المحتوى الرئيسى

مخيم اليرموك وأزمة المشروع الوطني الفلسطيني بقلم:محمدابوشريفة

07/18 00:53

مخيم اليرموك وأزمة المشروع الوطني الفلسطيني

محمدابوشريفة

فتحت أحداث السادس من حزيران (يونيو) الماضي في مخيم اليرموك الباب على مصراعيه لطرح أسئلة عديدة متأخرة وراهنة، تتعلق بوضع الشعب الفلسطيني عموما واللاجئين الفلسطينيين في سوريا خصوصا، وذلك انطلاقا مما وصلت إليه القضية الفلسطينية بكل عناوينها ومحدداتها وبالتحديد حالة الشعب الفلسطيني وما وصل إليه في ظل ضمور العمل السياسي وغيابه عن التأثير في أوساط الشعب الفلسطيني.

يمكننا القول هنا إن الحراك الشبابي في ذكرى النكبة والنكسة جاء ليؤكد على حيوية وفاعلية هؤلاء الشباب الذين خطوا بدمائهم طريق العودة إلى فلسطين، وكم كان المشهد بالرغم من سقوط عشرات الشهداء والجرحى مفرحا لعموم الفلسطينيين إلا انه في الوقت ذاته كان مشهدا ملتبسا وربما خارج عن السياق العام للوضع الفلسطيني، لأن مؤشر الحيوية والفاعلية لهؤلاء الشباب جاء ملازما لمخاض عسير عاشه هذا الجيل في ظل غياب المرجعية والبوصلة، وهنا تكمن الأزمة، فهذه الفاعلية بالرغم من عفويتها بالتعبير كان يغيب عنها العقل السياسي المؤطر والموجه لها. وأصبحنا نقف أمام مشهدين متناقضين في المضمون احدهما عاطفي بامتياز يعبر عن وجدان كل الفلسطينيين اللاجئين، والأخر يعبر عن غياب للوعي السياسي الذي يعطي المعنى والحيوية لذلك المشهد.

كلام كثير يقال في هذه الشأن، ووجهات نظر أيضا تقدم تفسيرات وتحليلات إلا أنها جميعا غيبت الأزمة الحقيقية والتي بدورها حولت مشهد تشييع الشهداء إلى مشهد مأساوي أقل ما يقال فيه أنه أضر في المشهد العام البطولي الذي قدمه الشباب على تراب ارض الجولان المحتل في أيار(مايو)، وحزيران(يونيو) الماضيين، وهنا لن نتعمق لتلك الوجهات التي حاولت تقديم إجابات حول ما جرى من أحداث في مخيم اليرموك، لأننا وبكل بساطة سندخل في الحلقة المفرغة التي لن توصلنا إلى أي نتيجة، والسؤال الفعلي والحقيقي هو كيف يواصل هؤلاء الشباب نضالهم ومسيرتهم التحررية بعيدا عن كل الأزمات التي تطال الفصائل الفلسطينية والتي هي بالتأكيد أزمات بنيوية طال عليها الزمن ولم يقم لها أي حلول.

ومن الاهمية بمكان الإشارة إلى أن مختلف الفعاليات و القوى والفصائل الفلسطينية، التي شاركت في الإعداد والتحضير لمسيرة الخامس من حزيران(يونيو) في المخيم، كانت قد اتفقت مع نظيراتها في لبنان على تأجيل المسيرة، نتيجة تبلور رؤية محددة، استناداً على تصريحات عدوانية إسرائيلية، من أن "أي تحرك باتجاه الأراضي المحتلة سيجابه بالنيران"، والذي دعمته إجراءات تحويل منطقة الجولان المحتل لـ"منطقة عسكرية مغلقة".

واتفق الجميع على تأجيل المسيرة بسبب تجنبا لهكذا تحذيرات عدوانية لا تعرف أبعادها، لكن ما حصل مساء يوم السبت الرابع من حزيران(يونيو) كان مستغربا من قبل أكثرية المشاركين. حيث انطلقت فئة من الشباب المنتمي وغير المنتمي للفصائل-متجاوزة القوى الوطنية- بالأعداد للتوجه إلى الجولان. وفي اليوم التالي، دخلت على خط الأحداث بعض القوى الفلسطينية التي لا تنتمي إلى الفصائل، ويمكن تسميتها بقوى المال التي تريد امتهان العمل السياسي عبر استثمار الموقف والدم الفلسطيني حيث أحضرت حافلات كبيرة لنقل جموع الشباب المتلهف للذهاب والمشاركة في المسيرة.

ثم توالت جموع الناس بدوافع مختلفة، أبرزها التحاق أهالي الشباب بالمسيرة، بالإضافة إليهم التحاق قيادات وكوادر من الفصائل وكثير من الشباب أيضا، وذلك بأهداف مختلفة منها محاولة الحد من الخسائر التي كانت قد تقع في صفوف الشباب أمام الأسلاك الشائكة، حيث خلفت تلك المواجهة (23 شهيداً و380 جريحاً ، البعض جراحه خطيرة جدا) ، وضمن لجة الحدث وهول المصيبة أخذت جموع الفلسطينيين في المخيمات وخارجها ، تتساءل عن : المسؤولين عن أخذ شبابنا للمقصلة التي كان يستعد لها جيش العدو؟ ولماذا لم يستطيعوا منع المجزرة؟ ما وفرت معطيات دفعت إلى نشوب حالة الغضب والتوتر والانفعال. والتي استثمرتها وعلى الأرجح بعض الأطراف الداخلية والخارجية، والتي كانت تتأهب لخوض غمار التخريب والتدمير والقتل بالمخيم. خاصة وأن نتائج مسيرات العودة باتجاه الأرض المحتلة في يوم النكبة أرست معلما جديدا في تاريخ النضال الوطني والقومي، يؤشر إلى أن جيل الشباب، مصمم على العودة لفلسطين، إلى الجذور لأرض الآباء والأجداد الذين هجروا منها في العام 1948. لا شك بأن كيان العدو وكل من دار في فلكه من قوى محلية وإقليمية ودولية قد قرأ معاني ودلالات هذا التحرك وأعاد حساباته ونظرته لجيل الشباب المتحمس للعودة إلى وطنه والذي يتجذر لديه الانتماء الفطري للوطن، فكيف إذا تم تأطيرهم والبناء عليهم سياسيا وكفاحيا وتنظيميا؟!

قد يقول البعض إن الكثير من الشباب الذين استشهدوا وأصيبوا في المواجهة مع العدو هم بالأصل منتمين لفصائل فلسطينية ومن الظلم أن نحمل تلك الفصائل مسؤولية الأزمة التي تمر بها القضية الفلسطينية وبالذات مسؤولية الهوة الكبيرة بينها وبين شرائح عديدة في المجتمع الفلسطيني فجميعنا يعلم أن هؤلاء الشباب غير قادرين على الانخراط في تلك الفصائل لأسباب عديدة ، فالبرغم من أن الفصائل كان لها دورا بارزا في التاريخ الوطني المعاصر، من خلال تحقيق العديد من الانجازات الوطنية على مدار العقود الأربعة الماضية لا سيما مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في العام 1965، حيث عملت على تأطير الجماهير الفلسطينية والعربية والقوى الصديقة من أحرار العالم. وتبنت خيار الكفاح المسلح إلى جانب أشكال متنوعة من النضال، الذي أعاد الاعتبار لها كقضية وطنية سياسية، قضية تحرر وطني، وليس قضية لاجئين ومساعدات إنسانية فقط. إلا أنها لم تجري حتى هذه اللحظة قراءات نقدية عميقة تطال بنيتها ولم تجري أيضا قراءات في مآل القضية الفلسطينية، من هنا نستطيع تفسير المعادلة التي رسمت منذ أكثر من نصف قرن والتي كانت تأتي في السياق التالي، الشعب الفلسطيني شعب حي ومناضل وقدم التضحيات عبر مسيرة كفاحه الطويل وظل شعبا متماسكا ملتحما مع قضيته مؤمنا بأن النصر حليفه مهما طال الزمن، ومع هذا لم يستطع إلى الآن تحقيق انجازات حقيقية على ارض الواقع اللهم سوى تلك الانجازات اللغوية التي يقدمها القادة الفلسطينيين في مختلف توجهاتهم السياسية والإيديولوجية. وغالبية المتابعون يرون أن ما حدث في مخيم اليرموك في السادس من حزيران (يونيو) الماضي، من حالة غضب صدحت بأعلى صوتها "الشعب يريد إسقاط الفصائل الفلسطينية" وما تلاها من ملاحقة بعض قادة الفصائل ومحاصرة مبنى "الخالصة" التابع "للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة" وذلك في مشهد مؤسف استمر حتى ساعات الفجر، وأسفر عن حرق المبنى وقتل وإصابة عدد من الجماهير الغاضبة ومن كوادر وأعضاء "القيادة العامة"، يعكس بصورة أو بأخرى المزاج الشعبي العام الرافض لاستمرار قيادات تلك الفصائل في التحدث باسم الشعب، أو الافتراض أن الفصائل تمثل أبناء الشعب الفلسطيني.

ومن خلال زفرة الغضب هذه ثبت بالملموس وجود هوة بين الجماهير الفلسطينية في الشتات عن الفصائل الوطنية، والحال في الداخل(الضفة والقطاع) ليس بأفضل منه بالخارج فهما متماثلان. ولهذا يتطلب الأمر وقفة جدية أمام الذات الوطنية ببعديها الخاص والعام، والبحث عن مخرج حقيقي من ظلام هذه الأزمة التي تداهم الجسم السياسي الفلسطيني والذي يعاني أساسا من أعراض استعصائية حادة تتلخص حدتها بمجموعة من الأسباب والعوامل الموضوعية التي ساهمت بتدهور الحالة الفلسطينية وأهمها إقصاء روح التجديد في الهيئات القيادية، وإستئثار بعض القيادات بمكانة الزعامة في هذا الفصيل أو ذاك لعقود وسنوات متوالية حتى تجاوزت سنوات تبوأ الرؤساء والملوك العرب على كرسي الحكم. مما أدى إلى نفي الأساليب الديمقراطية في التعامل الحزبي الداخلي حيث يؤتى بالأشخاص وفق معايير وقوالب محددة مسبقا تفرضها مصالح التيارات المتنفذة داخل الفصيل. ومن العوامل المهمة أيضا غياب المؤتمرات الدورية للفصائل المختلفة، وإن وجدت في بعضها، تكون مؤتمرات شكلية. وبرزت في السنوات الأخيرة ظاهرة التركيز على المناسبات الفصائلية والتي علت فيها رايات الفصائل الخاصة على العلم الفلسطيني.كما بات وقع الشعار الفصائلي أهم من الشعار الوطني، مما هيأ التربة الخصبة لانتشار الفساد والمحسوبية والزبائنية بين أوساط الفصائل ليفاقم من حالة الحنق لدى الفلسطينيين، وخاصة في ظل انتفاء أية مراجعة أو مساءلة أو محاسبة، لحال التدهور والفساد الذي عبث في القيم الوطنية والسياسية والأخلاقية، في هذه الفصائل. حتى باتت تأكل من رصيدها الوطني السابق التي أنجزته في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهذا ما يؤكد أنها لم تعد تستطيع مراكمة انجازات جديدة في مجال البناء الوطني والاستعداد لمواجهة العدو.

ولم تكن العديد من الفصائل بعيدة عن فخ الانشقاقات والانقسامات الذي ما زالت تعاني من ويلاته، والذي جعل منها فريسة سهلة للتجاذبات السياسية الإقليمية على حساب المصالح العليا للشعب فباتت تعيش في دوامة الأنظمة العربية والإقليمية حيث ربطت الأجندات الوطنية بأجندات تلك القوى، التي من مصلحتها الذاتية إستثمار القضية الفلسطينية لمآربها السياسية على الخارطة الإقليمية أو الدولية، وذلك دون الآخذ بعين الاعتبار للمصالح الوطنية الفلسطينية العليا إلا بالشعار اللفظي المكرور الذي لا يقدم ولا يؤخر في ميزان المصلحة الوطنية الفلسطينية.

وهنالك العديد من العوامل والملاحظات المتعلقة بالعمل المشترك في إطار منظمة التحرير، والعلاقات البينية الفصائلية، ودورها في النقابات والاتحادات الشعبية، وتشبث غالبيتها في سياسة الكوتا الفصائلية، والاعتماد على بعض أساليب التزوير و الترقيع والقفز عن اللوائح المعتمدة، وتحجيم الشجاعة الفصائلية في التعبير عن المصالح الوطنية لدرجة انتفاءها أو النقيض من ذلك بالإصرار على التمسك بالمواقف الشكلية التي لا تمت إلى المصالح الوطنية العليا بأي صلة.

في الواقع، إن احتكار الفصائل وهيمنتها على الحياة السياسية وتقييدها للحراكات الشبابية كان المحرض فيما حصل في مخيم اليرموك الذي عانى فيه اللاجئون الفلسطينيون من الضياع، والتيه، بعد انسداد الحلول السياسية، وخاصة بعد أن تهمش دور منظمة التحرير الفلسطينية (الممثل لشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني)، حيث طال هذا التهميش مختلف الأجهزة والهيئات النقابية والأطر الشعبية للمنظمة.

من هنا ومن هذا المأزق تولدت الأطر الشبابية وعاشت لحظتها وقررت العمل دون استأذان من احد ودون مرجعية حقيقية لهذا نستطيع أن نعرف مدى الحماسة والعنفوان الذي حملته توجهاتهم وأفعالهم سواء على ارض الجولان أو في مارون الراس أو في الداخل المحتل. بالإضافة إلى امتلاكهم ومعرفتهم بصورة محترفة آليات التواصل الحديثة بالإضافة إلى انسجامهم التام مع تطلعات جيلهم من الشباب العربي على امتداد البلدان العربية وهم رأوا بأم أعينهم الانجازات الكبيرة التي تم تحقيقها في تونس ومصر حيث أصبحت هذه الانجازات وهذه النماذج واقعا فعليا يمكن أن يحتذى به بالإضافة إلى هذا كله فإن فاعلية القضية الفلسطينية كان لها الأثر الكبير في اندفاعهم ، فهم يحملون إرثا تاريخيا مثقلا بالجراح وبالدماء وبالألم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل