المحتوى الرئيسى

من القيم الإسلامية العليا في رمضان.. استشراف منزلة التقوى

08/21 00:24

بقلم الشيخ: محمد عبد الله الخطيب

 

أيها المسلمون.. إن أمر التقوى أمرٌ خطيرٌ وجليلٌ وعظيمٌ، فهو في المرتبة الثالثة في سلم الارتقاء الذي يبدأ بالإسلام، ثم ينابيع الإيمان، ثم مرتبة التقوى، ثم تأتي المرحلة الرابعة وهي الإحسان.

 

وكل هذه المراتب إنما تُنال ويرتقي إليها المسلم بمجاهدة النفس، والإقبال على الطاعات بشوق، وحب الخالق جلَّ وعلا سبحانه، الذي وهب وأعطى وتفضل ومَنَّ علينا ورزقنا، ومنحنا من فضله، وهدانا إلى الصراط المستقيم فقال: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)) (الأنعام).

 

وذكرنا بما كُنَّا عليه من قبل، فقال جلَّ شأنه: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (1) إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3)) (الإنسان).

 

وطريق الشكر معروفة، وطريق الوصول معروفة، لم يعهد الحق تبارك وتعالى إلى مخلوق ليبينه، ولكنه سبحانه تفضل ليبينه بنفسه، ووضحه في كتابه، ثم اختار أشرف الخلق ليتولى بيانه لنا، فقام المعصوم ثلاثة وعشرين عامًا لم يعرف الراحة، ولم يألف النوم، تدعوه السيدة خديجة رضي الله عنها للراحة فيقول: "مضى عهد النوم يا خديجة"، فقام ومعه الصحابة- وهم خير وأطهر جيل مشى على الأرض بعد أنبياء الله ورسله الله عنهم وأرضاهم- وهم الذين قاموا بحفظه، وصيانته بالأرواح والأموال وبكل عزيز غالٍ، فأوصلوه إلى من بعدهم، ومن جاءوا من بعدهم من التابعين الذين صنعهم الله ورباهم وطهرهم بحفظه أيضًا كاملاً.

 

وهكذا توالت الأجيال جيلاً بعد جيل، ما عرف عنهم إلا الصدق والطهر والإيمان والأخلاق، حتى قال الله فيهم جميعًا (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39)) (الأحزاب)، فوصل إلينا وإلى أهل الأرض جميعًا كاملاً كما نزل من عند الله، وكما بلغه جبريل عليه السلام لسيد الخلق، فقال تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا (1) قَيِّماً لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3)) (الكهف).

 

يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في أمر التقوى- بتصرف يسير- "إنها ركيزتان تقوم عليهما الأمة المسلمة، وتؤدي بها دورها الشاق العظيم، التقوى والأخوة، فإذا انهارت واحدة منهما لم تكن الأمة لتصل إلى مستواها المطلوب، وبالتالي لم يكن لها دور تؤديه".

 

ركيزة الإيمان والتقوى أولاً، التقوى التي تبلغ أن يوفي بحق الله الجليل، التقوى الدائمة اليقظة التي لا تغفل ولا تفتر لحظة من العمل حتى يبلغ الكتاب أجله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) (آل عمران: من الآية 102)، اتقوا الله كما يحق له أن يُتقى، وهي هكذا بدون تحديد، تدع القلب مجتهدًا في بلوغها، كما يتصورها ويطيقها، وكلما أوغل القلب في هذا الطريق تكشفت لهُ آفاقه، وجدَّت له أشواقه، وكلما اقترب بتقواه من الله يتعظ شوقه إلى مقام أرفع وأبلغ مما بلغ، وإلى مرتبة وراء ما ارتقى وتطلع إلى المقام الذي يستيقظ فيه قلبه فلا ينام (وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)) (آل عمران).

 

ويقول أيضًا: "فأما الركيزة الثانية فهي ركيزة الأخوة في الله على منهج الله لتحقيق منهج الله، فهي أخوة إذن تنبثق من التقوى والإسلام، من الركيزة الأولى، أساسها الاعتصام بحبل الله- أي عهده- وليست مجرد تجمع على أي تصور آخر، ولا على أي هدف آخر.

 

وليس هذا الصوم، هو هذا الألم البدني، لأن الله- عز وجل- حين قال لنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)) (البقرة) لم يقل لعلكم تتألمون، أو تصحون، أو تقتصدون، وإنما قال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فجعل الصوم اختبارًا روحيًّا، وتجربة جهاد النفس أراد منه أن يكون الوسيلة إلى الوصول إلى منزلة التقوى، أو ينال صفات المتقين، أو الأداة في اكتساب المسلم ملكة التقوى).

 

إن فريضة الصيام واجب مكتوب منذ بدأت رسالات الله على الأرض، قال الله- تعالى- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)) (البقرة)، وقد فرض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة قبيل فرض الجهاد، ولذلك فالصوم كما يبدو واضحًا ليس ظرفًا للراحة كما يظن البعض، إن الصوم عنصر ضبط النفس وجهادها، وبعدها تقوى على مواجهة الباطل، والتغلب على المنكرات، إنه شهر رمضان، الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، دستور هذه الأمة، وكتابها الخالد، الذي أنشأها هذه النشأة، وهداها للتي هي أقوم، وبدلها من خوفها أمنًا، ومكن لها في الأرض، ووهبها مقوماتها التي صارت أمة ذات رسالة ومنهج، هذه الأمة قبل هذا القرآن لم تكن شيئًا، وهي بدونه تفقد مقوماتها، وصدق الله العظيم إذ يقول: (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10)) (الأنبياء).

 

وواضح منن الله وفضله في هذا الذي يبدو شاقًّا على الأبدان والنفوس، وتتجلى الغاية التربوية منه، والإعداد من ورائه للدور العظيم الذي أخرجت هذه الأمة لتؤديه، أداء تحرسه التقوى، ورقابة الله، ويقظة الضمير، فالصيام الحق يكفل لنا التخلص من شرور النفوس، وأمراض القلوب، وهذا يضعنا على رأس طريقنا إلى الكمال المقدور، ولا بد للمؤمن وهو يسير في هذا الطريق من الحذر، ودقة المراقبة قال الله- تعالى- لسيد الدعاة- صلى الله عليه وسلم-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ (113)) (هود).

 

إن رقابة النفس في جميع أحوالها هي التقوى، فالتقوى عمل قلبي، وجهد إرادي كله حذر وخوف، والتقوى هي الهدف الحقيقي الذي إن أصبناه جاءت من ورائه كل الثمرات الطيبة، يقول أبو سليمان الداراني "المتقون هم الذين نزع الله عن قلوبهم حب الشهوات"، ولقد أشار النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى صدره الشريف وقال: "التقوى هاهنا.. التقوى هاهنا".

 

فإذا نزع قناع الشهوات عن المؤمن قوي إيمانه وصار عمله لله، وقوله لله، وكل أمره لله، ولقد سأل عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أبي بن كعب، رضي الله عنه عن التقوى فأجابه: هل سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال عمر: نعم، قال: فما عملت فيه؟ قال عمر: تشمرت فحذرت، قال أبي، فذلك التقوى".

 

إن أهمية التقوى التي هي الغاية والهدف من الصيام، هي وصية الله- عز وجل- لكل أمة بعث لها رسول.. قال الله- تعالى- (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) (النساء: من الآية 131).

 

فهي هدف عام بعث من أجله الرسل، يتوقف خبر الدنيا والآخرة عليه، إن التقوى إذا وجدت في قلب بشر لم يحتج بعدها إلى رقيب أو حسيب، فتقواه تقوم حاجزًا له عن كل شر، واقفة له لكل خير.

 

إنها خير زاد يتزود به المؤمن في هذه الدنيا، فقال سبحانه (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة: من الآية 197) وحصر أولياءه في هذا الصنف الكريم (إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ) (الأنفال: من الآية 34) ولا يقبل الله عملاً إلا من الأتقياء (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (27)) (المائدة)، وكل أساس على غير التقوى ينهار بصاحبه (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) (التوبة: من الآية 109) ودستور الله الخالد، والمنهج الذي يهدي للتي هي أقوم، لا يهتدي بهديه، إلا الأتقياء، الأبرار (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)) (الحاقة) (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)) (آل عمران) (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) (البقرة).

 

والفرقان والنور الذي يعرف به الإنسان الحق، فلا تلتبس عليه الأمور، ويتميز أمامه الباطل فلا يخدع به، وهو التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) (الأنفال: من الآية 29).

 

والتقوى ملكة، ينبع عنها أخلاق وسلوك، والله عز وجل يطلبها منا، بقوله صلوات الله وسلامه عليه "والتقوى هاهنا.. التقوى هاهنا"، وأشار إلى صدره بالحديث بتمامه رواه أحمد ومسلم والنسائي، وابن ماجه عن أبي هريرة".

 

وفي الحديث "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" جزء من حديث رواه البخاري ومسلم عن أبي عبد الله النعمان بن بشير.

 

طريق الوصول إلى هذه المنزلة:

1- مصاحبة الأخيار والأتقياء، الذين تذكرك بالله رؤيتهم.

 

2- تلاوة كتاب الله عز وجل مع التدبر والاعتبار، مع الإيمان واليقين فإذا سلم القلب وبرئ من الأمراض تحققت التقوى، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113)) (طه)، ولهذا كان الورد اليومي للمسلم هو المنبع الأول لزيادة الإيمان وتحصيل التقوى.

 

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فأبكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، وتغنوا به فمن لم يتغن بالقرآن فليس منا" رواه ابن ماجه، والمراد بالتغني هنا: إظهار الخشوع، وإجادة القراءة، وهذا من آداب التلاوة.

 

وجاء في حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله" رواه ابن ماجه.

 

3- التقوى منحة من الله، يعطيها الحق تبارك وتعالى لمن أفلح في مجاهدة النفس، وتحليل الحلال، وتحريم الحرام، والوقوف عند حدود الله، والخوف منه، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)) (العنكبوت).

 

وتبدأ هذه الهداية من الإيمان لله قال تعالى (َمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)(التغابن: من الآية11) ثم الذكر مع الفكر، ولا بد من الجمع بينهما، قال الله تعالى في صفات المؤمنين (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)) (آل عمران).

 

إن الذي لا يجمع بين طاعة الله وذكره، والتفكر والتأمل، بعيد عن هذه الحقائق الكبرى، ولذلك شبه الرسول صلى الله عليه وسلم الغافل عن الله بالميت فقال: "مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت" رواه البخاري عن أبي موسى الأشعري.

 

ومن أقبل على الله وسار في الطريق، أعطاه الله وهداه، ويسر له كل عسر، ورزقه التقوى، قال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17)) (محمد).

 

4- اشتغال النفس دائمًا بهذا الحق، وبتكاليف الدعوة إلى الله، ومعايشة من ساروا في هذا الدرب من الأبرار، هو الذي يظهر الإنسان من الأوزار، فإن النفس إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر، وقد حدد سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه في الحديث القدسي هذا الأمر فقال: "وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي حتى أحبه" رواه البخاري عن أبي هريرة.

 

إن طبيعة النفس البشرية، أنها تألف الراحة، وتميل إليها، وتحب المتعة والشهوة، وهذه المعاني تتعارض مع التكاليف، ولذلك كانت الجنة عن بذل الجهد وقهر النفس وتغلب على الأهواء، ولذلك جاء في الحديث الصحيح "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" متفق عليه.

 

وجاء في الحديث أيضًا "والمجاهد من جاهد نفسه وهواه في ذات الله" رواه الترمذي وابن ماجه.

 

فأداء الفرائض أولاً: من صلاة وصيام، وزكاة، وحج، وجهاد، وصلة رحم، والصبر وذكر الله، وترك الحرام، ثم أداء النوافل، والاشتغال بأحوال المسلمين، والاهتمام بشئونهم ودعوتهم إلى طاعة الله، والرجوع إليه، وعلمهم أمور دينهم، كل هذه الفرائض وغيرها من أهم طرق الوصول إلى التقوى، بل مما يرسخ التقوى، فيصبح العمل عادة، والسلوك السليم طبيعة، والقيام بواجبات هذا الحق، خلقًا وطبعًا، يقوم بها المسلم بدون تكلفة وبإخلاص، ولا غرور، وعجب ورياء.

 

5- الصيام طريق من طرق الوصول إلى التقوى، لأن التقوى طريق الجنة، والجنة حفت بالمكاره، والصيام هو رمز السيطرة على الشهوات.

 

إن أشد شهوات الإنسان، شهوة البطن والفرج، فإذا ما سيطر الإنسان عليهما سهل عليه بعد أن يسيطر على شهوات نفسه كلها، والصوم هو أداة السيطرة على هاتين الشهوتين، فالصوم مدرسة كفاح الشهوات.

 

ولذلك كان في ميزان الله، نصف الصبر، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الصوم نصف الصبر" والصبر في ميزان الإسلام نصف الإيمان كما جاء في الحديث "الصبر نصف الإيمان"، والهدف هو التقوى، فمن لم تظهر عليه ثمرة الصيام، لم يحقق الحكمة منه "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش".

 

الصلاة عبادة، والزكاة عبادة، والصوم عبادة، والحج عبادة، والجهاد بأنواعه عبادة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة، والكسب الحلال للإنفاق على النفس والأولاد والمحتاجين عبادة، والزواج عبادة، وتعليم الأولاد عبادة، ورعاية الجار وصلة الأرحام عبادة، ورعاية حقوق الوالدان عبادة، والتخصص في علم ينفع به المسلمين عبادة".

 

إن الذي يسير في طريق التقوى، ويريد أن يحظى بهذه الدرجة، عليه أن يقوم بهذه الواجبات ويؤدي هذه الفرائض، ويكثر من النوافل، وعليه أن يحاسب نفسه حسابًا متواصلاً (كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)) (الإسراء).

 

وعليه أن يعرف قبل ذلك كله: أن الله جل جلاله يحب ويبغض ويكره، ويمد وينتقم، ويحرم ويعاقب، وصدق الله العظيم إذ يقول: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ (50)) (الحجر).

 

إن الصوم عند البعض ينتهي بانتهاء اليوم بغروب الشمس، فيعود الصائم إلى وضعه في الحياة بفرحته عند فطره، أما صوم المتقين الأبرار، فلا نهاية له، ولا ينتهي بغروب، ولا يبدأ بشروق، ولا تعد معه الساعات، ولا تحدد فيه الأوقات.

 

قيل للأحنف بن قيس "إنك شيخ كبير، وإن الصيام يضعفك فقال: "إني أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذابه".

 

أوصى الحسن البصري رحمه الله تلاميذه فقال: "إني مزودكم ثلاث كلمات، ثم قوموا عني ودعوني، ولما توجهت له:

 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل