المحتوى الرئيسى

يا لحظّ الخونة! بقلم: صلاح حميدة

07/30 22:09

يا لحظّ الخونة!

صلاح حميدة

اصطلح على تسمية الخونة في المجتمع الفلسطيني ب"العملاء" كما يسمّون ب"الطّابور الخامس" في الكثير من الدّول، وتشيع تسمية " العميل " بين البنوك الفلسطينيّة، وتصف البنوك زبائنها ب" العملاء" والظّاهر أنّ هناك من تحسّس خلال الانتفاضة الفلسطينيّة من هذه التّسمية ولفت نظر أحد البنوك للموضوع، فقاموا بتنظيم مسابقة لاختيار لقب لزبائنهم بدلاً من لقب " عميل" وتمّ الأمر كما أرادت إدارة البنك.

ولكن هناك من يرى أنّ اختيار لقب " عميل" لمن يقتلون أبناء شعبهم خدمةً للاحتلال لا يكفي، بل فيه تبسيط لجرائم هؤلاء، وما تسببّوا به من مآسي وعذابات لمئات آلاف الفلسطينيين، ولذلك كان إطلاق لقب " خائن" على هؤلاء المجرمين أكثر دقّة واحتراماً لعذابات ضحاياهم، بالاضافة إلى أنّه يعطي توصيفاً له وقع في نفس الخائن، ويعطي نوعاً من الرّدع لمن تسوّل له نفسه ليكون مشروعاً لخائن.

في سبعينيّات القرن الماضي أطلق أحد قادة العمل الفدائي والأمني الفلسطيني صرخةً مدوّية، وقال :- " إنّ أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر" ولعلّ هذا القائد -ذو العقليّة المميّزة- أدرك ما سيجري في المستقبل، وهو ما جرى ويجري من هجمة لجيش الخونة على الشّعب الفلسطيني، وهجومهم هذا يقع في العديد من السّاحات، ومن أخطر السّاحات التي تتم فيها هذه المواجهة، هي ساحة المعركة على الوعي والمصطلح والثّوابت والمناعة الوطنية والإرث النّضالي وعدالة القضيّة ومشروعيّة المقاومة الوطنيّة الفلسطينيّة ضدّ الاحتلال، و الوصول لاعتناق الصّهيونيّة والتّبرّؤ من الحق التاريخي للفلسطينيين في أرضهم واعتبارهم مجرمين بحق من قتلهم وسرق أرضهم؟!.

قبل أيّام تمّ إعدام اثنين من الخونة في قطاع غزة، وحسب ما أعلن، فقد تورّط الاثنان في اغتيال ومحاولة اغتيال عدد من المواطنين الفلسطينيين، وأنّ ما قاما به كان عن سبق إصرار وعزم على تنفيذ الجرائم بلا أيّ ندم أو محاولة للتوبة، وحتّى هذه المرحلة كان من الطّبيعي أن يلاقي هاذان الخائنان جزاءهما بسبب ما اقترفت أيديهما، بل لن نبالغ إن قلنا أنّ الشّعب الفلسطيني يعتبر قضيّة محاسبة الخونة ومعاقبتهم على جرائمهم من القضايا الإجماعيّة التي لا خلاف عليها، ولم يسجّل طوال فترات النّضال الفلسطيني أنّ هناك من خرج ليدافع عن الخونة ويطلب عدم معاقبتهم، لأنّ من كان سيجاهر بالدّفاع عن الخونة سيثير حوله الكثير من التّساؤلات.

بعد إعدام الخونة في القطاع خرجت صحيفة فلسطينيّة في خبر تحت عنوان ( "حماس" تعدم مواطنين في غزة) على صفحتها الأولى ينقل استنكار مؤسّسات "حقوقيّة فلسطينيّة" لإعدام الخائنين، واعتبارها أنّ هؤلاء الّذان قتلا المناضلين والمواطنين الفلسطينيين لهما الحق في الحياة، وأنّ ما تمّ من إعدام لهما ليس قانونيّا، وأنّه بالرّغم ممّا اقترفته أيديهما فإنّهما لا يستحقّان هذا العقاب ( الإعدام)؟!.

الغريب أنّ الخونة أصبحوا مواطنين مكتملي المواطنة، ولهم حقوق تفوق حقوق المواطن الفلسطيني العادي، وتفوق حقوق المناضلين الفلسطينيين الذين تسببوا بسجنهم لآلاف السّنين، وتعذيبهم ومعاناتهم ومعاناة أهاليهم، ولهم حقوق المواطنة أكثر ممّن قتلوا بأيديهم أو بسببهم، ويتّموا أبناءهم ورمّلوا نساءهم، ولهم حقوق أكثر من الّذين تسبّبوا بهدم بيوتهم وتشريدهم وتجريف مزارعهم وبساتينهم ومصانعهم؟!.

وهل الخائن له حقوق مثل المواطن الّذي يسرق دجاجة؟ أو كالّذي يشارك في مشاجرة؟ أو يقتل إنساناً لثأر أو على خلفيّات جنائيّة؟ للخائن الحق بتحقيق منصف، وقضاء عادل، وعقوبة رادعة كذلك، لأنّ كل جريمة لها عقوبة، وردعيّة العقوبة تتبع صنف الجريمة، وجريمة الخيانة لها عقوبتها، وهي ترتبط عضويّاً بحقوق كل مواطن فلسطيني على وجه الأرض، فهؤلاء الخونة يتسبّبون بعذابات مزمنة لملايين الفلسطينيين على مدار السّاعة، ومن حقّ كل فلسطيني أن يرى القصاص العادل يقع عليهم.

يجادلك بعض أعضاء تلك المؤسّسات " الحقوقيّة" بأنّهم يستنكرون أيضاً جرائم الخونة بحق أبناء شعبهم، وخصوصاً جرائم القتل التي اقترفوها، والغريب هنا محاولة مساواة القائد والمناضل والفلسطيني البسيط الّذين تساوي كل قطرة دم منهم الدّنيا وما فيها، وبين خائن لوطنه وشعبه مقابل حفنة من الدّولارات -أو ربّما بلا دولارات- في لحظة طمع أو خوف أو نزوة عابرة أو رغبة انتقاميّة، وهذه مساواة مخالفة لكل الأعراف والقوانين السّائدة طوال التّاريخ، فالخائن له حق أن يعاقب عقوبة ردعيّة حتّى يتطهّر من رجس خيانته أثناء حياته، وإن مات على خيانته فمن حقّه أن يرجم قبره مثل "أبي رغال" حتّى يوم الدّين.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل