المحتوى الرئيسى

سيد حسن يكتب:ظابط أمن دولة

07/22 11:07

(1)
السابعة صباحاً فى منزل نقيب أمن الدولة "خالد منصور".
خالد: جرس التليفون تانى وأنا لسة مالبستش هدومى حتى..
-أيوة يا باشا .. لا خالص ماتقلقش .. إمبارح كنت فى أقسام بولاق وإمبابة والنهاردة رايح الجمالية والسيدة .. لا لا كل رؤساء المباحث متعاونين تماماً .. ماحدش بيكسّرلنا كلمة .. ثم أنا برٌوح بنفسى .. ومافيش ولا مسّجل فى الحجز ولا واحد بيتعملله قضية .. كلهم فى الشارع شغالين على ودنه .. قطع طرق .. حرق كنايس .. هدم أضرحة .. سرقة بالإكراه .. هاهاها .. عسل يا باشا والله .. كلها كام يوم وتقلب دندرة على دماغ الأوباش .. حاضر يا باشا .. ماتقلقش .. سلام .. سلام .. سلام
ريهام زوجته: إنت مش هاتفطر برضه يا حبيبى؟
-معلش، مش هاقدر يا روحى، ورايا شغل كتير النهاردة، إنت عارفة إننا لازم نخلى الأوباش دول يقولوا "حقى برقبتى"، والموضوع مش سهل
-ماتلموا كل البلطجية بتوعكوا دول مرة واحدة، وخلوهم يروحوا بربطة المعلم كدة على الميدان يدبحولهم كام واحد من الصيّع دول، وحياتك يا حبيبى ولا صنف مخلوق بعدها هايهوب ناحية الميدان
-هاهاهاهاها، مش بالبساطة دى ياروحى، كنا خلصنا يوم موقعة الجمل، بس إيه دماغ الشر دى يا قمر؟ هاها .. ماتيجى تشتغلى معانا
-بس أجى عندكم أمن الدولة ولا الأمن الوطنى اللى مسختوه ده .. وحياة النبى أسحللك الأشكال دى فى يومين، وأخليهم يعملوا مليونية عشان يرجعوا "مبارك" يبوسوا جزمته
-هاهاها، من غير ماتتعبى نفسك يا قمر. هايحصل هايحصل. "يوسف" بيعيط. هاتيه بسرعة أبوسه قبل ما نزل
-حاضر يا حبيبى. صحيح. مش قال "بابا" إمبارح
-حبيب قلبى، وإزاى ماتقوليليش
-هاها .. أقوللك إن أول كلمة قالها "بابا" مش ماما! والله ماكنت هاقوللك، بس ياللا، عشان أفرحك
-هاها .. شر .. شر .. أعوذ بالله


(2)
الثانية عشر ظهراً فى الزمالك و"خالد" يهم بركن سيارتة بجوار مقر عمله.
خالد لنفسه: يوم طويل فعلاً، والدنيا حر، أعوذ بالله، أمال جهنم هاتبأه عاملة إزاى؟ ربنا يرحمنا منها. أم التليفون اللى مابيبطلش رن ده. عايزة إيه بس يا ريهام؟
-ألو .. أيوه يا روحى .. مالك؟ .. إنتى بتصوتى كده ليه .. مالك يا ريهام؟ .. مش فاهم منك حاجة .. فيه إيه؟ .. إنتى فى الشارع؟ عملتى حادثة؟ أمال فيه إيه؟ إنتى فين طيب؟ عند كوبرى القناطر؟ قناطر إيه يا بنت الكلب؟ إيه اللى وداكى القناطر؟ رايحة مدينة نصر؟ إيه اللى جاب القناطر لمدينة نصر؟؟؟ قولتى تاخدى الدائرى أسهل؟ بتصوتى ليه؟ الولد؟ ماله الولد؟ طب خليكى مكانك وأنا جاى حالاً ..
أنطلق "خالد" بالسيارة بجنون، وإن لم يساعده هذا فى الشوارع المكتظة، ولأول مرة فى حياتة يعرف الشعور بالرعب لدرجة أنه لم يحاول أن يطلب زوجته ولو لمرة واحدة أثناء الطريق خوفاً مما سيسمعة، وبعد نصف ساعة وصل إلى مكان السيارة التى مازال الناس يتجمهرون حولها.
ركن "خالد" خلفها، وجرى إلى زوجتة الممدة على الأرض تهذى بكلام غير مفهوم، ومن حولها يحاولون تهدئتها بكوب ماء أو بغمغمات فارغة.
أرتمى "خالد" على الأرض بجانبها صارخاً فيها:
-فيه إيه؟ إيه اللى جرى؟ و"يوسف" فين؟
-بلطجية بعربية نص نقل .. كسروا عليا فدخلت فى الرصيف .. وبعدين نزلوا ضربونى و.....
-الولد فين؟ فين "يوسف"؟
-إتخطف .. إلحقه يا خالد .. إبننا إتخطف
(هذه السيدة تهذى بالتأكيد .. هذا لا يمكن أن يحدث .. بل مستحيل الحدوث .. ليس لإبنه هو .. ليس لأجمل وأحلى وأرق واكثر مايعشق فى الحياة .. إنها تهذى بالتأكيد).
صفعها "خالد" بقوة صارخاً: إتخطف إزاى .. فهمينى .. وبسرعة والا أقسم بالله لأقتلك هنا دلوقتى
صرخت بهستيريا وسط دموعها: جريوا من الناحية دى .. الطريق اللى جنب الترعة .. إلحقهم يا "خالد" .. وحياة "يوسف" إلحقهم
أحد الوقوف: بالراحة يا أستاذ
أخر: أيوه مش كده .. الست اللى فيها مكفيها
أخر: هدى نفسك وإنشاء الله هنلاقى ولاد الكلب دول .. "الله يجازى اللى مسيبينهم علينا"
لطمته الجملة الأخيرة بقوة وكأن جبل قد هوى فوقه، حتى إنه كاد أن يسقط على الأرض. دار حول نفسه ناظراً للحضور بذهول وكأنه مخمور، ثم ثبت نظره على منزل الكوبرى الهابط إلى طريق القناطر وأطلق ساقيه للريح وكأن شياطين العالم تطارده. أخذ ينادى وهو يجرى بأعلى طبقات صوته الجهورى الذى خنقه البكاء. "يوسف".
تخيله بين يدى متسولة تشحذ به فى الإشارات..
تخيله نائماً أسفل كوبرى وسط حشد من أطفال الشوارع..
تخيله وهناك بلطجى يجلده أو يحدث به عاهة ليزيد حصيلة يومه..
تخيله وهو يُغتصب على يد أحد المنحرفين الذين أطلقهم فى الطرقات..
"الله يجازى اللى مسيبينهم علينا"
لطمته الجملة لدرجة انها أصابت وعيه بالإعياء .. فأخذ يحدث نفسه صارخاً وهو يجرى ويأمل المستحيل فى أن يلحق بمن خطفوه:
-لا يا ربى أرجوك .. هذه ليست قواعد اللعبة .. ليس أنا .. ليس أنا بالذات .. لماذا لم تختر اللواء الذى أعطانا الأوامر لتنتقم منه هذا الإنتقام المرعب .. أرجوك يا رب .. إبنى .. أرجوك .. اللواء هو اللى صرخ فينا "سيبوا البلطجية والهجامين عليهم وبكرة ولاد الكلاب هايبوسوا رجلينا عشان أمن الدولة يرجع لينا، وساعتها هانسففهم التراب" .. إحنا الأشرار يا رب .. إحنا اللى بنكسب دايماً .. إشمعنى المره دى .. كنت بتضحك علينا كل ده .. عشان خاطر النبى .. والله وحياتك يا رب أنا اللى مستعد أسف التراب .. بس رجعهولى .. يا رب .. يا رب .. إحرقنى فى جهنم وخلدنى فيها .. بس ماتعملش فى "يوسف" كده .. يا رب .. يارب


(3)
عند نصبة الشاى الموجوده بجوار سجن القناطر على ترعة الإبراهيمية توقف بوكس الشرطة ونزل منه "أمين" و"ملازم" شاب وأتجهوا ليجلسوا فى مكانهم اليومى المعتاد، وبحركة عفوية تماماً صفع الأمين رجلاً يبدوا أنه مجذوب كان جالساً بجوار النصبة ليصرفه بعيداً بشكله المهترئ المؤذى، وتلقفه الملازم بركله من قدمه بغلظة قبل أن يجرى بعيداً وهو يهذى بكلام غير مفهوم ويلوح بيده ليبعد أشباحاً وهمية عنه. جلس الإثنان ضاحكين وهتف الأمين:
-الشاى يا "عم أحمد" .. الشاى يا زفت
جاء "عم أحمد" مهرولاً حاملاً صينية عليها كوبى الشاى قائلاً بمذلة:
-أهو يا باشوات .. الصبر بس .. والله مجهزه
الأمين: مين الواد الجعر ده يا "عم أحمد" .. بقالنا كام يوم بنشوفه نايم هنا؟
الملازم: هو كل يوم مجنون جديد؟ الناس جرالها إيه؟
عم أحمد: ده الناس بتقول أنه كان إبن ناس أوى بس الزمن
الأمين: ده منظر إبن ناس؟ .. ده شكله معفن وعرة!
عم أحمد: معلش ماتأخذونيش .. ده أنا سمعت أنه كان ظابط
الملازم: ظابط مين يابن الكلب، ماتحاسب على كلامك يا روح أمك .. هو فيه ظابط بيتجنن؟
الأمين: هاهاها .. ده إحنا نجنن بلد يابن المهتوكة
عم أحمد: ماتأخذونيش .. أنا بقول اللى سمعته .. ده أنا سمعت كمان أنه كان "ظابط أمن دولة"
نظر الملازم لعم أحمد نظرة جمدت الدم فى عروقة قائلاً وهو يضغط على ألفاظه:
لسانك الزفر ده هايتقطع فى يوم من الأيام .. إتلم بدل مانلمك
قام عم أحمد مهرولاً إلى داخل الكشك قائلاً بخوف:
-أنا مالى يا باشوات .. أنتوا سالتونى وقلتلكوا اللى سمعته .. أنا ماعدتش افتح بقى تانى
الأمين: أحسن برضه.
ركب الإثنان البوكس بدون أن يدفعاً كالعادة وهما يتضاحكان، وألقى الأمين نظرة على المجزوب النائم بجانب الطريق، ثم نظر للملازم بإبتسامة ساخرة، فبادله الإبتسام قائلاً وهو ينطلق بالسيارة:
-قال "ظابط أمن دولة" قال .. الناس فعلاً إتجننت.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل