المحتوى الرئيسى

حافة الفسيفساء

07/19 05:12

سمير عطا الله

اتخذت أحداث سوريا المنحى الذي كان يخشاه الجميع ولا يجاهر به أحد. أي طريق الصراع الطائفي والخلاف العرقي في بلد هو فسيفساء الشرق. فقد تفجر الصراع حول النظام في مذبحة، بينما تفجر الخلاف العرقي في مؤتمر إسطنبول حول تمثيل الأكراد في المعارضة. واللوحة السورية أكثر ألوانا وعقدا من اللوحة الديموغرافية في العراق وفي لبنان. بالإضافة إلى العنصر المذهبي هناك نحو مليوني لاجئ عراقي عبروا الحدود ظنا أن الجوار السوري أمن دائم واستقرار لا يهتز. وهناك الوجود الفلسطيني وهو متداخل في الحياة الاجتماعية والسياسية والحزبية. وهناك الأرمن والتركمان ولو بنسب ضئيلة. وهناك أقلية درزية (نحو 3%) لها مكانة تاريخية وسياسية شديدة الأهمية ويمكن أن تشكل ثقلا وازنا في الصراعات. وللدروز امتداد في لبنان وفلسطين وخصوصا في الجولان المحتل. وقد كانوا ممثلين في الحكم قبل الاستقلال وبعده ثم مع وصول البعث إلى السلطة. وهناك أقلية مسيحية توالي عادة الحكم وتحاول تجنب الصراعات السياسية، رغم الدور الذي لعبه ميشال عفلق في تأسيس البعث. وهناك الأكراد، الذين يعتقد أنهم يبلغون المليونين، ويميزهم أنهم على صلة بالكرد في العراق وتركيا. وقد أعطتهم دمشق في الماضي دورا معاديا للدولتين المجاورتين.

جميعها قوى مهمة على درجات متفاوتة لكنها غير منظمة، سياسيا أو عسكريا، باستثناء القوة المؤيدة للنظام، وقد بدأت تنقسم طائفيا في المدن والأرياف، و«الإخوان المسلمين»، التي لم تتوقف عن العمل التنظيمي، في الداخل والخارج، مع أنها التزمت هدنة علنية منذ أحداث حماه الشهيرة. بعد أحداث الأحد أصبح كل شيء في سوريا على الحافة: أي انهيار جديد قد يتحول إلى تفجر كامل، ولكن التراجع خطوة كبيرة إلى الوراء قد ينقذ الموقف. وهذا التراجع يتطلب شجاعة وطنية كبرى، من النظام ومن المعارضة معا، لأن البديل الوحيد أمام الفريقين هو المجهول المخيف.

تدرك الدولة اليوم بكل تأكيد أنها أساءت قراءة الموجة القادمة، وأنها أخطأت يوم خيل إليها أن الجماهير في سوريا غيرها في مصر وتونس واليمن وليبيا، حيث انقسمت الناس حول النظام أو التقت ضده. ولهذا تأخر الرئيس بشار الأسد في تقديم الإصلاحات التي طالب بها العرب في الدول الأخرى. وأدى التأخر والتردد إلى ضرر شديد وفتح نوافذ ما لبثت أن تحولت إلى أبواب مشرعة. ورفع الرئيس السوري شعار «سرعة لا تسرع» بينما كانت الناس تتوقع سرعة شديدة وحسما للأمر ومباشرة عملية في الإصلاح. وربما كان للتسرع مساوئ واضحة، لكن مساوئ التردد كان واضحا أنها أقسى بكثير.

نقلا عن (الشرق الأوسط) اللندنية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل