المحتوى الرئيسى

ثقافة الاعتذار و(نصاحة) الاعتذار

07/11 15:36

أيمن الجندي

يتعلم الإنسان حتى آخر لحظة فى حياته، ويأسف على أنه تعلم الدرس متأخرا، ولو تعلمه من قبل لوفّر على نفسه المتاعب.

هذه حكمة الشيوخ إذن، والتجارب الإنسانية المُكررة عبر آلاف الأجيال. المعرفة التى ينقلها الراهب البوذى إلى الصبى الأصفر ذى العيون الضيقة فوق هضبة التبت، والحكمة التى يبثها الحكيم الهندى إلى الصبيان السمر على ضفاف نهر الجانج، وتجربة الأيام التى يعلمها الشيخ العربى إلى حفيده وهو مستند على جذع نخلة، يشرب القهوة العربى بالهيل، وتمتد الصحراء أمامهما بلا حدود.

والعجيب أننا نهتم كل الاهتمام بالعالم المادى، ونقيم المليونيات رجاء إصلاحه، ثم لا يهتم أحد بالعالم النفسى الموازى لهذا العالم المادى، وننسى أنه مهما صلح العالم المادى فإننا نستقبله من خلال نفوسنا، فإن طابت نفوسنا فكل ما نستقبله جميل! وإن لم تطب فكل ما نستقبله قبيح.

ومن جملة ما علمتنى الأيام ثقافة الاعتذار التى أؤثر أن أسميها (نصاحة) الاعتذار! كنتُ فى الماضى إذا لامنى أحد دافعتُ عن نفسى بالحق أو بالباطل، ويعلو صوتى وأنفعل، وأحاول أن أثبت أننى رائع! ثم وجدت، مع مرور العمر، أننى أتعب نفسى بلا مُبرر، وأُضيع مجهودى هباء. وبنوع من المكر الحميد أصبحتُ حين يلومنى أحد - حتى لو لم أكن مخطئاً - أرسم على وجهى معالم الأسى، وأقول بصوت خافت: «تصدق إن عندك حق!»، وبذلك ينتهى الأمر فورا وينقلب اللائم إلى الإشادة بمزاياى.

هذه ليست (تُقيّة) لأننى لا أخشى لائمى، ولكنى أنأى بنفسى عن وجع الدماغ. أما من الناحية الأخلاقية، فأنا أعرف أننى أخطأت فى أمور أخرى قد سترها الله على! وبالتالى فأنا - فى حقيقة الأمر - مُستحقٌ للوم وإن اختلفت الأسباب.

وهذه الحكمة أهديها إلى قرائى، وأهديها أيضا إلى من يُطلق عليهم (الإسلاميون). ورغم أننى لا أحب هذا الوصف أبدا، وكلمة (مسلمين) أحب إلىّ من هذه الكلمة ذات الرنين المُفتعل، لكن ليس هذا هو الموضوع.

هل تذكرون اللقاء الذى جمع بين خالد منتصر وصبحى صالح؟ ما كان أسهل على صبحى صالح أن يعتذر فورا عن تصريحاته غير المُوفّقة وينتهى الأمر فورا، ووقتها كان سيكسب الاحترام!

الشىء نفسه عن الشيخ الحوينى وحديثه عن الجهاد الذى يؤدى إلى استرقاق العبيد وبيعهم كلما احتاج المرء نقودا، ما كان أسهل أن يقول إنه أخطأ فى تنزيل أحكام الماضى على واقعنا المعاصر رغم اختلاف الظروف!

وحتى سليم العوا، القامة الفكرية السامقة، أدهشنى أنه رفض الاعتذار عن (إخوان الشياطين) التى وصف بها من ينادون بالدستور أولا! مع أن اعتذاره كان سيزيد من احترامه وشعبيته. أما (أنصح) الجميع والذى غلبنى شخصيا، فكان الشيخ يعقوب الذى أشهد له بخفة الدم حين تراجع فورا عن غزوة الصناديق و(اللى مش عاجبهم مع السلامة!)، وقال إنه كان (بيهزر)!

تعلموا يا ناس ثقافة الاعتذار، وإن شئتم فسمّوها (نصاحة) الاعتذار.

نقلا عن (المصري اليوم)

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل