المحتوى الرئيسى

لماذا طال أمد الحرب في ليبيا؟ بقلم:ياسين السعدي

07/04 16:29

هدير الضمير

لماذا طال أمد الحرب في ليبيا؟

ياسين السعدي

من البديهي أن الحروب تطول وتستغرق وقتاً عندما يكون الطرفان مستعديْن لها ومتقاربيْن في القوة العسكرية والتجهيزات الحربية وعمق الميدان الذي تدور فيه رحى الحرب ومقدرة الطرفين على تحمل الخسائر البشرية والمادية بسب طول مدة الحرب.

ولذلك فإن كل الحروب التي نشبت بين العرب وإسرائيل، اتسمت بقصر المدة الزمنية مع استعمال القوة المتفوقة واستخدام الأسلحة المتطورة التي تحسم المعركة، وأولها الطائرات التي تمهد بضرب الأهداف الأرضية لتقدم القوات البرية واحتلال المواقع والقضاء على المقاومة.

هكذا حدث في الحرب التي شنتها إسرائيل على كل الجبهات في العام 1967م، وخصوصاً الجبهة المصرية؛ حيث تم تدمير الطائرات المصرية في مرابضها، وحرمان المقاتلين من الغطاء الجوي الذي يعيق عملية الاقتحام والاستيلاء على المواقع بسهولة وأقل الخسائر في حال تدمير الدفاعات الجوية.

هذه من البديهيات التي خبرناها وتعلمناها من خلال معايشتنا لكل المراحل، ولا تحتاج إلى (خبراء استراتيجيين) ومحللين عسكريين؛ لأنها من المفاهيم العسكرية التي يدركها كل مدني؛ مهما كان حظه محدوداً من الثقافة العسكرية.

لقد أطلق على حرب حزيران سنة 1967م (حرب الأيام الستة) وهي في الحقيقة (حرب الساعات الستة)، لأن الحرب تقرر مصيرها منذ تدمير الطائرات في مرابضها في الجبهة الجنوبية وتحييدها في الجبهة الشمالية والشرقية بسبب عدم التكافؤ بين الطيران الحربي الإسرائيلي والطيران العربي، مما جعل مهمة الجيش الإسرائيلي بعد ذلك هي القيام بالاستيلاء على المواقع المستهدفة، من سقوط الضفة الغربية بكاملها، واحتلال سيناء كلها، والوصول إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، والتمركز في أعالي الجولان على بعد مرمى المدفعية من دمشق.

في حرب 1982م اختلف الوضع

لأن المقاومة في بيروت كانت تملك القوة التي أوقفت تقدم الجيش الإسرائيلي الذي واصل الزحف حتى حاصر بيروت، ولكنه لم يستطع اقتحامها بسبب صلابة المقاومة وشراسة الدفاع عن بيروت من قبل المقاومة الفلسطينية، مما أطال أمد الحرب لما قارب ثلاثة أشهر، بالرغم مما قام به الطيران الإسرائيلي من تدمير كبير للبنيان، ولكنه لم يستطع تدمير المقاومة.

وفي الحرب العالمية الأولى استمرت الحرب أربع سنوات تم فيها تحطيم إمبراطوريتين، هما تركيا والنمسا وهزيمة ألمانيا. أما في الحرب العالمية الثانية فقد طال أمد الحرب لأن الطرفين كانا يملكان من ترسانة الأسلحة ما جعل كل طرف يراهن على كسب الحرب، ولم تحسم إلا باستعمال السلاح النووي في اليابان الذي حسم الحرب ووضع حداً لها بعد أن استمرت خمس سنوات، حدثت فيها خسائر هائلة من مادية وبشرية بلغت خمسين مليونا من البشر حصدت أرواحهم تلك الحرب المجنونة.

لماذا طال أمد الحرب في ليبيا؟

قلنا سلفاً أننا لسنا (خبراء استراتيجيين)، ولا (محللين عسكريين)، وإنما نقيس الأمور بمثيلاتها ونقارن الأحداث بأشباهها. ففي أفغانستان تم تحطيم القوة العسكرية لطالبان أولاً بالقصف الجوي والصاروخي الذي دمر معاقل طالبان ثم الاحتلال الأرضي. ولم تستغرق الحرب إلا وقتا قصيراً إذا أخذنا مساحة أفغانستان بالحساب والتفاوت الكبير بين الطرفين من حيث القوة العسكرية والسلاح الذي استخدم في الحرب.

وحدث في العراق نفس الأسلوب، وكانت النتيجة مشابهة لما جرى في أفغانستان، بالرغم من تهويل وسائل الإعلام الغربية عن قوة الجيش العراقي وإمكانياته العسكرية التي تظل محدودة مهما كانت، بالقياس على إمكانيات الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها.

لم تستغرق الحرب في العراق أكثر من ثلاثة أسابيع؛ هي في الحقيقة الوقت اللازم لتطهير المواقع العراقية التي كانت قد سقطت بفعل التدمير الرهيب الذي أحدثه الطيران، بالإضافة إلى الصواريخ التي كانت تصبها حاملات الطائرات في عرض البحر.

في ليبيا كان الوضع متأزما في بداية الثورة بسبب تفوق قوات القذافي في الجو، وما كانت تقوم به من قصف كاد يجهض الانتفاضة الشعبية التي استطاعت السيطرة على بنغازي ومحيطها في الشرق. وعندما اشتدت وطأة الحرب وزادت حدة القصف الجوي الليبي للمدنيين، تم الحظر الجوي فوق ليبيا بقرار من مجلس الأمن، وتم استخدام الطائرات لقصف القوات الليبية المتقدمة باتجاه بنغازي للقضاء على (الجرذان) وسحق (المهلوسين)، كما وصف العقيد ثوار ليبيا.

وحدث الشيء نفسه في الغرب الليبي عندما تم استخدام الطائرات الحربية والطائرات بدون طيار، ثم المروحيات بعد ذلك في قصف كتائب القذافي، مما عدَّل من موقف الثوار وتراجع قوات القذافي وتحرير المزيد من المدن والبلدات الليبية من قبضة قوات القذافي.

لكن الذي يحتاج إلى تساؤل كبير هو لماذا لم تحسم المعركة جواً لكي يتقدم الثوار والوحدات التي انضمت إليهم لاحتلال مواقع القذافي التي يسيطر عليها، بما فيها العاصمة طرابلس؟

نعتقد أن ذلك يخضع لحسابات تكتيكية ليس لها علاقة بميزان القوة أو القدرة على حسم العركة. فلو أرادت قوات الناتو إنهاء الحرب لتم لها ذلك بفترة محدودة وانتهت معاناة الشعب الليبي. فقوات العقيد، مهما كان لديها من الأسلحة، لا يمكن أن تقف أمام لهيب القذائف التي تصبها طائرات الناتو التي تملأ سماء ليبيا.

القوى المتحالفة في ليبيا من الناتو والولايات المتحدة تطيل الحرب لكي يتم تدمير كل ما قام بتخزينه القذافي من السلاح، وفي النهاية سوف يتم تعويضه من قبل النظام الذي يأتي بعده مهما طال الزمن، وبذلك تتواصل عجلة الإنتاج في الدول المشاركة لكي تزود ليبيا بالسلاح من جديد، وتكون هذه الدول قد ربحت الحرب مرتين.

اعترض التحالف، وخصوصاً روسيا، على قرار فرنسا الأخير قبل أيام بتزويد الثوار بالسلاح، زعماً أن ذلك خروج على قرار مجلس الأمن، بينما تبرر فرنسا ذلك بأنها تزود الثوار بالسلاح لكي لا يطول أمد الحرب، بينما في اعتقادنا أن التنافس بين دول التحالف على سوق السلاح الليبي، والتسابق للاستحواذ على حصة مضمونة من السوق في إعادة الإعمار، تحسبا من استئثار الولايات المتحدة وبريطانيا بنصيب الأسد، كما حصل في العراق في برنامج إعادة إعمار العراق.

إطالة أمد الحرب يحتاج إلى مستلزمات طبية وغذائية وتجهيزات عسكرية وكلها مستوردة من الدول المشاركة، بالإضافة إلى السلاح الذي يلزم لمواصلة الحرب كما ذكرنا. وفي هذا منفعة ومردود مادي كبير، وخصوصاً السيطرة على مصادر النفط التي بأيدي الثوار وتحت سيطرتهم.

في أمثالنا الشعبية مثل نعرفه جيداً، نحن الفلاحين، يقول: (كل ما طالت تَلُمُّ غمور)، والغمور واحدها (غِمْر) وهو ما يملأ حضن الإنسان من عيدان القمح عند حصاده، وقبل تخليص الحب منها.

كلما طال أمد الحرب في ليبيا زادت عائداتها المادية، برغم الادعاء بأنها ل (حماية المدنيين)، لأن كل طلعة جوية هناك تحسب تكاليفها قبل أن تدرج الطائرة على أرض المطار، ويتم رصد المستحقات أو الالتزام بها قبل أن تقلع الطائرات. ولهذا تطول الحرب، ليس بسبب البطولات التي يقوم بها (المرتزقة)؛ لأنهم يحاربون من أجل المال، وليس من أجل الوطن، أو فداء للقائد أو تضحية في سبيل مبدأ. إنها (كلما طالت تَلُمُّ غمور).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل