المحتوى الرئيسى

هكذا تكلم عمانوئيل كانط – مشروع السلام السرمدي بقلم:عبدالكريم صالح المحسن

09/04 23:54

عبدالكريم صالح المحسن

باحث في الشؤون الاستراتيجية والدولية

[email protected]

يرتبط اسم الفيلسوف الألماني "عمانوئيل كانطImmanuel Kant "، الذي يعتبره البعض بمثابة أكبر فيلسوف عرفته أوروبا منذ قرنين على الأقل، ارتباطا وثيقاً بندائه الشهير الذي استهله بعبارة "أعملوا عقولكم أيها البشر."، التي يعد من أهم شعارات حركة التنوير الأوروبية التي أعادت الاعتبار إلى سلطة العقل وأوليته، علاوة على تأكيدها على ضرورة احترام فردية كل إنسان واستثمار تنوع المواهب البشرية بعيداً عن الإرث الجماعي التقليدي. وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه الصيحة الكانطية عبرت بشكل واضح عن النقلة النوعية التي شهدتها أوروبا آنذاك في القرن الثامن عشر في عصر التنوير. وعلى هذا النحو ساهم كانط في تبديد غياهب ظلام العصور الوسطي المحيطة بالعقول.

ولد كانط في مدينة" كونيغ سبيرغ Konigsberg"في شمال ألمانيا التي تعد اليوم جزءاً من روسيا يوم 22 نيسان/أبريل من عام 1724م ولم يغادرها حتى مماته في عام 1804م ،وهو من عائلة فقيرة، وتعرف على مكارم الأخلاق منذ نعومة أظفاره عن طريق والدته، الشيء الذي ترك تأثيراً كبيراً في كتاباته ورؤيته للعالم فيما بعد. وحصل هذا الفتي اليافع على شهادة الدكتوراه في الفلسفة ليصبح فيما بعد أستاذاً في الجامعة. ثم انخرط في مطالعات فكرية مكثفة شملت" نيوتن" و"هيوم" وبالأخص الفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو" الذي وضعته أعماله على الطريق الصحيح، لأن "روسو" ركز على أولية الأخلاق ووضعها في مرتبة تفوق العلم والدين. ثم تدرج كانط في المناصب الجامعية حتى أصبح عميداً لجامعته بين عامي 1786م و 1788م. وفي أثناء ذلك نشر أهم المؤلفات الفلسفية في عصره كنقد العقل الخالص، ونقد العقل العملي.

أجاب عمانوئيل كانط عن السؤال الجوهري الذي يستكشف ماهية عصر التنوير بقوله:" إنه خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي وبلوغه سن النضج أو سن الرشد." كما عرَّف القصور العقلي على أنه "التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصي أو السلوك في الحياة أو اتخاذ أي قرار بدون استشارة الشخص الوصي علينا." ومن هذا المنظور جاءت صرخته التنويرية لتقول: "اعملوا عقولكم أيها البشر! لتكن لكم الجرأة على استخدام عقولكم! فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب. تحركوا وانشطوا وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر. فالله زودكم بعقول وينبغي أن تستخدموها. لكن كانط لم يفهم التنوير نقيضاً للإيمان أو للاعتقاد الديني، وإنما شدد على أن "حدود العقل تبتدئ حدود الإيمان". كما حذر من الطاعة العمياء للقادة أو لرجال الدين كما حصل في دولة بروسيا لاحقاً.

كثيراَ ما يُنظر إلى فلسفة "كانط "بوصفها اسهاما حاسما في صياغة الفلسفة الأخلاقية. إنها "ذات جدارة"، على حد تعبير كانط نفسه، وهذه الجدارة هائلة، فالفيلسوف الألماني ما انفك يتفكر في هوان الكائن الإنساني وفي عظمته. وقد حاول، بأكثر ما يكون من النزاهة الفكرية، أن يتفهم، في آن معاَ، النزوع الطبيعي إلى الشر و"الاستعداد الرائع للخير" اللذين يتقاسمان قلب الإنسان وقد أكد أكثر من أي فيلسوف آخر، أن إنسانية الإنسان جديرة بالاحترام لأن "الإنسانية نفسها هي كرامة" وبصرامة فكرية قصوى، بين ان أعمق فرائض الإنسان هي احترام "كرامة الإنسانية في شخصه هو"، وفي الآن نفسه، الاعتراف بـ"كرامة الإنسانية في كل إنسان آخر".

غير أن مدار حديثي بالطبع ليس الادعاء بأن" كانط" قد بسط، من حيث لا يدري، فلسفةً في اللاعنف – فهو يجهل مفهوم اللاعنف. لكن من المشروع قطعاَ الاستناد إلى عبارات "كانط " نفسها لطرح تعريف بالعنف بوصفه "انتهاك المرء للإنسانية في شخصه هو" وفي شخص الإنسان الآخر، واعتبارًا من ذلك، التعريف بمفهوم اللاعنف بوصفه احترام المرء الأنسانية في شخصه هو وفي شخص الإنسان الآخر على حد سواء. سوف أقتبس من كانط إذن مادة فكرية لبناء تفكيري أنا بقصد مقاربة فلسفة اللاعنف التي يبدو لي أنها تعبر خير التعبير عن حقيقة إنسانية الإنسان،لن أقول" كانط" ما لم يقل، لكني سوف أقول ما لم يقل، مقتبسًا منه عناصر معينة من تفكُّره لتغذية تفكُّري الشخصي. ولسوف أختار هذه المواد بكل حرية: أي أنني، مستبقياَ بعضها، سوف أستبعد في الوقت نفسه بعضها الآخر مما يبدو لي غير قابل للاستعمال، من غير أن أصرف وقتاَ في تبرير خياري، غير سالك طريق عرض فكره وتحليله نفدياَ لأن هذه المقاربة أطول بكثير مما ينبغي.

بلور كانط مفهوما جديداً من نوعه لطبيعة العلاقات بين الدول على أرضية تقوم على القانون الدولي، كما سعى إلى إقامة السلام الدائم بين الشعوب عن طريق عدم اتخاذ الإنسان وسيلة وإنما دائماً غاية، وهو ما يعني إحترام الكرامة الإنسانية لدى الآخر بأي شكل كان. وانطلاقا من هذا المفهوم الذي يرى أن تحقيق السلام لن يتم إلا عبر تغيير الإنسان وتربيته أخلاقياً بهدف جعل الحرب أمراً مستحيلاً. يذكر أن هذه النظريات الفكرية المثالية أدت لاحقاً إلى تشكيل عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى من أجل حل الصراعات بين الدول على أساس القانون الدولي. وفي النهاية أدت أطروحاته التي لم تفقد أهميتها حتى الوقت الحاضر إلى تطوير عصبة الأمم لتتحول إلى الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

خلق الانسان وهو ينشد السلام وينبذ الحرب ففي السلام تحرير لمستقبل البشرية،وان فكرة السلام هي فكره ليست بالجديده انها من اقدم الافكار فقد اتجه اليها حكماء العصور الغابرة وحمل لوائها الفلاسفة الكبار منذ القرن الثالث قبل الميلاد حين حثوا الانسانية على ان تحرر نفسها من ادران التفرقة التفرقة بين الانسان واخيه الانسان وعدم الاكتراث لمسببات تلك التفرقة من لغات واديان وقوميات وأوطان فقد نظروا الى الناس جميعاَ وكأنهم أسرة واحدة"قانونها العقل ودستورها الاخلاق"فقد ولج اغوار هذه الفكرة العديد من الفلاسفة امثال الفيلسوف المسلم الفارابي في كتابه "اراء اهل المدينة الفاضلة "منذ القرن العاشر الميلادي حتى اذا كان القرن الثامن عشر في اوربا وضع " الاب دوسان بييرDusan Pierre"1658م-1743م مشروعاَ لأقامة حلف دائم من جميع الدول المسيحية القصد منه ان يضمن لكل دولة من الدول المتعاقدة سلامة اراضيها و"حماية اوربا من اي اعتداء جديد تقوم دول الاسلام" غير ان الفيلسوف الالماني "عمانوئيل كانت" كان من اكثر الفلاسفة اهتماماَ بموضوع السلم وهو واضع الاصطلاح الالماني " Volkerbund" الذي اطلق بعد موته بنحو قرن وربع على "عصبة الامم" وهو من اساتذة الفكر الانساني ومن اكبر الفلاسفة الاخلاقيين في العصور الحديثة ولنا ان نتصور ان الرئيس الامريكي "ويلسون Wilson " الداعي الى انشاء عصبة الامم كان يحتفظ لقرائته اليومية بكتاب "مشروع السلام الدائم" الذي كتبه "كانت"،في مشروع السلام الدائم او السلام الابدي اعلن "عمانوئيل كانت " فيه ان انشاء "حلف بين الشعوب"على اعتبار انه السبيل الوحيد لتجنب شرور الحروب وويلاتها،في كتابه "فروض عن بداية تاريخ الانسانية"الذي كتبه" كانت "في العام 1786م قبل ان يكتب "مشروع السلام الدائم"يقول فيه:"ان اكبر شر يصيب الشعوب المتمدنه ناشيء عن الحرب،لابمعنى الحرب الحاضره او الماضية بل بمعنى دوام الاستعداد للحرب القادمة"وقد سلم مع ذلك بأن الخوف من الحرب قد يكون في طور بسيط من اطور المدنية ومن امتن الضمانات لصوت الحرية ودفع الاستبداد لأن المستبدين انفسهم لايستطيعون ان يستغنوا عن الثروه القومية التي لاتنموا الا في ظل السلم والحرية. ومن هنا لابد ان نشير الى ان مشروع السلام الدائم يعتبر بمثابة التطبيق العملي للنظرية السياسية التي وضعها في كتابه الشهير "الاصول الميتافيزيقية لفلسفة الحق "وهو ماعبر عنه بشكل واضح في خاتمة هذا الكتاب الذي صدر في العام 1797م "قبل سنتين من وفاته" حيث يقول:"ان العقل العملي مناقبياَ يواجهنا بالخطر الاتي الذي لامهادنه فيه :يجب الا تقوم حرب البته،لا بينك وبيني،في الحال الطبيعية ولا بيننا كدول مبنية،داخلياَ،على اسس شرعية في ماهي حرة خارجياَ من اي ارتهان من حيث علاقاتها المتبادله اي ان المسأله لم تعد مسألة معرفة ما اذا كان السلام الدائم واقعاَ حقيقيا او تصوراَ فارغاَ،وما اذا كنا لسنا على خطأ في حكمنا النظري انما ينبغي ان نعمل كما لوكان السلام الذي ربما لن يتحقق قابلاَ للتنفيذ وان نعمد سعياَ وراء هذه الغاية الى اقامة نظام دستوري "ربما النظام الجمهوري الشامل جميع الدول معاَ،والمطبق في كل منها على حدة"هذا الدستور الذي يبدو لنا انسب مايكون لبلوغ الهدف المنشود وافعل مايكون في انهاء هذه الحروب القذرة التي مافتئت جميع الدول من دون اشتثناء حتى الان تحشد مؤسساتها الداخلية باتجاهها كما لوكانت هي الغاية السمى أما اذا كنا لا نستطيع بلوغ هدف السلام الدائم واذا كان السلام يظل بالنسبة الينا مجرد امنية غالية فعلى الاقل لن نخطيء فقط اذا اتخذنا كمبدأ لنا ان نصبو اليه بدون كلل لان هذا هو الواجب ".ان موضوع السلام الدائم والشامل لايؤلف جزءاَ من غاية الحق النهائية فقط انما يمثل هذه الغاية باكملها اذا مانظرنا الى الامر من زاوية العقل وحده نبالفعل لاتوجد حال سليمة الا الحال التي يكون فيها مايخصني وما يخصك مضمونيين قانونياَ في كنف مجموعة كبيرة من الناس يعيشون متجاورين وبالتالي متحدين في ظل كيان دستوري على ان معيار مثل هذا الدستور لايمكن ان يتأتى من تجربة اولئك الذين يكونون قد حققوا مكاسب ذاتية لهم من هذه التجربة حتى الان وقدموها بمثابة انموذج للأخرين انما يجب ان يستمد المعيار المعني عامة بصوره قبلية بواسطة العقل من المثال الاعلى المتوخى من الشراكة القانونية التي يؤلفها الناس في ظل قوانيين عامة اذاَ هل ثمة من شيء يمكن ان يكون اسمى من هذه الفكرة بالذات من الناحية الميتافيزيقية علما ان هذه الفكره تتمتع بالواقعية الموضوعية التي لا يرقى اليها اي شك فهذه الفكره هي وحدها التي تستطيع ايصال البشر الى السلام الابدي لتها تقربهم باستمرار من الخير السياسي الأسمى .

ان اول نص فلسفي تظهر فيه فكرة جمعية الامم بالتحديد من حيث روح هذه الجمعية او من حيث نصوص دستورها علماَ ان فكرة جمعية الامم تعني في جوهرها "تاسيس مجتمع مدني يشرف على تطبيق النظام الحقوقي العالمي" فيقول :"ليكن قلب الانسان ماشئتم ان يكون فما يعنينا هو معرفة ايهما الحال الطبيعية ام الحال الاجتماعية هي التي تفوق الاخرى في التسبب بالنقائض والجرائم او في خلق الاستعداد لها لدى الاشخاص ،قليلة هي التجارب المفسده التي يتعرض لها الانسان وقت يكون عائشاَ في بساطة الحال الطبيعية انما الترف حصراَ هو الذي يولد المفاسد لذا اقول ابعدوا المؤثرات السيئة الخارجية التي تصيب الطأنينة والامان بتغيير اخر تتوسل الطبيعة الحروب والشقاء الذي تحدثه الاسلحة داخل الدول ،أبان فترة السلام بالذات فتدفع بالناس الى القيام بمحاولات يعتريها الكثير من النقص في البداية ثم بعد عمليات لاحصر لها من اعمال التخريب والانقلابات نبل احياناَ بعد استنفاذ جميع القوى الداخلية تدفع الطبيعة بالناس الى الهدف الذي كان بمقدور العقل ان يوصلهم اليه لو اصغوا الى ندائه من دون ان يتكبدوا هذا القدر من التجارب المشؤومه والهدف المعني هو الخروج من حال الفوضى التي تكتنف حياة المتوحشين والانضواء في نظام جمعية الامم حيث كل دولة حتى الصغيرة جدا منها تجد امانها وحقوقها مضمونه لابواسطة قدرتها الخاصة او بفعل تشريعاتها الذاتية ،انما بفضل هذه الجمعية الكبيرة من الامم اي بفضل القدرة المشتركة وبفعل القرارات المتخذه وفق التشريع المشترك للدول المتعاضدة، وفق هذا النظام ترى الدول نفسها مرغمه على القيام بما ينفر المتوحش نفسه ،بالغة مابلغت درجة نفورها اعني وجوب التخلي عن نوع من الحرية هي حرية المتوحش ،والبحث عن المأنينه والامان في كنف نظام دستوري قانوني الصفة ".

ان مشروع السلام الدائم تضمن ست بنود ومباديء بقصد اقامة السلام الدائم بين الدول وهي اولاَ:"ينبغي الا تعتبر اية معاهدة صلح على انها كذلك اذا ماكان اطرافها قد احتفظوا ضمناَ اللجوء الى حرب جديده"وثانياَ:""لايسوغ لأي دولة مستقله ضغرت ام كبرت فهذا لاشأن له في هذا المجال ان تستحوذ على دولة اخرى لا بالميراث ولا بالمبادلة ولا بالشراء ولا بالهبة"وثالثاَ:"يجب ان تزول الجيوش النظامية كلياَ مع الوقت"رابعاَ:"لايحق للدولة اعتماد الاقتراض لتمويل نزاعاتها الخارجية"خامساَ:"لايحق لي دولة من الدول ان تتدخل بالقوة في دستور دولة اخرى ونظام حكمها"،سادساَ:"لايحق لي دولة في حال حرب مع دولة اخرى ان تسمح لنفسها باعمال عدائية من النوع الذي يجعل الثقة مستحيلة بينهما بعد استتباب السلام،من هذه الاعمال مثلاَ استخدام عناصر تقوم بالاغتيال او التسميم او انتهاك حقوق الاستسلام او التحريض على الخيانه في الدولة المتحاربة".

لابد ان تخضع امور السياسة لقانون الاخلاق وان نصغي الى صوت الضمير والى مافي الطبيعة والتاريخ من توجيهات تدعونا الى ان نبذل قصارى جهدنا لتحقيق الغاية العليا للكون ،كما تدعونا الى ان نؤمن بأن العناية الالهية سوف تتم ذلك الائتلاف المأمول بين الفضيلة والسعادة .

من الثابت ان الاخلاق تشكل بحد ذاتها علماَ عملياَ بالمعنى الموضوعي لهذه الكلمة من حيث هي مجموعة من القوانيين المطلقة التي تفرض علينا مايجب فعله وانه بديهي القول بلا معقولية محاولة المرء ان يسبغ على فكرة الواجب هذه السلطان الذي تستحقه قصد التمكن في مابعد من الزعم ان المرء لايستطيع القيام بمايتوجب عليه اذ لوكان الامر كذلك لاقتضى نفي فكرة الواجب بالذات من الشرعه الاخلاقية لذا لايمكن حصول نزاع بين السياسه من حيث هي ممارسة تقوم على تطبيق الحق والاخلاق من حيث ان الاخلاق هي القوام النظري للسياسة "وبالتالي ليس ثمة نزاع بين النظرية والممارسه"اللهم الا اذا قصرنا مفهوم الاخلاق على عقيدة عامة تدعو الى الفطنه الحذره اي تقول بنظرية اعتماد المباديء التي ترشد الى انجع الوسائل في تأمين المصلحة والمنفعه الشخصية الامر الذي من شأنه ان ينفي عموماَ وجود قضية الاخلاق.

تقول السياسة "كونوا حكماء كالحيات "وتضيف الاخلاق "كشرط مقيد ""وودعاء كالحمام"،اذا كانت هاتان النظرتان عاجزتين عن التعايش ضمن الفكره الواحده فذلك لوجود نزاع حقيقي بين السياسه ةالاخلاق اما اذا كانت الضروره تحتم اجتماع الامرين معاَ ،فتصبح فكرة العكس عندئذ محالاَ، ولن يعود ثمة مجال لطرح مسألة كيف يمكن وضع حد لهذا الصدام على انها معضلة،وبالرغم من ان المقوله التالية "الاستقامة هي السياسه الفضلى " تتضمن نظرية غالباَ ماتناقضها الممارسه ،فان المقوله الاخرى التالية وهي ايضاَ مقوله نظرية "الاستقامه افضل من اي سياسه"تعلو بما لايقاس على اي اعتراض،انها الشرط المطلق لصلاح السياسه بالذات فان" آله الاخلاق" لايتراجع امام جوبيتر "آله القوه " لأن هذا الاخير هو نفسه خاضع للقدر اي ان العقل لايتمتع بالمعرفه الكافيه التي من شأنها ان تتيح له التنبؤ الاكيد بالنتائج الايجابية او السلبية المترتبه على الفعل الذي يقوم به البشر او على تمنعهم عن القيام بالفعل وهي نتائج تتوقف على تأثير او الية الطبيعة "على الرغم من كون البشر يأملون ان تأتي النتائج المعنية منسجمه مع امانيهم "لكن العقل لايقصر قط في تزويدنا بالارشادات الضرورية للنجاح في تحقيق مانعتزم القيام به الا اذا كنا عازمين على المثابره في اتباع طريق الواجب،وبالتالي لايتوانى عن ارشادنا الى هدفنا النهائي.

الا ان رجل الممارسه "الذي يعتبر الاخلاق مجرد نظرية" يبني رفضه المخزن لرجائنا المتفائل "مع موافقته على مفهوم مايجب وما يستطاع"على كون الطبع الانساني هو حسب رايه مفطور على الا يريد ابداَ ماهو ضروري لبلوغ الهدف المتمثل في السلام الدائم لاشك ان بلوغ الهدف المعني لا يتم للبشر بمجرد كونهم جميعاَ يريدون كل من جهته ان يعيشوا تبع مباديء الحرية في كنف نظام شرعي "اي لايكفي وجود الوحدة التوزيعية او ارادة الجميع"بل يتوجب عليهم ان يريدوا معاَ هذه الحال "اي ان تتوافر لديهم الوحده الاجتماعية المتمثله في الارادات المتحدة"ان حل هذه المشكله الصعبه مطلوب ايضاَ من اجل اقامة المجتمع المدني الذي يجمع البشر وبما ان هذه الارادات الفرديه المختلفه لدى الجميع تستلزم وجود سبب قادر على توحيدها لصهرها في ارادة واحده مشتركة ،وهذا عمل لاتستطيع اي ارادة ان تقوم به،لم يعد بوسعنا ان نأمل لتحقيق هذه الفكره عملياَ ان تبادر الدوله القانونية بغير طريقة القوة التي يبني عليها لاحقاَ الحق العام وبالتالي لابد ان نتوقع سلفاَ رؤية التجربه الواقعية تنحرف انحرافاَ واسعاَ عن هذه الفكره النظرية "اذ لايمكن الوثوق بأن الشعور الاخلاقي لدى المشرع يكفي لجعله يوكل الى الجماهير المتوحشه بعد انتظامها في شعب موحد مهمة ارساء الارادة العامة على دستور قانوني ،يعني ماتقدم قوله ان من يمسك بمقاليد السلطه لن يقبل بان يملي الشعب القوانيين عليه ،فالدوله التي تكون قد رفعت عن كاهلها كل قانوني اجنبي لن تقبل الامتثال لمحكمة الدول الاخرى في مسألة تحديد الطريقة التي تعتمدها للدفاع عن حقها بوجههم ولو افترضنا ان جزءاَ من العالم يشعر بتفوقه على جزء اخر منه فلن يفوت على نفسه فرصة توسيع هيمنته بالاستيلاء على الجزء الاضعف او اخضلعه لسلطانه،ولو كان الجزء الاضعف المعني لايضايقه في شيء وهكذا تتناثر جميع مخططاتنا النظرية المبنية على الحق المدني وعلى حق الشعوب في تقرير مصيرها وعلى الحق العالمي،كأضغاث احلام اما الممارسه العملية المبنية على المباديء المستمده من اختبار الطبع البشري وملاحظة توجهاته،هذه الخبره التي لاتستهين بالعبره المقتبسه من حركة الواقع في العالم ،بل تستعير منها ماترسي عليه مبادئها فهي وحدها التي تستطيع ان تأمل الفوز بأساس متين تقيم عليه فطنتها السياسية.

يستمر "كانط"في فكرة التناظر بين الافراد والامم لينتهي الى ان يقرر للأمم"الدول"ماقرر للأفراد من تجمع على هيئة دولة او امه لوجود حالة الطبيعة بين الشعوب وكذلك حالى الطبيعة بين الافراد وبالتالي الدخول في حالة مدنية والانضواء تحت قوانيين سياسية كونية الا ان هذه القوانيين لن تكون لها قيمة نهائية الا في اتحاد كلي بين الدول اي يناظر الاتحاد الذي يصير به الشعب دولة هذا الاتحاد الكلي يؤدي في النهاية الى تكوين عصبة الامم.

ان الايمان بالتقدم سواءاَ من الناحية التاريخية الكونية الافضل والارقى او من ناحية انتصار المثل الاخلاقية وقوى الخير في العالم لاينتج الا من ظهور شرعي لفكرة الحق لقد شهد المجتمع حدث مهم من هذا النوع وهو الثورة الفرنسية في العام 1789م الا ان "كانط"يدين تطرفها رغم انها حسب اعتقاده ايقظت في روح الشعب حماساَ نقياَ وتفاؤل بقرب سيادة القانون وسعادة البشر وبالنتيجة استئصال الزعه العسكرية ونزع السلاح وايقاف الحروب هذه الاخيره التي تعد اكبر مانع امام التقدم الخلقي ،واذا كانت الحرب هي النتيجة الطبيعية للتعصب والقهر والسيطره فان هدف "كانط"هو اخذ الانسانية الى غايتها الكونية وهي تحقيق سلام كوني ابدي وهو سلام بمثابة ثمرة للنهج القانوني وانتقال تدريجي من الحالة الطبيعية الى الحالة القانونية على صعيد الدوله الداخلي اولاَ ثم على صعيد العلاقات بين الدول ،ان السلام فيما يقول "كانط""الذي ينبغي ان يعقب مايسمى خطأ حتى الان بمعاهدات الصلح ليس فكره جوفاء انما هو مهمه تتحقق تدريجياَ وتقترب من غايتها بخطى واثقة مستمرة،والحقيقة ان مايجعل "كانط"يؤسس للسلام الكوني الابدي هو تقدم التاريخ نحو الافضل ولكن ليس كباقي الفلاسفة الذين ينظرون اليه كحتمية وانما لن "كانط"يربط هذا التقدم التاريخي بالتقدم الاخلاقي.

ان "كانط" لم يحسم هذه المسأله ضمن مقال عام 1796م الا اننا نجد الاجابة عن من يكون مسؤولاَ على السلام الكوني في احد هوامش كتاب "نزاع الكليات"في عام 1798م في تعليقاته على يوطوبيات القلاسفة لقد تم اخراج "اطلنطا افلاطونPlato Atlantis " و"يوطوبيا مورUtopia More " و"اقيانوس هارينغتون"و"سفير انبيا آلاس"اخراجاَ مسرحياَ لكن لم يحدث ابداَ القيام بمحاولات تحقيقها ذلك ان املنا وتفكيرنا في ظهور كيان سياسي فاضل مهما كان الامر متاخراَ مثلما نفكر بذلك هو حلم لذيذ ومع ذلك ان نقترب من ذلك اكثر فأكثر ليس فقط امراَ قابلاَ للتفكير من جهة ان ذلك يتطابق مع القانون الاخلاقي وانما هو واجب لكنه لايخص المواطنين فقط بل يخص قادة الدول "كانط"يحدد للفلاسفة مالهم وللساسة ماعليهم حيث نرى ان "كانط"لاينساق مع افلاطون في دعوة هذا الخير الى ان يكون الفلاسفة حكاماَ او الحكام فلاسفة وكل مايطلبه من الحكام الا يكتموا اصوات الفلاسفة بل يتركونهم يبدون ارائهم بحرية خصوصاَ وانه لاخطر على الحكام من الفلاسفة لانهم لايؤلفون احزاباَ ولا جمعيات ولانوادي سياسية ،فأن للفلاسفة حق التفكير في السلام الكوني وعلى قادة الدول واجب العمل على الاقتراب منه اكثر فأكثر ،لكن السؤال الذي يمكن طرحه في هذا الخصوص هو ماهي الاليات التي تمكننا من تحقيق سلام كوني ابدي او على الاقل التمهيد له؟ان ميثاق السلام العالمي لايؤلف جزءاَ من نظرية الحق فقط بل هو الغاية النهائية باسرها النظرية الحق ذلك ان حالة السلام هي الحالة الوحيدة التي فيها ماهو لي وماهو لك اي حالة قانونية يسودها سلام ونظام وهذا الاخير لايمكن ان يستمد من تجربة اولئك الذين رضوا به حتى ذلك الحين كمعيار لسائر الناس بل يجب ان يستنبط قبليا بواسطة العقل من المثل الاعلى لتجمع قانوني للناستحت قوانيين عامة.

والحقيقة ان كل الامثلة لاتستطيع الا ان توضح لا ان تثبت ولئن كان من المستحيل للوهله الاولى تحقيق فكرة السلام الكوني فانه من الممكن الوصول اليها باصلاح غير مشعور به يتم تبعاَ لمباديء راسخه تقودنا دائماَ الى هذا الحيز الاسمى في ميدان السياسة ونعني به السلام الدائم بين جميع الدول والشعوب في هذا العالم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل