المحتوى الرئيسى

ما لم تغيره الثورة بعد..

07/05 10:54

بقلم: م. محمد كمال

علينا أن نتذكر أن الشباب الذي دعا إلى مظاهرات 25 يناير, وكانت مطالبه محصورة في محاسبة "العادلي" هو نفس الشباب الذي وجد نفسه في أتون ثورة شعبية كاملة، ووجد حلمه بالتغيير الكامل بين يديه؛ فلم يضيِّعْه.

 

وعلينا أن نتذكر لحظات الإلهام التي ارتفعت بسقف المطالب إلى عنان السماء, وذلك "الحماس الثوري" الذي لم يتحوَّل يومًا إلى "جنون ثوري"، وكانت المطالب، رغم كل ذلك، عادلة وعاقلة, وبعيدة عن التشفي أو التنكيل, وكان الأداء مثاليًّا وعبقريًّا.

 

وللثوار كل الحق إذا كانوا متوترين من عدم محاكمة قتلة الشهداء, وتباطؤ التغيير في مواقع قيادية عديدة في الوطن، ولكن ثمة تهديدات جذرية تحتاج إلى استمرار طهر الثورة ونقائها، وبكامل طاقتها لتغييرها:

 

أولاً: الاحتشاد السياسي القبطي

القيادة الكنسية اختارت العمل السياسي بكل أشكاله, ونجحت في حشد الأقباط سياسيًّا من منطلق الديانة، وليس التوجه السياسي، وبصرف النظر عن أسباب هذا الفعل غير المسبوق، هل هو تأسيس لمشروع استعادة مصر القبطية أو هو فعل مقاوم للحفاظ على حقوق الأقباط الضائعة أو المسلوبة؟ وهل أجبرتها الظروف على ذلك أم أنه اختيار طوعي؟ لسنا هنا بصدد تحليل الأسباب، ولكننا نرصد الظاهرة، فمهما كانت الأسباب فالنتيجة واحدة، وهي التجمع القبطي ككتلة تصويتية سياسيًّا، وامتدت لتصبح قوةً اقتصاديةً، تأخذ غالبًا قرارًا موحدًا، وقد شعر إخواننا الأقباط بالقوة، وظلت آثارها بارزةً، وظهرت تجلياتها في استفتاء التعديلات الدستورية، أي بعد الثورة، كما أن آثار هذه السياسة ما زالت ممتدة، وتحظى بشبكة علاقات دولية تدعم حقوق الأقباط في مصر، وتظهر فور كل مشكلة لها مذاقًا طائفيًّا.

 

هذه هي المادة الخام للمسألة القبطية، أما أسبابها وخريطة المطالب والحقوق فهي معلومة، مع اتفاق واختلاف الرؤي حولها، ولكن النتيجة النهائية أننا أمام واقع مجتمعي، أحسبه من أخطر ما جنته مصر في عهود ما بعد الثورة؛ لأن ردة الفعل لن تكون من الفصائل السياسية الإسلامية لأنها عاقلة، ولكن ستفاجئنا مواقف شعبية إسلامية متخاصمة مع نظيرتها القبطية، وأخوف ما نخافه أن يأتي يوم يأمر عم محمد ابنه بأن يأتي بالعيش من المحل المسلم وليس المسيحي.

 

بزعمنا ليس ثمة مشكلة طائفية بمعنى تنازع طائفتين على حقوق متمايزة، وليس ثمة كراهية أو تحفيز بين المسلم وأخيه القبطي، ولكن استمرار الاحتشاد على أساس ديني، من شأنه أن يؤسس لاحتقان مبرر من الجانبين، ونرى أن تبادر الكنيسة بخطوة أولى هي الأصعب، بأن تبدأ تفكيك مؤسسية هذا الاحتشاد، وإعلاء خطاب حرية الانتماء السياسي للأقباط، كما أن النقاء الثوري والقوى السياسية ينبغي أن يسبغوا طمأنينتهم على الأقباط، فيرفعوا راية الحقوق المتساوية؛ لتنشأ قوة دافعة من داخل الأقباط للمشاركة في بناء الدولة على أساس المواطنة، وليس الطائفة، يومئذ سيعود المواطنون الأقباط أحرارًا في قرارهم، منتمين روحيًّا لكنيستهم، ومنتمين سياسيًّا لرؤاهم وقناعاتهم، وهنالك ستبرز منهم قيادات شعبية محبوبة ومؤثرة تتقدم الصفوف بتلقائية، ولن نتعجب إذا رأينا انتماء أقباط لأحزاب المرجعية الإسلامية.

 

ثانيًا: احتشاد مثقفي الاستبداد

القاطرة الثقافية فاسدة حتى النخاع، بدءًا من الوزير "أبو غازي" ربيب "فاروق حسني"، وانتهاءً بقيادات المراكز الثقافية، مرورًا بالمجلس الأعلى للثقافة، ومكتبة الإسكندرية، وكتَّاب الصحف القومية ووووو.. إلخ، هؤلاء هم سدنة "مبارك" الحقيقيون، الذين لا تُعرف لهم ملة ثقافية، فهم علمانيون وقت الطلب، قوميون إذا أردت، بل إسلاميون حين الضرورة.. هم الذين أخضعوا الشعب لفرعونهم بالسحر والتخييل، وهم حماة المعبد حتى آخر دولار أو آخر قطرة بترول، هل يتصورون أنا نسينا لقاءهم "بمبارك" قبل الثورة بثلاثة أشهر؟! واحتفاءهم الكرنفالي باللقاء، كأنهم كانوا في حضرة الإمام الغائب، الذي لقنهم الحكمة؛ كي "يطفحوها" لشعبه، وهم الذين وزع عليهم- منذ أيام- وزيرهم خمسة ملايين جنيه من لحمنا الحي هي قيمة الجوائز الثقافية الرفيعة التي تمنحها الدولة لبناة مجدها الثقافي!!.

 

آن الأوان ليرفع الثوار هتاف "الشعب يريد إسقاط عصفور وحجازي وسيد ياسين وسلماوي وصلاح فضل وفوزي فهمي وصلاح عيسى وإقبال بركة وعمرو عبد السميع ومكرم محمد أحمد وعبد المنعم سعيد والقعيد والغيطاني والشوباشية وعادل حمودة وأنيس منصور وووووو.. قائمة طويلة لا تخفى على أحد، شوهوا الثقافة، وأفسدوا العلوم، ولا نراهم مختلفين إلا على مصالح شخصية.

 

حين تعلو قرارات الثوار بإحلال المثقفين الجادين- وهم كثر- مكان الفاسدين المزيفين.. يومها سنحس أثر الثورة، إن نقمتنا على "العادلي" كبيرة؛ لأنه قتل الثوار، أما هؤلاء فهم قتلة الضمائر، ومروجو اليأس، وصانعو الآلهة.

 

ليس لنا حاجة في مجالس ولا صحف ولا جوائز ولا مهرجانات ثقافية أو فنية، ما دام هؤلاء يقودون الكهف الثقافي.

 

لقد تلونوا فأصبحوا ثوريين، ولكن.. انتظروهم.. فقد بدءوا يديرون ظهورهم للثورة، ورجعوا بنا إلى ملاذهم المعهود، وهو "حديث العقل"!! الذي يتيح لهم انتقاد "التسرع"!! في تنفيذ المطالب؛ تمهيدًا لنزع العصمة من يد الثوار إلى أيديهم المدربة على التعامل مع الأزمات.. هذه كرات دمهم؛ لذا فاستمرارهم يجعل انتصارنا منقوصًا.

 

ثالثًا: أخلاقنا

أخرج الاستبداد منا أسوأ ما فينا، فرأينا الأنانية، والفهلوة، والرشوة، والفساد بكل أشكاله، وساهم المواطن بكلتا يديه في تكريسه، بنينا العشوائيات، وأسسنا مراكز الدروس الخصوصية، ودفنَّا أبناءنا في بحار الغربة هربًا من البطالة، واحتكمنا إلى القوة لا العدالة في خصوماتنا، وانحازت قوة العمل إلى الكسب السريع وهجرت الصناعة، ورفعنا "الصين" على الأعناق وسحقنا منتجنا الوطني.

 

وفي الفنون شجعنا "اللمبي" و"شعبان" و"الصغير" و"بعرور".. وهجر دعاتنا اللغة العربية والاستدلال بالقرآن والحديث الشريف واستمرءوا حديث المصاطب، ودغدغة المشاعر، والبكاء التليفزيوني!.

 

قد يكون التغير لمواجهة مصاعب الحياة.. لمواجهة الظلم.. للدفاع عن الحقوق المسلوبة.. لمغالبة القهر، وقد يكون لكل هذا جميعًا.

 

لا مبرر الآن لاستمرار هذا التناقض الذي نعيشه بين ما نعلمه من حقيقة ديننا، وبين ما نمارسه من أخلاق نأباها من غيرنا.

 

اختيار صعب جديد ينبغي أن نضع أنفسنا فيه:

هل سنستمر على أوضاعنا؟ أم سنتغير ونشيِّد دولة القانون ومجتمع العدالة ومدينة القيم؟ الثوار- وليس غيرهم- يستطيعون أن يسقطوا أصنامًا بنيناها بأيدينا.

 

سيحدث هذا حين يعطون للناس الأمل.. حين يرون منهم نموذج العطاء، وإنكار الذات، والنقاء، والتوافق، وإعلاء المبادئ على المصالح.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل