المحتوى الرئيسى

تفاءل

07/04 14:28

أيمن الجندي

عشتُ معظم أيامى تعيساً، والسبب أننى كنت أحمق! كنت عاجزا عن تذوق السعادة ويدى مملوءة بالرحيق العذب. كان الكون بديعاً من حولى وكنتُ أغمض عينى عن جماله الفاتن. كانت الأرض فسيحة من حولى وكنت أنحشر فى بقعة ضيقة.

وكانت الأبواب كلها مفتوحة، لكنى تجاهلتها كلها، وشرعت أبكى وأنا أطرق الباب المغلق، وحين يتدفق الصباح بضوئه الرقيق المبهج، كنتُ أهرع إلى غرفتى وأُغْلق الشبابيك بشدة، ومهما تراقص النهار جذلان فرحاً لم يكن شىء ليجعلنى أبتسم!

منحصرا داخل ذاتى، منكفئا على تعاستى ومخاوفى، التى تبين لى بعد فوات الأوان، أنها كانت بلا أساس، وأننى أهدرتُ - بلا مبرر - أوقاتى السعيدة.

تفاءل فالقدر يُخبّئ لك الفرح، كما تُخبئ الصدفة اللؤلؤة النادرة. كل ما عليك هو أن تؤمن بحظك، وتغوص فى أعماق البحار، باحثا عن نصيبك من السعادة.

تفاءل فالسماء غير المتناهية تنفسح زرقاء هادئة فوق رأسك. تقول لك إن فوقك مظلّة، والعناية الإلهية تحوطك، والنجوم البعيدة أقرب مما تتخيل. كل ما عليك أن تفتح قلبك للعناية، تتدفق النجوم فى روحك، تُشعل قلبك، تُضىء باطنك.

تفاءل فالله يحبك، ومالك الكون الحقيقى يُدللك. أترى إلى أى حد تُحبك أمك لأنها ولدتك! فتخيّل كيف يحبك خالقك!

تفاءل يتفتح قلبك للحياة كأكمام الأزهار، إذا أشرقت الشمس شرعت ترقص فرحةً فوق العشب. وحين يقبل موسم الأمطار، شرعت تتلو صلاتها.

تفاءل فإن الملاك المُوكّل بالأرزاق يدرج على العشب كل صباح، يلتقط اللآلئ البراقة بالفرح، التى صنعها ندى الفجر، ثم يطوف على كل الأبواب، يحب البيوت المُفعمة بالرضا. وحين يسمع صلاة الشكر تُتلى من خلف الأبواب المغلقة، بأصوات مسموعة، فإنه يُخرج من جرابه السحرى جوهرة الحظ المتلألئة، يعطيها للقلب المُنْشرح كمكافأة إضافية.

تفاءل فإن لك قلبا سحريا، يقدر على فعل العجائب. إذا امتلأ بالرضا أصبح الكوخ قصرا، وإذا امتلأ بالعَتَب أصبح القصر قبرا.

تفاءل لأنك حىّ! والحياة أعظم النعم، وهذا الكون البديع مخلوقٌ خصيصا من أجلك. آه أيها الأحمق. لديك شمس تشرق كل صباح، وتمتلئ يداك بالنجوم والألوان، ثم تزعم أنك فقير!

تفاءل ولا تحمل همّ شىء، فقد تبين بكثرة التجارب أن الحياة مهما ضاقت تجد مخرجاً. تفاءل فإن الناس يحبون المتفائل. وحين يمسك المتفائل قيثارته، ويداعب أوتار القلوب تستجيب له طيّعة راضية، لأنه ينقل إليهم ذبذبات السعادة، فيسبحون فى أثير من نغم.

تفاءل. فأنت الأحمق الوحيد الذى يحمل همّ الرزق. وبينما تصرخ الهموم بصوت عال داخل رأسك، تنشد العصافير أغانيها السعيدة! وفيما يَنْقُض الحزن قلبك، تبنى العصافير أعشاشها! وبينما أنت مهموم برزق غدك، لا تدّخر العصافير أقواتها، وبرغم ذلك تنام فوق الغصون مطمئنة!

تفاءل فإنى وجدتُ الحزن لا يدوم. تفاءل فخلف الغيوم نجوم. تفاءل فتحت الثلوج مروج. تفاءل فبعد الحياة حياة. تفاءل ففوق السماء إله.

الكون نفسه متفائل! فلماذا.. لماذا لا نتفاءل؟!

نقلا عن (المصري اليوم)

Comments

عاجل