المحتوى الرئيسى

طرفا الصراع في سوريا.. حالتا الفشل والنجاح

07/22 13:46

خالد عبدربه

أكثر من أربعة أشهر على الاحتجاجات في سورية والصراع يزداد يوماً بعد يوم حتى وصل في الأسابيع الأخيرة إلى ما يمكن وصفه بالثورة الحقيقة ضد نظام الحكم, وبدراسة وتحليل بعض النقاط لمجريات الأزمة الراهنة يمكن توقع واستقراء المرحلة القادمة واستنتاج أنه لا بديل عن نجاح الثورة في سورية, ولو أجرينا مقارنات بسيطة لبعض النقاط المفصلية في سياق الأحداث الجارية منذ أربعة أشهر إلى الآن, يمكن معرفة مدى فشل أو نجاح كل طرف من الأطراف في كل تطور تم, وتقدير ما قد تحمله المرحلة القادمة.

أولاً: من أهم النجاحات التي حققها الشعب السوري تكمن في توسع رقعة الاحتجاجات التي بدأت محدودة وخجولة في بعض المدن السورية, وامتدت إلى كافة المناطق والقرى من أقصى البلاد إلى أقصاها, حتى وصلت أعداد المتظاهرين إلى مئات الألوف في بعض المدن, وهي أرقام مخيفة للنظام الذي فشل فشلاً ذريعاً في الحد من ذلك, رغم كل أدوات القمع المستخدمة وكل ما تقدم به من خطوات لمنع التظاهر.

ثانياً: يحسب للشعب السوري نقطة نجاح هامة في الحفاظ على سلمية وشعبية الثورة, رغم كل محاولات النظام من إضفاء الصبغة العسكرية والإرهابية على هذه الاحتجاجات, في الادعاء بوجود مسلحين أو مندسين أو سلفيين، إلى ما هنالك من مسميات, واتهام المتظاهرين بارتباطات خارجية تارة أخرى, فكل الأساليب التي استخدمت وما زالت تستخدم لم تجدِ نفعاً، ولم تفلح في إقناع الشارع السوري بالتراجع عن المطالبة في إسقاط النظام وبالطرق السلمية ورفض الحلول العسكرية بالمطلق.

ثالثاً: نجح الشعب السوري في رفع سقف المطالب تدريجياً ابتداءً من المطالبة بالحرية والإصلاح والقبول بذلك وإن كان تحت سقف النظام الحالي, إلى المطالبة بإسقاط النظام ورحيله ورفض الحوار معه, وبداية التفكير في مرحلة ما بعد النظام, وذلك يحسب على النظام في فشله من استيعاب الدروس وتأخره في الاستجابة لمطالب الناس في الوقت الذي لم تكن هذه المطالب تشكل خطراً على وجوده وبقائه.

رابعاً: فشل النظام في إيجاد بديل عن الحل الأمني في معالجة الأزمة, وعدم قدرته على التقدم بأي حلول سياسية تستطيع كسب ثقة الشارع، رغم كل ما صدر من قرارات سياسية تعتبر هامة، إلا أنها بقيت حبراً على ورق, بالنسبة للأجهزة الأمنية أولاً التي لم تغير من أسلوبها في قمع المتظاهرين في كل المدن السورية, وكذلك بالنسبة للشارع السوري ثانياً الذي فقد الثقة تماماً من إمكانية الإصلاح والتغيير في ظل هكذا نظام.

خامساً: نجاح المعارضة والمتظاهرين في تنظيم صفوفهم وخلق الأطر القيادية المنظمة وتشكيل التنسيقيات ولجان الائتلاف في كل المدن السورية تقود المتظاهرين على الأرض في الداخل, وتنظيم وتوحيد رؤية المعارضة من الخارج عبر عدة مؤتمرات استطاعت أن تجد لها قواسم مشتركة رغم الاختلاف الفكري والأيديولوجي بينها.

بالمقابل، فشل في صفوف النظام من حيث الرؤية والتوجه والخطاب السياسي المتناقض, وازدواجية واضحة بين الطرح السياسي على ألسنة السياسيين والممارسات الأمنية والعسكرية.

سادساً: فشل النظام في كسب الحرب الإعلامية من حجب الصورة حول حقيقة ما يجري عن أعين المشاهدين, رغم المنع المفروض على كل محطات التلفزة, وهو نجاح كبير يحسب للمتظاهرين في تصوير وتوثيق كل ما يجري بدقة ونقل هذه الصور إلى كل العالم باستخدام الهواتف النقالة التي تحولت إلى أهم ناقل للخبر والحدث الذي تؤثر رداءة الصورة المرسلة على قيمته وفعاليته.

بالإضافة إلى فشل كبير جداً للمؤسسات الإعلامية الرسمية التي اتهمت بالكذب والتضليل من قبل الشارع السوري الذي يعيش الواقع ويعرف الحقيقة. وانتقدت هذه المؤسسات على أدائها البدائي والهزيل حتى من بعض أركان النظام.

سابعاً: فشل النظام في استخدام الورقة الوطنية وتصوير ما يجري على أنه مؤامرة خارجية تستهدف الموقف الممانع المعادي لإسرائيل, فأثبت المتظاهرون أنهم أكثر وطنية من النظام في العداء لإسرائيل وأكثر جذرية في تحرير واسترجاع أراضي الجولان المحتل, في مطالبتهم الدبابات التوجه نحو ساحات المواجهة مع العدو بدل من التنقل بين المدن.

ولم يتجه الشعب السوري غرباً للتخلص من نظام الحكم لديه بل بقيت الثوابت الوطنية لديه على حالها لم تتغير, في حين نجد أن النظام هو من توجه نحو الغرب وإسرائيل لمساعدته في حل الأزمة و توزيع الرسائل لمن يهمه الأمر, التي تربط بقائه بالسلطة بالحفاظ على الحدود الإسرائيلية وهدوء جبهة الجولان.

ثامناً: فشل النظام في استخدام ورقة الحوار في إجهاض الثورة الشعبية, فلم يجد في هذا الحوار الذي دعا إليه غير ذاته وبعض الشخصيات العامة ليتحاور معها في حين رفضت المعارضة والتنسيقيات الحوار, وذلك يؤشر على شعور الشعب السوري بالقوة والقدرة على الانتصار وتجاوز مراحل كبيرة في صراعة مع السلطة من جهة, وتراجع وضعف النظام الذي كان يرفض مجرد الاعتراف بوجود معارضة من الجهة المقابلة, فنتج عن ذلك مؤتمر هزيل جل من حضروه كانوا من أزلام النظام وبعض الشخصيات العامة, وخرج بتوصيات يفترض أن توجه للنظام ذاته, كعدم القتل والإفراج عن المعتقلين السياسيين وغيرها ولا توجه لغيره.

تاسعاً: فشل النظام في إخفاء تهمة العائلة الحاكمة التي لصقت به منذ أكثر من أربعين عاماً, هذه العائلة التي لا تزال تملك كل مفاصل النفوذ والقوة دون المساس بها, في الوقت الذي تم فيه إقالة بعض المحافظين ورؤساء الأجهزة الأمنية على أرضية امتصاص غضب الشعب دون الاقتراب لأي من أبناء هذه العائلة رغم السلوكيات والتهم المعروفة والشوائب التي تلتصق في الكثير من أفرادها.

عاشراً: فشل النظام في معالجة أزمة اللاجئين الذين هربوا خارج سورية وتحديداً على الأراضي التركية التي يتواجد فيها أكثر من عشرة آلاف لاجئ, بالإضافة لمن هم على الأراضي اللبنانية والأردنية, وهي سابقة لهذا للنظام بالنسبة لسورية, فللمرة الأولى يكون الشعب السوري على مدار تواجده على هذه الأرض لاجئاً خارج دياره.

ومع كل حالات الفشل هذه فهناك بعض النجاحات التي تحسب للنظام السوري إلى الآن ومنها.

أولاً: النجاح في تحييد الموقف الرسمي العربي الصامت منذ بدء الاحتجاجات والداعم سراَ لموقف النظام, على عكس ما جرى بالنسبة للنظام الليبي, مع وجود احتمال ألا يستطيع النظام العربي أن يبقى على حاله كما هو الآن, لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم.

ثانياً: القدرة إلى الآن على تعطيل مجلس الأمن من اتخاذ أي قرار يدين العنف في سوريا والحفاظ على علاقات متينة مع كل من روسيا والصين.

ثالثاً: نجاح الأجهزة الأمنية في السيطرة على مؤسسات الدولة بالكامل والقدرة على تجييش الموظفين والعاملين في مؤسسات الدولة في تظاهرات مؤيدة واستخدامهم أحياناً في مواجهة التظاهرات المعارضة لخلق شكل من أشكال الاختلاف في الرأي شعبياً.

رابعاً: السيطرة على الجيش بالكامل رغم الانشقاقات الصغيرة التي حدثت والتي لم تتعدى الأفراد ولم تصل إلى ظاهرة يمكن القياس عليها, فالمؤسسة العسكرية ما زالت بأيدي النظام وتحكم بصرامة وحزم.

خامساً: امتلاك النظام رباطة جأش عالية في القدرة على القمع والجرأة في استخدام السلاح الحي في تفريق المتظاهرات دون أن يشكل ذلك أزمة داخلية ذاتية أو حتى خارجية دولية, وإن كان ذلك بدأ يتراجع تدريجياً بظهور بوادر لخلافات قد تكون حادة في المستقبل تغير من مسار التحرك الدولي اتجاه النظام.

سادساَ: النجاح في التجييش الطائفي وجعل الطائفة العلوية تشعر بحالة الخطر والخوف من الطوائف الأخرى وتحديداً الطائفة السنية رغم وجود الكثير من المعارضين والمعتقلين العلويين والذين يشكلون نخبة ثورية, إلا أنهم غير قادرين على تشكيل حالة أو ظاهرة يمكن البناء عليها داخل الطائفة العلوية.

من خلال ما سبق نجد أن خيارات الشعب السوري والمعارضة في ازدياد وتطور مستمر, في حين أن خيارات النظام في تراجع وانحسار مستمر, مع فقدان للرؤية والطرح السياسي المنظم المنسجم مع السلوكيات على الأرض, ونجده مع مرور الزمن يفقد أوراقه الورقة تلو الأخرى. في حين أن الشعب السوري منسجم تماماً مع ذاته يحقق المكاسب يوماً بعد يوم, ويمتلك رؤية وأهدافاً واضحة, ويمتلك أدوات العمل المنظم والمتطور, ولا يملك رؤية في التراجع.

كل هذه المؤشرات تعطي الشعب السوري تفوقاً كاملاً على نظامه في طريقة الأداء وإدارة الصراع والقدرة على التكيف مع الأحداث وتحقيق الأهداف.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل