المحتوى الرئيسى

د.نادر فرجاني يكتب:عقاب الشعب على الثورة يمهِّد لثورة أخرى قادمة

07/04 17:19

عن قصد، أو من منطلق السذاجة السياسية والقصور الذاتي، ترعى السلطة الانتقالية، أي المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومته برئاسة د. عصام شرف، مخطط نظام حكم مبارك الساقط لعقاب شعب مصر العظيم على ثورته لإسقاط حكم الفساد والاستبداد، والذي وجِدت وثائقه في خرائب جهاز أمن الدولة المنحل لإشاعة الفوضى وتخريب البلد حال يتأكد قرب سقوط نظام الحكم التسلطي.

وأول المعالم الرئيسية لهذا المخطط هو أن السلطة الانتقالية تشهد إحراق المستضعفين بالغلاء الجنوني الملتهب، ودليل ذلك أن معدل التضخم الحقيقي في السلع الأساسية يتعدى في الوقت الحالي 15-25% في الأسبوع، أي ما يقابل60- 100% في الشهر، ويعنى لو استمر، أن تتضخم أسعار السلع الأساسية إلى أكثر من 7- 12 ضعفا في العام! ومن يدِّع خلاف ذلك، من قبيل أن معدل التضخم يعادل 10-20% في العام كما تقول الإحصاءات الرسمية، فليس إلا مخدوعا أو مضلِّلا.

إن معدل الغلاء هذا يعني تدهور القدرة الشرائية لأصحاب الدخول الثابتة ومن ثم، مستوى معيشة المستضعفين في مصر، إلى العُشر تقريبا خلال العام الواحد، ما يقضي على هؤلاء بالفاقة والشقاء إلى حد اليأس، فما بالك بمن وصلوا حد الفاقة فعلا الآن، ويعانون جحيم التشرد وذل السؤال، وأعدادهم تتكاثر بصورة انفجارية، مادامت السلطة الانتقالية لا تتيح شبكات أمان إنساني فعالة وتحفظ ماء وجه الفقراء؟ 

وعندما يحتج بعض من هؤلاء على شقائهم وتعاسة مصائرهم، تحولهم السلطة الانتقالية للقضاء العسكري ويسجنون، ولو مع إيقاف التنفيذ، ما يعني الإبقاء على العقوبة في صحائف حالتهم الجنائية. وتتعسف السلطة مع المتظاهرين والمعتصمين، بدعوى تعطيل الإنتاج ومكافحة "الإرهاب"، بينما السلطة نفسها تدلل أنذال النظام الساقط وتحميهم من القصاص الناجز. فأي عدالة اجتماعية وأي عدل؟!

حدث هذا فعلا مع عمال بتروجت، ثم تبعهم عمال قناة السويس. ويقع هذا الظلم السافر في ظل قانون أصدرته السلطة لتجريم حق التظاهر والاعتصام، المشروعين. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الأصل في ضمان حق التظاهر والاعتصام من خلال تعطيل العمل، هو تأمين حق التظاهر والاعتصام للفت الأنظار إلى مظالم العمال، في غياب آليات بديلة وفعالة للتعبير عن هذه المظالم. فلم تنشئ السلطة مثل هذا الآليات وسارعت مع ذلك إلى التجريم والتشدد في العقاب.

ويتصل بهذا المنحى نفسه أن قرار المجلس، المحمود قطعا، بعدم اعتماد الحكومة على الاقتراض من الخارج، ترجمته الحكومة إلى نقل العبء إلى زيادة أرزاء المستضعفين بالحد من تحسين مخصصات الخدمات العامة في التعليم والصحة والمسكن، والمعاشات.

ولا ينفصل عن إهمال مطلب العدل رفض الحكومة وضع حد أدني للأجور يضمن الحياة الكريمة، خاصة مع جموح الأسعار الذي تبدو غير منتبهة له، ناهيك عن أن تفعل شيئا لكبحه. ويصب في المجرى نفسه رفض الحكومة وضع حد أعلى للأجور، بما يمكن أن يسهم في تمويل شبكات الأمن الإنساني التي تقوم عليها السلطة.

وثاني المعالم الرئيسة لهذا المخطط الآثم لعقاب الشعب هو استمرار خطة عمل "أمن الدولة" الشريرة التي بدأ تنفيذها يوم 28 يناير بإصدار التعليمات السيادية بانسحاب الشرطة وما تبعه من إطلاق جحافل البلطجية التابعين لها للتخريب ولتعيث فسادا في البلاد، كما كانت تقضي الخطة الدنيئة. ولا مناص هنا من التذكير بأن إطلاق ظاهرة البلطجة على المجتمع المصري، في مواجهة الاحتجاج الشعبي ولضمان تزوير الانتخابات، كان من إفرازات الفكر الجديد، الإجرامي الفاسد، الذي تزامن مع صعود ولي عهد المخلوع وبطانته لقمة هرم الحزب اللاوطني المنحل، وقام جهاز "أمن الدولة" المنحل بدور فاعل في تأسيسه وتوظيفه، وكنا نتمنى لو أن هذه الوظيفة المشينة لم تنتقل لجهاز الأمن الوطني الجديد بوزارة الداخلية التي تأكد فشلها تحت وزيرها الحالي، ولكن هذه صارت أحد أبعاد خيبة الأمل الكبرى في السلطة الانتقالية.

وقد دأبت السلطة الانتقالية على الرغم من تشددها العنيف مع المستضعفين من الشعب على التسامح مع جهاز الشرطة الذي يرفض أن يحفظ أمن المواطنين، ولا يخرج عن بكرة أبيه إلا لترويع المتظاهرين المسالمين بأساليب القمع البربرية، بالضبط كما كان يحدث في ظل الطاغية المخلوع ونظامه. كما تقاعست السلطة عن تطهير مصر من فلول حزب الحاكم المخلوع سامحة باستمرار منابع البلطجة ومصادر تمويلها حتى عادت بوجهها الكريه في نهايات شهر يونية معيدة جرائمها التي ارتكبتها في نهايات يناير الماضي، بينما الشرطة وقوات الجيش غائبة عن فريضة حفظ أمن المواطنين، وكأن أمن الشرطة والجيش أهم من أمن المواطنين.

إن انهيار أمن المواطنين واستشراء الظلم واستعار الاستقطاب الاجتماعي الحاد تحت نظام الحكم التسلطي الساقط كانت من دواعي قيام ثورة شعب مصر الفل في يناير 2011. و في غياب آليات لمساءلة سلطة المجلس العسكري القائمة، مطلقة اليد في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفق الإعلان الدستوري للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، والذي يحصن السلطة الانتقالية من أي مساءلة، لا يبقى أمام الشعب، خاصة فئاته المضارة من قرارات السلطة الانتقالية إلا التمرد عبر أشكال من الفعل الثوري قد لا تتسم بسلمية ونقاء ثورة الفل في مطلع العام الحالي.

ولن يكون من ملوم وقتها إلا السلطة الانتقالية!

فهل تنتبه تلك السلطة، قبل فوات الأوان؟

وقبل أن يحكم عليها التاريخ بإفساد مسار واحدة من أنبل الثورات في التاريخ؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل