المحتوى الرئيسى

صراع الأجيال العربية في أوروبا في رواية الترياق للسبعاوي بقلم:د.محمد بكر البوجي

07/07 14:46

     صراع الأجيال العربية في أوروبا  في رواية الترياق                         للسبعاوي

الدكتور محمد بكر البوجي ، جامعة الأزهر، غزة

 

نلاحظ التأزم من عنوان النص ( البحث عن الترياق في بلاد واق الواق ) في ص 23 يشرح الكاتب معنى واق الواق ، ونفهم منه أنها تعني الغريب الغريب  بلغة السكان الأصليين للقارة الاسترالية(الأبورجينز) ،فكأن الغربة عن الوطن هي السم ،يضاف إليه سم المجتمع الغربي وحضارته المادية ،فأين الترياق في النص ؟هل هو العادات والتقاليد الشرقية ؟ أم أن هذا الترياق قد فشل فأودى بأصحابه إلى الجنون أوالانتحار .إن هذه الشخصيات لا تزال تبحث عن الترياق ( الذي هو علاج لسم الأفعى ) وستظل تبحث عنه حتى نهاية العمر . يتبلور قلق الكاتب في التحول الكبير الذي يطرأ على الأسرة الشرقية في بلاد الغرب ، وما ينتاب هذه الأسرة من صراعات بين الجيل الذي جاء من الشرق بتقاليده وثقافته ،وبين الجيل الذي ولد في بلاد الغربة وتشرب ثقافتها . سبق أن عالج العديد من الروائيين العرب  هذه الظاهرة بصورة فردية ، وليست كما  الكاتب عبد الكريم  السبعاوي  بصورة جماعية ، فالبطولة هنا ليست ملك لشخص واحد  كما هو عندهم ، فقد كتب الطيب صالح ( موسم الهجرة إلى الشمال) وكتب توفيق الحكيم ( زهرة العمر ، وعصفور من الشرق ) وكتب سهيل إدريس ( الحي اللاتيني ) وكتب علي الدوعاجي التونسي (جولة بين حانات البحر لمتوسط) ورشيد ميمون الجزائري كتب روايته الشهيرة (شرف القبيلة) وكتب  يحيى حقي (قنديل أم هاشم) .فقد وصلوا  جميعا إلى نتيجة مؤداها رفض  الثقافة الغربية بعد أن حاولوا  الجمع بينها وبين الثقافة الشرقية ، فقد فشلت جميع الزيجات التي تجمع بينهما ، لكنهم يبقون على الحوار والتفاهم بين الجيل القديم  والجيل الجديد ، كاتبنا السبعاوي نحى المنحى نفسه ، لكن الأوضاع عنده تأخذ منحدرا مأساويا في شرف العائلة وشرف الثقافة العربية ،وهي محاولة للقطيعة بين الجيلين ،كما تصور الرواية محاولة سيطرة الجيل القديم على الجيل الجديد ، لأن كل جيل يفقد حريته بصورة مختلفة ،فالأبناء يتمردون على سيطرة الآباء ، والآباء يفقدون حريتهم من خلال الصدمة الحضارية ومحاولة الاحتفاظ بالقيم الشرقية في صدورهم ،مما يؤثر على سلوكهم ،يقول الدكتور علي زيدان عن الأولاد الصغار (الجميع - يقصد أولاده - يجيدون العربية قراءة وكتابة فقد حرصنا أنا وأمهم على أن تظل جذورهم العربية خضراء 0قالت الزوجة : ليست اللغة فقط 00ولكن

 

                                           1

 

 

العادات والتقاليد والأخلاق )ص18 وقد تأزم الأمر في الرواية على مستويين ، اللغة ، والعلاقات الاجتماعية 0أما الأزمة الأولى فقد حددها الراوي من خلال استخدام أكثر من لغة ،فصحى وعامية وانجليزية ولهجة لبنانية 0أما المشكلة الاجتماعية فنلخصها بقول الكاتب على لسان الجيل الجديد (إن مشكلة الآباء في هذه الديار أنهم ديناصورات منقرضة )ص43 فالجيل الكبير هو الجيل الذي رأى الاستعمار في بلاده ،وكافح من أجل الحرية ، لكن المطاف انتهى به إلى أحضان مجتمع يمثل ثقافة استعمارية ،وهذا مصدر الأزمة على طول النص وعمقه ، إذ لاحظنا اضطرابا نفسيا لدى هذا الجيل فهو يتعامل مع أبنائه بصورة ضاغطة لا تخلو من روح قمعية. ويتلخص موقفهم في هذه الجملة التي تحمل الكثير من الأسى والمرارة (أنهم يحولون بيننا وبين أولادنا حتى لا ننشئهم على ثقافتنا )وإن كنا قد لاحظنا بعض التعايش في رواية الحي اللاتيني وقنديل أم هاشم فإن رواية السبعاوي أوصلت الصدام إلى حافة الهاوية ،فقد انتحرت أو أصيبت بالجنون معظم الشخصيات الرئيسة في النص ،وهذا يذكرنا بانتحار مصطفى سعيد بطل موسم الهجرة إلى الشمال لأنه غير قادر على التعايش مع مجتمعه السوداني المتخلف بعد أن ذاق حلاوة الحياة في لندن0وتجسد مدينة ملبورن الاسترالية أرضا لهذا الصراع ، فقد أصاب العائلات العربية الضياع وتفشى التفكك بين أبنائها جميعا ، إنه مكان يبتلع من يذهب إليه ويفككه مهما كان صلبا في ثقافته (فهي امرأة متقلبة المزاج ) ص7 0لقد صب الكاتب أحداث روايته التي عاصرها في قالب سردي يعتمد على أنواع متعددة من تقنيات السرد الروائي مما أعطى الكاتب حرية في الحركة وتحررا من القيود ، وتكثر في الرواية المفارقات المضحكة والتعليقات الساخرة التي تضفي على الأحداث خفة محببة ، حتى انك مجبر على حب أبو جيمي رغم كذبه الذي يحتوي على نقد سياسي لاذع فيتحول الموقف من الجد إلى الهزل ويخفي الطابع النقدي اللاذع الذي يميز أسلوب الكاتب في مجمل أعماله 0وهذه الطريقة في معالجة الموضوعات الحساسة أنجح من أسلوب النقد المباشر 0كما تعتمد الرواية على التصوير الكاريكاتوري لتبرز الشوائب والتصرفات الغريبة بأسلوب شيق ولاذع 0 استطاع الكاتب أن يحدد مفهوم الحرية في بلاد الغرب برؤية شرقية ، وهذا هو سر الأزمة لدى الثقافة العربية ولدى شخصيات الجيل القديم الذين يحاولون نقل هذه الرؤية إلى الجيل الجديد الذي يتعلم في مدارس استراليا ثقافة ومفاهيم مغايرة تماما ، انظر إلى قصة الطفلة التي تتعلم في المدرسة شيئا عن الحرية ثم يحاول والدها أن يلغي هذه المفاهيم ليضع مكانها تعاليم شرقية نظرية غير قابلة للتطبيق في المجتمع الجديد ص101 فيقع هؤلاء الأولاد في حيرة لم يستطع الكاتب أن يتعمق فيها كثيرا ، وإنما نجح في تحليل مأساة أبناء جيله من أولياء الأمور والذي يصعب عليهم التخلي عن قيم تشربوها في بلادهم 0وهنا

 

                                            2

 

 

 

نتساءل ، دعونا نتساءل ، هل الحرية هي الاختيار ؟ فإذا كان الأمر كذلك على الأرجح فإن معظم شخصيات الرواية لا خيار لها سوى عباءة الأب ، إذن الحرية شبه معدومة لمعظم الشخصيات ، لأن الإرادة الواعية هي الدليل الوحيد للحرية ، فهل كان الكاتب حرا في أن يكتب ما عايشه بصورة مكشوفة ، وهل هذا عرض لمعايشة جديدة ؟ نحاول تحديد هذه المعايشة لنوضح انتقال الإنسان من حالة محايدة إلى حالة متصادمة ، يقتل الإبداع ويفجر لديه الرغبة في هجر المجتمع أو الانتحار 0اذا مفهوم الحرية غامض ومتناقض بالنسبة للمجتمع العربي في استراليا إلا إذا اتخذنا من ( مي ابنة عبد الحميد السلطان ) نموذجا لترجيح اختيار دون آخر ، فهل الأب هنا يسمح بالاختيار والتنقل بين المستويات ؟ ويشمل هذا الاختيار كل مقومات الحياة هنالك ، مساحة وتوجها ومرونة في الحركة والدافعية والمعلومات والمعنى ، عندئذ سنقع في المحظور ، لهذا لم يكن أمام ( مي ) من خيارات كثيرة فهي مقيدة داخل الأسرة وتعاليمها الشرقية، في الحدود الأوسع قليلا من (رلى بنت سعيد غيث ) المقيدة بصورة غريبة إلى درجة أن سعيد والد ( رلى ) قد دفع ابنه الصغير ( كمال ) ابن السنوات الخمس لحفظ الشعر الجاهلي 0 ومن أهم الشخصيات المتحررة من قيود الماضي ومتجهة إلي الجيل الجديد تنظر إلي الواقع بعينين اثنتين إنها (رلى ) التي تقول ( العرب هنا يكيلون بمكيالين .. ففي حين يتركون للولد الحبل على الغارب .. يحاصرون البنت بموسوعة من الأوامر والنواهي ابتدءا من طول الفستان .. وانتهاء بعدد الساعات المسموح بقضائها خارج المنزل .. حتى لو كانت هذه الساعات مخصصة لمحاضرات الجامعة ) ص23 هنا تضع رلى يدها على لب الإشكالية لدى الجالية العربية في الغرب , فلازال العرب يحملون معهم الشرق بعادته وتقاليده يحاولون فرضها على الجيل الجديد الذي يولد في الغرب ويدرس في مدارسهم ويعيش معهم في شوارعهم , هذا الذي استوقف رلى , وتطالب أن تتعامل الأسرة مع الجنسين بروح واحدة ومكيال واحد , فكيف يسمح  للشاب أن يفعل ما يشاء و تسكت الأسرة عنه بحجة أنه رجل تجوز له كل سفالات العالم بحجة أن الرجال قوامون على النساء --- أرى أن مفهوم القوامة أي قائم على خدمة المرأة--- , بينما الفتاة مثل الزجاج ينبغي ألا تنكسر إلا أمام زوجها . رلى صدت كل محاولات التودد إليها من زملائها الاسترال في المدرسة وكانت تحتمي كالقنفذ حول موروثها من عادات وتقاليد وحرام وعيب  , مما أفضى بها إلى نوع من العزلة , حتى عند بنات فصلها , فكانت أشبه بالمعقدة , مما دفع الباحثة الاجتماعية لاستدعائها ودراسة حالتها , وكانت دائما رلى تقول إن زملائها العرب انشغلوا عنها برفيقاتهم الشقراوات الأجنبيات , أما هي فلا  ينظر إليها أحد ولا يجوز لها التعامل مع غير المسلم , بخلاف الولد الذي يجوز له كل شيء , لهذا فكرت بالهرب مع أول صديق أجنبي تعرف عليها ( لم أكن مجرد فتاة عادية .. تنتمي لثقافة مغايرة كما توهم أبي ..

 

                                               3

 

 

 

كنت مريضة وبحاجة إلي طبيب نفسي .. وكان يمكن أن أبقى كذلك إلي الأبد  لولا  أنني قابلت فرانك ) ص85فرانك زميلها في المدرسة ثم في الجامعة كان يضايقه عزلتها , حاول التصدي لها , أمعنت في تجاهله , وفي المقابل كانت تتذكر تجربة لها مع ناظر المدرسة الإسلامية عمر الشحات في غرفته عندما أغلق باب الغرفة ثم ضمها إلي صدره ضمة كادت أن تزهق روحها . عمر الشحات صاحب نزوات متكررة مع طالبات غيرها , كانت تتمنى رلى أن ينظر إليها شاب في عمرها من المسلمين . لم تكن رلى إلي هذا الحد من التصادم مع عائلتها , فعندما بلغت السادسة والعشرين من عمرها قررت الاستقلال عن عائلتها مع شاب استرالي , كانت دائما تفكر في مصير العائلة وموقفها أمام أبناء الجالية فأصبح وجهها  شاحب كوجوه الموتى , كانت دائما في حالة انهيار ،حالة من الصراع الداخلي بين حرية الجسد والعقل وبين ثقافة البيت القادمة من هناك . لهذا كانت لا تتمنى لأحد غيرها خوض هذه التجربة القاسية فقالت في رسالتها لوالدها ( فقط انسوني وعيشوا حياتكم بدوني , عودوا من حيث أتيتم فهذه البلاد لا تناسبكم لا تعرضوا باقي أولادكم للتجربة التي عشتها ) ص148 شخصية رلى حسمت الموضوع لصالح تجربتها الشخصية فلكل مجتمع ثقافته الخاصة التي لا يجوز لأحد الخروج عليها أو أن يعيش الإنسان بروحين في جسد  واحد , لقد  أزاحت المسافة المتبقية بين الثقافتين , إنها تمثل تمرد المرأة نحو حياة مستقرة وهذا يعد طرحا جديدا لقضية تطبيق العادات والتقاليد على الشاب والفتاة في بلاد الغرب، فلا يجوز أن تتجمد قوانين الشريعة المعمول بها  في الشرق في بلاد تحمل عادات وسلوك مختلف 0نرى أنه من الأفضل إعادة النظر في هذه القضية بجرأة وشجاعة و فتوى تصلح لمكان جديد وعصر جديد .   أثارت الرواية قضية الفتاة المسلمة في أوروبا بشكل فاضح ،فالشبان يتزوجون أوربيات شقراوات  لأنه حلال لهم ،ويتركون الفتاة المسلمة بل ويطالبونها أن تكون ملتزمة  مدى الحياة ،ولا يحترمون الغريزة الإلهية لديها ولا توجد فكرة أو فتوى لحماية غريزتها نحو الأمومة . قال تعالى: وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " [البقرة :221] الآية هنا لا تفرق بين الرجل والمرأة  لكن المفسرين هم الذين فرقوا بدافع النخوة والغيرة العربية ،بل إن  التفسيرات الخارجة عن نطاق النص القرآني هي معطلْْة تماما للعمل بنصف هذه الآية الكريمة ، والآية ليست منسوخة  ،فيمكن إعادة النظر في تفسيرها ، لأن المسيحي هو من أهل الكتاب وليس مشركا،والقصد بالإيمان في هذه الآية هو الإيمان بوحدانية الله وآخرته، كما جاء في الأديان

 

 

                                             4

 

 

 

 

الإبراهيمية السماوية الثلاث ،جاء في العهد القديم :( أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري)أشعيا 44 ،وجاء أيضا :( لأني أنا الله وليس من إله آخر .أنا الله وليس من إله مثلي)أشعيا 46 9، وجاء في العهد الجديد:((لا صالح إلا الله وحده)مرقس 108،وجاء أيضا:(وأن لا إله إلا الله الواحد)كورنتس8 ،  القضية إذن قابلة للنقاش حسب ضرورة العصر والحالة الجديدة. فلا اجتهاد ولا غيره مع وجود نص قراني صريح.نحن نحترم إجماع العلماء قبل أكثر من  ألف عام  لكن من حقنا أن نقول من خلال فهمنا المعاصر لهذه الآية الكريمة والواضحة وضوح الشمس في الهاجرة أن ما ينطبق على الشاب المسلم في أوروبا ينبغي أن ينطبق على الفتاة المسلمة أيضا والعكس صحيح ،هذه ليست فتوى وإنما رأي قابل للنقاش على أرضية أن كلام الله لا يعلو عليه كلام آخر ، لأن مقاصد الشريعة هو حل قضايا الناس في كل عصر، وهذا طريق جديد أيضا لنشر الدعوة الإسلامية ،فالمرأة المعاصرة تفرض سطوتها على الرجل والبيت0

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل