المحتوى الرئيسى

محمد الوشيحي يكتب: الشحات زيكو

09/04 19:32

ثلاث مراحل مرت بها مشاعري منذ أزال أحمد الشحات عَلَم الورم الحميد، إسرائيل، واستبدله بعلم مصر. بغض النظر إن كان هو من أزاله أم هو الدوبلير بتاعه.. المرحلة الأولى فرحت ومرحت وابتهجت وارتهجت (والله لا أعرف ماذا تعني "ارتهجت" ولكنني اتزنقت فعشّقتها فتعشّقَت)، المرحلة الثانية شعرت أنني وقعت في الحفرة التي لطالما حذرت الآخرين منها، حفرة الإنجذاب للشكليات والتفاهات، أما المرحلة الثالثة فجاءت بعد تفكر وتدبر، وهذا شرحها..

"حركة الشحات" تسمى في علم كرة القدم استعراضاً كروياً برازيلياً، فهو استقبل الكرة على صدره ثم داعبها برأسه وراقصها بكعبه، وهي حركات تُلهب مشاعر الجماهير لكنها لا تُحتسب من ضمن الأهداف، ولا تمنح فريقه، وحدها، النقاط الثلاث، فالكورة أجوان، كما يقول لطيف. وارجعوا بالذاكرة إلى منتخب البرازيل في كأس العالم 1982، وتذكروا استعراضات زيكو وسوكراتس وفالكاو وإيدير وبقية الفنانين البرازيليين، ورغم ذا عادوا إلى ديارهم ودموعهم تغرق وديان "ريو دي جانيرو".  

لكن تعال معي نشاهد لقطة الشحات من الكاميرا الجانبية، لنكتشف أن الفريق الضعيف لا يمكن أن يستعرض أمام الفريق القوي، فمثلاً، لا يمكن أن يستعرض نادي الفحيحيل الكويتي أمام نادي مانشستر يونايتد وإلا أكلته السباع ومضغته الضباع، ولا يمكن أن يستعرض ملاكم من الوزن الخفيف أمام المتوحش تايسون وإلا دهسه القطار وغيّر إحداثيات وجهه.

إذن هي قاعدة "لا يمكن أن يستعرض الضعيف أمام القوي"، ثم إنها إذا لم ترهب العدو، فإنها تبث الثقة بنفس الصديق، وترفع روحه المعنوية. وهي فكرة ضاربة في القِدَم، واسألوا الأستاذ عامر بن الطفيل فارس صعصعة الذي يستعرض بسيفه قبل كل معركة، فيلجأ خصومه إلى أطباء الباطنية لعلاج الإسهال.

هذا من ناحية، ومن الناحية الثانية أنا أحلف بكل رصيدي من الأيمان، أن علماء النفس الإسرائيليين عكفوا على دراسة وبحث النفسية المصرية بعد "حركة الشحات" والتجمهر الذي تم أمام سفارتهم في مصر، وسيصلون إلى نتيجة مفادها "العاطفة المصرية متحفزة ضدنا".

ومن الناحية الثالثة أجزم أن أحداً من قياديي مصر في المستقبل، رئيساً كان أو نائباً أو عضو برلمان، بل وحتى التيارات السياسية، أجزم أن أحداً منهم لن يبتسم في وجه إسرائيل ولن يتواصل معها إلا بموبايل سري، كما يفعل العاشق المتزوج، خوفاً من ردة فعل المصريين، بعد أن رأى مقدار فرحتهم بإزالة عَلَم الورم.

وهذا كله لا يعني أن على مصر أن تذيع في نشرة أخبارها بعد أن رأت الفرحة تغمر البلد: "أيها الشعب هوبّا حرب"، فالقصة ليست خناقة في حارة، ومصر ليست "بوحة الصبّاح" وإسرائيل ليست "ولاد أبو اسماعين" اللي حتى ما سمعناش عنهم في طبق اليوم، على رأي بوحة. وحروب الدول ليست"لعب وليدات" كما يقول السودانيون.

وأظن أن على مصر قبل أن تفكر في خوض الحروب أن تمنع ضوضاء السيارات في الشارع، وأن تتعامل بحزم وحسم مع سائق التاكسي الذي يقسم لكل راكب أنه يعيل سبعة أولاد، فيسيء لبقية السواقين وللبلد كاملاً من الجلدة إلى الجلدة، وأن تقطع أذن كل مسؤول اعتدى على المال العام، وتعلّقه مقلوباً على برج القاهرة، ووو، ثم بعد ذلك تلتفت للدور الديبلوماسي الخارجي فتتعلم كيف يتم اللعب والتنسيق داخل هيئة الأمم المتحدة، ثم ثم ثم، وأجزم أنها ستصبح وقتذاك "الشاب الأسمر المهيوب" على رأي سميرة توفيق، ولن تحتاج إلى خوض حرب لا ضد إسرائيل ولا حتى ضد التتار.

ولا أظن أن إسرائيل تتمنى شيئاً كما تتمنى سيطرة الإسلاميين على مقاليد الحكم في مصر، أو نجاح صاحب السمو الملكي عمرو بن موسى، وذلك أضعف الإيمان.

وستبكي مصر دماً أحمر على حكم مبارك وحكومة نظيف إذا ما دانت السيطرة للمتدينين، وستدخل حروباً أهلية يشيب لهولها الغراب والذباب، وسيبطش رجال الدين بالناس، مستندين إلى تفسيرهم الخاطئ لمعنى وجوب طاعة ولي الأمر "اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك"، وبالتأكيد سيهتمون بقشور الدين ويتركون لبّه، وسيحرصون على إغلاق المحلات وقت الصلوات، ولن يحرصوا على أغلاق خزائن الدولة أمام شهواتهم، وسيمنعون قيادة المرأة السيارة، لكنهم لن يمنعوا بطش رجالهم بالناس والاستيلاء على أموالهم، وسينتشر علاج البصق والنفث، وتختفي أبحاث الطب، وستتضاءل الثقافة إلى أن تتلاشى كدخان سيجارة، وسينصبّ تفكير ولاة الأمر حينذاك على مسألة تهم كل راكع وساجد "هل نهدم أبا الهول أم نتركه لعنه الله؟".

وسيفعلون ما فعله بنو عثمان في العربان، ومن يخالف ومن يعارض فهو إمعة تغريبي، كما يصفني متشددو جزيرة العرب، وإنا والله لا أتبع الغرب، بل الاتجاه المخالف، أي الشرق، تحديداً اليابان حفظها الله، التي استقال رئيس وزرائها بملء إرادته قبل أيام. وإذا كان ولا بد من تصنيفي إمعة فأنا إمعة تشريقي فل أوبشن، ونصف إمعة أوروبي، ولا رصيد لي من الإمعية الأمريكية إلا في السينما.. والله على ما أقول شهيد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل