسلام تخير ولي الدم بين القصاص والعفو، وكان هذا أمرًا وسطًا، يتمشى مع الطبائع المختلفة: فمن طبائع الناس طبائع لا يشفي غلها إلا القصاص، ومنها طبائع هينة لينة، تميل إلى التسامح وتأخذ بالعفو، وفي شريعة الإسلام ما يساير طبيعة هؤلاء وأولئك.

 

ويشهد لوسطية الإسلام في تشريعه قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (البقرة: من الآية 143)، وقوله: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران: من الآية 110) مع ما استقر في العقول من أن خير الأمور أوسطها.

 

رابعًا: أن البشرية- كما قلنا- قد بلغت رشدها فأصبحت تقاد بالعقل وحده، ولم يعد ينفع معها مجرد الخوارق والقوارع الملجئة أو شبه الملجئة، فجاء الإسلام دينًا منطقيًّا، حارب الجهل والخرافات والسخافات والأباطيل التي روجها الجهلة في كل العصور، وجاء داعيًا إلى إعلاء شأن العلم والابتكار (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) (العلق 5)، فرفع من قيمة العقل، وأعطى للإنسان الحرية التامة في التأمل والتدبر في كل ما يكلف به، فلا يؤمن بعقيدة يدعى إليها إلا بعد تروٍّ واقتناع، ولا يتبع تشريعًا يشرع له إلا بعد نظر يهديه إلى سلامة التشريع، واستنادٍ إلى المنطق السليم والدليل القويم، ثم هو بعد ذلك يذم التقليد وينعى على المقلدين لآبائهم وأحبارهم ورهبانهم، فيقول عز من قائل: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (170)) (البقرة)، وليس من شك في أن دينًا هذا شأنه وذلك منهجه، يصلح لكل جيل وقبيل من لدن نزوله وإلى أن تقوم الساعة.

 

خامسًا: جاء الإسلام دينًا واسع الأفق، فيه من المرونة واليسر ما يجعله صالحًا لكل الجماعات الإنسانية على اختلاف ألوانها، وأجناسها وبيئتها، وظروفها، فهو يتسع للحرية الفكرية العاقلة، ولا يقف- فيما وراء عقائده الأصلية وعباداته وأصول تشريعه- على لون واحد من التفكير، أو منهج واحد من التشريع، وهو بتلك الحرية يساير جميع أنواع الثقافات الصحية، والحضارات النافعة، التي يتفتق عنها العقل البشري في صلاح البشرية وتقدمها مهما ارتقى العقل ونمت الحياة، فقد ميز الإسلام بين ما هو من خصائص العبادة لله وما هو من أمور الوحي التي جاءت واضحةً لا يجوز للإنسان أن يخالفها، وبين أمور الحياة الخاضعة للتجربة والاكتشاف، فيما يتصل بالزراعة والصناعة وأمور المعاش وما يحتاجه الناس من طب وغيره، فقال كما في صحيح مسلم من حديث أنس: "أنتم أعلم بأمر دنياكم"، وعليكم أن تجتهدوا في تحسين هذه الشئون وفي إصلاح هذه المعايش، وأن ترجعوا إلى أهل الاختصاص فيما يناسب الأمة (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل: من الآية 43).

 

سادسًا: جاءت شريعة الإسلام أكمل الشرائع، شرع الله فيها جميع الأحكام في العبادات والمعاملات والجنايات والأحوال الشخصية والشئون القضائية والسياسية والعسكرية، بما يتلاءم مع حاجة الناس ومصلحة البشر منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، في حين أن الشرائع السابقة وإن كانت ملائمة لعصرها، إلا أنها غير ملائمة للبشرية في العصور الأخرى، بخلاف دين الإسلام فإنه الدين المتكامل، ولهذا أوجب الله على أهل الأديان السابقة جميعًا اعتناق هذا الدين، وأخذ عليهم الميثاق باتباع محمد صلى الله عليه وسلم عند ظهوره، وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنه لا دين إلا دينه، ولا شريعة إلا شريعته؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًّا، ما وسعه إلا أن يتبعني".

 

وبالجملة، فالكتاب الذي هو آية هذه الرسالة (القرآن) والسنة التي نطق بها صاحب الرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، إذا قرأهما المتأمل العاقل تيقن يقينًا لا شك فيه أن هذا هو الحق، فلا تجد في الإسلام دعوةً إلى شر، ولا تجد في الإسلام نهيًا عن خير، ما من شيء حسنه القرآن والسنة إلا والعقول السليمة تشهد أنه حسن، وما من شيء قبحه القرآن والسنة إلا والفطَر المستقيمة تشهد أنه قبيح، وإن النظم التي سنَّها الإسلام لا تزال برونقها وصفائها أعدل من كل ما اهتدى إليه العقل البشري من نظم، سواء أكان ذلك في نظام الحكم، أم في نظام المال، أم في نظام الأسرة.. فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يصلح لحكم الإنسانية، وفيه علاج أدوائها، وقد كان القرآن هو الآية الكبرى التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لتكون آية دائمة مستمرة، بخلاف الآيات المادية التي بعث بها الأنبياء ولا تقنع إلا من رآها، وقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحى الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة".

 

وقد وعد الله الأمة إن هي استقامت على هذا المنهج المعصوم، وتمسكت بهذا الدين الكامل أن يكتب لها النصر والتمكين، فقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55)) (النور). 

 

4 - المفاضلة بين الأنبياء:

لا ريب في أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلق جميعًا وأحبهم إلى الله وأقربهم إليه زلفى، وهو سيد ولد آدم يوم القيامة، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع" وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر.." الحديث.

 

ولذلك فهو وحده صاحب الشفاعة العظمى التي يتأخر عنها سائر الرسل يوم القيامة، فيما يتقدم هو صلى الله عليه وسلم شافعًا للخلق عند الله تعالى فيقبل شفاعته، فقد أخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجتمع المؤمنون يوم القيامة، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، ويذكر ذنبه فيستحي، ائتوا نوحًا، فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علمٌ فيستحي، فيقول: ائتوا خليل الرحمن، فيأتونه فيقول: لست هناكم، ائتوا موسى، عبدًا كلمه الله وأعطاه التوراة، فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر قتل النفس بغير نفس، فيستحي من ربه، فيقول: ائتوا عيسى عبد الله ورسوله، وكلمة الله وروحه، فيقول: لست هناكم، ائتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، عبدًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني، فأنطلق حتى أستأذن على ربي، فيؤذن لي، فإذا رأيت ربي وقعت ساجدًا، فيدعني ما شاء الله، ثم يقال: ارفع رأسك وسل تعطه، وقل يسمع واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حدًّا، فأدخلهم الجنة، ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي مثله، ثم أشفع فيحد لي حدًّا، فأدخلهم الجنة، ثم أعود الرابعة، فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن، ووجب عليه الخلود" قال أبو عبد الله: إلا من حبسه القرآن، يعني قول الله تعالى: (خالدين فيها).

 

ومع هذه المنزلة المتقدمة والرتبة العالية فإنه صلى الله عليه وسلم قد وجهنا إلى عدم الخوض في التفضيل بين الأنبياء بما يفيد التنقيص من شأن أي منهم، فهم المصطفون الأخيار من خلق الله، فأخرج الشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تخيروا بين الأنبياء"، كما أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينما يهودي يعرض سلعته، أعطي بها شيئًا كرهه، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجلٌ من الأنصار، فقام فلطم وجهه، وقال: تقول: والذي اصطفى موسى على البشر، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فذهب إليه، فقال: أبا القاسم، إن لي ذمةً وعهدًا، فما بال فلان لطم وجهي، فقال: "لم لطمت وجهه؟" فذكره، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رئي في وجهه، ثم قال: "لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذٌ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أم بعث قبلي، ولا أقول: إن أحدًا أفضل من يونس بن متى".

 

وفي رواية للشيخين: استب رجلان: رجلٌ من المسلمين ورجلٌ من اليهود، قال المسلم: والذي اصطفى محمدًا على العالمين، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك، فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما كان من أمره، وأمر المسلم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم، فسأله عن ذلك، فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأصعق معهم، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطشٌ جانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق، فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله".

 

وأخرج الشيخان عن ابن عباس وعن أبي هريرة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما ينبغي لعبد أن يقول إني خيرٌ من يونس بن متى".

 

وهذا النهي إنما هو عن التفضيل بالرأي ومجرد العصبية بما يؤدي إلى تنقيص المفضول والحط من قدره، أو التفضيل الذي يؤدي إلى الخصومة والفتنة، وهو الذي غضب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يقصده ذلك الأنصاري رضي الله عنه.

 

وأما التفضيل بما أكرم الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وسلم ورفع به درجته ونوه في الوحي بشرفه من الفضائل الشرعية والأخروية وغير ذلك مما شهد الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم مما ذكرنا ومما لم نذكر فهو الذي يجب اعتقاده والإيمان به والتصديق والانقياد له والتسليم. وقد يكون المقصود أن التفضيل ليس إليكم وإنما هو إلى الله عز وجل, وعليكم الانقياد له والتسليم والإيمان به.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل