المحتوى الرئيسى

د. جابر قميحة يكتب عن د. محمد ضياء الدين الريس

09/05 13:55

يرحمه الله؛ فقد كان بحق عالمًا معلمًا عظيمًا: إنه الدكتور محمد ضياء الدين الريس ابن المطرية دقهلية، الذي كان يدرس لنا مادة "التاريخ الحديث"، في السنة النهائية من كلية دار العلوم سنة 1956 – 1957م. وكان منهجه في تدريس هذه المادة يجمع بين حرارة الإيمان، والتوهج العقلي، والانتظام الفكري، والقدرة الفائقة على التصدي للمفتريات التاريخية التي يثيرها أعداء الحق والإسلام، وكذلك أكاذيب من ساروا على درب المستشرقين والمبشرين والصليبيين بحجة التجديد الديني والفكري.

 

أنا أكتب هذا المقال وكأني أنظر إلى أستاذنا العظيم وهو جالس على منصة التدريس في المدرج الكبير.. يجذب قلوبنا وعقولنا بصوته الهادئ، ونبره العميق. وتقول سيرته.. وهي ما يسمى بصحيفة أحواله:

- من أبرز أساتذة التاريخ الإسلامي في مصر في عهده.

 

- ولد في 17 من يناير 1912م، حفظ القرآن الكريم كاملاً، حصل على دبلوم دار العلوم العليا 1935م، وكان ترتيبه الأول، واختير ضمن بعثة دار العلوم لدراسة التاريخ بإنجلترا 1938م، ونجح في امتحان جامعة لندن الخاص 1939م، كما نجح في امتحان شهادة الأدب المتوسط في التاريـخ والأدب الإنجليزي والترجمة والفلسفة الأدبية 1941م، نال شهادة البكالوريوس مع مرتبة الشرف من جامعة لندن في التاريخ والعلوم السياسية، وأذنت له الجامعة بالتقدم للدكتوراه مباشرة، وأتم رسالته 1945م، وكان موضوعها "فكرة الدولة كما تصورها النظريات السياسية الإسلامية".

 

- حصل على درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة، وعين مدرسًا للتاريخ الإسلامي بكلية دار العلوم.

 

- من أبرز كتبه (كتاب النظريات الإسلامية – عبد الملك بن مروان موحد الدول العربية – في التاريخ الإسلامي الحديث – الخراج والنظم المالية للدولة الإسلامية – الإسلام والخلافة في العصر الحديث...).

 

- رقي حتى وصل إلى رئيس قسم التاريخ الإسلامى بكلية دار العلوم.

 

- كان الدكتور أحمد هيكل وزير الثقافة الأسبق واحدًا من تلاميذه.

 

- توفي في 26 من أبريل 1977م.

**********

 

ويطول بنا المسار لو قدمنا كل الحجج التي فند بها المفتريات والأكاذيب، ونكتفي في هذا المجال بخلاصة مركزة لما نقض به كتاب" الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق.

 

لقد أصدر أستاذنا الدكتور الريس كتابه "النظريات السياسية الإسلامية" سنة 1952م، فند فيه آراء علي عبد الرازق. وفي سنة 1976م أصدر كتابًا بعنوان "الإسلام والخلافة في العصر الحديث" نقد فيه الكتاب السابق، والجديد أنه شكك فيه بأدلة قوية أن يكون الكتاب من تأليف الشيخ علي. ومن هذه الأدلة:

- لم يعرف عن الشيخ قط أنه كان باحثا، أو مفكرًا سياسيًّا، أو حتى مشتغلاً بالسياسة.

 

- لا يعقل أن يقصد قاض شرعي مسلم من عائلة محافظة الهجوم على الإسلام، وينكر ما فيه من سياسة وحكم، وجهاد وقضاء.

 

- لا يعقل أن يكون هذا الشيخ الأزهري قد تعلم في الأزهر ما يورده في كتابه من أحاديث عن "قيصر" و"عيسى" و"متى" و"الإصحاح" و" لإنجيل".

 

- يتكلم الكتاب عن المسلمين بضمير الغائب. كقوله: ذلك الزعم بين المسلمين.. غير مألوف في لغة المسلمين.. الخلافة في لسان المسلمين.. إلخ.

 

- الكتاب يدافع عن المرتدين، و ينتقد أبا بكر.

 

- شهادة الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية في أحد كتبه، وهو كعلي عبد الرازق ينتسب إلى حزب الأحرار الدستوريين، يقول الشيخ بخيت: ".. علمنا من كثيرين ممن يترددون على المؤلف أن الكتاب ليس له فيه إلا وضع اسمه عليه فقط، فهو منسوب إليه فقط ليجعله واضعوه- من غير المسلمين- ضحية هذا العار".

 

- قدم الدكتور الريس كتابه الذي أصدره سنة 1952م وهو "النظريات السياسية الإسلامية" قدمه لعلي عبد الرازق، وطلب منه الرد على ما جاء فيه من تفنيد لكتاب "الإسلام وأصول الحكم"، ولم يرد علي عبد الرازق.

 

- رفض علي عبد الرازق أن يعيد طبع كتابه بعد أن ألحت عليه "دار الهلال" في إعادة طبعه
ويخلص الدكتور الريس- رحمه الله- إلى ترجيح أن يكون المؤلف الأصلي لهذا الكتاب أحد المستشرقين الإنجليز.

**********

 

ولا أنسى أنه قبض عليه خطأ في عهد الوزارة السعدية في أواخر الأربعينيات، والسبب أنهم وجدوا ورقة في جيب عبد المجيد حسن (الذي قتل النقراشي باشا رئيس الوزراء)، وهذه الورقة مكتوب فيها كلمة واحدة هي "ضياء"، فألقت الحكومة القبض على كل من يحمل اسم "ضياء"، وكان منهم أستاذنا، مع أن اسمه الكامل "محمد ضياء الدين الريس"، وأودع معتقل الطور.

 

ولا أنسى أنه في حديثه عن الدولة الإسلامية- بعد خروجه من المعتقل- قال: "لقد اعتقلوني مع عدد كبير من الإخوان، وفي المعتقل رأيت فيهم الدولة الإسلامية مصغرة، فالعلاقة بينهم تقوم في المعتقل على النظام، والتعاون، والإيثار، والحب العميق.. كان الواحد منهم يزوره أهله في المعتقل يحملون إليه صفيحة كبيرة جدًّا وقد غصت بما فيها من كعك، فيوزعها على الإخوان، ولا يُبقي لنفسه إلا كعكة واحدة، مما يذكرني بقوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)) (الفتح).

**********

واعترافًا بفضل عالمنا الجليل كذلك أكمل هذه الصورة بما ذكره الدكتور محمد عمارة- أكرمه الله- في كتاب صدر له سنة 1985 باسم "معركة الإسلام وأصول الحكم". وألحق به  كتابًا آخر سنة 1995م باسم "الإسلام بين التنوير والتزوير". وفي فصل طويل كامل "ص 38 - ص 96" تحت عنوان "علمنة الإسلام والعمران" فضح كتاب علي عبد الرازق بمعلومات وبيانات جديدة موثقة، خرج منها بترجيح تأليف طه حسين للكتاب، أو قسمه الثاني بأبوابه الثلاثة على الأقل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل