المحتوى الرئيسى

د. هشام عبد الصبور شاهين يكتب : بين الأرض وشئ من الخوف...!

07/16 16:47

   قامت ثورة الدهاشنة في فيلم ( شئ من الخوف ) لكاتب قصته الراحل ثروت أباظة ومخرجه حسين كمال ؛ ضد بلطجة وظلم وجرائم عتريس الحفيد الذي ورث مكانته الإجرامية عن عتريس الجد، وكانت الشرارة التي أطلقت ثورة الدهاشنة من عقالها هي زواج عتريس من فؤادة رغم أنفها وبتزوير إرادتها ، ثم مقتل محمود إبن الشيخ ابراهيم المجاهر بالاعتراض على هذه الزيجة ، فتجمع أهل القرية حول جثمانه المحمول على الأعناق وهتف الشيخ إبراهيم وردّدت معه الجماهير الثائرة : ( جواز عتريس من فؤادة باطل ) وكانت الثورة التي أطاحت بعتريس وبكل بلطجيته وقوته وجبروته وسطوته، وانتهى الفيلم النهاية السعيدة بالخلاص النهائي من الطاغية وذيوله وكلابه.

 أما في ثورة فيلم ( الأرض ) لكاتب قصته الراحل عبد الرحمن الشرقاوي ومخرجه يوسف شاهين ؛ فالنهاية كانت مختلفة ، الثورة كانت عارمة وشارك فيها المضارون من أهل القرية بظلم محمود بك ، وأفكار الثائرين كانت ثورية بحقّ كإلقاء حديد الزراعية في الترعة وري الأرض عشرة أيام رغم تعليمات الحكومة ، وبدا تكاتف أهل القرية وتلاحمهم حين وقعت البقرة في بئر الساقية فتناسى الثائرون خلافاتهم وسارعوا إلى نجدتها ، هذه الروح العالية التي تمتع بها أهل القرية لم تكن لدى دهاشنة ثروت أباظة الذين احتفلوا بفتح فؤادة للهويس دون أدنى مجهود قاموا به ، وبرغم هذه الروح العالية في الأرض ؛ فمحمد أبو سويلم الثائر المظلوم الذي سلبت منه أرضه وسَحَله ضابط الأمن أمام أعين أهل قريته، إنتهى الفيلم دون أن ينال أو أهلُ قريته أيا من حقوقهم، والطاغية حقق بظلمه وجبروته وسطوته وبرجال أمنه كل ما كان يريد..

وحين نقارن الثورة المصرية بكلتا الثورتين ؛ ثورة الدهاشنة وثورة أبو سويلم ؛ فسنجد أن عبد الرحمن الشرقاوي عبّر عن ثورة يناير بطريقة أكثر واقعية وأقرب كثيرا لما حدث في ثورة مصر بعد (انتهائها) المفترض في ١١ فبراير ، فالثائرون سحِلوا ، وحول منهم من حول إلى المحاكمات العسكرية ، والمصابون أهمِلوا في المستشفيات حتى أصابت الغرغرينا أعضاءهم المصابة ، وأهمل ذوو الشهداء والمصابين حتى قالوا من يأسهم أن دماء أبنائهم راحت هدرا، والظروف كما هي لم تتغير ، والحكومة ينتمي معظم وزرائها للجنة سياسات الحزب الوطني المنحلّ ، وقرارات المجلس العسكري التي يتفوه بها رئيس الحكومة غامضة على أفهام الشعب وكأنها تخص مجتمعا آخر أو بلدا آخر ، والرئيس المخلوع كلّف المجلس العسكري بحكم البلاد وانعزل في مشفاه ذي الخمس نجوم لا يقترب منه أحد ولا يستطيع مساءلته أحد ، والشك يحيط بكل ما يمت بصلة لأعضاء عصابة الحكم (السابق) ، هل احتجزوا في طرة فعلا ؟ ولماذا لا يعاملوا كمجرمين ؟ ولماذا لا يطبق عليهم قانون الطوارئ الذي ذبحوا به إرادة الناس لثلاثين عاما ؟ واختزلت جرائم العهد المشين كلها في جهاز الكسب غير المشروع الذي بالطبع لن يجد في تصرفاتهم المالية ما يخالف القوانين التي استنوها بأنفسهم لأنفسهم ، بينما كان الشعب الغافل أنعاما يتمتع أفراده بصفات الأنعام الثلاث ؛ قلوبهم لا تفقه وأعينهم لا تبصر وآذانهم لا تسمع ؛ كما قال القرآن الكريم عنهم.

  والشيخ إبراهيم ؛ ممثل المتدينين في القصتين ربما من قبيل المصادفة ؛ أدى دوره الراحل يحيى شاهين ، لكنه كان في شئ من الخوف المعترض الأبرز ومفجر الثورة ومبتدع الهتاف الذي أسقط الطاغية : جواز عتريس من فؤادة باطل ، أما في الأرض فهو المتواطئ مع السلطة لكي لا يمس مشروعُها أرضَه ، وهذا الإسقاط لدور الشيخ المتدين له ما له في وصف الحالة المصرية بعد الثورة ، فالمتدينون ؛ إخوانا أو سلفيين أو أقباطا ؛ قد يتراءي للمرء في مواقف عديدة أنهم لا يسعون إلا لما فيه مصلحتهم السياسية في المرحلة الراهنة ، وهو التحالف الذي كان عام ١٩٥٢ بين الإخوان والثورة ، وبعدها بأقل من عامين وضحت الرؤية ونقض التحالف ، وألقي الإخوان في السجون وأعدم منهم ومن أعدم وهرب من هرب ، فهل يلقون نفس المصير بعد عامين من الآن ، أم تكون فترة الهدنة والتحالف أقصر ؟

   ومما يتطابق في (الأرض) مع ثورة ٢٠١١ أن عبد الهادي ؛ وهو ممثل الطبقة الكادحة الفقيرة في مصر، ضُرب على ظهره ثم وقف يتفرج على محمد أبو سويلم وهو يُسحل لا يستطيع أن يقدم له معونة ، ولا يقدم على أي عمل متهور فيُسحل مثل أبو سويلم، أي إن الطبقة الكادحة الفقيرة وقفت تتفرج وكأن الأمر لا يعنيها ، وهؤلاء هم سكان مصر الحقيقيون ، أهالي ٣٧٥٠ قرية هي قرى الريف المصري في الوجه البحري والصعيد، تتلخص السياسة عندهم في شيئين ؛ الخبز والماء، لا يعرفون الليبرالية ولا السلفية ، أو الديموقراطية أو التكنوقراطية ،  ولا يهم أغلبيتهم الساحقة ما يقوله بضعة محامين هنا ، أو ما يكتبه عشرات الصحفيين هناك ، أو ما يردده ضيوف ومقدمو برامج التوك شو ، أو ما ينتوي عمله السياسيون المخضرمون منهم أو الثوريون ، هؤلاء المصريون الحقيقيون هم من وقعوا تحت طائلة بضعة آلاف البلطجية واللصوص ، بعد أن كانوا ضحية بضعة عشرات من مليارديرات الحزب الوطني المنحل أيام العهد البائد.

والآن .. الموقف جد لا هزل، مئات الآلاف من شباب مصر الحقيقيين يسعون بكل طاقتهم إلى الهروب منها ليعملوا خارجها ، فالحالة لا تبشر بخير ، وسياستهم المقصورة على الخبز والماء ما عادت تكفيهم ، والخبز في توقعاتهم سيصبح صعب المنال، والماء النظيف في قراهم في حكم المحال ، وهم يرون أنفسهم مهملين كسابق عهدهم ، وعبد الهادي لن يبقى طول حياته يتفرج على زميل كفاحه وهو يُسحَل...! واسلمي يا مصر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل