المحتوى الرئيسى

فلسطين والدولة الفلسطينية إلى أين ؟! بقلم:محمد ناصر

08/14 21:33

فلسطين والدولة الفلسطينية إلى أين ؟!

وفقا للأوضاع الجديدة التي تدور في منطقتنا والحراك الفلسطيني من أجل إستحقاق ما يسمى أيلول ، نجد من الضرورة للعودة والتذكير ، لمعادلة التوازنات الدولية ، التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية.

ويمكن بسهولة تامة ...

إدراك معطيات هذه المرحلة ، التي تتميز بالاندفاع المتزايد، الغير محدود ، من قبل أمريكا في تأييد ( الصهيونية العالمية) ، حيث دعتها بذلك أسباب عديدة :

أولها: مصالح الولايات المتحدة في المنطقة .

ثانيها : اصوات الناخبين اليهود .

ويذكر (وليم ايري) في كتابه ( أصدقاء أمريكا في الشرق الأوسط) ، بأن الرئيس ( ترومان) ، رد على منتقديه سياسة واشنطن المنحازة لليهود قائلا :

( آسف أيها السادة , إن علي أن استجيب لمئات الآلاف من النخبين اليهود , و الذين يتمنون بقوة نجاح الصهيونية وليس هناك مكان للعرب بين الناخبين .

و المعروف أن الرئيس ( ترومان ) اعترف (بإسرائيل ) بعد دقيقتين من إعلانها عام 1948 , ووضع برنامجا ضخما لتثبيت هذه الدولة اللقيطة , وتزويدها بالسلاح .

واستمرت سياسة الولايات المتحدة المنحازة لليهود بذلك على نفس هذا السياق ولم يشذ عنها جميع رؤساء أمريكا . حتى الرئيس ( روزفلت ) الذي كانت له أفكار هادئة من هذا الجانب لم يمانع أبدا من قيام دولة إسرائيل فقد صرح عند رجوعه في مؤتمر يالطة علم 1945 بصراحة:

( القضية ينبغي أن تناقش دبلوماسيا مع البريطانيين و العرب , بحيث انه إذا كان من الممكن قيام دولة فإنه من الممكن أن تقام سلميا ) .

كما أن ( روزفلت ) لم يعارض ( هجرة اليهود ) إلى فلسطين , وإقامتهم في المستوطنات . بالعكس حدد في مناسبات عديدة سياسته الملتزمة :

(بإدخال اكبر عدد ممكن من اليهود إلى فلسطين ).

ونتساءل ...

إذا كان هذا الرجل محايدا , كما يقول بعض الناس الطيبين , لماذا يدعو إلى إدخال اكبر عدد من اليهود إلى فلسطين ؟!

ونتساءل أيضا ...

الم يكن من وراء سياسته الهادئة تخطيطا مبيتا لإقامة ( دولة لليهود ) ؟!

و اعتقد أن أجوبة هذين التساؤلين غير صعبة ، خصوصاً إذا عرفنا أن السياسة العامة للولايات المتحدة الأمريكية ثابتة ، و لن تتغير بتغير الرؤساء الأميركيين الذي يتغير فقط هو الأسلوب و أسلوب روزفلت حتماً يختلف عن أساليب من جاء بعده إلى البيت الأبيض .

و لكي نكون موضوعيين ، نؤكد على أن الرجل التزم سياسة مرنة ، لكي يرضي جميع الأطراف حيث دعته هذه السياسة إلى إعطاء وعده المشهور (لابن المسعود ) في 5 ابريل عام 1945 عندما قال له :

(أريد أن أعطيكم تأكيداً رسمياً بأنني لن افعل أبدا شيئاً مضاداً للمصالح العربية )

و لكن تأكيد روزفلت الرسمي كان مجرد أقوال لإرضاء العرب لان سياسته لن تتعارض بالنتيجة مع سياسة الولايات المتحدة العامة .

و برأيي ، إن أسلوبا مرناً كهذا قد أعطى حقوقاً لليهود ، بصورة مباشرة و غير مباشرة و مكنهم بعد ذلك من إعلان دولة لهم ، في ارض لم يملكوها أبدا.

مما يدعونا للاعتقاد بأن هذه السياسة في تأييد إسرائيل لا تتغير لوجود ثوابت فيها لا يمكن مساسها و قد ساعد على نشوء و استقرار هذه الثوابت مصالح متزايدة في منطقة الشرق الأوسط إضافة إلى تحرك جماعات اللوبي و الضغط الصهيونية في أميركا .

و لا نريد هنا استعراض مواقف و تصريحات الرؤساء الأميركيين المنحازة لإسرائيل كل ما نريد قوله إن سياسة واشنطن تجاه تل أبيب التزام تفرضه المصالح و اصوات الناخبين اليهود و أتصور أن هذا الالتزام دعا وايزمن في المؤتمر الصهيوني الثاني و العشرين بازل 1946 بالى التحرك بسرعة لإقامة كومنولث يهودي مندمج مع النظام الديمقراطي العالمي بعد أن لمس تعاطف الرئيس ترومان مع الأهداف الصهيونية .

يظل التعاطف و الالتزام يخيم على كل تصرفات الولايات المتحدة رقم تغير رؤسائها إلى أن جاء الرئيس كلينتون إلى البيت الأبيض و أراد أن يعبر عن التزامه و تعاطفه بطريقته الخاصة عندما حضر محفلاً صهيونياً واضعاً على رأسه على رأسه قبعة يهودية صغيرة تأييد اًلمواقف إسرائيل و تحدياً لمواقف العرب التي لم تعد موافقا بل تراجعات و تنازلات كما انه قد القي في مؤتمر ألإيباك الصهيوني كلمة قال فيها :

- إن دوري سينحصر في تخفيف حجم المخاطر التي ربما تتعرض لها إسرائيل ..

ثم تطرق بعد ذلك إلى التجهيزات العسكرية التي زودت إدارته بها إسرائيل لزيادة قدراتها العسكرية كل هذا و عملية السلام المزعومة جارية !!

و لم يكتف عند هذا الحد فقد صرح ليهود متطرفين في أميركا قائلاً لهم بشأن الجولان المحتلة :

(طالما ظلت إسرائيل ترفض الانسحاب فإني لن أتدخل في ذلك )

إذا هو التزام و تعاطف فرض نفسه على كلينتون منذ اليوم الأول لدخوله إلى البيت الأبيض و أتخطر انه قال في ذلك اليوم بالذات :

للولايات المتحدة مصلحة حيوية في امن إسرائيل فقط بل أيضا في التعاون الاستراتيجي بين بلدينا .

و في ظل التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل و أمريكا أجريت عملية السلام ، حيث قفز المفاوض العربي على كل هذه الشواهد و الحقائق و قبل بعطاء التنازلات بحجة المستجدات الدولية ، و بعد زوال مرحلة الحرب الباردة ، و اضمحلال دور الاتحاد السوفيتي و تلاشيه ، في حين أن هذه المستجدات تقضي صمودا اكبر و نوعا من التنظيم و الإدارة و التلاحم في الصف العربي و الإسلامي لمواجهة المؤتمرات الخطيرة التي تحاك و تخطط للمنطقة و إذا نريد السلام فلا بد أن يكون عادلاً و شاملاً و ليس مفروضاً من واشنطن و تل أبيب لأنه لو فرض بهذه الطريقة سيجعلنا نضع ألف علامة استفهام على عملية السلام برمتها و على رموزها و مؤيديها .

إن الكثير من المهتمين بالشؤون الدولية ، عندما شاهدوا الموفد التفاوضي العربي و هو يلهث وراء إسرائيل طمعاً بسلام لا يرجع ابسط الحقوق المغتصبة وصفوه بأنه :

استسلامي يدفعه لذلك التشتت العربي ، و ضياع القرار التفاوضي العربي الموحد و اختلاط الأوراق و المفاهيم و الغوص بعيداً في خضم المعادلات الدولية الجديدة و الاستسلام لها بذل يندي له الجبين .

ماذا تستنتج من ذلك ؟

نستنتج أن الأزمات لا تعلل و بالتالي لا تفهم جيداً و لا يمكن حلها إذا قطعنا الخيوط بين ماضيها و حاضرها لانتا لو فعلنا ذلك سيكون تحليلنا للمشكلة مبتورا و فيه شيء من البلاهة و البساطة و السطحية المفرطة و مثلما نعرف أن لكل أزمة كليات و جزئيات و الحكمة تقتضي أن نفهم بتواصل مستمر بين الكلي و الجزئي في أي قضية فعندما نناقش الموضوع يجب أن لا نطوف حوله ، لأننا إن طفنا حوله لم نميز فيه إلا ماهيته بورة جميلة و المطلوب هو أن نفهم بمنطق استقرائي (موضوع ألازمة و جوهرها في نفس الوقت بكل ما في الجوهر من جزئيات و قضايا و تفاصيل و ملابسات مع فهمنا الدقيق للظروف الآنية المحيطة بالأزمة وربطها بالظروف الأولية و التاريخية التي أدت غالى نشوئها .

و بغير ذلك ، سنخطئ التقييم و التحليل لان الأحكام لابد أن تستند إلى تفاصيل جزئية عديدة لكي يكون الكلي معبرا عن جزئياته و تفاصيله و بهذه العقلية التي لا تلغي الأسباب الحقيقية و الموضوعية للازمة يمكن أن نكتشف أن هناك مصالحاً دولية في إيجاد دولة إسرائيل و في تأييدها .

وفي ظل معيار المصلحة هذا متحكما بالقرارات السياسية الخارجية للكبار ، فنراه يدفع بريطانيا العظمى للمناداة بإنشاء دولة لليهود ، ثم نراه يحمس الولايات المتحدة في دور لاحق لإقامة الدولة اللقيطة و في الضغط على الأمم المتحدة لإصدار قرار التقسيم و في الاعتراف بدولة إسرائيل بعد دقيقتين من إعلانها .

ضمن هذا الخط الموصل بين الكلي و الجزئي للازمة ، ممارسات عديدة و خداع له حدود لا يعرف له حدود من قبل الأطراف الدولية الكبرى لتحقيق برنامج الصهيونية في المنطقة .

و نرى أيضا ، إن كل دعوات السلام منذ اقتراح (وودهير) بعقد مؤتمر سلام بين العرب و اليهود في لندن عام 1939 و إلى يومك هذا كلها كانت وسائل للحفاظ على مصالح الدول و الحفاظ على امن و استقرار إسرائيل و هذا السلام حتما ليس من اجل السلام إنما لاستسلام الشعوب و إخضاعها و نهب ثرواتها .

و اتفاق أوسلو ، الذي وقع بين الفلسطينيين و اليهود لم يخرج عن هذا الإطار مما يجعلنا نقول بكل ثقة :

بأن هذا السلام المزعوم هو سلام هش و على الورق فقط لأنه لم يعط كل الحقوق لأصحابها الحقيقيين ، و لا ندري كيف رضخ المفاوضون الفلسطينيون في اتفاقية أوسلو لكل شروط إسرائيل ؟! ألم يعلموا أن هذا كل ما تتمناه و تريده تل أبيب و منذ فترة طويلة ! بلحاظ أن كاتبين إسرائيليين كتبا أسمياه (الحرب اللبنانية الإسرائيلية ) ذكرا فيه على لسان شارون عندما كان وزيراً للدفاع :

بأن الظروف ستهيئ بعد طرد منظمة التحرير الفلسطينية إلى خارج لبنان ، و سيتم عزل الضفة الغربية و قطاع غزة ، عندها (سيقبل الفلسطينيون المعتدلون بشروط إسرائيل للتعايش السلمي ، أو بدقة أكثر سيكونون غير قادرين على رفض تلك الشروط ).

و كذلك فإن هنري كيسنجر قال سنة 1975 تأييدا لإسرائيل :

أن العرب سوف يلجئون إلينا لذلك يجب أن لا نذعن للابتزاز ، و يجب أن لا تصيبنا البيانات المتطرفة بالرعب ، و يمكن أن يكون الصبر سلاحنا عندما ينكسر الجمود و يتجه العرب المعتدلون نحونا نتحرك لإحراز تقدم .

و نذكر ، مرة أخرى بأن (كيسنجر) لم يقل ذلك ألان ، بل قاله منذ فترة طويلة عندما كان يخطط و يناور و يطبق (الخطوة خطوة ) لخدمة أهداف إسرائيل التي يعتبرها بالنتيجة أهدافه و متبنياته و قد أثارت سياسة كيسنجر الخارجية هذه اهتمام كتاب أميركيين كثيرين منهم الصحافي المعروف (جاك أندرسون) الذي كتب عن هذه السياسة بشيء من التفصيل و التحليل ، و حصل نتيجة لذلك على جائزة بوليترز و من المعروف أن أندرسون يعتبر من أشهر الصحفيين الأميركيين لأنه ينشر ما يكتبه في أكثر من 800 صحيفة عالمية .

و هكذا عند متابعة كثير من تصريحات قادة إسرائيل في تلك الفترة ، نراها متناغمة و منسجمة مع تصريحات أصحاب القرار السياسي الأميركي حيث تدعو هذه التصريحات إلى خلق ظروف ملائمة لدفع العرب و الفلسطينيين إلى مفاوضات سلام لا تمنحهم ابسط حقوقهم و اتفاقية أوسلو حسب ما اعتقد حققت ما كانت تتطلع إليه واشنطن و تل أبيب و ما يتطلع إليه شارون و هنري كيسنجر و غيرهم الكثير ، الذين كانوا يتمنون خلق ظروف دولية أو إقليمية مناسبة تصنع عرباً محبطين عفواً لنقل عرباً معتدلين ، حسب تعبير شارون و هنري كيسنجر يفاوضون إسرائيل بشروط إسرائيل !؟

و المضحك إن المفاوض الفلسطيني لم يوقع على اتفاقية أوسلو إلا بعد إصراره على بعض الضمانات و التضمينات الأميركية ، و عند حصوله عليها اعتبر ذلك انجازاً كبيراً ، و نصراً ما بعد بعده نصر !! و تناسى مواقف واشنطن من الأزمة و تناسى أيضا إن أخر من أعطاه هذه الضمانات هو الرئيس كلينتون قد قال في مؤتمر صهيوني ألباك و عملية السلام ما زالت جارية :

(سندعم إسرائيل و نخفف المخاطر التي تتعرض لها )!!

و تخفيف مخاطر إسرائيل اقتضت من كلينتون الإسراع لإقامة مهرجان توقيع اتفاقية أوسلو في واشنطن .

وبعد أن اطلعت على بنود الاتفاقية بنداً بنداً توصلت إلى التالي :

- بأنها أضاعت أكثر الحقوق ، التي كان من الممكن الحصول عليها لو كان لدينا تخطيط عربي موحد ، حيث لم يجن الفلسطينيون منها إلا الخديعة تلاحقهم في دورهم و مدنهم و قراهم

كان لدينا تخطيط عربي موحد . حيث لم يجن الفلسطينيون منها لا الخديعة تلاحقهم في دورهم , ومدنهم و قراهم لأنهم لم يفهموا (منطق المرحلة ) بصورة أفضل و لم يستعينوا برجل قانون متمرس في المفاوضات وعقد الاتفاقيات و هذا خطأ كبير .

و أتصور أن الأمور قد وصلت إلى ما هي عليه ألان من تعاسة بسبب خصوصاً بعد استلام نتنياهو رئاسة الوزراء ومن بعده السفاح شارون .

و في هذا الجو بالذات ، تنصلت أميركا عن كل التزاماتها و ضماناتها للفلسطينيين كما كان متوقعاً مما دعا نفس الموقعين على اتفاقية أوسلو للقول و كأنهم اكتشفوا شيئاً جديداً :

بأن هذا العمل فقد مصداقية الولايات المتحدة !!

و المتتبع للأحداث يدرك تماماً .

بأن الأمور ستبقى هكذا إلى أن تتمكن (إسرائيل)من اغتصاب كل شيء باسم السلام تحت أنظار العرب و الفلسطينيين الذين لم يفهموا ما يجري و يخطط لهم ، أقول لم يفهموا لأنه لم تكن لديهم إستراتيجية محددة بدقة وفق أولويات تصل بهم إلى ما يريدون تحقيقه من أهداف .

و هنا أريد أن أضيف ملاحظة علها تفيد ، و هي أن الإحباط و الذهول و الانكسار الذي يلف عالمنا الإسلامي و العربي مما يجري ويخطط له من مؤامرات , هو مرحلة عابرة ستزول , لأن الشعوب الحية لا تموت , ولا يمكن أن تنهزم دائما , خصوصا إذا كان الإسلام عقيدة لها , تنهزم الدنيا كلها ولا تنهزم هذه الشعوب . لماذا ... ؟

لأن الإسلام بالنتيجة لا يمكن أن ينهزم , والإسلام , حتما , روح هذه الشعوب و ديمومتها.

* يمكن أن يمر على الشعوب الإسلامية و العربية فترة ركود فترة هدوء .

* ويمكن أن تتمرغ كرامتها بالتراب , و تضام .

لكنها لا تموت , ولا تذل على طول الطريق , لأنها في لحظة رجوع إلى ذاتها , وإلى إسلامها الصحيح, في لحظة تأمل واعية مع العقل و المنطق ستنهض وتعيد كل أمجادها , وحضارتها و كل حقوقها المهدورة و المغتصبة . و هذا يقتضي نضجا كبيرا و فهماً موضوعياً لأزماتنا و مشاكلنا حينها سندرك بأننا لم نكن نخطط و نفهم كما يخطط و يفهم الآخرون ، و لم تكن لدينا إستراتيجية عامة و تكتيك مرحلي كما للآخرين حيث كانت سياستنا الخارجية و الداخلية عبارة عن ردود أفعال فعل ورد فعل علي الأحداث !!

في فترة زمنية رفضنا التفاوض مع (إسرائيل) و كنا محقين في ذلك لان اليهود لا يملكون حقوقاً في فلسطين و لكن من غير المنطقي أن يأتي هذا الرفض كرد فعل على أحداث دولية دون امتلاك آلية علمية لتحقيق قضايانا المركزية .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل