المحتوى الرئيسى

دعوة لصلاة الاستسقاء في الصومال

08/26 00:45

بقلم: أ. د. عبد الرحمن البر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه.

وبعد فإن ما نزل بإخواننا في الصومال من مجاعة لَحَرِيٌّ بكل مسلم بل بكل إنسان له ضمير حي وإحساس إنساني بأن يخف لنجدتهم، ويجتهد في إغاثتهم، وتفريج كربتهم، وإنه لمن الواجب علينا أن نثمِن عاليًا الدور الذي تقوم به هيئات الإغاثة والجمعيات الخيرية في مختلف أنحاء عالمنا العربي والإسلامي، وندعو عموم المسلمين، بل عموم الناس أجمعين إلى التعاون في هذا الميدان، كما ندعو إلى تخصيص جانب من زكوات الأموال وزكاة الفطر لهذا الغرض الإنساني النبيل، كما ندعو عموم المسلمين للدعاء في قنوتهم وصلواتهم لإنقاذ إخواننا في الصومال، وأن ينزل الله عليهم الغوث، ويُدِرَّ لهم الضرع، وينبتَ لهم الزرع، وينزل عليهم من بركات السماء، ويخرج لهم من بركات الأرض.

 

دعوة الصوماليين لصلاة الاستسقاء

ثم نذكِّر إخواننا الصوماليين بسنة صلاة الاستسقاء، وفي السطور التالية أذكر مشروعية صلاة الاستسقاء وكيفيتها وآدابها باختصار، وأدعو إخواني من أهل العلم هناك للدعوة إلى إحياء هذه السنة الكريمة في بلادهم، عسى الله أن يرفع عنهم البلاء:

 

صلاة الاستسقاء سنة مشروعة، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات وحض عليها، وأجمع العلماء على أن الخروج للاستسقاء والبروز عن المصر والقرية إلى الله عز وجل بالدعاء والضراعة في نزول الغيث عند احتياجه سنَّة مسنونة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعملها الخلفاء بعده.

 

صور الاستسقاء

لطلب السقيا ثلاث صور، هي صلاة الاستسقاء، والاستسقاء في خطبة الجمعة، والدعاء.
أما صلاة الاستسقاء فيدعو الإمام عموم الناس للخروج إلى المصلى، وينادي في الناس: "الصلاة جامعة"، ويصلي الإمام بالناس الركعتين، ويجهر فيهما مثل صَلَاةِ العِيدَيْنِ، ويستحب أن يُكَبِّرُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى سَبْعًا، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا، ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة الأعلى، وفي الثانية سورة الغاشية، ويستحب أن يكون ذلك في وقت صلاة العيد، وتجوز الصلاة في أي وقت ما عدا أوقات الكراهة، ثم يقوم خطيبًا فيهم، يخطب خطبة واحدة، فإن خطب خطبتين وجلس بينهما فلا بأس، ثم يحوِّل رداءه أو يقلب ثوبه فيجعل الذي على يمينه على شماله والذي على شماله على يمينه، ويحوِّل الرجال دون النساء أرديتهم أو يقلبون أثوابهم، ثم يدعو قائمًا مستقبلاً القبلة وظهره للناس، ويؤمنون وراءه وهم قعود، فقد أخرج ابن ماجه بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ، ثُمَّ خَطَبَنَا، وَدَعَا اللَّهَ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ، ثُمَّ قَلَبَ رِدَاءَهُ فَجَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ".

 

فإن خطب ودعا قبل الصلاة فلا بأس، فقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أيضًا، فقد أخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْد رضي الله عنه قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، قَالَ: فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ".

 

ويمكن أن تكون الخطبة على منبر أو على غير منبر، فقد أخرج الشيخان عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعي قال: "خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الأَنْصَارِيُّ وَخَرَجَ مَعَهُ البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَاسْتَسْقَى، فَقَامَ بِهِمْ عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ، فَاسْتَغْفَرَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ بِالقِرَاءَةِ، وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَلَمْ يُقِمْ" قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الأَنْصَارِيُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

 

وتكون الخطبة تذكيرًا للناس وحثًّا لهم على التوبة والتضرع إلى الله، فقد أخرج أبو داود بسند حسن وصححه ابن حبان والحاكم عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ، فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ صلى الله عليه وسلم، وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ"، ثُمَّ قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ"، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ، أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكِنِّ ضَحِكَ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ: "أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ".

 

ويمكن أن تكون الخطبة دعاء لا غير، فقد أخرج أصحاب السنن، وقال الترمذي: "حَسَنٌ صَحِيحٌ" عن إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ- وَكَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ- إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَسْأَلُهُ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الِاسْتِسْقَاءِ، فَقَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا، مُتَضَرِّعًا، حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَرَقَى عَلَى الْمِنْبَرِ، وَلَمْ يَخْطُبْ خُطَبَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ، وَالتَّضَرُّعِ، وَالتَّكْبِيرِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ".

 

ويمكن أن تكون الخطبة استغفارًا ودعوة للاستغفار لا غير، فقد أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (12)﴾ (نوح)، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ (هود: من الآية 52)، ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ اسْتَسْقَيْتَ، فَقَالَ: "لَقَدْ طَلَبْتُهُ بِمَجَادِيحِ– وفي رواية: بِمَفَاتِيحِ- السَّمَاءِ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْمَطَرُ".

 

ومن صور الاستسقاء: الدعاء في خطبة الجمعة، فقد أخرج الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ (أي: شدة وجهد وقحط) عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ المَالُ وَجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً (أي: قطعة غيم)، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ (أي: هاج وانتشر) أَمْثَالَ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ (أي: ينزل ويقطر)عَلَى لِحْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الغَدِ وَبَعْدَ الغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ، حَتَّى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ- أَوْ قَالَ: غَيْرُهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ البِنَاءُ وَغَرِقَ المَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا" فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلاَّ انْفَرَجَتْ، وَصَارَتِ المَدِينَةُ مِثْلَ الجَوْبَةِ (أي: الفرجة المستديرة في السحاب)، وَسَالَ الوَادِي قَنَاة شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجَوْدِ (أي: المطر الغزير).

 

ولهذا فإن على إخواننا من أهل العلم في الصومال أن يكثروا من الدعاء بالاستسقاء في خطب الجمعة، حتى يأتيهم فرج قريب من الله، كما أدعو عموم خطباء المسلمين إلى الدعاء لإخوانهم المسلمين في الصومال في خطب الجمعة؛ حتى يفرج الله كربهم.

 

ومن صور الاستسقاء: الدعاء من غير صلاة الاستسقاء، فقد أخرج ابن ماجه بسند صحيح عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ، أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبٍ: يَا كَعْبُ بْنَ مُرَّةَ، حَدِّثْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحْذَرْ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَسْقِ اللَّهَ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مَرِيئًا (أي: محمود العاقبة) مَرِيعًا (أي: زائدًا) طَبَقًا (أي: عامًّا يملأ الأرض) عَاجِلاً غَيْرَ رَائِثٍ (أي: غير بطيء ولا متأخر)، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ"، قَالَ: فَمَا جَمَّعُوا حَتَّى أُحْيُوا، قَالَ: فَأَتَوْهُ فَشَكَوْا إِلَيْهِ الْمَطَرَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا" قَالَ: فَجَعَلَ السَّحَابُ يَنْقَطِعُ يَمِينًا وَشِمَالاً.

 

وإني لأدعو إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ألا يغفلوا عن الدعاء لإخوانهم الصوماليين في قنوتهم وصلواتهم، كيف وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين حين اشتد بهم القحط، ففرج الله عنهم وأنزل عليهم المطر، فقد أخرج البخاري عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنِ الإِسْلاَمِ، فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلُوا المَيْتَةَ وَالعِظَامَ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ، فَقَرَأَ: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)﴾ (الدخان) ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ (16)﴾ (الدخان) يَوْمَ بَدْرٍ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسُقُوا الغَيْثَ، فَأَطْبَقَتْ (أي: دامت واستمرت) عَلَيْهِمْ سَبْعًا، وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ المَطَرِ، قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا" فَانْحَدَرَتِ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ، فَسُقُوا النَّاسَ حَوْلَهُمْ.

 

آداب الاستسقاء

- يستحب الخروج بالصالحين والتماس دعائهم، فهو مظنة القبول، فقد أخرج البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه، كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا"، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ.

 

وقد بين الزبير بن بكار في الأنساب صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: "اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بَلاءٌ إِلا بِذَنْبٍ، وَلَمْ يُكْشَفْ إِلا بِتَوْبَةٍ، وَقَدْ تَوَجَّهَ الْقَوْمُ بِي إِلَيْكَ لِمَكَانِي مِنْ نَبِيِّكَ، وَهَذِه أَيْدِينَا إِلَيْكَ بِالذُّنُوبِ، وَنَوَاصِينَا إِلَيْكَ بِالتَّوْبَةِ، فَاسْقِنَا الْغَيْثَ". فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس.

 

- ويستحب أن يخرج الإمام والناس متواضعين متخشعين متذللين لرب العالمين، فقد أخرج أبو داود بسند حسن والترمذي– وقال: حسن صحيح- عن إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ- وَكَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ- إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَسْأَلُهُ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الاسْتِسْقَاءِ، فَقَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَبَذِّلاً مُتَوَاضِعًا، مُتَضَرِّعًا، حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَرَقَى عَلَى الْمِنْبَرِ، وَلَمْ يَخْطُبْ خُطَبَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ، وَالتَّضَرُّعِ، وَالتَّكْبِيرِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ".

 

- ويستحب أن يرفع الإمام يديه في الدعاء وأن يرفع المأمومون أيديهم كذلك، فقد أخرج البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ البَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ المَاشِيَةُ، هَلَكَ العِيَالُ هَلَكَ النَّاسُ، "فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ"، قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنَ المَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الجُمُعَةُ الأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَشِقَ المُسَافِرُ (أي: تأخر المسافر؛ لضعفه عن السفر وعجزه عنه بسبب كثرة المطر فاشتد عليه الضرر) وَمُنِعَ الطَّرِيق. (أي: حبس عن السير فيه).

 

ويبالغ في رفع اليدين، فقد أخرج الشيخان عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلا فِي الاسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ". وَقَالَ أَبُو مُوسَى: "دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ".

 

- ويجوز أن يشير بظهر كفيه إلى السماء ويجعل باطنهما إلى الأرض، فقد أخرج مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْقَى، فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ". وفي رواية أبي داود بسند صحيح عَنْ أَنَسٍ، "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْتَسْقِي هَكَذَا- يَعْنِي- وَمَدَّ يَدَيْهِ، وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ، حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ".

 

- ويدعو الإمام الناس إلى التوبة، وهنا أدعو إخواني من أهل العلم في الصومال إلى التأكيد على نبذ الفرقة وترك التقاتل بين الفصائل المختلفة، وحقن الدماء، والسعي للإصلاح بين الفرقاء، والتنبه إلى مؤامرات الأعداء الذين يمدون الفرقاء بالسلاح ويضنون عليهم بالغذاء! ولا سبيل لاستجلاب رحمة الله إلا بالتوبة من المعاصي، والخروج من المظالم، والصيام والصدقة، وترك التشاحن؛ ليكون أقرب لإجابة الدعاء، فإن المعاصي سبب الجدب، والطاعة تكون سببًا للبركات، قال الله تعالى : ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾ (الأعراف).

 

- ويستحب التعرض للمطر حين ينزل حتى يمس الجسد التماسًا للبركة، فقد أخرج مسلم عن أَنَسٍ رضي الله عنه قال: أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ، قَالَ: فَحَسَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبَهُ، حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: "لأنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى".

 

ما يدعو به في الاستسقاء

- يكثر الإمام والناس من الاستغفار، فهو سبب المطر والقطر، قال تعالى ﴿وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ (هود: من الآية 3)، وقال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)﴾ (هود)، وقال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (12)﴾ (نوح).

 

- يدعو بإنزال الغيث وبالسقيا، ففي حديث أنس عند الشيخين: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا، اللهُمَّ أَغِثْنَا". وفي رواية: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا".

 

وأخرج أبو داود بسند صحيح عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَوَاكِي، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ"، قَالَ: فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ.

 

وأخرج أبو داود بسند حسن من حديث عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل