المحتوى الرئيسى

الفساد في أحضان حادث تصادم

07/11 11:54

بقلم: سمير الوسيمي

مررتُ على المستوى الشخصي خلال اليومين الماضيين بلحظاتٍ عصيبة إثر تعرُّض زوجة أخي وطفلتيهما إلى حادث تصادم عنيف في طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي بالقرب من مدينة السادات؛ حيث اصطدمت سيارتهما الدايو بسيارة نقل "تريلا"، وداست عجلات الأخيرة على مقدمة السيارة الدايو تمامًا وهربت من موقع الحادث قبل أن يحصل أحد من أصحاب السيارات المارة على رقم سيارة المعتدي ليهرب دون رادعٍ أو حساب.

 

أكاد أؤكد أنه وبمجرد سماعي الخبر من أخي الصغير في التاسعة من صباح جمعة العدالة والتطهير الموافقة 8 يونيو الماضي وأنا لا أستطيع تمالك أعصابي من كمِّ الفساد الصحي الذي واجهته فور توجهي لمستشفى السادات العام؛ حيث تم نقل المصابين إليها بواسطة إسعاف الطريق الصحراوي.

 

وفي الحقيقة ربما يتحدث أحد أنها تجربة شخصية إلا أني أعرض عليكم ما حدث وأترك للقارئ العزيز تحليل الوقعة وتبعاتها لنعلم جميعًا في نتيجةٍ حتميةٍ لماذا قامت ثورة 25 يناير العظيمة، ولماذا الدعوة لاستمرار فعالياتها ومحاربة الفساد والفاسدين ومحاكمتهم والضرب بيدٍ من حديد على كل مَن يتصدى للدفاع عن النظام السابق الذي أهدر كل مقومات حياتنا العامة.

 

الفصل الأول

وصلت إلى مستشفى السادات العام قرابة الساعة العاشرة والنصف صباحًا لأجد أخي الصغير طارق وبعض أقارب زوجته يهرولون هنا وهناك باحثين عن طبيبٍ يُساعدهم في التعرُّف على حالة ذويهم علمًا بأن الحادث وقع في الخامسة صباحًا، وبشكلٍ عفوي سألتُ "إيه الأخبار" ليرد عليَّ الواقع بوجود زوجة أخي وابنته في غرفة لا ترقى لأن تكون مقلب زبالة، وعلمت أنها مكان الاستقبال، وأنهم بالمستشفى أجروا لهما بعض الإسعافات الأولية من خياطةٍ وجبس وغير ذلك من الإجراءات التي تبيَّن لنا فيما بعد أنها خطأ؛ ما دفعنا لإعادة العلاج مرةً أخرى بمكانٍ آخر أكثر آدميةً.

 

الغرفة مليئة بالذباب، وكذلك الحال في جميع أروقة مستشفى السادات؛ ما اضطرني إلى تكليف اثنين من أقاربنا فقط ليقوموا بمحاولة محاربة الذباب المهيمن على الحالات المصابة خوفًا منا من انتقال ميكروب إليهم؛ لأن جروحهم مفتوحة، وذهبنا جميعًا نسأل عن الطبيب الجرَّاح بالمستشفى فأخبرونا بأن الجراح غادر المستشفى، وأن الطبيب الموجود غير متخصص وينصح بحجز المصابين للغد لحين ما يأتي متخصص، وكأنَّ الوقت ليس له أي اعتبار أمام حادث مروع والحالات تتأوه من شدة الألم.

 

طالبنا الموجودين بالمستشفى بجلب سيارة إسعاف لنقلهم للقاهرة لمعالجتهم بالدمرداش الجامعي فجاءت الإجابة بأنه لا يوجد إسعاف لديهم؛ لأن سيارتهم تنقل حالة أخرى للقاهرة، وبعد محايلات اتصلوا لنا بالإغاثة لجلب سيارة إسعاف مقابل أن ندفع لهم قيمة النقل؛ لأن المأمورية خارج منطقة السادات، وأكدنا لهم موافقتنا تمامًا مقابل سرعة التنفيذ.

 

وبعد انتظارٍ طال قرابة الساعة إلا ربع وصلت سيارة إسعاف تابعة للإغاثة، ولكن كان معها حالة طارئة لسيدة كبيرة في السن مجهولة الاسم وفي حالة متردية نتيجة كسر في الجمجمة، ونزيف حاد لتعرضها لحادث طريق، وهرول رجال الإغاثة (الإسعاف) دون أي مساعدة من استقبال المستشفى يجرون سرير المرضى بالسيدة العجوز؛ ما دفع أحد رجال الإغاثة للصراخ حتى يساعده أحد دون أية استجابة.

 

ثم طلب من إحدى الممرضات شفاطًا ليقوم بإجراء طبي للسيدة إلا أن الممرضة قالت له ربما يكون لدينا ثم لم يجدوا شيئًا يعالجون به السيدة العجوز حتى هاج المسعف واتصل بإدارته التي قالت له سلمها في الاستقبال واحصل على تذكرة وارحل، والأمر يكون في رقبة المستشفى، في الوقت الذي كنا نسمع فيه الحوار؛ لأنه يتحدث عبر جهاز نداء آلي في استقبال المستشفى.

 

وفي منتصف المحادثة استوقفه نائب مدير المستشفى المناوب ليقول للمسعف "مش قلت لك ملكش دعوة أنت والست بتموت وجرحها كبير ولا يوجد لدينا أي حل طبي بمستشفى السادات ولا أطباء واتركها حتى تموت وسننزلها للمشرحة بعد أن تموت"، ثم استوقف المسعف مرةً ثانية وجاءت مفاجأة أخرى أنه قال "لأ لأ قل للإغاثة لن نستطيع إبقاؤها هنا فلدينا عطل دائم في ثلاجة المستشفى، ولن نستطيع تركها هنا بعد موتها"؛ ما اضطر المسعف لإعادة أخذ السيدة معه في سيارة الإسعاف ولا يعلم أين الوجهة التي يجب أن يتجه إليها ولكنه يحاول إسعاف السيدة.

 

بعد كل هذا أخبرنا المسعف أنهم كانوا سيأخذوننا إلى القاهرة، ولكن جاءت إليهم التعليمات بعدم الخروج من محافظة المنوفية لوجود مظاهرات بالقاهرة، وحاولت إقناعه أننا سنذهب عبر المحور والدائري ثم صلاح سالم إلى العباسية ثم الدمرداش دون الاقتراب من ميدان التحرير، ولكن لا حياةَ لمَن تنادي وبالفعل رفضوا نقل الحالات بدعوى وجود تعليمات.

 

وأتساءل هنا: هل من حق أحد أن يمنع الإسعاف من نقل مصابين في حالةٍ خطيرة دون إنقاذ حياتهم بدعوات واهية، ولمساعدتي قال لي المسعف يمكن نقلكم إلى "الكارتة" وأنتم تستكملون، فبالله عليكم هل يُعقل أن الإسعاف ستنقل مصابين وتتركهم في الشارع عند نقطة تحصيل الرسوم ونحن ننقلهم على ظهورنا مثلاً للقاهرة؟!!!

 

الفصل الثاني

قررنا نقل المصابين في سيارتنا الملاكي، وبالفعل فعلنا ذلك واتجهنا إلى القاهرة ووصلنا مستشفى الدمرداش على أمل إنقاذنا، وبعد أن مكثنا لقرابة خمس ساعات عانينا خلالها أشد أنواع المرار من التعامل السيئ والصعود والنزول وترك البطاقات مقابل تذكرة الأشعة وإعادة الأشعة مرات ومرات للخطأ فيها، ورجل المناولة الذي يبصق على الأرض طوال رحلة مرورنا عبر الأقسام المختلفة وكأنه في الحمام وليس في مستشفى، وطوال هذه الفترة لم نتوصل لأي طبيبٍ يفيدنا بتقريرٍ عن حالة الأم والطفلة الذين يعانون أمام الجميع دون أن يساعدنا أحد إلى أن قررنا أنه لا بد من سحب أهالينا المصابين والتوجه لمستشفى لندفع أموالاً مقابل الحصول على خدمة وعلى معلومات تفيدنا في اتخاذ القرارات العلاجية مع أطباء مستوعبين دور المنظومة الصحية في الحفاظ على صحة البشر وحياتهم واحترام المواطن المصري؛ الأمر الذي فقدناه تمامًا في مستشفيات مثل السادات والدمرداش.

 

انتقلنا إلى مستشفى الزيتون بالأميرية، والذين استقبلونا بشكل جيد، وقاموا باللازم تجاه الأم والطفلة، ثم انتقلنا بالأم إلى مستشقى القبة العسكري لاستكمال جزءٍ من العلاج لا يتوفر بمستشفى الزيتون.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل