المحتوى الرئيسى

أسئلة الثورة: سؤال القطيعة

07/20 09:37

بقلم:

الطاهر لبيب

20 يوليو 2011

09:29:36 ص

بتوقيت القاهرة

تعليقات: 0

أسئلة الثورة: سؤال القطيعة

 إذا كان من اسم ثان للثورة فهو القطيعة. والقطيعة هى مع بنية مركّبةِ الأبعاد والمستويات والمجالات والآليات، تسمّى نظاما. وهى، من منظور الثورة، تاريخيّةٌ، فى معنى التقدّم، وجذريّةٌ، فى منزعها إلى تجاوز الأوضاع والحلول الوسطى التى تتخذ أسماء كثيرة: منها الاعتدال والوسطية، ومنها الإصلاح الذى له وظيفة تفكيك المنزع الثورى، مع بقاء «المصلحين» وكسبهم رضى الناس. وما دام للقطيعة هذا التركيب وهذا المنحى فهى ليست خطّا أو حدّا نقطعه وإنما هى صيرورة أو مسافة تقصر أو تطول، بحسب فاعلية الفعل. قلّما يتسع الخطاب أو التناصّ الفكرى إلى تعقّد هذه الصيرورة وإلى ما يُمفصل الواقعُ من عناصرها. وإذا كنا لا نعرف ما سيكون عليه هذا التمفصل فى التجارب الثوريّة العربيّة فإن فى تجارب الثورات الكبرى ما يدلّ على صعوبته، ربطا بين مستويات الواقع، بالرغم مما كان، فى بعضها، من تزامن وتفاعل بين تحوّلات قطاعية. هذا يعنى، نهاية الأمر، أن القطيعة محصّلةُ قطائع متساندة ومتراكمة، فى المسار الطويل للفعل الثورى.

يسهل قول هذا، نظريا، ولكنه يصطدم، فى تاريخ المجتمع العربى الاسلامى، وتخصيصا فى تاريخ فكره، بغياب مفهوم القطيعة. ولأن التاريخ الفعلى، لا الخيالى، كان تاريخ تسلّط مستمرّ، توالدا واستنساخا، فقد قضى على نوايا القطع، فى السياسة والدين، وإنْ ترك صيغا من اختلاف فيه رحمةٌ، أى لا يخيف. هكذا، مثلا، أتاح غيابُ القطيعة هيمنةَ ما سميتُه، قبل سنوات، «برادايم الطاعة» الذى ساد وتواصل، عبر القرون، بدعوى الخوف من الفراغ والفتنة، وجعل ممكنا قولُ: «ستون سنة تحت سلطان جائر أفضل من ليلة بلا سلطان»، وهو قول تناقلته قرونُ ثقافة لا تستوعب القطيعة ولا تتحمّلها. ولعلّ من أوضح الظواهر، فى هذا الاتجاه، ما لا يزال سائدا من ثقافة تتداخل فيها الأزمنة، مهما تباعدت، وأنساق الفكر، مهما تناقضت: حدود «البراديغمات» مفتوحة دائما بعضها على بعض، وقد يكون فى الخطاب أو المقال الواحد تداخل ٌبينها، لا يرى صاحبه حرجا فيه وإنما ثراء وروافدَ مُتآلفة. والمهم فى هذا ما وراءه من رؤية تستبطن ماضيا لا ينقطع، ماضيا يُرعبه «انقطاع السند». فى هذه الرؤية، لا يكون التحوّل من وضع إلى وضع وإنما ارتدادُ وضع إلى وضع أو استمرارُ وضع فى وضع. من هنا كانت ثنائيات مشهورة، ولكنها فارغة، لا جدليّةَ فيها، ومعضلتها أنه لا تنازل عنها ولا قدرة على حلّها: الماضى والحاضر، التراث والحداثة، الأصالة والمعاصرة، الدين والعلم، الهوية والذوبان، وهلّم جرّا. والغريب أن هذا العطب الثقافى يجد «تخريجات» له فى «خصوصيّة».

 
يرفعها العرب والمسلمون فى وجه الحلول التى اهتدى إليها غيرهم، وكأنهم الوحيدون، فى العالم، ممن لهم خصوصيّة.

هكذا تبدو أولى صعوبات القطيعة فى غياب ثقافتها. إنه غياب يُكسب الارتداد «جهوزيّة» دائمة، متربّصة، لا تحتاج لغير رصيد جاهز، منذ زمن طويل. كلّما عجز المجتمع عن السير، فى اتجاه تقدّمه، قويت هذه «الجهوزيّة»، فى اتجاه الماضى: تهجر إليه أو تجلبه إلى حاضر وتوطّنه فيه. من الطبيعى، إذا، أن يواجه مشروعُ القطيعة العربى ارتدادا كثّفه وسيّسه المنعطفُ الثورى. هذا الارتداد قد يتبنّى، هو أيضا، شعار «القطيعة» مع الوضع القائم. من الطبيعى، كذلك، أن يخاف من سند الارتداد وقوّته مشروعٌ لا يسنده امتدادُ قطائعِ التنوير ومتاريسه، إلاّ ما تناثر منه وتباعد فى الزمان والمكان والذاكرة. هذا ما يجعل خوف الثورة من سلفية الارتداد أكبر من خوفها مما يرتدّ منها، عليها، فى مسار تقدمها. وليست السلفية محصورة فى العلاقة بماضى الدين، فهناك، فى السياسة، سلفيون جدد يشدهم حنين المصَالح إلى سلف طالح.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل