المحتوى الرئيسى

انجازان حققهما العدو...فهل نمنعه من الانجاز الثالث..بقلم:معن بشور

07/05 18:57

انجازان حققهما العدو...فهل نمنعه من الانجاز الثالث...

معن بشور

"انجازان" حققتهما تل أبيب خلال أسبوع واحد، وهي تسعى "لانجاز " ثالث ينبغي بذل جهود استثنائية لمنع تحقيقه.

الانجاز الأول الذي حققه العدو يتمثل في نجاح المسعى الإسرائيلي في منع انطلاق أسطول الحرية -2- من اليونان باتجاه غزّة لكسر الحصار على مليون و800 ألف إنسان فلسطيني يشّكلون، مع كل أبناء شعبهم، شهداء وشهوداً يوميين على أطول عملية انتهاك متمادية لحقوق الإنسان وللقرارات الدولية في التاريخ المعاصر، ومما ساعد تل أبيب على تحقيق هذا الانجاز هو أن أمين عام الأمم المتحدة، وخارج صلاحياته، دعا حكومات العالم إلى منع سفن أسطول الحرية من الخروج من موانئها، بالإضافة إلى تخلي النظام الرسمي العربي، لاسيّما النفطي فيه، عن مدّ يد العون المالي إلى اليونان لمواجهة أزمتها الاقتصادية والمالية، في حين أن آلاف المليارات من الدولارات العربية كانت تهرول لحل الأزمة الاقتصادية والنقدية الأمريكية. وهو الأمر الذي جعل حكومة اليونان فريسة الابتزاز الصهيوني والأمريكي لمواجهة أزمتها الاقتصادية والمالية المتفاقمة.

الانجاز الصهيوني الثاني تحقق مع ّنجاح دوائر متعاطفة مع تل أبيب في دفع السلطات البريطانية لاتخاذ قرار بإبعاد الشيخ المجاهد رائد صلاح عن بريطانيا بتهمة معاداة السامية، وهي تهمة لم تستطع كل المحاكمات الإسرائيلية، رغم حقدها على الرجل، أن تثبتها ضد هذه القامة الفلسطينية العالية التي أصّرت على رفض قرار الإبعاد والبقاء في السجن البريطاني حتى تأخذ العدالة مجراها بالنسبة للتهم الموجهة إليه.

لقد كشف الانجاز الأول أن البحر الأبيض المتوسط بات مجرد بحيرة إسرائيلية تتحكم بمرافئه وسياسات دوله وسياداتها المشيئة الصهيونية الإرهابية، وأنه إذا أفلتت هذه الدولة أو تلك من هذا التحكم مرّة فإنها سرعان ما تعود إلى الانضباط تحت سقفه، والالتزام بقرارات تصدرها تل أبيب وتنفذها عواصم الدول المتشاطئة على ساحل المتوسط، بما فيها اليونان، التي نذكر باعتزاز إن تظاهرات الغضب من العدوان الإسرائيلي على لبنان قد عمّت مدنها كافة في صيف 2006، والتي نذكر أيضاً أن رئيس حكومتها الراحل أندرياس باباندريو، والد الرئيس الحالي جورج باباندريو، واحد من أبّر أصدقاء فلسطين إلى درجة أنه فتح بلاده لتكون مقراً لقيادة منظمة التحرير أثناء غزو لبنان 1982.

كما أثبت الانجاز الثاني الذي حقّقه العدو أن السلطات الأمنية في بلاد الغرب باتت في أحيان كثيرة مجرد امتداد للسلطات الإرهابية الإسرائيلية، كثيراً ما تنّفذ قرارات تعجز حكومة تل أبيب أن تنّفذها.

أما الانجاز الثالث الذي يسعى العدو إلى تحقيقه منذ زمن فهو في تحويل مطلب الحقيقة والعدالة في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذي يجمع اللبنانيون على تحقيقه، إلى مشروع فتنة داخلية كبرى يعرف اللبنانيون، أكثر من غيرهم، مخاطرها على استقرار بلدهم وأمنه ومستقبله.

وتتوخى الدوائر الحاكمة في تل أبيب، ومن يدعمها في واشنطن وبعض عواصم الغرب، استخدام القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لتحقيق هدفها هذا عبر إشعال فتنة أهلية تحّقق عبر العدوان القضائي ما عجز العدو عن تحقيقه عبر العدوان العسكري المتواصل ضد لبنان وإرادة المقاومة فيه منذ عقود.

ورغم أن ملاحظات وجيهة عدة، قانونية وسياسية، قد أثيرت في وجه هذا القرار الاتهامي الذي كانت تل أبيب أول من أعلن تفاصيله عبر رئيس أركانها السابق اشكنازي، ورغم الاعتراضات المدّعمة بالوثائق والقرائن التي أعلنها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في إطلالاته الإعلامية المتواصلة، يبقى السؤال مطروحاً على كافة اللبنانيين، داخل الحكومة وخارجها، كيف يمكن للبنان أن يعّطل صاعق الفتنة التي يحاول القرار الاتهامي إشعالها في لبنان دون النيل من قضيتين بالغتي الأهمية فيه، أولهما الحقيقة والعدالة من جهة، والمقاومة التي تثبت أنها درع حصين للبنان بوجه الأطماع العدوانية الصهيونية.

هذا الانجاز الثالث الذي يسعى العدو إلى تحقيقه، يكشف بجلاء كيف تتحول العدالة الدولية بمحاكمها وأجهزتها إلى "منصّة إسرائيلية" توّجه من خلالها تل أبيب "صواريخها" أو "اتهاماتها" حيثما تشاء ضد مقاوميها أو ضد الممانعين لمشاريعها ومخططاتها، فيما تتوقف كل مفاعيل هذه العدالة حين تطال من بعيد أو قريب مسؤولين صهاينة ارتكبوا جرائم حرب موصوفة وجرائم ضد الإنسانية لا يمكن التنصل من ارتكابها . الأمثلة هنا كثيرة ليس آخرها ما أصاب من إهمال تقرير غولد ستون حول حرب غزّةً، وتقرير مجزرة أسطول الحرية -1- وكلاهما صدر عن مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، كذلك مصير لجنة تحقيق دولية حول مجزرة مخيم جنين عام 2002 التي بقيت مسمّرة في مطار جنيف رغم أن قرار تشكيلها صدر عن مجلس الأمن نفسه، ورغم أن رئيسها، بالصدفة، هو فيتز جيرالد نفسه الذي ترأس أول لجنة تقصي الحقائق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وفتح له لبنان الأبواب حينها في عهد الرئيس إميل لحود والرئيس عمر كرامي والوزيران سليمان فرنجية وعدنان عضوم.

لا نوّد طبعاً في هذا المجال أن نسأل عن دور العدالة الدولية في محاكمة قتلة رئيسة وزراء باكستان الراحلة بنازير بوتو، أو محاكمة مجرمي الحرب في العراق وأفغانستان وباكستان رغم أن الأدلة على جرائم الإبادة الجماعية والقتل المتعمد والتعذيب الوحشي هناك متوفرة بالصوت والصورة، ورغم إن ضحاياها تجاوزوا مئات الآلاف من العرب والمسلمين الذين لا يتذكرهم اليوم أي من فرسان الدفاع عن "العدالة الدولية".

إن تعطيل اللغم الصهيوني يتطلب أولاً من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والتي تم انجاز التكليف والتأليف فيها على إيقاع التلويح بهذا "القرار الاتهامي" وصولاً إلى صدوره عشية الاتفاق على البيان الوزاري وجلسة الثقة، أن تتحلى، كما قال رئيسها (ومن باب إسقاط الذرائع) بأعلى درجات المسؤولية مع هذا القرار الملتحف بما يسمى بالشرعية الدولية.

بهذا المعنى فإن الحكومة مدعوة إلى تشكيل هيئة خبراء لبنانيين وعرب ودوليين، وهم متوفرون بكثرة، لدراسة مدى التزام هذا القرار بأعلى المعايير القانونية الدولية، لكي يبنوا على الشيء مقتضاه .

فالقرار الصادر عن جهة مطعون بمصداقيتها وبارتباطات القيمين عليها ليس قراراً مقدساً حتى يتم الانصياع له دون نقاش، خصوصاً إن قرار مجلس الأمن نفسه (1757) الذي أنشئ المحكمة والبروتوكول الذي انعقد بين الدولة اللبنانية ومجلس الأمن (رغم كل الشوائب الدستورية والقانونية المرافقة للقرار والبرتوكول) خوّل الحكومة اللبنانية التأكد من مدى التزام ما يصدر عن المحكمة بأعلى المعايير القانونية الدولية.

لقد طالب البعض حزب الله، قبل إصدار القرار الاتهامي، أن يتريث في تحديد موقف من هذا القرار لأن الاتهامات قد لا تكون موجهة إليه أو إلى أعضائه وحلفائه، فجاء القرار ليؤكد إن مخاوف حزب الله كانت في محّلها وإنها تستند إلى حقائق دامغة بل تكشف إن القرار كان صادراً منذ زمن بعيد لكن الإعلان عنه كان ينتظر التوقيت المناسب.

واليوم يطالب البعض ذاته حزب الله أن يسلّم أعضاءه للمحكمة، وان يستفيدوا من فرص الدفوع والدفاع المتاحة، وهم يتجاهلون إن حزب الله، ومعه كل الشرفاء في لبنان والأمة والعالم، يدرك أن حكم المحكمة هو الآخر جاهز، وان إعلان صدوره يحتاج أيضاً إلى توقيت مناسب.

وهنا ألا يحقُّ لنا أن ندعو هذا البعض، وهو الذي وقع ، منذ جريمة الاغتيال المروعّ، في سلسلة من الأخطاء والخطايا يتذكرها اللبنانيون ، (وقد اعترف بعض هؤلاء ببعض تلك الأخطاء والخطايا اعترافاً صريحا) لكي يتصرف هو الآخر بروح عالية من المسؤولية فلا يضع كل "بيضه" في سلة قرار تتقاذفه المصالح الدولية يميناً ويساراً، وهي مصالح لم تكن لتهتم أصلاً بهذه المحكمة لولا رغبتها في استخدامه ضد العدو الأشرس للكيان الصهيوني وهو المقاومة.

لقد أكدنا منذ البداية تلازم الحقيقة بالاستقرار، لأن الحقيقة تضمن الاستقرار، والاستقرار هو الطريق إلى الحقيقة، لكن المحكمة المثقلة بالتزييف والتزوير والتسييس والفساد والانحياز لا يمكن أن تكون طريقاً للحقيقة، وبالطبع لا تتوخى الاستقرار بل تسعى إلى تحقيق نقيضه أي الفتنة والفوضى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل