المحتوى الرئيسى

نصف الراتب ولا أحد فوق الجوع بقلم: دكتور سعيد عياد

07/05 20:14

نصف الراتب ولا أحد فوق الجوع

بقلم / دكتور سعيد عياد

مئات ألاف المواطنين ابتداء من اليوم سيتعين عليهم أن يتناولوا نصف وجبة من الطعام ونصف كأس من الماء وأن يرتدوا نصف الملابس وأن يلتحق أبناؤهم لنصف فصل في الجامعات وأن يستقلوا المركبات العمومية ذهابا دون إياب وأن يتحدثوا نصف الكلام لكي يحتفظوا بطاقتهم لما تبقى من صراخ وآلم.ولكن عليهم دون تردد أن يفقدوا الأمل كله بعد أن كان لديهم إلى ما قبل نصف الراتب نصف أمل.ويبدو أن لعنة النصف ستبقى السيدة والسائدة في حياة الفلسطينيين بعد أن انشطرت جغرافية السلطة الوطنية إلى نصفين، وبعد أن انشطر وعيهم الجمعي منذ زمن إلى نصفين، نصف تشده اللحظة التاريخية ونصفه تشده لحظة ""أوسلو"" التاريخية أيضا.

الراتب منذ بضعة أشهر تحول في أغلب البيوت الفلسطينية في الضفة وغزة إلى قلق لا يقل عن قلق استمرار وجود الاحتلال الذي يستمر في تهويد الأرض وقتل الإنسان.ما أن يقترب الشهر ليطوي أيامه الأخيرة حتى تبدأ دقات القلب تدق جدار المجهول المرفوق بصمت الحكومة، إنه هاجس يلاحق المعيل في يقظته وفي سباته إن كان أصلا قادر على اقتناص سنة من نوم.كل الأحلام بجميلها وبكابوسها توارت ولم يتبق إلا السؤال الحلم للمواطن صغيرا كان أم كبيرا معيلا كان أم معالا أو عائلا موظفا كان أم بائع خبز هل ستدفع الرواتب هذا الشهر ؟

سؤال تلح به أثقال من هموم قروض البنوك وفواتير الماء والكهرباء وأقساط أطفال المدارس وشيكات ستغدو بدون رصيد والمصير سيكون قيد من حديد.سؤال يلاحق ربيّ المنزل ومواطنا أتعبته الديون وطالبا ينتظر نتيجة الثانوية العامة يلح على والده توفير قسط الجامعة.

الحكومة مرهقة ماليا وعاجزة عن جسر ديون متراكمة شهريا بما لا يقل عن ثلاثين مليون دولار.حكومة مديونة لبنوك فلسطين بمئات الملايين، إذا هي كما الشعب مديونة، وإذا تساوت الحكومة والشعب في الجوع فهذا يعني قمة الديمقراطية، وقمة الشفافية، فبعد اليوم لا أحد فوق الجوع ولكن الفارق أن الحكومة حكومة، والمواطن مواطن وبدون حكومة قد يفقد نصف المواطن فيه فسيعيش نصف حياته ولكنه لن يعيش بنصف كرامة.

الحكومة مسئولة عن لجم الجوع والحكومة مسئولة عن نصف مواطنة المواطن والحكومة مسئولة عن عدم إقامة مشاريع إنتاجية ومسئولة عن شبه اقتصاد متعثر ومسئولة عن عدم توفير مصادر ذاتية للدخل ومسئولة عن بقائنا عالة على دول المانحين.وكلنا مسئولون مواطنون وحكومة لأننا قبلنا أن نغادر لحظتنا التاريخية لنعيش وهم لحظة "" أوسلو"" ومنتجاتها التي سلبت من نصف مواطنتنا ونصف كأسنا الممتلئ وإن كنا جميعا نحتفظ بكل كرامتنا العصية على الجوع والعصية على الاحتلال.

ويبقى السؤال هل معضلة "النصف"" التي تلاحقنا ستدق جدران الخزان، فهل ستختفي من شوارعنا سيارات الأرقام الحمراء الفارهة وهل سيختفي البذخ في الاحتفالات والمراسم وهذا غيض من فيض، والأهم هل ستعاد العدالة الاجتماعية إلى نصابها ليتساوى الناس ومنهم الموظفون بحيث لا يبقى موظف في موقع عمل خطر يتقاضى ثلاثمائة دولار وموظف مترف في مكتب مكيف يتقاضى عشرة أضعاف راتب الموظف الغلبان، على الأقل حتى تكون هناك عدالة في آلم الجوع الذي يتسببه نصف الراتب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل